المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدرسة الهشاشة إستراتيجية بيداغوجيا الفقراء


ابن خلدون
08-02-2012, 09:31
مدرسة الهشاشة إستراتيجية بيداغوجيا الفقراء

المساء (http://www.dafatir.net/author?name=المساء)
المساء : 08 - 02 - 2012

الحسن اللحية
إن ما يغفله الخبير -لأنه لا يتمتع بثقافة سوسيولوجية وسوسيو -ثقافية وأنثربولوجية وتاريخية- أن أهداف نظام معين، كالتنظيم المقاولاتي أو التنظيم المدرسي، هي بناءات اجتماعية.
يجب أن يعلم الخبير أن الهدف وسيلة يتبناها الفاعلون للدفاع عن قيمهم ومصالحهم. وفي وسط هذا الرهان، يتحول الخبير، بدوره، إلى أداة. والحال لا وجود لخبير -إلا إذا كان كلبيا (سينيكيا)- يمكنه الاعتراف بسهولة بمشاركته في لعبة، حيث الأوراق مكشوفة كلها فوق الطاولة، ولأنه ليس مغفلا فإنه يلعب ما يسميه «بيرنو كوميديا عقلانية التنظيم».
على الخبير أن يسأل نفسه، ونحن علينا أن نطرح عليه السؤال التالي كذلك: إلى أي جانب تنحازون يا معشر الخبراء؟
يبدو الجواب سهلا، سياسيا، بردهم علينا قائلين: «لا ننحاز إلى أي جانب، نحن علماء ننحاز إلى الحقيقة والموضوعية والصرامة العلمية». لكنْ من يقرر في خبرة ما؟ من يدون الانتداب؟ من يختار الخبراء؟ ومن يقدم إليهم المعلومات؟ من يؤدي لهم واجبهم المادي؟ ومن يتكفل بمصاريفهم؟ من يراقبهم وهم في الميدان؟ ومن يشرف على الخبراء في النظام؟ من يتلقى التقارير؟ ومن ينشرها؟... إلخ.
سيكون الجواب هو نفسه إنه المسؤول عن كذا وكذا هو من يقوم بذلك، غير أن بعضهم سيجيب، بكل بساطة، بأنه يعمل لدى منتدبه.
سيكون من الصعب أن يكون الخبير منصفا في خدمته لجميع الفاعلين في التنظيم، وخاصة إذا كان قريبا من رأس الهرم، لأنه سينجر مع إستراتيجية المسيرين أو المسؤولين.
لا يمكن لأي خبير أن ينخرط في العمل انخراطا كليا حتى ولو كان في وضعية خارجية إذا لم ينخرط في التوجهات الإيديولوجية للإصلاح، لأن الخبرة -كما يقول أستولفي- محدودة بالبعد التقني والإجرائي. لا وجود لخبير يقول لنا ما إذا كان من المستحب حذف دينامية الجماعات مثلا أو من المستحب التدريس بنمط ديمقراطي أو سلطوي أو تدريس قيم معينة لأنه، ببساطة، لا وجود للخبرة في مجال القيّم والمقاييس الاجتماعية التي يطلبها نظام تربوي معين أو يطالب بها مجتمع معين.
هناك من الخبراء في التربية والتعليم من يرفضون الكفايات العرضانية بدعوى أنها غير قابلة للقياس ولأنها ليست تعلمات دقيقة أو أساسية. والحال أن كثيرا من الأقطاب الملتزمين بقضايا التربية عالميا يبينون أهمية الكفايات العرضانية وقابليتها للتقويم التربوي... وأهميتها في عالم دائم التحول، وبلغة أخرى، تبدو أهميتها في انفتاح المدرسة على المحيط. غير أن ما يهم الخبير هو كل ما يقبل القياس: إنه البعد التقنوي الخالص، المتمثل في لغة الحساب والإحصاء، وبلغة أخرى، إنه يتحدث عن أدوات جيدة للقياس وشبكات للملاحظة والتمييز أو الترقيم... كصاحب معمل.
لكي يستمر الخبير كصديق منتقد عليه أن يكون مسموعا، أي محترما ومقدرا وليس صاحب مصداقية علمية فقط. إنه الاضطلاع بمهمة الاستماع لما لا نرغب في سماعه، ولهذا ينبغي أن تكون مهمة الخبير واضحة وشفافة بالنسبة إلى الأطر والمكونين والباحثين والمدرسين والآباء وربما التلاميذ كذلك: إنه الإشراف المتفاوَض عليه.
إن التفاوض حول إصلاح ما، كما يقول فليب بيرنو، أو أي مشروع آخر للتجديد عليه أن يرافق السيرورة كلها، حيث القرارات تمس التعديلات لا المشروع الأولي أو الأساسي، وهو في حالة المغرب الميثاق والوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض. كما لا ينبغي النظر إلى التعديل الذي يقوم به الخبير على أنه مسألة تقنية خالصة، إذ إن كل تدخل يعتبر تقنيا قد يمس التوافقات السياسية (التعاقد حول الميثاق الوطني للتربية والتكوين).
لنترك الحديث عن الخبراء أصحاب المأكولات الجاهزة والبناءات المفككة والوصفات السحرية والعقاقير المسمومة.. ولنتساءل: هل يمكن تكوين مدرس لتدريس معرفة مدرسية بالحصر، قد يسميها البعض أساسية، كحال الخبراء الرافضين للكفايات العرضانية؟ هل يمكن تكوين مدرس محايد لمدرسة محايدة، حيث سيدرس معرفة أو تعلمات مدرسية محايدة قابلة للتقويم العلمي المحايد: وهم الموضوعية.. كما يدعي هؤلاء الخبراء؟.. وقائمة الأسئلة في هذا الباب لا تنتهي لأنه، ببساطة، يجهل الخبراء إبستمولوجيا العلوم وفلسفات العلوم «الحقة» والإنسانية. وها هنا مكمن جهلهم.
لا يمكن أن نكون مدرسين دون القيام باختيارات إيديولوجية حتى ولو ادّعينا النزعة العلموية والموضوعية المطلقة: هناك دائما إيديولوجيا، إيديولوجيا تلقائية كالفلسفة التلقائية للعلماء. فحسب المجتمع والكائن الإنساني الذي ندافع عنه، لا يمكننا ادعاء نفس غايات المدرسة بالنسبة إلى الجميع، ولهذا لا يمكننا أن نحدد بنفس الشكل دور المدرسين والمعرفة المدرسية، وبالتالي هل ننمي كفايات عرضانية تتطلبها الحياة الاجتماعية بكثافتها أم نقتصر في التعلم على التصورات التي تحصر التعلم في ما يقدمه المدرس من معارف مدرسية محددة سلفا.
بإمكاننا تكوين كيميائيين ومحاسبين وإعلاميين حسب ما ترغب فيه المقاولات، وبإمكاننا القول بكلبية إن الكيميائي الجيد هو الكيميائي الجيد، هو من يستطيع صناعة الأدوية أو المخدرات. والمحاسب الجيد هو من يبيّض الأموال المتسخة أو ينمّي موارد التنظيم الإنساني، والإعلامي الجيد هو من يخدم «المافيا» أو العدالة بنجاعة. ونفس الشيء في ما يخص المدرسين: هل نرغب في مدرسة تنمي الاستقلالية أو الامتثالية، الانفتاح على العالم أو النزعة القومية، التسامح أو الحقد على ثقافة الآخرين، لذة الأخطار الفكرية أو البحث عن اليقينيات، روح البحث أو الدوغمائية، معنى التعاون أو معنى التنافس، التضامن أو الفردانية؟.. وبالتالي، هل يتعلق الأمر بمدرسين نخبويين أم بمدرسين طيعين؟..
ترتبط جودة التكوين بجودة تصوره، ولذلك ورغم شيوع الحديث اليوم عن المهنية في العالم، فإن جميع الدول ليست مستعدة لتكوين مدرسين متأملين ونقديين، مثقفين وصناعا، مهنيين وإنسانيين.
إن ما يحدث في الميدان يعود إلى الصراع السياسي والوسائل الاقتصادية المتوفرة. وحتى ولو كنا في الطريق نحو مجتمع كوني مُهيمَن عليه من قِبَل بعض القوى، فستظل غايات التربية مسألة وطنية. بإمكان الأفكار أن تنتقل عبر الحدود، لكنْ يجب أن تتحدد غايات التربية هنا، في فضاءاتنا العمومية، رغم ما تطرحه مشكلة ديمقراطية المشاركة من مشاكل، حتى لا تظل التربية تعيد إنتاج التفاوتات وامتثالية الجماهير أمام الفكر المهيمن.


أستاذ باحث

ابو بثينة
08-02-2012, 12:47
تحليل جميل ويحمل الكثير من الحقائق مع تحفظي على البعض الآخر منها..............شكرا جزيلا على التقاسم.