المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التنشيط الثقافي خارج اهتمامات المؤسسات التعليمية


التربوية
08-05-2012, 15:57
التنشيط الثقافي خارج اهتمامات المؤسسات التعليمية


مبدعون يحاولون زرع بذور تجربتهم في الناشئة في غياب الإمكانيات والبنيات الضرورية

التنشيط الثقافي، آخر ما يفكر فيه القائمون على مختلف المؤسسات التعليمية، اللهم من "فلتات" قليلة يقف وراءها مهووسون بإبداعات فنية معينة، يحاولون عبثا زرع بذورها في الناشئة في فضاءات تربوية تفتقر إلى كل التجهيزات الكفيلة بإنجاح أي مبادرة ثقافية أو رياضية، ولو كانت موسمية.

يتضح ، بمراجعة أجندة أنشطة المؤسسات التعليمية بفاس، أن نسبة ضعيفة منها تدرج أسابيع ولقاءات ثقافية خاصة مع اقتراب العطل، بمعدل لا يتجاوز نشاطين سنويا في أحسن الأحوال، رغم احتضان بعضها لأندية بيئية وثقافية وسينمائية وإعلامية وأخرى باهتمامات مختلفة ومتباينة.
وتبدو إعدادية قاسم أمين بباب الفتوح، محظوظة، ب"ابتلائها" بمدير يحاول أن يزرع في تلاميذها وتلميذاتها، حب الفن المسرحي، بعد إحداثه قاعة عرض مجهزة بركح وتوفر للموهوبين، فرص التكوين والإبداع، بعد إدراج سلسلة من التكوينات يشرف عليها، مسرحيون وممثلون من المدينة.
السيناريست والممثل عبد الرحيم بقلول، يعمل في الخفاء، ويرفض إشهار مبادراته في مجال التنشيط الثقافي بهذه المؤسسة التي يدير دواليبها. وهو حريص على أن تكون نموذجا حاضنا لأنشطة متنوعة تنمي قدرات التلميذ وتصقل مواهبه وطاقاته الإبداعية في المسرح وغيره من الفنون.
لكن أمثال عبد الرحيم، قليلون ممن يهتمون بمجال لا يرد في المذكرات اليومية، لتبقى الأنشطة الثقافية المنظمة بالمؤسسات التعليمية، "موسمية، وراءها أفراد من أسرة التعليم، مبدعون لهم اهتمامات ثقافية متنوعة خاصة بالمسرح أو الأدب أو الشعر" يقول الناقد أحمد السجلماسي.
وينطلق أحمد من تجربة إشرافه على أندية سينمائية وثقافية بمؤسسات تعليمية بفاس، للبرهنة على ضعف الاهتمام بالثقافة داخلها، خاصة أن نسبة كبيرة من المديرين، "لا اهتمامات ثقافية لهم"، و"في حالة برمجة تظاهرات ثقافية، فهم يكونون مكرهين في تنظيمها على مضض".
هذا النفور يبرره أنها غير مدرجة في الحياة اليومية للمدرسة، لذلك لا يعطونها قيمة رغم أهميتها في تكوين التلميذ، إذ "أغلبهم يضيعون وقتهم في المقاهي. أما تنشيط المؤسسة ثقافيا ورياضيا، فآخر ما يفكرون فيه"، دون أن ينكر وجود زملاء لهم يتفانون ويبادرون ولو ب"الإمكانيات المتاحة".
أما من يشرف على تلك الأنشطة على قلتها، فهم يعانون الأمرين لأجل إنجاحها في غياب دعم الإدارة والنيابة، طالما أن "العمل الفردي لا يمكن أن يعطي نتيجة، عكس ما يمكن أن يكون عليه الأمر، عند التخطيط وتوفير العنصر البشري والبنية التحتية الملائمة والاعتمادات المالية الضرورية".
"أغلبية المؤسسات تعانيها من مشكل الخصاص في قاعات التدريس، فبالأحرى الحديث عن قاعة خاصة لاحتضان مثل تلك الأنشطة" يقول السجلماسي، مؤكدا أن تلك الأنشطة تكون "غير مستمرة وغير منتظمة"، ومرتبطة بمبدعين يتخذون المبادرة بما في ذلك حين صدور كتاب أو توقيعه.ولا ينكر وجود قاعات للتنشيط بمؤسسات محظوظة، منذ أزمنة بعيدة، وتصلح لاستعارتها من قبل جمعيات ومؤسسات أخرى، من قبيل ثانويتي مولاي إدريس وأم البنين، لكن "ما دونهما من مؤسسات، فهي تفتقد إلى تلك الفضاءات وأساتذة متفرغين للإشراف على هذه الأنشطة".
وحتى في حالة تنظيم أنشطة غالبا ما تكون في أوقات غير تلك في استعمال الزمن، وعلى حساب وقت وعمل الأساتذة المجندين فيها، فيما يحن السجلماسي وغيره من المهووسين بالإبداع، إلى زمن ولى كانت فيه الأنشطة والعروض الفنية وللفلام والأناشيد، تنظم أسبوعيا.
أما الآن ف"الهم الأساسي للوزارة، هو توفير فضاء للتدريس في ظل واقع الاكتظاظ، فبالأحرى التفكير في فضاءات لتقديم عروض مسرحية وثقافية داخلها"، خاصة في غياب الإقبال وتربية الذوق العام للتلاميذ حتى يكونوا وراء كل مبادرة لتنظيم أنشطة منتظمة وفعالة ووازنة.ويبرر أحمد السجلماسي، هذا الأمر بحديثه عن أن 60 في المائة من التلاميذ، لم يسبق لهم أن دخلوا السينما أن شاهدوا مسرحية بشكل مباشر، ولا يحسنون سوى التعامل مع التلفزيون والإنترنيت، مؤكدا أن الضرورة تفرض وضع تصور استراتيجي لما يجب أن تكون عليه المدرسة.
ويحاول مقارنة ما نعيشه، بما يتوفر في مؤسسات أمريكا، من مرافق، فيما "عندنا مؤسسات مبرمجة فيها حصص رياضية، دون ملاعب"، و"المؤسسات المبنية حديثا، عبارة عن صناديق لا تراعى فيها مواصفات مدرسة ابتدائية"، دون تفكير في تنمية ذوق التلميذ وتربية عينه على المشاهدة.
يعتز أحمد السجلماسي، بما فرخه من مواهب، حين إشرافه طيلة سنوات على نادي ثانوية ابن رشد للفن السابع، الذي أعطى نتائج ملموسة بدليل تخرج فكاهيين منه، بينهم هشام الغفولي، المشارك في برنامج "كوميديا" التلفزيوني، وغيرهم من مواهب تشق طريقها بنجاح.أما بعضهم وأبعد أن راكم تجربة لا يستهان بها، فقد فكر في إنتاج أفلام تربوية، ذاكرا تلاميذ صقلوا مواهبهم بالاحتكاك بهذا النادي، وشرعوا في البحث عن ذواتهم في مختلف الأشكال الإبداعية، خاصة في التمثيل والعزف والرياضة، ممن أصبحت هذه المواهب، مصدرا لقوتهم اليومي.
ذاك نموذج لنجاح تجربة تنشيطية انطلقت صغيرة، لكنها كبرت بما فتحته من آفاق في وجه تلاميذ النادي، ما يجب أن يحتدى به في باقي المؤسسات التعليمية، طالما أن التنشيط الثقافي، ضرورة لصقل المواهب واكتشافها، وليس "مضيعة للوقت وإهدار للزمن المدرسي" كما يتخيل البعض.
الصباح التربوي