بعدالحملات المطالبة بإلغاء معاشات البرلمانيين و الوزراء التي عرفتها الساحةالسياسية سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو من طرف بعض الجمعيات’ خرجبعض نواب الأمة بتصريحات للصحافة ترفض المس بمعاشاتهم وتعتبر هذا النقاشوهذه الحملات مجانبة للصواب باعتبار أن الأموال التي ستصرف لهم مع انتهاءولايتهم ليست من الميزانية العامة للدولة وإنما تأمينا حسب البعض ومعاشاحسب آخرين(1) سيتقاضونه ابتداء من نهاية ولايتهم من صندوق التقاعد الذييساهمون فيه شهريا . هذا الاختلاف و الغموض في تعريف هذه المبالغ حتى عندبعض البرلمانيين و المستشارين أنفسهم ناتج عن صعوبة إن لم نقل استحالةالحصول على النصوص القانونية المنظمة لهذه المسألة وخصوصا القانون رقم 24 92 المتعلق بإحداث نظام معاشات البرلمانيين. قبل مناقشة هذا الموضوع , لابد من توضيح بعض المفاهيم و الأسس : -التأمينكما هومعروف عقد يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمَّن له, أو إلىالمستفيد الذي اشتُرط التأمين لصالحه مبلغاً من المال, أو إيراد عمري أو أيتعويض مالي آخر في حالة وقوع الحادث, أو تحقق الخطر المبيَّن بالعقد . إذنالتأمين مرتبط بشرط احتمال وقوع حادث أوخطر أو ضرر وهو ما لا يتوفر فيحالة البرلمانيين . - التقاعد مرتبط بسن وهي السن القانونية للتوقف عن مزاولة العمل وبداية الحصول على معاش , وهو محدد بالمغرب في 60 سنة بموجبالقانون رقم 12.71 بتاريخ 12 ذي القعدة 1391 (30 دجنبر1971مع استثناءات بعض الوظائف (مثل الأساتذة الجامعيين ) . كما أن هناك صناديق تقاعد خاصة ببعض المؤسسات حددت بعضها سن الإحالة علىالتقاعد في أقل من 60 سنة لطبيعة العمل (المكتب الشريف للفوسفاط قبلانتقاله إلى النظام الجماعي مثلا) . في باقي دول العالميتراوح بين 60 و 67 , وغالبا ما يكون تمديده من الآليات التي تعتمد في إصلاح منظومات التقاعد - تقوم أغلب أنظمة التقاعد في تدبيرها على مبدإ التوزيع , ويعني جمعالمساهمات من النشيطين أي الأشخاص الذين يشتغلون بهدف توزيعها علىالمتقاعدين (يقال تضامن الأجيال أي الشباب يؤدي معاشات الشيوخ ) , ولضمانالتوازنات المالية , يجب أن يكون عدد النشيطين أكبر بكثير من عددالمتقاعدين (المؤشر الديمغرافي ) . في المغرب مثلا , من بين أسباب الأزمةالمالية التي يجتازها الصندوق المغربي للتقاعد حاليا نجد انخفاض هذا المؤشرحيث انتقل من 12 نشيط لمتقاعد واحد سنة 1986 إلى 6 سنة 2003 ثم إلى 3 فيسنة 2012 حسب تقرير مجلس الحسابات , أما في الصندوق الوطني للضمانالاجتماعي, فيبقى هذا المؤشر مرتفعا ( 9,6 ) . انخفاض هذا المؤشر يعنيانخفاض المداخيل (المساهمات )في الوقت الذي تستمر فيه المصاريف (المعاشات ) في الارتفاع موازاة مع عدد المحالين على التقاعد . فماذا عن تقاعد البرلمانيين ؟ أحدثهذا التقاعد بمقتضى القانون رقم 24 92 المتعلق بإحداث نظام المعاشاتلفائدة أعضاء مجلس النواب، و الذي تم تطبيق أحكامه على أعضاء مجلسالمستشارين بموجب القانون رقم 99- 53 وقدحدد هذا القانون مبلغ المساهمة في 2400 درهم و تم رفعها إلى 2900 في قانون 35.04 , تقتطع من تعويضات كل شهر لتحول مع مساهمة الدولة (أحد المجلسين ) بنفس المبلغ إلى الصندوق الوطني للتقاعد و التأمين , وهو مؤسسة عموميةتسير من طرف صندوق الإيداع و التدبير و خاضعة لمراقبة وزارة المالية . كما حدد هذا القانون مبلغ المعاشات العمرية للبرلمانيين في 1000.00 درهمعن كل سنة تشريعية على ألا يتجاوز 30.000 (ثلاثون ألف )درهم كما حدد هذاالقانون معاش البرلماني الذي أعيد انتخابه مرتين في 7000 درهم و 9000 درهمإذا انتخب للمرة الثالثة , ويصرف ابتداء من نهاية الولاية . السؤالالذي يفرض نفسه هو : هل يمكن لصندوق يشتغل وفق هذه القواعد أن يحافظ علىتوازناته المالية دون دعم من الدولة أومن مؤسسات أخرى ؟ إنعدم تحديد سن لبداية الاستفادة من المعاشات وجعلها مباشرة بعد نهايةالولاية التشريعية بغض النظر عن سن البرلماني هي ربما سابقة في تاريخصناديق التقاعد على الصعيد العالمي , ونتيجة لذلك سيصرف هذا الصندوق معاشاتلمتقاعدين لا يتجاوزون سن الأربعين (لائحة الشباب زيادة على برلمانيينفازوا في اللوائح المحلية في الولاية الأخيرة) , كما سيجعل عدد المستفيدينيتضاعف نهاية كل ولاية في حين يبقى عدد المساهمين ثابثا , و لتوضيح هذهالمسألة , نقدم هذا الجدول مع وضع الفرضيات التالية بهدف التبسيط : -دخول هذا القانون حيز التنفيذ ابتداء من الولاية 2002-2007 -عدم وجود مستفيدين قبل هذه الولاية -كل البرلمانيين ينتخبون لأول مرة
من خلال هذا الجدول ،نلاحظ أنه ابتداءمن الولاية الثالثة على تطبيق القانون , سيبدأ الصندوق في تسجيل العجزالذي سيزداد تفاقما من ولاية إلى أخرى بعد خروج متقاعدين جدد (أي برلمانيونلم يعد انتخابهم ) . و إذا كان الصندوق المغربي للتقاعد يعاني نتيجةانخفاض المؤشر الديمغرافي إلى 3 نشيطين لمتقاعد واحد , فكيف ستكون أزمةالصندوق الوطني للتأمين و التقاعد (الذي يسهر على تدبير تقاعد البرلمانيين)بنشيط واحد لمتقاعدين اثنين مع الولاية الثالثة ثم لثلاثة تقريبا معالولاية الرابعة وقد يصل إلى نشيط لستة متقاعدين لانخفاض معدل سن البرلمانيين و ارتفاع معدل أمل الحياة إلى 75 سنة حسب المندوبية الساميةللتخطيط . إن عدم تحديد سن تقاعد للبرلمانيين يدفع هذا الصندوق إلى صرفمعاشات لمدد طويلة قد تفوق أربعين سنة لأشخاص لم يساهموا إلا 60 شهرا بمبلغ2900درهم أي بمجموع 174000 درهم , وهو المبلغ الذي يستردونه بعد أقل منالثلاث سنوات التي تلي مغادرتهم قبة البرلمان أي بعد 35 شهر بمعاش 5000درهم شهريا . هذا المعاش (5000 درهم ) هو المبلغ الذي يتقاضاه مهندس دولةمتقاعد في الجماعات المحلية أو بعض المؤسسات العمومية الخاضعة للنظامالجماعي لمنح الرواتب بعد أكثر من 30 سنة عمل. نفس طريقة الاحتساب يمكن اعتمادها بخصوص المستشارين مع الأخذ بعين الاعتبار أن عددهم سيتقلص إلى 120 في الولاية المقبلة. استناداإلى هذه المعطيات , يمكن القول إنه من الصعب إن لم نقل من المستحيل على الصندوق الوطني للتقاعد و التأمين – التابع لصندوق الإيداع و التدبير أحدالمساهمين في موارد الميزانية العامة للدولة – أن يستمر في تسيير تقاعد البرلمانيين دون الاعتماد على دعم الدولة إما مباشرة عن طريق وزير الماليةالذي عهد إليه بمعالجة الاختلالات المالية المحتملة لهذه المؤسسة (ص و ت أ)بموجب قانون 12-85 , أوعبر سد العجز و تعويض الخسارة المسجلة على هذا المستوى في الأرباح المحققة في أنشطة أخرى كالـتأمينات (حوادث الشغل,حوادث السير …) التي أصبح يشرف على تسييرها كلها طبقا لنفس القانون بعدماكانت تدبر من طرف عدة صناديق.