المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليم بالوسط القروي المغربي


oumach
31-01-2008, 22:12
http://www.tntup.com/file.php?file=fa51b2a1ed6679f91e824b7d8202a34d:fru sty:

نسيم الريف
31-01-2008, 23:53
http://www.tntup.com/photo/img2/3386e368a1987b5a474315dee6444410/بارك%20الله%20فيك.gif

نسيم الريف
31-01-2008, 23:55
التعليم بالوسط القروي المغربي
________________________________________
لعل من مظاهراهمية قطاع في حجم التربية والتعليم, أن تتحول قضاياه إلى محط جدال عمومي, مهما تعالت فيه الأصوات وتعارضت فستلتقي حتما على مستوى الخلل الهيكلي الذي تعيشه منظومتنا التعليمية, مما يجعل من كل مقاربة لهذه القضايا ترويجا لخطاب مأزوم على اعتبار أن السياق الذي افرز ويفرز هذه المقاربات هو وضعية قطاع يعيش أزمة مركبة, متعددة الوجوه, تعكسها الأسئلة العالقة بداية بالخطاب الملائم لمقاربة همومه وقضاياه, ما بين سؤال الهوية الذي شكل وعلى امتداد سنوات طويلة ما اسماه الدكتور عابد الجابري الثابت الرئيسيفي السياسة التعليمية بالمغرب ليس على مستوى الشعارات فقط بل وعلى مستوى التطبيق أيضا, نعني المبادئ الأربعة الشهيرة المستقدمة من عمق الفكر الوطني والتي جعلت من هذا الخطاب حبيس التعميم و التوحيد والتعريب ومغربة الأطر, و سؤال التنمية الذي كان ولا يزال له ما يبرره محليا, ودوليا ليتشكل الغائب الأكبر في صورة خطاب موضوعي يتجاوز كل ما هو أيديولوجي ضيق ليتحرك على المستوى الوظيفي, خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الضبابية المستشرية حول طبيعة علاقة المدرسة بمحيطها, وإشكالية اندماج كل منهما في الأخر والتي تعيد إنتاج إشكالية ذات طابع استراتيجي تتأرجح ما بين الحفاظ على الموروث وإعادة إنتاجه, أو تجاوزه عبر إحداث قطائع وتحولات عميقة على مستوى تشكيلات هذا المحيط. وصولا أخيرا و ليس آخرا إلى سؤال القيمةوالتي أضحت مثار تشكيك من الجميع.
هذه الأزمة المركبة تتجسد بشكل أكثر جلاء مع كل انتقال من الماكرو إلى الميكرو, وهو ما قد نلمسه مع تعاملنا المكشوف مع واقع التعليم بالوسط القروي, حيث يتعايش القهر الطبيعي مع مختلف صور النبذ والحرمان الثقافي والاقتصادي ليشكل واقعا أليما لا يملك إلا أن يسدل بظلاله على قضايا التربية والتعليم بهذا الوسط, على اعتبار أن هذه الظواهر لا تتحدد من خلال عوامل محدودة بقدر ما تتشابك مع البنية الداخلية للمجتمع وهو تصور لم يعد مثار جدل في صفوف المهتمين بسوسيولوجيا التربية بالنظر للخلفية النظرية الصلبة التي تؤطره, مابين الدراسة التكوينية ل jean Piaget التي يدافع من خلالها عن تفاعل بين الفرد ووسطه المحيط لان الذكاء يتأسس بفضل سيرورة توازن البنيات المعرفية استجابة لمتطلبات و قيود الوسط او الدراسة البيداغوجية ل LEV VYGOTSKY التي ركزت على المكون الاجتماعي من تصور مخالف يرى أن الاتجاه الحقيقي للتفكير لا يذهب من الفردي إلى الاجتماعي, بل من الاجتماعي إلى الفردي إذ يتحدد التفكير و الشعور بواسطة نشاط الفرد الذي يتفق مع أمثاله في وسط اجتماعي محدد. .إلا أن تناول مدرسة الوسط القروي في سياق تفاعلها الجدلي مع محيطها قد يطرح صعوبات منهجية جمة, بالنظر لصعوبة الاحاطة بهذا المحيط بما هو فسيفساء اثنية ثقافية طبيعية لغوية...شديدة التعقيد والبلقنة. انه مجتمع يتداخل فيه ما هو حاضر بما هو ماضي التاريخي بالثقافي الاجتماعي بالاقتصادي, السياسي بالثقافي...
من جهة أخرى فان خصوصية الظاهرة التربوية بالوسط القروي لا تبرر عزلها المطلق عن المنظومة التربوية المتحكمة في سير العملية التربوية, بعيدا عن إسقاطات المجال سواء كان حضريا أم قرويا و هو ما يفرض تناول مدرسة الوسط القروي في إطار النظام التربوي العام, أي مساءلة مختلف أنماط العلاقة التي تربط المدرسة القروية كمحيط بالمركز المحسوبة عليه أي المؤسسات المركزية الوصية على القطاع و مدى تفاعل الجانبين و درجة ايجابية هذا التفاعل, هكذا يعلن راهن التعليم بالوسط القروي عن نفسه في مركز تقاطع أزمتين, توجد مدرسة هذا الوسط في عمق كل واحدة منهما انطلاقا من مسلمتين اثنتين:
الأولى: تتعلق بكون مدرسة الوسط القروي هي إحدى مرافق هذا الوسط والتي ليس بامكانها أن تشذ عن قاعدة التهميش المطلق الذي يجتاحه, و هو ما يطرح علامة استفهام كبرى حول مدى صلاحية هذه المؤسسة لاحتضان العملية التربوية ما دامت بعيدة كل البعد عن تجسيد مفهوم المؤسسة المفترضة ساعة وضع البرامج و التشريعات.
الثانية: تموضع تعليم الوسط القروي كجزء من المنظومة الوطنية في شموليتها هكذا تتجسد الأزمة البنيوية الشمولية بشكل أكثر جلاء على مستوى هذا الوسط.
التعليم بالوسط القروي ودلالات الأرقام:
تبدو الفوارق الجهوية للتمدرس بين الوسطين الحضري و القروي امتدادا للتهميش الذي عرفه هذا الأخير داخل مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, هكذا رافقت السياسة التعليمية منذ الاستقلال توزيعا لا متكافئا للخدمات المدرسية بين المدن والقرى, في هذا السياق يرى الدكتور عابد الجابري أن البادية المغربية ظلت عموما محرومة من التعليم وبقي أبناؤها في نفس الوضعية التي عاش فيها آباؤهم يتسكعون في باديتهم أو يهاجرون إلى المدن الكبرى طلبا للشغلإذ ركزت سياسة التعميم على المدن أكثر من القرى, و هو أمر يفسره بوضوح تراجع عدد المدارس الفرعية التي تتشكل منها لمجموعات المدرسية في البوادي من 4119وحدة خلال الموسم الدراسي 66/67 إلى 3496 خلال الموسم الدراسي 70/71 كما انخفظ عدد تلاميذها على امتداد نفس الفترة من 422.978تلميذا إلى378000 تلميذا وهو ما يعني إن الفترة التي روجت للشعارات المغرية المرافقة لسياسة التعليم عرفت تراجع عدد تلاميذ هذا الوسط بنسبة 10% خلال خمس سنوات كما تراجعت نسبة تلامذته من مجموع تلاميذ المغرب من40, 3% سنة67 إلى31, 9% سنة72 .وهي أرقام تعبر عن ذاتها خصوصا وسكان الوسط القروي في هذه الفترة يتجاوزون ثلثي ساكنة المغرب.
هذا التوزيع الغير العادل للخدمات المدرسية بين الوسطين سيستمر على امتداد سنوات الاستقلال ليؤسس لتفاوت قاس على مستوى نسب التغطية بين النيابات, حيث سبعة منها لا تتجاوزنسبة تغطيتها بالوحدات المدرسية إلى حدود الموسم الدراسي 11, 7% 97/98 و هي بطبيعة الحال النيابات التي يحتل الوسط القروي الحصة الأهم من ترابها.تفاوت يعيد إلى الأذهان مقولة المغرب النافع وغير النافع, حيث السياسة التعليمية طريقا ليس فقط نحو إعادة إنتاج الطبقات بل إعادة إنتاج الجهات والمناطق أيضا.
مدرسة الوسط القروي: مدرسة لمجتمع أم مجتمع لمدرسة؟
بدا الاهتمام بمقاربة مدرسة الوسط القروي في سياق علاقتها بمحيطها منذ الستينيات, إذ كشفت دراسة بول باسكون والمكي بنطاهر" ماذا يقول 296 شاب قروي؟"عن وجود موقف ايجابي من المدرسة يتبلور في إطار تصور نفعي أساسه اعتبار المدرسة طريقا نحو الترقي الاجتماعي وتجاوز إعادة الإنتاج السلبي في الوسط القروي, مادامت المدرسة هي الطريق الأوحد لاختراق" المخزن" وضمان مقعد بين أصحاب" المانضة". إلا أن هذا الموقف الايجابي لا يبدو كافيا لضمان اندماج سليم لهذه المؤسسة في محيطها هكذا يعود بول باسكون للقول بان المدرسة المغربية مؤسسة غير مطابقة لشروط وظروف عيش ساكنة الوسط القروي من حيث هي مؤسسة دخيلة ناتجة عن شروط عيش بعيدة كل البعد عما له علاقة بالقرية وبنيتها الاجتماعية الثقافية الاقتصادية اللغوية...ولعل المظهر الأساس لازمة اندماج المدرسة في محيطها القروي يتمثل في موقعها الهامشي داخل هذا الفضاء, إذ تحتل في الغالب أماكن معزولة بعيدة عن السكن عن الماء عن المسالك الطرقية وهو ما يطرح علامة استفهام كبرى عما ينتظر من مصالح لبرمجة والتخطيط التي يكفيها تبرع شخص بجزء من أرضه لتقيم المدرسة دون أية دراسة ميدانية مسبقةمما يغيب التأثير الخاص للبيئة في الانفعال والتفكير والسلوك.إضافة إلى الحساسية التي كثيرا ما تطبع علاقة المعلم الشاب القادم في الغالب من مراكز حضرية بالأهالي.
هذه المظاهر تعيد طرح إشكالية الاندماج هذه بشكل مختلف على اعتبار أن هذا التعليم هو في نهاية الامرانعكاس لتخلف محيطه هكذا يكون اندماجه في هذا المحيط ذوبانا تلقائيا في نسق متخلف مما يؤشر على ضرورة تجاوز هذا الشكل من الاندماج السلبي.
مدرسة الوسط القروي:إسقاطات المحيط.
يبدو تناول مدرسة الوسط القروي في إطار محيطها انتصارا لتيار خاص في حقل سوسيولوجيا التربية, يمنح الأولوية للمتغيرات الاجتماعية في دراسة العملية التربوية في وسط معين, حيث نجاح هذه العملية أو تعثرها هو نتاج عوامل متعددة و متداخلة أكثرها حسما تلك المشكلة لخصوصية هذا الوسط ما بين السوسيوثقافي اقتصادي قيمي لغوي... في هذا السياق نستحضر أبحاث P.BOURDIEU وc.passeron خصوصا في كتابيهما"LA REPRODUCTION" و""LES HERITIERS إذ يقدم الباحثان التوسطات الخفية للمتغيرات الاجتماعية في السياسة التعليمية و العملية التربوية عموما, اعتبارا للتجانس الكبير بين العادات الثقافية ومقتضيات التفوق التعليمي. من هذا المنطلق سنحاول قراءة وتحليل مدرسة الوسط القروي في إطار خصوصية هذا الوسط عبر رصده كمعطى سوسيواقتصادي ثقافي, قيمي و لغوي.
1-الوسط القروي كمعطى سوسيواقتصادي:
يمكن رصد تأثير المتغير السوسيو اقتصادي على مدرسة مستوى الوسط القروي عبر التعامل مع فئتين:
أ‌- فئة الآباء: ترتبط صورة متعلم الوسط القروي في تصور الآباء بصورة موظف الغد, مما يدخل هذا الطفل وبشكل مشروع في نسيج االاحلام الأبوي ليتحول التمدرس إلى شكل من أشكال الاستثمار الاقتصادي و الضمان لمستقبلي, انه مشروع عائلي قد يفقد شرعية الاستمرار مع كل تراجع جديد للمدرسة عن تحقيق وظيفة الحراك الاجتماعي الذي أضحت تعززه على مستوى فضاء القرية وفود العائدين من مقاعد الدراسة لعليا خاليي الوفاض, خصوصا و طغيان الطابع التقليدي للإنتاج الزراعي في الأرياف عن طريق العمل الفلاحي العائلي يحول الطفل إلى قوة إنتاج تبدو الأسرة في أمس الحاجة إليها.
ب‌- فئة الأبناء: إن الثقافة المدرسية في جملتها ثقافة نخبة, وهو ما يفرز تنافرا صارخا بينها وبين المعطيات الاقتصادية لأسر المتعلمين الفقيرة في جملتها والتي لا تقدم أية حوافز مادية أو شروط اقتصادية كافية لضمان استمرارية سليمة لمسيرة تمدرس الطفل القروي, نتيجة تظافر عوامل البؤس و التهميش مما يحول المدرسة إلى فضاء للاغتراب و الاستلاب أيضا فبرامجها المتبنية لنمط حياة الآخر المتواجد في المدينة بكل مغرياتها التي تتجاوز قطعا سلبية الحياة في القرية, لا تساهم سوى في تكريس صورة متدنية عن الانا, فيتحول الطفل المتمدرس إلى مهاجر بالقوة .هكذا يمثل الفعل البيداغوجي السائد على مستوى مدرسة الوسط القروي عنفا رمزيا بما هو فرض لتعسف ثقافي بواسطة سلطان تعسفي.
-2الوسط القروي كمعطى سوسيوثقافي وقيمي:
إن صورة الأخر كما تمررها مدرسة الوسط القروي, تحمل في طياتها أيضا حمولة ذات طابع ثقافي و قيمي تنحدر من الوسط الحضري لتؤسس لقطيعة وجدانية تدعمها الصورة المتدنية للانا ويغذيها إحساس سلبي اتجاه العمل الإنتاجي القروي المصنف في جملته في خانة العمل اليدوي, ومن ثم الإدراك المبكر للدونية الثقافية والاجتماعية المميزة للأسر حيث الأبوان في الغالب أميان لا يعرفان القراءة و الكتابة, إضافة إلى شيوع نمط من التفكير قد يصنف في خانة الخرافي واللاعقلاني بمقاييس الثقافة المدرسية طبعا, لتشكل هذه العناصر في شموليتها فرضا تعسفيا لثقافة الأخر من حيث هي نتاج لشروط اجتماعية مختلفة.
-3الوسط القروي كمعطى لغوي:
إن النظام التعليمينسق يتحققضمنه التواصل البيداغوجي الذي يتخذ من اللغة قاعدة له, إلا أن هذه اللغة قد لا تكون مشتركة بالأساس بين المرسل و المتلقي, إذ تنتصب أمام الوافدين إلى المدرسة عتبة تعددية ثقافية و لغوية قد تتشعب أكثر إذا أخذنا بعين الاعتبار التنوع الثقافي واللغوي السائد, فتنضاف الامازيغية كمكون ثقافي ولغوي جديد يضيف للتنافر اللغوي بين المرسل والمستقبل داخل الفضاء التعليمي القروي تعقيدات جديدة.من جهة أخرى تنضاف إلى الفقر الثقافي المتمثل في أمية الآباء ظاهرة الفقر اللغوي الممثل في غياب التواصل عبر الحوار وسيادة لغة جافة تفتقر إلى المرونة والسلاسة, وهو ما يتماشى و أطروحة BERNESTEINالتي تركز على دراسة الاختلاف اللغوي من منطلقات اجتماعية وطبقية تجعل من الأوساط الفقيرة لغويا وفي جملتها الأوساط القروية أشبه بغيتوهات لغوية DES GHETTOS LINGUISTIQUES معزولة, فمحيط القرية فقير حتى من حيث الأدوات والأشياء المتواجدة به الشيء الذي ينعكس سلبا على الرصيد اللغوي للطفل القروي, و يضع عوائق إضافية أمام التواصل البيداغوجي الفعال.هذه الأفكار تعيد إنتاج إشكالية عدم تكافؤ الرأسمال اللسني بين الفئات الاجتماعية كما تصورها BOURDIEUو PASSERON وتنافر هذا الرأسمال مع لغة المدرسة.
مدرسة الوسط القروي في السياق المؤسساتي العام:
إن عزلة الوسط القروي كمحيط تابع في الغالب لمركز معين, قد تنعكس سلبا على مستوى مدرسته المرتبطة بمؤسسات أعلى محسوبة على المراكز الحضرية, حيث العلاقة بين هذه المؤسسة والجهات المحسوبة عليها) وزارة التربية الوطنية والنيابات التعليمية( علاقة مهزوزة تمر بشكل مشوه عبر قناتين:
-1قناة التراسل الإداري: عبرها تورد المؤسسات الوصية على القطاعمجموعة من المذكرات مابين نيابية ووزارية باختلاف مصدرها, تتضمن إعلانات أو توجيهات أو دعوات للاحتفال وتنظيم أنشطة موازية لأيام معينة من السنة.إلا أن طبيعة المدرسة في الوسط القروي, تحصر تعامل فاعليها التربويين في عملية توقيع آلية تتم في الغالب دون الإطلاع على محتوياتها, وبعد انتهاء صلاحيتها, خلال الاجتماعات الموسمية النادرة التي تتم بمركزيات المجموعات المدرسية. إن عملية التوقيع هذه المقرونة بلامبالاة مطلقة تخلي مسؤولية مديري المجموعات المدرسية المكلفين بإطلاع معلمي مجموعاتهم على هذه المذكرات, في حين تعكس موقفا سلبيا يحمله معلمو الوسط القروي تجاه كل ما يصدر عن الجهات الوصية على القطاع بما هو خطاب رسمي متعال عن الواقع اليومي للتعليم بهذا الوسط.

-2قناة المشرف التربوي )المفتش( :
تتعدد مسؤولياته و أدواره باختلاف وتعدد تسمياته, فهو المؤطر التربوي المشرف التربوي وقبل كل هذا و ذاك المفتش.فإذا كان الإشراف التربوي هو عملية مساعدة المعلمين لتحسين عملية التعليم و تطوير المنهج من اجل تحقيق النمو المتكامل للمتعلمينفان ما يعكسه راهن التعليم بالوسط القروي, يقدم صورة مخالفة لهذه العملية تنحصر في عروض مكرورة ونادرة يلقيها مفتشو المقاطعات التربوية في إحدى مدارس المراكز الحضرية بحضور معلمو المركزيات و الفرعيات القريبة, وغياب معلمي القرى النائية الذين تعوزهم وسائل الحضور و العودة.هكذا تطغى تسمية ومهمة المفتش على غيرها من المهام الأكثر أهمية, متجاوزة بذلك كل الشروط الصحية التي من شانها تطوير المنهج التعليمي, و السمو بالممارسة التربوية داخل منظومتنا التعليمية لتستقر على مستوى التفتيش و المراقبة بما تحمله هذه الكلمات من دلالات أمنية صالحة للتداول في مجالات بعيدة عن البعد التربوي. إن هذه الصورة رغم عموميتها, فهي تبدو من وجهة نظرنا الأكثر تعبيرا عن طبيعة العلاقة بين مدرسة الوسط القروي و المؤسسات الوصية عليها عبر قناة المفتش.
معلم الوسط القروي, الرضا المهني المفقود:
قد يبدو من الترف الفكري الحديث عن مسالة الرضا عن المهنة في مجتمع يطبع تصور الناس فيه هاجس الشغل, أي شغل, باعتباره مصدر عيش بالأساس, إلا إن شرعية تناول هذا الموضوع تكمن في أن للرضا عن الذات انعكاسه على مختلف المجالات التي تعمل فيها هذه الذات وتتفاعل معها اجتماعيا ومهنيا ففي مجال التربية تنعكس الصورة التي يحملها المدرس على ذوات المتمدرسين... ما دام تقبل الذات هو شرط تطويرها وتحققها وإبداعها.وكذلك شرط تطوير الآخرين وتحقيق ذواتهم بالتعلم و في التعلم.
تحيل وضعية معلم الوسط القروي على وضع مجالي خاص, يتحدد جغرافيا. اثنيا. لغويا أكثر بكثير مما يتحدد تربويا, ليتحول إلى وسط ضاغط يتحرك المعلم في إطاره باعتباره عنصرا غريبا عليه فقط الامتثال لأعراف وقيم مجتمعه الجديد و الاندماج في نمطه المعيشي, ما دام وافدا في الغالب من مناطق حضرية مختلفة. مما يحصر علاقة المعلم بوسطه الجديد في علاقة عمل ليس إلا يؤطرها الإحساس بالإحباط و الغبن.كما أن طبيعة الدور المرتبط في الغالب بتدبيراقسام متعددة المستويات, يضيف إلى وضعية المعلم تعقيدات جديدة تفرز مزيدا من التشنج على مستوى تفاعله مع عمله من جهة و محيطه من جهة أخرى و هو ما يعني غيابا صارخا للرضا المهني عبر تظافر ضغطي الدور و الوسط.
في الختام, نستحضر من جديد إشكالية اندماج التعليم في المحيط لأنها تعنينا أكثر مادمنا بصدد التعامل مع قضايا التعليم في محيط معين) الوسط القروي(, ليكون المطلوب كما يرى الدكتور عابد الجابريهو إدماج المجتمع في التعليم عن طريق إتاحة الفرصة لهذا الاخيرلتحقيق تحولات على مستوى محيطه وتأهيل هذا المحيط للتفاعل الايجابي مع التعليم من جهة, واستقبال نتائج التعليم من جهة أخرى.و هو ما يجعلنا نخلص إلى أن عناصر التنمية البشرية وفي عمقها التعليم ينبغي أن تسير جنبا إلى جنب, لتحقق الدور المنوط بها مجتمعة وان تخلف إحداها لابد وان ينعكس سلبا على العملية في شموليتها.