المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليم بالمغرب يحتضر


nasim111
10-09-2012, 23:23
التعليم بالمغرب يحتضر







يونس كحال
واقع التعليم بالمغرب يمكن تشبيهه بذلك المريض الذي أنّا تحسّست عضوا من أعضائه يئن، وهو قد وصل إلى مرحلة لم يعد من الممكن السكوت عليها نظرا لخطورة الوضع، فإما إنقاذه بإجراء التحاليل اللازمة و معرفة العلة والعمل على صرف الدواء المناسب له حتى يتماثل للشفاء، أو ارتكاب نفس الحماقات السابقة بصرف أدوية لا تتناسب والأمراض الذي تنخر جسده، أو القيام بعمليات استعجالية لا فائدة منها سوى صرف ملايين الدراهم والزيادة في تفاقم مرض ذلك الجسد المريض.
أزمة التعليم ليست حديثة بالمغرب، بل هي قديمة قدم مشاكله الأخرى، وما الحالة التي وصل إليها الآن سوى نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من الارتجال وسوء التسيير وجعل التعليم ورقة سياسية يتلاعب بها الجميع، والمحصلة هي ما نراه الآن من تذيله مؤخرة الترتيب العالمي، هدر مدرسي بالجملة، نسبة أمية ضخمة وضخمة جدا، مستوى معرفي متدني جدا للمتعلمين، تعليم يفرخ الآلاف من المعطلين سنويا والكثير من المشاكل المرتبطة فيما بينها ولكنها في الأخير تؤدي إلى حصيلة واحدة... التعليم في المغرب يحتضر.
الأسباب التي جعلته يصل إلى هذه الدرجة الخطيرة متعددة ويصعب تحميلها لجهة دون أخرى، لكن ما هو مؤكد أن جميع الأطراف التي لها علاقة بهذا القطاع في المملكة تتحمل جزءا من هذا الوزر.
الجزء الكبير من المسؤولية تتحمله الدولة بطبيعة الحال، سياساتها في هذا الميدان لم تكن ذات جدوى، بل إنها في فترات من التاريخ عمدت بيدها إلى إضعاف التعليم باعتباره آلة تفريخ للمعارضين، ثم توالت السنون فلجأ المسؤولون إلى استيراد مناهج غربية لا علاقة لها بواقع المغاربة وبيئتهم، وأصبح ميدان التعليم مختبرا للتجارب، دون الأخذ بعين الاعتبار ثقافة وبيئة المجتمع المغربي في الحسبان، كما أنه عهد لأشخاص تطوير منظومة التعليم مع العلم أنهم لا تربطهم أية علاقة بها سوى قربهم من مركز القرار.
تدهور التعليم راجع أيضا إلى انتهازية بعض الكائنات السياسية والنقابية التي ركبت عليه وجعلته مطية لتحقيق مآربها، ولا أدل على ذلك من أن بعض الزعماء السياسيين عملوا على تجهيل غالبية المغاربة في حين ضمنوا لأبنائهم تعليما نخبويا سواء داخل المغرب أو خارجه استطاعوا من خلاله تبوؤ مراكز حساسة في الدولة، وإلى الآن لازلنا نرى تبعات هذه السياسة غير العادلة، فجل الأسماء التي هي في مراكز القرار الآن تعود لعائلات سياسية معروفة في المغرب.
دور النقابات كان سلبيا على القطاع، حيث أن بعض النقابيين في سبيل مصالحهم الشخصية لم تعد تهمهم المصلحة العامة، وهكذا أصبحت الإضرابات كحصان طروادة، من أراد تحقيق غاية في نفس نقابة ما لوح بورقة الإضراب، وبما أن الواقع النقابي في المغرب يعرف حالة من التشرذم فإن ذلك سينعكس سلبا على واقع التعليم، ولا أدل على ذلك كثرة الإضرابات التي يعرفها القطاع الشيء الذي انعكس سلبا على الفئة المتعلمة.
الأساتذة لهم يد في واقع التعليم المتردي، ليس كلهم ولكن جلهم، فهناك فئة من رجال ونساء التعليم لا يعرفون شيئا اسمه الضمير المهني، فكل ما يربطهم بالتعليم هي تلك الأجرة الشهرية التي يستخلصونها في آخر كل شهر، أما مصلحة تلامذتهم فلا تهمهم في شيء، وذلك راجع إلى أن هذه الفئة جاءت إلى ميدان التعليم بالصدفة، فبعض هؤلاء يحتاجون بدورهم إلى من يعلمهم نظرا لمستواهم العلمي الهزيل أو عدم توافق شهاداتهم مع ما يدرسونه، أو كما قلنا مات ضميرهم وبالتالي مات فيهم الإحساس بالمسؤولية، فبالرغم من أن الدولة تعتبر التعليم من أولويات الأولويات إلا أنها تغفل شيئا مهما ألا وهو العنصر البشري، فكل ما يهم الوزارة الوصية على القطاع توظيف عدد مهم من الشباب لامتصاص عطالتهم دون مراعاة أوصاف معينة يجب توافرها في الأساتذة، وهذا ما أثر سلبا على القطاع، فهناك العديد من الموظفين في هذا القطاع لا يتوفرون على أدنى الشروط المطلوب توفرها في معلم الأجيال، لذا فمن واجب الدولة أن تعيد النظر في مسألة تأهيل هذا القطاع وقطع الطريق على أشخاص لا يرون في ذلك العمل النبيل سوى أن مهنة التعليم توفر لهم أجرة قارة وأيام عمل قليلة بالنظر إلى كثرة العطل وكثرة الإضرابات، فبالتركيز على نوعية الأساتذة ستكون النتائج أفضل.
نأتي هنا إلى دور مهم لا يقل أهمية عن دور الدولة ألا وهو دور العائلة، مخطيء من الأباء من يظن أنه عندما يرسل فلذة كبده إلى المدرسة بأن دوره انتهى، بل بالعكس، يجب على كل أسرة أن توفر الظروف الملائمة لدراسة أبنائها في المنزل، وتتبع دراستهم عن كثب بالسؤال عنهم وعن المشاكل التي يمكن أن تعترض طريقهم، وهناك العديد من الأباء لجهلهم يحمّلون المسؤولية للأستاذ فقط في حين يتناسون مسؤوليتهم هم، فالتلميذ يعيش في محيط يتقاسمه بين المنزل والمدرسة والشارع، ولكل عنصر من هذه العناصر تأثير بليغ عليه.
هذه مجموعة من الأسباب سردناها في عجالة لنسلط الضوء على المشاكل التي يعاني منها التعليم، وإن نحن أردنا تشريحها فلن تكفي في سبيل ذلك العشرات من المجلدات نظرا لأهمية الموضوع، لكن ماهو مطلوب الآن هو تظافر جهود جميع المتدخلين والإسراع بإيجاد الحلول الناجعة والمستعجلة لهذا المريض قبل فوات الأوان.