المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليم بيت بير معطلة وقصر مشيد


azzouzi
05-06-2009, 18:09
التعليم بين بير معطلة وقصر مشيد..
في عملية تجميل فسرية أصدرت وزارة التعليم هذه السنة دفتر المسا طير الذي تم توزيعه على التلاميذ والأساتذة يتضمن العقوبات التي قد تطال الغشاشين والتي تتراوح بين شهر و3 سنوات سجنا نافذا بالإضافة إلى الغرامة المالية.وبغض الطرف عن الجهة المخول لها إصدار مثل هذا القانون فإن الدولة استشعرت خطورة الظاهرة وسئمت اللعبة وأرادت طي الصفحة والشروع في تأسيس مدرسة وطنية سليمة من كل المحرمات. وللحقيقة والتاريخ كان الغش حاضرا في مدارسنا في كل الأطوار يفعل بعقول الناشئة ما تفعله المخدرات بأجسادهم والكل ينظر من ثقب الباب يتفرج على الجريمة ، يتألم لاستفحالها من له انتماء لهذا الوطن ويتلدد بعواقبها الساديون منا، حتى تقدمت أساليبها اعتمادا على التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وأصبحت ظاهرة مؤسساتية أو إن شئت مقاولة تذر ربحا على العديد من الفاعلين وعلى رأسهم شركات الاتصال التي كلما اقترب زمن الامتحانات نضاعف التعبئة لتسهيل المأمورية حيث تضل الهواتف مفتوحة تتلقى الأجوبة طيلة ساعات الامتحان ، كما وفرت الظاهرة فرصا لتشغيل من يتولى الإجابة على الأسئلة ووسقها لصاحبها بأسعار تختلف باختلاف معامل المادة..وهكذا وفي غياب الوازع الديني والأخلاقي ولو من باب // من غش ليس منا // تعممت الظاهرة بين التلاميذ والتلميذات المتحجبات منهن كما السافرات وفي صمت الشامتين أصبع الغش حقا مكتسبا لامساومة حوله..وكان كل وزراء التعليم السابقون يتظاهرون بإعلان الحرب على الآفة لكن ذلك لم يكن سوى للاستهلاك الخارجي كما تفعل الدولة بملف الهجرة السرية والمخدرات وزراعة الكيف بهدف ابتزاز الإتحاد الأوربي ماديا ومعنويا مستعينة بالتسويق الإعلامي..والغش كباقي أمراض المجتمع عندما يتأصل في النفس يعود داءا لا يتفع معه دواء على المنظور المتوسط أو القريب خاصة إذا انضافت إليه أبعادا أخرى كالجهل تجعل منه دينا لا مجال لتغييره إلا بشق الأنفس. التعليم الذي شهد منذ الاستلال ما يفوق 10/ عمليات جراحية/ بمثابة محطات إصلاحية يِؤكد بجدارة خطورة المرض المستشري في جسده وكل المهندسون الذين تعاقبوا على الحقيبة الممقوتة / والتي لا زالت كل الأحزاب تتهرب من تحملها / كانوا يبشروننا بتعليم رائع حتى أن المالكي أصبح يعرف بإمام الجودة التي أطنب في تناولها أكثر مما أطنب أبو نواس في الخمر أو أبو العتاهية في الزهد وقبله العراقي إمام التعريب..وهاهو اخشيشن القادم على متن تراكتورالى الوزارة سمعته ذات يوم أمام نوام الشعب يقول // إن التعليم المغربي بدون بوصلة // وبعد حين من الدهر خرج المسؤولون عن صمتهم فأعلن المجلس الأعلى للتعليم في تقريره بأن التعليم يعيش وضعية لايحسد عليها مما شجع الوزير الحالي وزبانيته على ابتكار ما يعرف بالخطة الإستعجالية التي لم يتعجل أحد من الفاعلين لتطبيقها لسببين اثنين أحدهما أن العجلة من الشيطان خاصة إذا كانت تهم قطاعا كالتعليم له سوابق مع الإسنعجال والارتجال وثانيهما أن الخطة ولدت ميتة يتقصها المال والإرادة. هكذا حبكت الجريمة ضد التعليم و بدأت أطوارها منذ صرح الحسن الثاني لإحدى الجرائد العالمية ردا على سؤال يتعلق ببقاء 50 في المائة من المغاربة تحت عتبة الأمية بعد عقود من الاستقلال حيث قال // الذين تخرجوا من مدارسنا إما أصبحوا شيوعيين ثوريين أو إخوانيين ظلاميين // هكذا بقي التعليم سجين هذه النظرة التي لم تتغير في العهد الحالي رغم تسميته بالجديد وهو في الحقيقة لا يحيى سوى بالقديم . هكذا فهم الكل بأن اللعبة محبوكة مع الترصد وسبق الإصرار وأنها هندسة صالحة للنظام فيما سيأتي من الأيام فبقيت قواعدها ثابتة رغم تعاقب المهندسين من الوزراء والمستشارين ومن سار على دربهم..إذن الدولة خططت ونجحت بامتياز في تحقيق ما خططت له وأزهقت روح التعليم ــ أتمنى ألا يتهم شباط مرة أخرى بمباركة بالجريمة ــ فأصبح التلميذ في السنة النهائية تأهيلي لا يجيد أي لغة ولا يتجاوز رصيده المعرفي ما كان يتوفر عليه تلميذ في الابتدائي خلال السبعينات . فلماذا البكاء على خطة ناجحة؟؟ ولماذا التفكير في الإصلاح والخطة حققت مقاصدها بدقة؟؟ وإذا كان الوزير يتوخى من خلال إدخال إجراءات جديدة ذات قيمة مضافة جودة تنظيم هذه الامتحانات وضمان تكافئ الفرص وتفعيل مبدإ الإنصاف وبناء شروط النزاهة والثقة فإنه من الأفيد أن نبادر كعادة الدول التي تحترم نفسها معالجة المشاكل من الأساس، ولذلك لا بد من تذكيرا لدولة بضرورة إيقاف عمق التفاهة التي تشغل الناس بها وتحاول قدر الجهد إشراك الفاعلين بكثافة في تدبير أزمة التعليم الذي يعتبر الغش أحد مظاهره القبيحة.. وقبل النهاية لا بد من طرح سيل من الأسئلة أتمنى أن تتولى الجهات المعنية الجواب عليها :
ــ كيف نعالج الغش والأجوبة لا زالت تكتب على السبورة في الكثير من المدارس الابتدائية يوم امتحان السادس تحت أنظار الجميع وبمباركة جمعيات الآباء ، وبذلك يكتسب التلميذ شرعية الدفاع على الغش مستقبلا ولو اقتضى الحال تسخير العضلات وهذا ما يحصل بالثانويات حين يبلغ الطفل أشده فيصبح الأستاذ ضحية ماصنعت يد المعلم..؟؟
ــ هل يجوز منع غش التلاميذ وغض الطرف عن الغش الذي يمارسه المدرس عندما يتعلق الأمر بامتحان الترقية الداخلية مع احتراماتي لمن ينزهون أنفسهم عن ذلك ؟؟
ــ هل تشعرون مثلي بأن التلميذ ضحية لسلوك أو سلوكيات يعيشها في حياته اليومية في المدرسة ، في الشارع ، في المنزل ، على الشاشة الصغيرة والكبيرة التي ما عاد لها وزن بعد ضحايا موازين؟؟
ــ هل الفكر هو الذي يغير السلوك أم العكس؟؟ وما السبيل لتغيير الفكر في مدرسة طارت روحها إلى الباري ولا زالت السلطة ترفض تسليمنا شهادة الوفاة والترخيص بالدفن؟؟
ــ هل لا زالت المدرسة وسيلة للترقي الاجتماعي كما كانت منذ عقود خلت حيث كان الإجماع بين المعلم والأب حول توزيع ادوار السلخ والذبح؟؟
ــ بماذا نفسر الإهمال الفظيع الذي يلقاه التلاميذ من آباءهم من حيث المتابعة والمراقبة حتى أنهم لايستجيبون لمراسلات الإدارة ولا يراقبون تغيبات أبناءهم وفي نهاية السنة يتعبون الإدارة والأساتذة إما بالتوسلات أو الوساطة وإما بالشتائم التي تتحول في الكثير من الأحيان إلى مشادات كلامية وجسدية؟؟
ــ لماذا فشلت المدرسة فيما نجحت فيه كرة القدم التي أصبح حبها عابرا للقارات؟ قديما كانت المعرفة تقود إلى السجن بامتياز أما الآن أصبحت الكرة تفي بالغرض والكل يتذكر ذلك المراهق الذي غلبته العاطفة وكتب على السبورة الله ـ الوطن ـ البارصة. ولم يخرجه من الزتزاتة سوى توسل رئيس البارصا شخصيا.أذكر في امتحان الباك الأخير أنني كنت مكلفا بالحراسة في مادة الفلسفة وأن أحد التلاميذ كتب على ورقة التحرير بخط بارز// عاش الوداد // وظل يتربص الفرص ليدخل في الموضوع وعندما يئس وباءت كل محاولات الغش سلمني الورقة وغادر القاعة وعلامات الزهو تبدو على محياه من فرط حبه لوداده. ولعل هذا التلميذ وأمثاله كثر لا يؤمنون بالتحصيل العلمي لأن الإمضاء بالقدم في شباك الخصم أحلى بكثير من إفرازات بنات العقل؟؟
ــ هل الدولة التي فشلت في إيقاف نزيف حرب الطرقات التي تزهق يوميا 10 أرواح سيكون بمقدورها إيقاف نزيف هبوط المستوى الدراسي ومحاربة الغش؟؟ ولو كانت جادة في ذلك لبدأت ببناء السجون للغشاشين بعدد ما تملك من مدارس وزيادة لأن مدارسنا العمومية مكتظة ولا يجوز للسجون أن تكون كذلك لينتقل التلميذ من ضيق إلى ضيق. وبما أن الدولة غير قادرة حتى على بناء تصورنا ضج لما سيكون عليه المغرب غدا لن يكون بوسعها تغيير الغير قابل للتغيير لأن الأحزاب والنقابات وجمعيات أولياء التلاميذ هي التي يمكن أن تكون السند الداعم لأي إصلاح من أجل الغد، لكن الأحزاب التي يقتات عليها الهمة بجنينه رغم أنها بلغت من الكبر عتيا سلمت أمرها لدار المخزن وتساوى في ذلك اليمين واليسار في تناغم تام فأصبحت شريكا في لعبة التضييع وتفريخ الهشاشة الفكرية وتكريس فلسفة حسبنا ما وجدنا عليه آباؤنا متذرعين بأن نبي الأمة كان أميا حتى أصبحت الأمية سنة متبعة..
ــ ألم يكن من الأولى أن تشن الحكومة حربها على من يساعد على الغش بدءا بأرباب المكتبات الذين يستجيبون لرغبات التلاميذ في تصغير الدروس وتحويلها إلى حروز شافية خاصة إذا صادفت حراسا بائعون لضمائرهم بثمن بخس تحت يافطة التعاطف دون أن يخطر ببال هؤلاء بأنهم يقتلون في هذا الجيل روح الاعتماد على النفس واستشعار معنى الجهد الفردي والمثابرة قبل اليوم الموعود الذي يعز فيه المرء أو يهان؟؟
ــ هل يكون بوسع الدولة القضاء على الغش دون الرشوة والشطط في استعمال السلطة ودروس الدعم التي قهرت جيوب الآباء والتماطل الإداري والتغيبات الغير مبررة عن العمل وشراء الضمائر الظاهرة والمستترة أيام الاستحقاقات وتبذير أموال دافعي الضرائب في مهرجانات تافهة وبرامج من فصيلة فاصلة ومحاسبة من أوصل التعليم إلى ما هو عليه واللائحة عرضها السماوات والأرض كلها أمراض من أخوات الغش في الامتحان....
أسئلة كثيرة لا تحتملها هذه السطور وعزاؤنا أن بوصلة الوعي الجمعي للأمة لا زالت خارج التغطية تركت الشأن التعليمي لسماسرة لا يرقبون فينا إلا ولا ذمة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عزوزي في 05/06/2009.