خصاص فظيع في الموارد البشرية: 900 شخص بلغوا سن التقاعد, ومثلهم حصلوا على التقاعد النسبي بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالدار البيضاء
محمد تامر نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 07 - 2014
انتهى الموسم الدراسي الحالي 2014/2013، وأسدل الستار على سنة من التحصيل، كانت نتائجها لا ترقى إلى المستوى المطلوب, نتيجة عدة عوامل وإكراهات لم تأخذ بعين الاعتبار، لأنها أضحت تلازم المواسم الدراسية سنة بعد سنة ولعقود خلت. وبعد أسابيع معدودة، ستنطلق عمليات التسجيل لموسم دراسي جديد 2015/2014، لكن بوادر استمرار نفس الحالة، إن لم نقل أكثر تأزماً، بادية للعيان من اليوم.
فأهم أسس النجاح في أي قطاع ترتكز على الموارد البشرية. فكيف ما كانت البرامج ومهما بلغت حدة المناهج والمواثيق والمخططات، سواء كانت عادية أم استعجالية، فإنها لن تجدي شيئاً في غياب موارد بشرية كافية، لأن معظلة تعليمنا اليوم هو النقص الفظيع في نساء ورجال التعليم، خاصة وبشكل مقلق بالمستوى الثانوي الاعدادي والتأهيلي. وكمثال على خطورة هذا الوضع، والذي سيؤثر لامحالة على انطلاق الموسم الدراسي المقبل، ما ستعرفه الأكاديمية الجهوية لجهة الدارالبيضاء الكبرى للتربية والتكوين من خصاص فظيع لهيئة التدريس، انطلاقاً من المعطيات التالية: أكثر من 900 أستاذة وأستاذ وصلوا سن التقاعد، نفس العدد أو يكاد يقربه، تقدم بطلبات الاستفادة من التقاعد النسبي، ولهم الحق في الحصول عليه، لأنهم استوفوا سنوات العمل المطلوبة قانونياً وهي 30 سنة. ما يعادل هذا الرقم وضعوا طلبات الحصول على التقاعد النسبي، مصحوبة بملفات طبية معززة بشواهد طبية. هذا دون أن نستثني الأموات والأمراض المزمنة. وإذا ما جمعنا فقط عدد المتقاعدين ثم عدد الحاصلين على التقاعد النسبي الذين استوفوا الشروط المطلوبة، فإن الخصاص سيكون فظيعاً، علما أن هناك ما يقارب 400 أستاذة وأستاذ قد التحقوا بالأكاديمية الجهوية لجهة الدارالبيضاء عن طريق الحركة الوطنية ومازالت نفس الأكاديمية تنتظر حصتها من المتخرجين الجدد. لكن لن يغطي ذلك الخصاص الكبير. وحتى الطرق التي سلكت للحد من هذا النقص، فإنها تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على المنظومة التعليمية. وبالتالي تكون النتائج دون ما تنتظره الأسر. فأكثر من خُمس المتمدرسين بالمغرب يوجد بأكاديمية جهة الدارالبيضاء الكبرى، التي تتوفر على 11 نيابة للتعليم: إثنتان منها تجمع بين ما هو حضري وما هو قروي، وهما نيابتا إقليم النواصر ومديونة. وعملية إعادة الانتشار التي تسلكها الأكاديمية الجهوية بالدارالبيضاء هي فقط تحد إلى حد ما من هذا النقص، لكنها تخلق أجواء غير صافية، لأن العديد من الأساتذة الذين تشملهم هذه العملية يقبلونها على مضض. وهناك من يرفض الالتحاق، وهناك من يسلك طرقا أخرى كتقديم شواهد طبية والتأخير في الالتحاق والغيابات المتكررة وكلها تؤثر على السير العادي لعملية التعلم والتمدرس. حتى انتقاء الأساتذة المجازين في بعض المجالات الذين يدرسون بالمستوى الابتدائي تخلق بعض المشاكل, خصوصاً بعض نساء التعليم لعدم توفرهن على تجربة في تدريس الكبار. فهن أيضاً مجبرات للقيام بما طُلب منهن وهذا أيضاً يؤثر على المردودية العامة لعملية التحصيل الدراسي.
أما الطامة الكبرى فهي حين تلجأ مصالح الأكاديمية إلى سلك طرق وهي مجبرة على ذلك، في غياب موارد بشرية، كعملية ضم الأقسام، مما يخلق اكتظاظاً كبيراً في العديد من أقسام المستويات الدراسية بالإعدادي والثانوي التأهيلي. أيضاً في حذف بعض المواد من بعض المستويات كالفلسفة والترجمة وحذف التفويج من الجذوع المشتركة أو إلى نقص بعض الساعات من المواد التي تعاني من خصاص في المدرسين، كمادة الفرنسية بالإعدادي. فحين نقلص لبعض المؤسسات من الحصص المخصصة لهم في مادة مثل الفرنسية والجميع يعرف ضعف فئة كبيرة من التلاميذ في اللغات وصلت حتى الطلبة في المعاهد والكليات. ومع ذلك، تلجأ المصالح المختصة إلى هذه الوسائل لضمان انطلاق الموسم الدراسي، مع التأكيد على أنها مجبرة على القيام بذلك، لأن الحكومة أغلقت باب المعاهد الخاصة بالتكوين وأقفلت مناصب الشغل حتى في القطاعات الحيوية مثل قطاع التعليم. عدة أسئلة تطرح اليوم عن سبب ارتفاع عدد الأساتذة الراغبين في الحصول على التقاعد النسبي، بل أكد العديد من الأساتذة أنه إذا ما فتح مرة أخرى المجال لطلب المغادرة الطوعية، فإن عدد الطالبين الحصول عليها سيفاجىء الجميع. ومن الأسئلة المطروحة أيضاً: من المستفيد من هذا الوضع؟ الإجابة غير بعيدة ولا يتطلب الوصول إليها مجهوداً. فقط هي المؤسسات التعليمية الخصوصية أو بعبارة أوضح، التعليم الخصوصي. فكل حاصل على تقاعد نسبي بدون تردد، فإن وجهته هي المدرسة الخصوصية. هذا إن لم نقل أنه رسم استراتيجية مسبقة لهذا الغرض.
كيف يمكن لنا أن نصدق كل ما يقال حول جودة البرامج والمناهج. والمنظومة بنفسها في غياب سياسة واضحة للقضاء على الخصاص الفظيع في هيئة التدريس؟ كيف يمكن لنا أن نستمر في مغامراتنا بتصديق كل ما تطرحه لنا الوزارة المعنية والحكومة من مخططات واستراتيجيات عادية أم مستعجلة، دون أن تتغلب هذه الوزارة والحكومة التي تنتمي إليها على هذه الآفة الخطيرة التي تضرب في العمق تعليمنا. فلا الخريطة المدرسية ولا النزول على المعدلات المعروفة كعتبات النجاح للرفع من نسبة النجاح. يصحح الوضع المزري بل هي طرق فقط تنزل مستوى تعليمنا إلى الأسفل. ولا يمكننا أن نتكلم أبداً عن جودة تعليمنا في الظروف الحالية.
ألم يحن الوقت بعد لخروج مسؤولينا عن هذا القطاع من سباتهم العميق ليضعوا أصبعهم على أحد الأسباب الحقيقية في تدني مستوى تعليمنا. إلى ذلك الوقت رحم الله تعليمنا.