المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة رائعة للشيخ علي الطنطاوي_رحمه الله_


mounji
03-07-2009, 22:49
http://www12.0zz0.com/2009/07/02/11/235071804.gif (http://www12.0zz0.com/2009/07/02/11/235071804.gif)

ما وقعت والله في ضيق قط إلا فرجه الله عني

ُ

مقالة رائعة للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله اذ كتب يقول:

نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة، وأنا على أريكة مريحة، أفكر في موضوع أكتب فيه، والمصباح إلى جانبي، والهاتف قريب مني،والأولاد يكتبون، وأمهم تعالج صوفا تحيكه، وقد أكلنا وشربنا، والراديو يهمس بصوتخافت، وكل شيء هادئ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة عليه فقلت الحمد لله ... أخرجتها من قرارة قلبي، ثم فكرت فرأيت أن ' الحمد ' ليس كلمة تقال باللسان ولورددها اللسان ألف مرة، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها

حمد الغني أن يعطي الفقراء، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء وحمد الصحيح أن يعاون المرضى، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين، فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد؟ وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه؟
وسألتني زوجتي فيمَ تفكر؟ فأخبرتها

قالت صحيح، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم

قلت لو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم،فكيف وأنا رجل مستور، يرزقني الله رزق الطير تغدو خماصا ًوتروح بطاناً ؟

لا، لا أريد أن أغني الفقراء، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية أنابالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يعيل عشرةوما له إلا أجرته غني من الأغنياء، وهذا العامل غني بالنسبة إلى الأرملة المفردةالتي لا مورد لها ولا مال في يدها، وصاحب الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين ؛فليس في الدنيا فقير ولا غني فقرا مطلقا وغنىً مطلقا.

تقولون : إن الطنطاوي يتفلسف اليوم
لا؛ ما أتفلسف، ولكن أحب أن أقول لكم إن كل واحد منكم وواحدةيستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه، إذا لم يكن عندك – يا سيدتي – إلا خمسة أرغفةوصحن ' مجدّرة ' تستطيعين أن تعطي رغيفا لمن ليس له شيء، والذي بقي عنده بعد عشائهثلاثة صحون من الفاصوليا والرز وشيء من الفاكهة والحلو يستطيع أن يعطي منها قليلالصاحبة الأرغفة والمجدّرة، ومهما كان المرء فقيرا فإنه يستطيع أن يعطي شيئا لمن هوأفقر منه، ولا تظنوا أن ما تعطونه يذهب بالمجان، لا والله، إنكم تقبضون الثمن أضعافا تقبضونه في الدنيا قبل الآخرة، ولقد جربت ذلك بنفسي، أنا أعمل وأكسب وأنفق على أهلي منذ أكثر من ثلاثين سنة، وليس لي من أبواب الخير والعبادة إلا أني أبذل في سبيل الله إن كان في يدي مال، ولم أدخر في عمري شيئا وكانت زوجتي تقول لي دائما يارجل، وفر واتخذ لبناتك دارا على الأقل فأقول خليها على الله، أتدرون ماذاكان؟
لقد حسب الله لي ما أنفقته في سبيله وادخره لي في بنك الحسنات الذي يعطيأرباحا سنوية قدرها سبعون ألفا في المئة، نعم {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَسَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ} وهناك زيادات تبلغ ضعف الربح {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}
أرسل الله صديقا لي سيدا كريما من أعيان دمشق فأقرضني ثمن الدار، وأرسل أصدقاء آخرين من المتفضلين فبنوا الدار حتى كملت وأنا – والله – لا أعرف من أمرها إلا ما يعرفه المارة عليها من الطريق، ثم أعان الله برزق حلال لم أكن محتسبا فوفيت ديونها جميعا، ومن شاء ذكرت له التفاصيل وسميت له الأسماء.
وما وقعت والله في ضيق قط إلا فرجه الله عني، ولا احتجت لشيء إلاجاءني، وكلما زاد عندي شيء وأحببت أن أحفظه وضعته في هذا البنك.
فهل في الدنياعاقل يعامل بنك المخلوق الذي يعطي 5%ربحاً حراماً وربما أفلس أو احترق ويترك بنك الخالق الذي يعطي في كل مئة ربح قدره سبعون ألفا؟
وهو مؤمن عليه عند رب العالمين فلا يفلس ولا يحترق ولا يأكل أموال الناس .
فلا تحسبوا أن الذي تعطونه يذهب هدرا، إن الله يخلفه في الدنيا قبل الآخرة، وأسوق لكم مثلا واحدا
قصةالمرأة ا لتي كان ولدها مسافرا، وكانت قد قعدت يوما تأكل وليس أمامها إلا لقمة إدام وقطعة خبز، فجاء سائل فمنعت عن فمها وأعطته وباتت جائعة.

فلما جاء الولد من سفره جعل يحدثها بما رأى قال ومن أعجب ما مر بي أنه لحقني أسد في الطريق، وكنت وحدي فهربت منه، فوثب علي وما شعرت إلا وقد صرت في فمه، وإذا برجل عليه ثياب بيض يظهرأمامي فيخلصني منه ويقول لقمة بلقمة، ولم أفهم مراده.
فسألته امه عن وقت هذاالحادث وإذا هو في اليوم الذي تصدقت فيه على الفقير نزعت اللقمة من فمها لتتصدق بهافنزع الله ولدها من فم الأسد.
والصدقة تدفع البلاء ويشفي الله بها المريض،ويمنع الله بها الأذى وهذه أشياء مجربة، وقد وردت فيها الآثار، والذي يؤمن بأن لهذاالكون إلها هو يتصرف فيه وبيده العطاء والمنع وهو الذي يشفي وهو يسلم، يعلم أن هذاصحيح، والنساء أقرب إلى الإيمان وإلى العطف ، وأنا أخاطب السيدات وأقول لكل واحدةما الذي تستطيع أن تستغني عنه من ثيابها القديمة أو ثياب أولادها، ومما ترميه ولاتحتاج إليه من فرش بيتها، ومما يفيض عنها من الطعام والشراب، فتفتش عن أسرة فقيرةيكون هذا لها فرحة الشهر.

ولا تعطي عطاء الكبر والترفع، فإن الابتسامة في وجه الفقير (مع القرش تعطيه له) خير من جنيه تدفعه له وأنت شامخ الأنف متكبر مترفع.
ولقد رأيت ابنتي الصغيرة بنان – من سنين – تحمل صحنين لتعطيهما الحارس في رمضان قلت تعالي يا بنيتي، هاتي صينية وملعقة وشوكة وكأس ماء نظيف وقدميها إليه هكذا، إنك لم تخسري شيئا، الطعام هو الطعام، ولكن إذا قدمت له الصحن والرغيف كسرت نفسه وأشعرته أنه كالسائل (الشحاذ)، أما إذا قدمته في الصينية مع الكأس والملعقة والشوكةوالمملحة ينجبر خاطره ويحسّ كأنه ضيف عزيز.


انتهى كلامه رحمه الله


http://www6.0zz0.com/2009/06/20/07/334134919.jpg (http://www6.0zz0.com/2009/06/20/07/334134919.jpg)

samira55
04-07-2009, 08:14
جزاك الله خيرا.

أم محمد أمين
04-07-2009, 10:30
موعظة بليغة،أثابك الله الجنة.
اتمنى ان تُفتح لها البصائر قبل الابصار