أبو منال و فردوس
07-06-2011, 22:38
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة لجميع رواد منتدى دفاتر
من العنوان : نحو ثقافة دينية تقبل الاختلاف
سوف أضع بين أيديكم بحوثا سبق لي انجازها في تاريخ العقيدة
وسأنشرها تباعا بمنتدى دفاتر للمهتمين ولمأسسة ثقافة دينية
تقبل الاختلاف ولا تجتث الاخر مهما كانت أفكاره ولكننا نناقش أفكاره بعلمية
وكذلك لنعرف ما كان للمسلمين من ثقافة دينية في القرون الاولى من الاسلام
أول بحث سأنشره حول فرقة المعتزلة
المعتزلة
مقدمة: المعتزلة مدرسة فكريّة عقليّة ، أعطت للعقل القسط الأوفر والسّهم الأكبر حتّى فيما لا سبيل له للقضاء فيه ، ولها من نتائج الفكر والمعرفة ما شهد له التأريخ ، ودلّت عليه كتب القوم و رسائلهم الباقية. وما نقله عنهم خصومهم و أعداؤهم. وباختصار ، إنّه مذهب فكري كبير يزخر بمعارف حول المبدأ والمعاد ، وبأنظار عقليّة أو تجريبيّة حول صحيفة الكون. وسنحاول في هذا البحث تقريب المفهوم و التعرف على آرائهم وعقيدتهم.
المبحث الأول : تعريف المعتزلة لغة واصطلاحا: الاعتزال لغة: مأخوذ من اعتزل الشيء وتعزله بمعنى تنحى عنه، ومنه تعازل القوم بمعنى تنحى بعضهم عن بعض، وكنت بمعزل عن كذا وكذا أي: كنت في موضع عزلة منه، واعتزلت القوم أي فارقتهم، وتنحيت عنهم، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} [الدخان: 21]. أراد إن لم تؤمنوا بي، فلا تكونوا علي ولا معي. وعلى ذلك: فالاعتزال معناه: الانفصال والتنحي، والمعتزلة هم المنفصلون. هذا في اللغة 1. أما المعتزلة في الاصطلاح: فهو اسم يطلق على فرقة ظهرت في الإسلام في أوائل القرن الثاني، وسلكت منهجا عقليا متطرفا في بحث العقائد الإسلامية ، وهم أصحاب واصل بن عطاء الغزال الذي اعتزل عن مجلس الحسن البصري 2 .
المبحث الثاني: أصل تسمية المعتزلة:
لقد اختلف الباحثون في أصل هذه التسمية، وسنعرض أهم الآراء في ذلك، وما ورد على كل رأي من اعتراض، ثم نبين الرأي الأقرب للصواب. -اعتزالهم عن علي في محاربة مخالفيه: قال أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث في كتابه « فرق الشيعة » عندالبحث عن الأحداث الواقعة بعد قتل عثمان: « فلمّا قُتِل بايع الناس عليّاً فسمّوا الجماعة ، ثمّ افترقوا بعد ذلك و صاروا ثلاث فرق: فرقة أقامت على ولايته ، وفرق
1- القاموس المحيط/لسان العرب.2- التعريفات للجرجاني.
خالفت عليّاً وهم طلحة والزبير و عائشة ، وفرقة اعتزلت مع سعد بن مالك وهو سعدبن أبي وقّاص ، وعبدالله بن عمر بن الخطّاب ، ومحمّد بن مسلمة الأنصاري ، واُسامة بن زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فإنّ هؤلاء اعتزلوا عن علي ( عليه السلام ) وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه بعد دخولهم في بيعته والرضا به. فسمّوا المعتزلة ، وصاروا أسلاف المعتزلة إلى آخر الأبد ، وقالوا: لا يحلّ قتال عليّ ولاالقتال معه.
وذكر بعض أهل العلم أنّ الأحنف بن قيس التميمي اعتزل بعد ذلك في خاصّة قومه من بني تميم لا على التديّن بالاعتزال. ولكن على طلب السلامة في القتل و ذهاب المال وقال لقومه: اعتزلوا الفتنة أصلح لكم ». وذكر 1 نصر بن مزاحم المنقري أنّ المغيرة بن شعبة كان مقيماً بالطّائف لم يشهد صفّين. فقال معاوية: يا مغيرة: ما ترى؟ قال: يا معاوية لو وسعني أن أنصرك لنصرتك ، ولكن عليّ أن آتيك بأمر الرجلين ( أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص ) فركب حتّى أتى دومة الجندل ، فدخل على أبي موسى كأنّه زائر له ، فقال: يا أبا موسى! ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدماء؟ قال: اُولئك خيار الناس خفّت ظهورهم من دمائهم و خمصت بطونهم من أموالهم. ثمّ أتى عمراً فقال: يا أبا عبدالله ! ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء؟
فقال: اُولئك شرّ الناس لم يعرفوا حقّاً ولم ينكروا باطلا 3. غير أنّ شيوخ المعتزلة يردّون هذه الرواية ولا يقيمون لها وزناً. بل يقول البلخي: « ومن الناس من يقول سمّوا معتزلة لاعتزالهم عليّ بن أبي طالب في حروبه ، وليس كذلك ، لأنّ جمهور المعتزلة بل أكثرهم إلاّ القليل الشاذّ منهم يقولون إنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان على صواب ، وإنّ من حاربه فهو ضالّ و تبرّأوا ممّن لم يتب عن محاربته ولا يتولّون أحداً ممّن حاربه إلاّ من صحّت عندهم توبته منهم ، و من كان بهذه الصفة فليس بمعتزل عنه ( عليه السلام ) ولا يجوز أن يسمّى بهذا الاسم » 3 .
2ـ اعتزالهم عن الحسن بن علي:
وهناك رواية اُخرى تدلّ على أنّ تسميتهم بهذا اللّقب لاعتزالهم عن الحسن بن عليّ و معاوية ، نقله الملطي ( المتوفّى عام 373 ) في « التنبيه والردّ » واستحسنه الكوثري 4
1- فرق الشيعة.للنوبختي.2- وقعة صفين .3- فضل الاعتزال.4ـ تعليق « تبيين كذب المفتري » ص 10.
يقول الملطي:« وهم سمّوا أنفسهم معتزلة وذلك عندما بايع الحسن بن عليّ معاوية وسلّم إليه الأمر اعتزلوا الحسن بن علي و معاوية و جميع الناس ، وذلك أنّهم كانوا من أصحاب علي ولزموا منازلهم ومساجدهم وقالوا نشتغل بالعلم والعبادة و سمّوا بذلك معتزلة».
3 ـ اعتزال عامر عن مجلس الحسن البصري: وهناك رواية ثالثة رواها ابن دريد يتحدّث عن بني العنبر قال: « ومن رجالهم في الإسلام عامر بن عبدالله يقال له عامر بن عبد قيس ، وكان عثمان بن عفّان كتب إلى عبدالله بن عامر أن يسيّره إلى الشام ، لأنّه يطعن عليهم وكان من خيار المسلمين وله كلام في التوحيد كثير ، وهو الّذي اعتزل الحسن البصري فسمّوا المعتزلة».1.
4 ـ اعتزال واصل عن مجلس الحسن البصري: قد عرفت أنّ حكم مرتكب الكبيرة قد أوجد ضجّة كبيرة في الأوساط الإسلاميّة في عصر عليّ وبعده ، حيث عدّ الخوارج مرتكب الكبيرة كافراً ، كما عدّه غيرهم مؤمناً فاسقاً ، وعدّت المرجئة من شهد بالتوحيد والرسالة لساناً أو جناناً مؤمناً. وقد أخذت المسألة لنفسها مجالاً خاصّاً للبحث عدّة قرون. وكان للمسألة في زمن الحسن البصري دويّ خاصّ. نقل الشهرستاني أنّه دخل واحد على الحسن البصري فقال: يا إمام الدين! لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر ، والكبيرة عندهم لا تضرّ مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان ، ولا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الاُمّة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟ فتفكّر الحسن في ذلك و قبل أن يجيب ، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً ولا كافر مطلقاً ، بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن و لا كافر. ثمّ قام و اعتزل إلى اسطوانة المسجد يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن ، فقال الحسن: اعتزل عنّا واصل ، فسمّي هو وأصحابه: معتزلة. 2. قد نقل اعتزال واصل حلقة الحسن جماعة كثيرة ، فنقلها المرتضى في أماليه ج 1 ص 167 ، والبغدادي في الفرق بين الفرق ص 118 ، والشهرستاني في الملل و النحل ج 1 ص 48 ، وابن خلكان في وفيات الأعيان ج 6 ص 8 ، والمقريزي في خططه ج 2 ص 346. وهذا هو القول الأرجح .-اعتزال مجلس الحسن البصري-.
1-فضل الاعتزال - المحقق: فؤاد سيد-2-الملل والنحل
5 ـ الاعتزال عن القولين السائدين في ذلك العصر:
وهناك رأي خامس في تسميتهم بالاعتزال يظهر من شيخ المعتزلة أبي القاسم البلخي يقول: « والسبب الّذي له سمّيت المعتزلة بالاعتزال، أنّ الاختلاف وقع في أسماء مرتكبي الكبائر من أهل الصّلاة ، فقالت الخوارج: إنّهم كفّار مشركون وهم مع ذلك فسّاق ، وقال بعض المرجئة: إنّهم مؤمنون لإقرارهم بالله و رسوله و بكتابه و بما جاء به رسوله وإن لم يعملوا به ، فاعتزلت المعتزلة جميع ما اختلف فيه هؤلاء وقالوا نأخذ بما اجتمعوا عليه من تسميتهم بالفسق وندع ما اختلفوا فيه من تسميتهم بالكفر والإيمان والنفاق و الشّرك ، قالوا: لأنّ المؤمن وليّ الله ، والله يجبّ تعظيمه و تكريمه وليس الفاسق كذلك ، والكافر والمشرك و المنافق يجب قتل بعضهم و أخذ الجزية من بعض ، وبعضهم يعبد في السرّ إلهاً غير الله ، وليس الفاسق بهذه الصفة. قالوا: فلمّا خرج من هذه الأحكام ، خرج من أن يكون مسمّى بأسماء أهلها وهذا هو القول بالمنزلة بين المنزلتين أي الفسق منزلة بين الكفر والإيمان ».1 و يظهر هذا من البغدادي أيضاً قال: « ومنها اتّفاقهم على دعواهم في الفاسق من اُمّة الإسلام بالمنزلة بين المنزلتين وهي أنّه فاسق لا مؤمن ولا كافر ، ولأجل هذا سمّاهم المسلمون « معتزلة » لاعتزالهم قول الاُمّة بأسرها ».2.
6 ـ جعل الفاسق معتزلاً عن الإيمان والكفر:
يقول المسعودي في مروجه ، قال في بيان الأصل الرابع من الاُصول الخمسة: « وأمّا القول بالمنزلة بين المنزلتين وهو الأصل الرابع ، فهو أنّ الفاسق المرتكب للكبائر ليس بمؤمن ولا كافر ، بل يسمّى فاسقاً على حسب ما ورد التّوقيف بتسميته وأجمع أهل الصّلاة على فسوقه ».« وبهذا الباب سمّيت المعتزلة ، وهو الاعتزال ، وهو الموصوف بالأسماء والأحكام مع ما تقدّم من الوعيد في الفاسق من الخلود في النار ».3 .
1 ـ باب ذكر المعتزلة من مقالات الاسلاميين للبلخي ص 115. 2-الفرق بين الفرق.3-مروج الذهب.
وسوف أنشر الحلقات تباعا ان شاء الله
تحياتي والسلام عليكم
تحية طيبة لجميع رواد منتدى دفاتر
من العنوان : نحو ثقافة دينية تقبل الاختلاف
سوف أضع بين أيديكم بحوثا سبق لي انجازها في تاريخ العقيدة
وسأنشرها تباعا بمنتدى دفاتر للمهتمين ولمأسسة ثقافة دينية
تقبل الاختلاف ولا تجتث الاخر مهما كانت أفكاره ولكننا نناقش أفكاره بعلمية
وكذلك لنعرف ما كان للمسلمين من ثقافة دينية في القرون الاولى من الاسلام
أول بحث سأنشره حول فرقة المعتزلة
المعتزلة
مقدمة: المعتزلة مدرسة فكريّة عقليّة ، أعطت للعقل القسط الأوفر والسّهم الأكبر حتّى فيما لا سبيل له للقضاء فيه ، ولها من نتائج الفكر والمعرفة ما شهد له التأريخ ، ودلّت عليه كتب القوم و رسائلهم الباقية. وما نقله عنهم خصومهم و أعداؤهم. وباختصار ، إنّه مذهب فكري كبير يزخر بمعارف حول المبدأ والمعاد ، وبأنظار عقليّة أو تجريبيّة حول صحيفة الكون. وسنحاول في هذا البحث تقريب المفهوم و التعرف على آرائهم وعقيدتهم.
المبحث الأول : تعريف المعتزلة لغة واصطلاحا: الاعتزال لغة: مأخوذ من اعتزل الشيء وتعزله بمعنى تنحى عنه، ومنه تعازل القوم بمعنى تنحى بعضهم عن بعض، وكنت بمعزل عن كذا وكذا أي: كنت في موضع عزلة منه، واعتزلت القوم أي فارقتهم، وتنحيت عنهم، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} [الدخان: 21]. أراد إن لم تؤمنوا بي، فلا تكونوا علي ولا معي. وعلى ذلك: فالاعتزال معناه: الانفصال والتنحي، والمعتزلة هم المنفصلون. هذا في اللغة 1. أما المعتزلة في الاصطلاح: فهو اسم يطلق على فرقة ظهرت في الإسلام في أوائل القرن الثاني، وسلكت منهجا عقليا متطرفا في بحث العقائد الإسلامية ، وهم أصحاب واصل بن عطاء الغزال الذي اعتزل عن مجلس الحسن البصري 2 .
المبحث الثاني: أصل تسمية المعتزلة:
لقد اختلف الباحثون في أصل هذه التسمية، وسنعرض أهم الآراء في ذلك، وما ورد على كل رأي من اعتراض، ثم نبين الرأي الأقرب للصواب. -اعتزالهم عن علي في محاربة مخالفيه: قال أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث في كتابه « فرق الشيعة » عندالبحث عن الأحداث الواقعة بعد قتل عثمان: « فلمّا قُتِل بايع الناس عليّاً فسمّوا الجماعة ، ثمّ افترقوا بعد ذلك و صاروا ثلاث فرق: فرقة أقامت على ولايته ، وفرق
1- القاموس المحيط/لسان العرب.2- التعريفات للجرجاني.
خالفت عليّاً وهم طلحة والزبير و عائشة ، وفرقة اعتزلت مع سعد بن مالك وهو سعدبن أبي وقّاص ، وعبدالله بن عمر بن الخطّاب ، ومحمّد بن مسلمة الأنصاري ، واُسامة بن زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فإنّ هؤلاء اعتزلوا عن علي ( عليه السلام ) وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه بعد دخولهم في بيعته والرضا به. فسمّوا المعتزلة ، وصاروا أسلاف المعتزلة إلى آخر الأبد ، وقالوا: لا يحلّ قتال عليّ ولاالقتال معه.
وذكر بعض أهل العلم أنّ الأحنف بن قيس التميمي اعتزل بعد ذلك في خاصّة قومه من بني تميم لا على التديّن بالاعتزال. ولكن على طلب السلامة في القتل و ذهاب المال وقال لقومه: اعتزلوا الفتنة أصلح لكم ». وذكر 1 نصر بن مزاحم المنقري أنّ المغيرة بن شعبة كان مقيماً بالطّائف لم يشهد صفّين. فقال معاوية: يا مغيرة: ما ترى؟ قال: يا معاوية لو وسعني أن أنصرك لنصرتك ، ولكن عليّ أن آتيك بأمر الرجلين ( أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص ) فركب حتّى أتى دومة الجندل ، فدخل على أبي موسى كأنّه زائر له ، فقال: يا أبا موسى! ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدماء؟ قال: اُولئك خيار الناس خفّت ظهورهم من دمائهم و خمصت بطونهم من أموالهم. ثمّ أتى عمراً فقال: يا أبا عبدالله ! ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء؟
فقال: اُولئك شرّ الناس لم يعرفوا حقّاً ولم ينكروا باطلا 3. غير أنّ شيوخ المعتزلة يردّون هذه الرواية ولا يقيمون لها وزناً. بل يقول البلخي: « ومن الناس من يقول سمّوا معتزلة لاعتزالهم عليّ بن أبي طالب في حروبه ، وليس كذلك ، لأنّ جمهور المعتزلة بل أكثرهم إلاّ القليل الشاذّ منهم يقولون إنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان على صواب ، وإنّ من حاربه فهو ضالّ و تبرّأوا ممّن لم يتب عن محاربته ولا يتولّون أحداً ممّن حاربه إلاّ من صحّت عندهم توبته منهم ، و من كان بهذه الصفة فليس بمعتزل عنه ( عليه السلام ) ولا يجوز أن يسمّى بهذا الاسم » 3 .
2ـ اعتزالهم عن الحسن بن علي:
وهناك رواية اُخرى تدلّ على أنّ تسميتهم بهذا اللّقب لاعتزالهم عن الحسن بن عليّ و معاوية ، نقله الملطي ( المتوفّى عام 373 ) في « التنبيه والردّ » واستحسنه الكوثري 4
1- فرق الشيعة.للنوبختي.2- وقعة صفين .3- فضل الاعتزال.4ـ تعليق « تبيين كذب المفتري » ص 10.
يقول الملطي:« وهم سمّوا أنفسهم معتزلة وذلك عندما بايع الحسن بن عليّ معاوية وسلّم إليه الأمر اعتزلوا الحسن بن علي و معاوية و جميع الناس ، وذلك أنّهم كانوا من أصحاب علي ولزموا منازلهم ومساجدهم وقالوا نشتغل بالعلم والعبادة و سمّوا بذلك معتزلة».
3 ـ اعتزال عامر عن مجلس الحسن البصري: وهناك رواية ثالثة رواها ابن دريد يتحدّث عن بني العنبر قال: « ومن رجالهم في الإسلام عامر بن عبدالله يقال له عامر بن عبد قيس ، وكان عثمان بن عفّان كتب إلى عبدالله بن عامر أن يسيّره إلى الشام ، لأنّه يطعن عليهم وكان من خيار المسلمين وله كلام في التوحيد كثير ، وهو الّذي اعتزل الحسن البصري فسمّوا المعتزلة».1.
4 ـ اعتزال واصل عن مجلس الحسن البصري: قد عرفت أنّ حكم مرتكب الكبيرة قد أوجد ضجّة كبيرة في الأوساط الإسلاميّة في عصر عليّ وبعده ، حيث عدّ الخوارج مرتكب الكبيرة كافراً ، كما عدّه غيرهم مؤمناً فاسقاً ، وعدّت المرجئة من شهد بالتوحيد والرسالة لساناً أو جناناً مؤمناً. وقد أخذت المسألة لنفسها مجالاً خاصّاً للبحث عدّة قرون. وكان للمسألة في زمن الحسن البصري دويّ خاصّ. نقل الشهرستاني أنّه دخل واحد على الحسن البصري فقال: يا إمام الدين! لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر ، والكبيرة عندهم لا تضرّ مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان ، ولا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الاُمّة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟ فتفكّر الحسن في ذلك و قبل أن يجيب ، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً ولا كافر مطلقاً ، بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن و لا كافر. ثمّ قام و اعتزل إلى اسطوانة المسجد يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن ، فقال الحسن: اعتزل عنّا واصل ، فسمّي هو وأصحابه: معتزلة. 2. قد نقل اعتزال واصل حلقة الحسن جماعة كثيرة ، فنقلها المرتضى في أماليه ج 1 ص 167 ، والبغدادي في الفرق بين الفرق ص 118 ، والشهرستاني في الملل و النحل ج 1 ص 48 ، وابن خلكان في وفيات الأعيان ج 6 ص 8 ، والمقريزي في خططه ج 2 ص 346. وهذا هو القول الأرجح .-اعتزال مجلس الحسن البصري-.
1-فضل الاعتزال - المحقق: فؤاد سيد-2-الملل والنحل
5 ـ الاعتزال عن القولين السائدين في ذلك العصر:
وهناك رأي خامس في تسميتهم بالاعتزال يظهر من شيخ المعتزلة أبي القاسم البلخي يقول: « والسبب الّذي له سمّيت المعتزلة بالاعتزال، أنّ الاختلاف وقع في أسماء مرتكبي الكبائر من أهل الصّلاة ، فقالت الخوارج: إنّهم كفّار مشركون وهم مع ذلك فسّاق ، وقال بعض المرجئة: إنّهم مؤمنون لإقرارهم بالله و رسوله و بكتابه و بما جاء به رسوله وإن لم يعملوا به ، فاعتزلت المعتزلة جميع ما اختلف فيه هؤلاء وقالوا نأخذ بما اجتمعوا عليه من تسميتهم بالفسق وندع ما اختلفوا فيه من تسميتهم بالكفر والإيمان والنفاق و الشّرك ، قالوا: لأنّ المؤمن وليّ الله ، والله يجبّ تعظيمه و تكريمه وليس الفاسق كذلك ، والكافر والمشرك و المنافق يجب قتل بعضهم و أخذ الجزية من بعض ، وبعضهم يعبد في السرّ إلهاً غير الله ، وليس الفاسق بهذه الصفة. قالوا: فلمّا خرج من هذه الأحكام ، خرج من أن يكون مسمّى بأسماء أهلها وهذا هو القول بالمنزلة بين المنزلتين أي الفسق منزلة بين الكفر والإيمان ».1 و يظهر هذا من البغدادي أيضاً قال: « ومنها اتّفاقهم على دعواهم في الفاسق من اُمّة الإسلام بالمنزلة بين المنزلتين وهي أنّه فاسق لا مؤمن ولا كافر ، ولأجل هذا سمّاهم المسلمون « معتزلة » لاعتزالهم قول الاُمّة بأسرها ».2.
6 ـ جعل الفاسق معتزلاً عن الإيمان والكفر:
يقول المسعودي في مروجه ، قال في بيان الأصل الرابع من الاُصول الخمسة: « وأمّا القول بالمنزلة بين المنزلتين وهو الأصل الرابع ، فهو أنّ الفاسق المرتكب للكبائر ليس بمؤمن ولا كافر ، بل يسمّى فاسقاً على حسب ما ورد التّوقيف بتسميته وأجمع أهل الصّلاة على فسوقه ».« وبهذا الباب سمّيت المعتزلة ، وهو الاعتزال ، وهو الموصوف بالأسماء والأحكام مع ما تقدّم من الوعيد في الفاسق من الخلود في النار ».3 .
1 ـ باب ذكر المعتزلة من مقالات الاسلاميين للبلخي ص 115. 2-الفرق بين الفرق.3-مروج الذهب.
وسوف أنشر الحلقات تباعا ان شاء الله
تحياتي والسلام عليكم