التسجيل مفتوح والرزق على الله
المساء
المساء : 05 - 06 - 2012
عندما سلمني شاب قمحي البشرة، في مفترق الطرق، ورقة دعائية تروج لإحدى المدارس الخصوصية بالدار البيضاء، استحضرت نضال طلبة وطالبات المدرسة العليا للفنون ومهن الهندسة بالرباط، الذين امتهنوا حرفة الاعتصام بعدما اكتشفوا أنهم ضحايا نصب واحتيال من طرف مؤسسة لا تحمل شواهدها اعتراف الوزارة الوصية، وتذكرت لائحة المؤسسات التعليمية الخصوصية، العليا والسفلى،
المعتمدة التي نشرها لحسن الداودي في محاولة لتبرئة ذمة وزارة التعليم العالي من النصب على الآباء وجرهم نحو المجهول.
لا علم للفتى الذي يوزع المنشور الدعائي باختصاصات المؤسسة، لأن دوره هو توزيع كمية من الأوراق في الشارع العام مقابل مبلغ مالي، ولا علم لشرطي المرور بالمطبوع ومضامينه، بينما يرفض كثير من السائقين مجرد تسلم البطاقة الدعائية فيعتذرون بلطف تارة وبغلظة تارة أخرى.
يخشى الكثير من الآباء من ألوان الأوراق الدعائية، ومن جاذبية الوعود التي تجعل المرء يعتقد أن مجرد التسجيل في المؤسسة الخصوصية سيعفي من الانضمام إلى جيش حملة الشواهد، علما بأن طلبة المدرسة العليا للفنون ومهن الهندسة، لازالوا ينتظرون موافقة وزير الإسكان أو أحد مساعديه على قبول الإنصات لمعاناتهم، لأن وزارة الإسكان وصية، بحكم القانون والاختصاص، على الهندسة المعمارية.
كيف سيقبل الناس على التعليم الخصوصي في غياب حماية من الدولة؟ وكيف سيقرؤون بتمعن المنشورات الدعائية مادام ضحايا النصب والاحتيال في تزايد، ومادامت كثير من المؤسسات قد أصبحت مختصة في إنتاج الاحتجاج بدل تفريخ سواعد وبناة لهذا الوطن؟
المصيبة تكون أكبر حين يتعلق الأمر بمؤسسات تعليمية بعيدة عن العاصمة، لأن البعيد عن العين بعيد عن المحاسبة، فكثير من المدارس الخصوصية تفتح أبوابها دون حاجة إلى ترخيص، كما حصل لطلبة مؤسسة روبير شومان (الفرنسية) بطنجة، التي عاشت في فترات سابقة على إيقاع الاحتجاج، قبل أن تتدارك الأمر وتوقع شراكة مع شركة فرنسية أنهت كابوس الأسر المكلومة إلى أجل غير مسمى؛ وانتفض الآباء والطلبة في وجدة ضد مدرسة مختصة في تقويم الأسنان بعد أن تبين أنها بدون ترخيص، والحصيلة كسر طاقم أسنان متزعم الحركة الاحتجاجية الذي تطوع زملاؤه لإصلاح ما أفسده المدير؛ نفس الوضع عاشته مدرسة لتكوين الممرضات قبل أن تنتفض ملائكة الرحمة ضد شياطين أعماهم الجشع.
أمام هذا الوضع، قدم لحسن الداودي لائحة بأسماء المؤسسات التعليمية الخاصة المعترف بها، وحرر محمد الوفا بلاغا نبه فيه إلى خطورة نشر إعلانات ومنشورات إشهارية تتضمن مغالطات حول طبيعة الشهادات مع إلزامية إرفاق الإعلانات برقم وتاريخ الرخصة، حتى لا تتحول مدرستي الحلوة إلى مدرسة بطعم العلقم، ويتحول الوقوف للمعلم من التبجيل إلى «التبهديل».
لكن ليست المؤسسات التعليمية الخصوصية هي الفضاء الوحيد للنصب والاحتيال، فالعديد من وكالات الأسفار غير المعتمدة من طرف وزارة السياحة تتاجر في شعائر المسلمين خلال موسم العمرة والحج، وتجعل الحجاج يطوفون حولها عشر مرات في اليوم ويرجمونها بالحجارة، ويقاضونها إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
من المصحات الخصوصية من تنتج الجشع وتتاجر بآلام المرضى، ولازال الرأي العام يذكر حكاية المجدوبي القاضي الذي لفظ أنفاسه في مصحة لأمراض القلب من شدة الانتظار، بعد أن خيرته الإدارة بين دفع مبلغ 40 ألف درهم أو الانصراف، وظل يستمع إلى خطبة ممرض يقول لأهله بنبرة طارق بن زياد، الجراح أمامكم والباب وراءكم فليس لديكم إلا الأداء أو الموت.