أم سوسن
11-03-2012, 12:08
* ليلة القدر وتحديدها :
2- وأفضل لياليه ليلة القدرِ ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من قام ليلة القدر ( ثم وفقت له ) ، إيمانا واحتسابا ، غفِر له ما تقدم من ذنبه " ( 9 ) .
3- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح ، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زِر بن حبيش قال : سمعت أبي ابن كعب يقول وقيل له : إن عبد الله بن مسعود يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر ! فقال أبي رضي الله عنه : رحمه الله ، أراد أن لا يتكل الناس ، والذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلم أي ليلةٍ هي ؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
ورفع ذلك في رواية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( 10 ) .
-------------
* مشروعية الجماعة في القيام :
4- وتشرع الجماعة في قيام رمضان ، بل هي أفضل من الانفراد ، لإقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - لها بنفسه ، وبيانه لفضلها بقوله ، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : ( صمنا مع رسول الله رمضان ، فلم يقم بنا شيئا من الشهر ، حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا ، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل ، فقلت : يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة ، فقال : " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسِب له قيام ليلة " .
فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة ( 11 ) جمع أهله ونساءه والناس ، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح . قال : قلت : ما الفلاح ؟ قال : السحور ، ثم لم يقم بنا بقية الشهر ) ( 12 ).
* السبب في عدم استمرار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجماعة فيه :
5- وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تفرض عليهم صلاة الليل في رمضان ، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في " الصحيحين " وغيرهما ( 13 ) وقد زالت هذه الخشية بوفاته - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أكمل الله الشريعة ، وبذلك زال المعلول ، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان ، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في " صحيح البخاري " وغيره( 14 )
* مشروعية الجماعة للنساء :
6- ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق ، بل يجوز أن يجعل لهن إمام خاص بهن ، غير إمام الرجال ، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام ، جعل على الرجال أبي بن كعب ، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة ، فعن عرفجة الثقفي قال :
( كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماما وللنساء
إماما ، قال : فكنت أنا إمام النساء ) ( 15 ) .
قلت : وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعا ، لئلا يشوش أحدهما على الآخر .
--------------
( 11 ) : يعني ليلة سبع وعشرين ، وهي ليلة القدر على الأرجح كما سبق ، ولذلك جمع فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أهله ونساءه ، ففيه استحباب حضور النساء هذه الليلة .
( 12 ) : حديث صحيح ، أخرجه أصحاب السنن وغيرهم ، وهو مخرج في " صلاة التراويح " (ص16-17) و " صحيح أبي داود " (1245) و " الإرواء " (447) .
( 13 ) : انظر سياقه وتخريجه في " التراويح " (ص12-14) .
( 14 ) : انظر تخريجه وكلام ابن عبد البر وغيره عليه في المصدر السابق (ص49-52).
( 15 ) : أخرجه والذي قبله البيهقي (2/494) ، وأخرج الأول منهما عبد الرزاق أيضا في " المصنف " (4/258/8722) ، وأخرجهما
ابن نصر أيضا في " قيام رمضان " (ص93) ، ثم احتج بهما على ما ذكرنا (ص95) .
* عدد ركعات القيام :
7- وركعاتها إحدى عشرة ركعة ، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا ، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ؟ فقالت :
" ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثا " ( 16 ) .
8- وله أن ينقص منها ، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط ، بدليل فعله - صلى الله عليه وسلم - وقوله :
أما الفعل ، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها : بكم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر ؟ قالت :
" كان يوتر بأربع ( 17 ) وثلاثٍ ، وست وثلاثٍ ، وعشر وثلاثٍ ، ولم يكن يوتر بأنقص من سبعٍ ،
ولا بأكثر من ثلاث عشرة " ( 18 ) .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - فهو : " الوتر حق ، فمن شاء فليوتر بخمس ، ومن شاء فليوتر بثلاث ، ومن شاء فليوتر لواحدة " ( 19 ) .
* القراءة في القيام :
9- وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره ، فلم يحد فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - حدا لا يتعداه بزيادة
أو نقص ، بل كانت قراءته - صلى الله عليه وسلم - فيها تختلف قصرا وطولا ، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر } يا أيها المزمل } ، وهي عشرون آية ، وتارة قدر خمسين آية ، وكان يقول : " من صلى في ليلة بمئة آية لم يكتب من الغافلين " .
وفي حديث آخر :
" ... بمئتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين " .
وقرأ - صلى الله عليه وسلم - في ليلة وهو مريض السبع الطوال ، وهي سورة ( البقرة ) ، و ( آل عمران ) ، و ( النساء ) ، و ( المائدة ) ، و ( الأنعام ) ، و ( الأعراف ) ، و ( التوبة ) .
وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي عليه الصلاة والسلام أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعة واحدة ( البقرة ) ثم ( النساء ) ثم ( آل عمران ) ، وكان يقرؤها مترسلا متمهلا ( 20 ) .
وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أبي بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان ، كان أبي رضي الله عنه يقرأ بالمئين ، حتى كان الذي خلفه يعتمدون على العِصِي من طول القيام ، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر ( 21 ) .
وصح عن عمر أيضا أنه دعا القراء في رمضان ، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية ، والوسط خمسا وعشرين آية ، والبطيء عشرين آية ( 22 ).
وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء ، وكذلك إذا كان معه من يوافقه ، وكلما أطال فهو
أفضل ، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يحيي الليل كله إلا نادرا ، اتباعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - القائل : " وخير
الهدي هدي محمد " ( 23 ) .
وأما إذا صلى إماما ، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة ، فإن فيهم ( الصغير ) والكبير وفيهم الضعيف ، و ( المريض ) ، ( وذا الحاجة ) ، وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء " ( 24 ) .
-----------
( 16 ) : أخرجه الشيخان وغيرهما ، وهو مخرج في " صلاة التراويح " (20-21) و " صحيح أبي داود " (1212) .
( 17 ) : قلت : منها ركعتا سنة العشاء البعدية أو الركعتان الخفيفتان اللتان كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاة الليل بهما ، على ما رجحه الحافظ ، أنظر " صلاة التراويح " (ص19-20) .
( 18 ) : رواه أبو داود وأحمد وغيرهما وهو حديث جيد الإسناد ، وصححه العراقي ، وهو مخرج في " صلاة التراويح " (ص98-99)
و " صحيح أبي داود " (1233) .
( 19 ) : رواه الطحاوي والحاكم وغيرهما وهو حديث صحيح الإسناد كما قال جماعة من الأئمة ، وله شاهد فيه زيادة منكرة ، كما بينته في " التراويح " (ص 99-100) .
( 20 ) : هذه الأحاديث كلها صحيحة مخرجة في " صفة الصلاة " (117-122) .
( 21 ) : رواه مالك بنحوه . انظر " صلاة التراويح " (ص52) .
( 22 ) : انظر تخريجه في المصدر السابق (ص71) ورواه عبد الرزاق أيضا في " المصنف " (4/261/7731) والبيهقي (2/497) .
( 23 ) : هو بعض حديث رواه مسلم والنسائي وغيرهما ، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص18) و " الإرواء " (608) .
( 24 ) : أخرجه الشيخان واللفظ والزيادات لمسلم ، وهو مخرج في " الإرواء " (512) و " صحيح أبي داود " (759و760) .
* وقت القيام :
10- ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله زادكم صلاة ، وهي الوتر ( 25 ) ، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " ( 26 ) .
11- والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل ، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل " ( 27 ).
12- وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة ، وبين الصلاة آخر الليل منفردا ، فالصلاة مع الجماعة أفضل ، لأنه يحسب له قيام ليلة تامة كما تقدم في الفقرة ( 4 ) مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه ، فقال عبد الرحمن بن عبد القاري :
( خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال : والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل ، ثم عزم ، فجمعهم على أبي بن كعب ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى ، والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله ) ( 28 ).
وقال زيد بن وهب : ( كان عبد الله يصلي بنا شهر رمضان ، فينصرف بليل ) ( 29 ) .
* الكيفيات التي تصلى بها صلاة الليل :
13- كنت فصلت القول في ذلك في " صلاة التراويح " (ص101-115) فأرى أن ألخص ذلك هنا تيسيرا على القارئ وتذكيرا :
الكيفية الأولى : ثلاث عشرة ركعة ، يفتتحها بركعتين ، خفيفتين ، وهما على الأرجح سنة العشاء البعدية ، أو ركعتان مخصوصتان يفتتح بهما صلاة الليل كما تقدم ، ثم يصلي ركعتين طويلتين جدا ،
ثم يصلي ركعتين دونهما ، ثم يصلي ركعتين دون اللتين قبلهما ، ثم يصلي ركعتين دونهما ، ثم يصلي ركعتين دونهما ، ثم يوتر بركعة .
الثانية : يصلي ثلاث عشرة ركعة ، منها ثمانية يسلم بين كل ركعتين ، ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم
إلا في الخامسة .
الثالثة : إحدى عشرة ركعة ، يسلم بين كل ركعتين ، ويوتر بواحدة .
الرابعة : إحدى عشرة ركعة ، يصلي منها أربعا بتسليمة واحدة ، ثم أربعا كذلك ، ثم ثلاثا .
وهل كان يجلس بين كل ركعتين من الأربع والثلاث ؟ لم نجد جوابا شافيا في ذلك ، لكن الجلوس في الثلاث لا يشرع !
الخامسة : يصلي إحدى عشرة ركعة ، منها ثماني ركعات لا يقعد فيها إلا في الثامنة ، يتشهد ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يقوم ولا يسلم ، ثم يوتر بركعة ، ثم يسلم ، فهذه تسع ، ثم يصلي ركعتين ، وهو جالس.
السادسة : يصلي تسع ركعات منها ست لا يقعد إلا في السادسة منها ، ثم يتشهد ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ... إلخ ما ذكر في الكيفية السابقة .
هذه هي الكيفيات التي ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصا عنه ، ويمكن أن يزاد عليها أنواعا أخرى ، وذلك بأن ينقص من كل نوع منها ما شاء من الركعات حتى يقتصر على ركعة واحدةٍ عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم - المتقدم :
" ...فمن شاء فليوتر بخمس ، ومن شاء فليوتر بثلاث ، ومن شاء فليوتر بواحدة " ( 30 ) .
فهذه الخمس والثلاث ، إن شاء صلاها بقعود واحد ، وتسليمة واحدة كما في الصفة الثانية ، وإن شاء سلم من كل ركعتين كما في الصفة الثالثة وغيرها ، وهو الأفضل ( 31 ).
وأما صلاة الخمس والثلاث بقعود بين كل ركعتين بدون تسليم فلم نجده ثابتا عنه - صلى الله عليه وسلم - ، والأصل الجواز ، لكن لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن الإيتار بثلاث ، وعلل ذلك بقوله : " ولا تشبهوا بصلاة المغرب " ( 32 )؛ فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثا من الخروج عن هذه المشابهة ، وذلك يكون بوجهين :
أحدهما : التسليم بين الشفع والوتر ، وهو الأقوى والأفضل .
والآخر : أن لا يقعد بين الشفع والوتر ، والله تعالى أعلم .
-------------
( 25 ) : تسمى صلاة الليل كلها وترا لأن عددها وتر ، أي : عدد فردي .
( 26 ) : حديث صحيح ، أخرجه أحمد وغيره عن أبي بصرة ، وهو مخرج في " الصحيحة " (108) و " الإرواء " (2/158) .
( 27 ) : أخرجه مسلم وغيره ، وهو مخرج في " الصحيحة " (2610) .
( 28 ) : أخرجه البخاري وغيره وهو مخرج في " التراويح " (ص48) .
( 29 ) : أخرجه عبد الرزاق (7741) وإسناده صحيح ، وقد أشار الإمام أحمد إلى هذا الأثر والذي قبله حين سئل : يؤخر القيام - أي التراويح - إلى آخر الليل ؟ فقال : ( لا ، سنة المسلمين أحب إلي ) رواه أبو داود في " مسائله " (ص62) .
( 30 ) : أنظر الفقرة 8 (ص22) .
( 31 ) : فائدة هامة : قال ابن خزيمة في " صحيحة " (2/194) بعد أن ذكر حديث عائشة وغيره في بعض الكيفيات المذكورة : ( فجائز للمرء أن يصلي أي عدد أحب من الصلاة مما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلاهن ، وعلى الصيغة التي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلاها ، لا حظر على أحد في شيء منها ) .
قلت : وهذا بمفهومه موافق تمام الموافقة لِما اخترنا من التزام العدد الذي صح عنه - صلى الله عليه وسلم - وعدم الزيادة عليه ، فالحمد لله على توفيقه ، وأسأله المزيد من فضله .
( 32 ) : أخرجه الطحاوي والدارقطني وغيرهما . أنظر " التراويح " (99و110) .
2- وأفضل لياليه ليلة القدرِ ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من قام ليلة القدر ( ثم وفقت له ) ، إيمانا واحتسابا ، غفِر له ما تقدم من ذنبه " ( 9 ) .
3- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح ، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زِر بن حبيش قال : سمعت أبي ابن كعب يقول وقيل له : إن عبد الله بن مسعود يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر ! فقال أبي رضي الله عنه : رحمه الله ، أراد أن لا يتكل الناس ، والذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلم أي ليلةٍ هي ؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
ورفع ذلك في رواية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( 10 ) .
-------------
* مشروعية الجماعة في القيام :
4- وتشرع الجماعة في قيام رمضان ، بل هي أفضل من الانفراد ، لإقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - لها بنفسه ، وبيانه لفضلها بقوله ، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : ( صمنا مع رسول الله رمضان ، فلم يقم بنا شيئا من الشهر ، حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا ، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل ، فقلت : يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة ، فقال : " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسِب له قيام ليلة " .
فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة ( 11 ) جمع أهله ونساءه والناس ، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح . قال : قلت : ما الفلاح ؟ قال : السحور ، ثم لم يقم بنا بقية الشهر ) ( 12 ).
* السبب في عدم استمرار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجماعة فيه :
5- وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تفرض عليهم صلاة الليل في رمضان ، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في " الصحيحين " وغيرهما ( 13 ) وقد زالت هذه الخشية بوفاته - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أكمل الله الشريعة ، وبذلك زال المعلول ، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان ، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في " صحيح البخاري " وغيره( 14 )
* مشروعية الجماعة للنساء :
6- ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق ، بل يجوز أن يجعل لهن إمام خاص بهن ، غير إمام الرجال ، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام ، جعل على الرجال أبي بن كعب ، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة ، فعن عرفجة الثقفي قال :
( كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماما وللنساء
إماما ، قال : فكنت أنا إمام النساء ) ( 15 ) .
قلت : وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعا ، لئلا يشوش أحدهما على الآخر .
--------------
( 11 ) : يعني ليلة سبع وعشرين ، وهي ليلة القدر على الأرجح كما سبق ، ولذلك جمع فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أهله ونساءه ، ففيه استحباب حضور النساء هذه الليلة .
( 12 ) : حديث صحيح ، أخرجه أصحاب السنن وغيرهم ، وهو مخرج في " صلاة التراويح " (ص16-17) و " صحيح أبي داود " (1245) و " الإرواء " (447) .
( 13 ) : انظر سياقه وتخريجه في " التراويح " (ص12-14) .
( 14 ) : انظر تخريجه وكلام ابن عبد البر وغيره عليه في المصدر السابق (ص49-52).
( 15 ) : أخرجه والذي قبله البيهقي (2/494) ، وأخرج الأول منهما عبد الرزاق أيضا في " المصنف " (4/258/8722) ، وأخرجهما
ابن نصر أيضا في " قيام رمضان " (ص93) ، ثم احتج بهما على ما ذكرنا (ص95) .
* عدد ركعات القيام :
7- وركعاتها إحدى عشرة ركعة ، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا ، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ؟ فقالت :
" ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثا " ( 16 ) .
8- وله أن ينقص منها ، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط ، بدليل فعله - صلى الله عليه وسلم - وقوله :
أما الفعل ، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها : بكم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر ؟ قالت :
" كان يوتر بأربع ( 17 ) وثلاثٍ ، وست وثلاثٍ ، وعشر وثلاثٍ ، ولم يكن يوتر بأنقص من سبعٍ ،
ولا بأكثر من ثلاث عشرة " ( 18 ) .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - فهو : " الوتر حق ، فمن شاء فليوتر بخمس ، ومن شاء فليوتر بثلاث ، ومن شاء فليوتر لواحدة " ( 19 ) .
* القراءة في القيام :
9- وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره ، فلم يحد فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - حدا لا يتعداه بزيادة
أو نقص ، بل كانت قراءته - صلى الله عليه وسلم - فيها تختلف قصرا وطولا ، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر } يا أيها المزمل } ، وهي عشرون آية ، وتارة قدر خمسين آية ، وكان يقول : " من صلى في ليلة بمئة آية لم يكتب من الغافلين " .
وفي حديث آخر :
" ... بمئتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين " .
وقرأ - صلى الله عليه وسلم - في ليلة وهو مريض السبع الطوال ، وهي سورة ( البقرة ) ، و ( آل عمران ) ، و ( النساء ) ، و ( المائدة ) ، و ( الأنعام ) ، و ( الأعراف ) ، و ( التوبة ) .
وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي عليه الصلاة والسلام أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعة واحدة ( البقرة ) ثم ( النساء ) ثم ( آل عمران ) ، وكان يقرؤها مترسلا متمهلا ( 20 ) .
وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أبي بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان ، كان أبي رضي الله عنه يقرأ بالمئين ، حتى كان الذي خلفه يعتمدون على العِصِي من طول القيام ، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر ( 21 ) .
وصح عن عمر أيضا أنه دعا القراء في رمضان ، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية ، والوسط خمسا وعشرين آية ، والبطيء عشرين آية ( 22 ).
وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء ، وكذلك إذا كان معه من يوافقه ، وكلما أطال فهو
أفضل ، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يحيي الليل كله إلا نادرا ، اتباعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - القائل : " وخير
الهدي هدي محمد " ( 23 ) .
وأما إذا صلى إماما ، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة ، فإن فيهم ( الصغير ) والكبير وفيهم الضعيف ، و ( المريض ) ، ( وذا الحاجة ) ، وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء " ( 24 ) .
-----------
( 16 ) : أخرجه الشيخان وغيرهما ، وهو مخرج في " صلاة التراويح " (20-21) و " صحيح أبي داود " (1212) .
( 17 ) : قلت : منها ركعتا سنة العشاء البعدية أو الركعتان الخفيفتان اللتان كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاة الليل بهما ، على ما رجحه الحافظ ، أنظر " صلاة التراويح " (ص19-20) .
( 18 ) : رواه أبو داود وأحمد وغيرهما وهو حديث جيد الإسناد ، وصححه العراقي ، وهو مخرج في " صلاة التراويح " (ص98-99)
و " صحيح أبي داود " (1233) .
( 19 ) : رواه الطحاوي والحاكم وغيرهما وهو حديث صحيح الإسناد كما قال جماعة من الأئمة ، وله شاهد فيه زيادة منكرة ، كما بينته في " التراويح " (ص 99-100) .
( 20 ) : هذه الأحاديث كلها صحيحة مخرجة في " صفة الصلاة " (117-122) .
( 21 ) : رواه مالك بنحوه . انظر " صلاة التراويح " (ص52) .
( 22 ) : انظر تخريجه في المصدر السابق (ص71) ورواه عبد الرزاق أيضا في " المصنف " (4/261/7731) والبيهقي (2/497) .
( 23 ) : هو بعض حديث رواه مسلم والنسائي وغيرهما ، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص18) و " الإرواء " (608) .
( 24 ) : أخرجه الشيخان واللفظ والزيادات لمسلم ، وهو مخرج في " الإرواء " (512) و " صحيح أبي داود " (759و760) .
* وقت القيام :
10- ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله زادكم صلاة ، وهي الوتر ( 25 ) ، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " ( 26 ) .
11- والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل ، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل " ( 27 ).
12- وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة ، وبين الصلاة آخر الليل منفردا ، فالصلاة مع الجماعة أفضل ، لأنه يحسب له قيام ليلة تامة كما تقدم في الفقرة ( 4 ) مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه ، فقال عبد الرحمن بن عبد القاري :
( خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال : والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل ، ثم عزم ، فجمعهم على أبي بن كعب ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى ، والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله ) ( 28 ).
وقال زيد بن وهب : ( كان عبد الله يصلي بنا شهر رمضان ، فينصرف بليل ) ( 29 ) .
* الكيفيات التي تصلى بها صلاة الليل :
13- كنت فصلت القول في ذلك في " صلاة التراويح " (ص101-115) فأرى أن ألخص ذلك هنا تيسيرا على القارئ وتذكيرا :
الكيفية الأولى : ثلاث عشرة ركعة ، يفتتحها بركعتين ، خفيفتين ، وهما على الأرجح سنة العشاء البعدية ، أو ركعتان مخصوصتان يفتتح بهما صلاة الليل كما تقدم ، ثم يصلي ركعتين طويلتين جدا ،
ثم يصلي ركعتين دونهما ، ثم يصلي ركعتين دون اللتين قبلهما ، ثم يصلي ركعتين دونهما ، ثم يصلي ركعتين دونهما ، ثم يوتر بركعة .
الثانية : يصلي ثلاث عشرة ركعة ، منها ثمانية يسلم بين كل ركعتين ، ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم
إلا في الخامسة .
الثالثة : إحدى عشرة ركعة ، يسلم بين كل ركعتين ، ويوتر بواحدة .
الرابعة : إحدى عشرة ركعة ، يصلي منها أربعا بتسليمة واحدة ، ثم أربعا كذلك ، ثم ثلاثا .
وهل كان يجلس بين كل ركعتين من الأربع والثلاث ؟ لم نجد جوابا شافيا في ذلك ، لكن الجلوس في الثلاث لا يشرع !
الخامسة : يصلي إحدى عشرة ركعة ، منها ثماني ركعات لا يقعد فيها إلا في الثامنة ، يتشهد ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يقوم ولا يسلم ، ثم يوتر بركعة ، ثم يسلم ، فهذه تسع ، ثم يصلي ركعتين ، وهو جالس.
السادسة : يصلي تسع ركعات منها ست لا يقعد إلا في السادسة منها ، ثم يتشهد ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ... إلخ ما ذكر في الكيفية السابقة .
هذه هي الكيفيات التي ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصا عنه ، ويمكن أن يزاد عليها أنواعا أخرى ، وذلك بأن ينقص من كل نوع منها ما شاء من الركعات حتى يقتصر على ركعة واحدةٍ عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم - المتقدم :
" ...فمن شاء فليوتر بخمس ، ومن شاء فليوتر بثلاث ، ومن شاء فليوتر بواحدة " ( 30 ) .
فهذه الخمس والثلاث ، إن شاء صلاها بقعود واحد ، وتسليمة واحدة كما في الصفة الثانية ، وإن شاء سلم من كل ركعتين كما في الصفة الثالثة وغيرها ، وهو الأفضل ( 31 ).
وأما صلاة الخمس والثلاث بقعود بين كل ركعتين بدون تسليم فلم نجده ثابتا عنه - صلى الله عليه وسلم - ، والأصل الجواز ، لكن لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن الإيتار بثلاث ، وعلل ذلك بقوله : " ولا تشبهوا بصلاة المغرب " ( 32 )؛ فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثا من الخروج عن هذه المشابهة ، وذلك يكون بوجهين :
أحدهما : التسليم بين الشفع والوتر ، وهو الأقوى والأفضل .
والآخر : أن لا يقعد بين الشفع والوتر ، والله تعالى أعلم .
-------------
( 25 ) : تسمى صلاة الليل كلها وترا لأن عددها وتر ، أي : عدد فردي .
( 26 ) : حديث صحيح ، أخرجه أحمد وغيره عن أبي بصرة ، وهو مخرج في " الصحيحة " (108) و " الإرواء " (2/158) .
( 27 ) : أخرجه مسلم وغيره ، وهو مخرج في " الصحيحة " (2610) .
( 28 ) : أخرجه البخاري وغيره وهو مخرج في " التراويح " (ص48) .
( 29 ) : أخرجه عبد الرزاق (7741) وإسناده صحيح ، وقد أشار الإمام أحمد إلى هذا الأثر والذي قبله حين سئل : يؤخر القيام - أي التراويح - إلى آخر الليل ؟ فقال : ( لا ، سنة المسلمين أحب إلي ) رواه أبو داود في " مسائله " (ص62) .
( 30 ) : أنظر الفقرة 8 (ص22) .
( 31 ) : فائدة هامة : قال ابن خزيمة في " صحيحة " (2/194) بعد أن ذكر حديث عائشة وغيره في بعض الكيفيات المذكورة : ( فجائز للمرء أن يصلي أي عدد أحب من الصلاة مما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلاهن ، وعلى الصيغة التي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلاها ، لا حظر على أحد في شيء منها ) .
قلت : وهذا بمفهومه موافق تمام الموافقة لِما اخترنا من التزام العدد الذي صح عنه - صلى الله عليه وسلم - وعدم الزيادة عليه ، فالحمد لله على توفيقه ، وأسأله المزيد من فضله .
( 32 ) : أخرجه الطحاوي والدارقطني وغيرهما . أنظر " التراويح " (99و110) .