المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال رأي: وزراة التربية الوطنية.. بين التسرع وقصور الرؤية


التربوية
21-11-2012, 16:25
مقرر وزراة التربية الوطنية.. بين التسرع وقصور الرؤية

المساء

نشر في المساء يوم 20 - 11 - 2012

محمد أوعلي
كثيرة هي المواقف التي يحتار الإنسان في تفسيرها أو تأويلها، وتزداد الحيرة حينما تصدر مثل هذه المواقف عن مسؤول على قطاع حيويّ يرهن مستقبل البلاد والعباد، ويتعلق الأمر
بمقرر وزارة التربية الوطنية، الصادر بتاريخ
-04 -09 2012، والحامل لرقم -199 12، والداعي إلى إبطال مفعول المذكرة الوزارية رقم
-03 -09 2008 م، والهادف إلى منع نساء ورجال التعليم العموميّ من التدريس في مؤسسات التعليم الخصوصيّ خارج المذكرة المنظمة لذلك، أي بدون ترخيص أو بإعطاء حصص يفوق عددها ما تم التنصيص عليه.
وإذا سبق وعبرت العديد من الشرائح الاجتماعية عن مساندتها المطلقة لهذا المقرر، على اعتبار أنه ينمّ عن جرأة كبيرة -من وجهة نظرها- فإنه في المقابل عبّرت شرائح أخرى عن رفضها له بحجة أنه ينمّ عن تسرع كبير، ما جعل المجتمع ينقسم إلى قسمين متعارضين، في وقت يُفترَض أن تكون القرارات المتخذة في هذا القطاع الإستراتيجيّ، بل في كل القضايا المصيرية، تحظى بالإجماع، لتتم أجرأتها وتنفيذها بكل يسر وسلاسة.
ولكي لا ننساق وراء هذا الموقف أو ذاك، وجب أولا أن نتحرى الموضوعية ونضع المصلحة العليا لأبنائنا وبلدنا فوق كل اعتبار، ومناسبة إثارة المصلحة العليا تنبثق من كون العديد من المعارضين هم من المستفيدين من وضع ما قبل صدور المقرر: مستثمرون في التعليم الخصوصي، آباء وأولياء تلاميذ هذا التعليم... كما أن الكثير من المؤيدين هم من المتضررين من هذا الواقع المراد تغييره، كآباء وأولياء تلاميذ التعليم العمومي.. وعليه يبقى الانتماء إلى أحد الخندقين مجازفة خطيرة، لأنه سيزيد من حدة إنقسام المجتمع، من جهة، وسيجعلنا نؤيد بالضرورة -شئنا أم أبينا- أصحاب المواقف المصلحية الضيّقة، من جهة أخرى.
إن للسلطات التربوية الحق في إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية واسترجاع هيبتها بفرض احترام القوانين، ولكنْ عليها أن تتحلى بالحكمة والتبصر، ذلك أنّ المقرر الذي نحن بصدد تحليله ينطوي على الكثير من التسرع والقصور.. أما التسرع فيتجلى في كونه «نزل» في وقت غير مناسب، حيث تزامن مع الدخول المدرسي الذي يحتاج إلى التعبئة الشاملة لإنجاحه، لأن الإنطلاقة الخاطئة قد تربك السنة الدراسية بكاملها، ومن يدري فما زالت تبعات هذا المقرر تتفاعل على الساحة التعليمية، فلوبيات التعليم الخصوصي يطالبون بإلغائه ويوزعون التهديدات يمينا وشمالا، بل يُلوّحون بإقفال المدارس الخصوصية.. بينما يتضح قصور المقرر وعدم شموليته في التفسيرات التي رافقت صدوره، والتي أشارت غير ما مرة إلى أن التعليم الخصوصي يعيش على حساب التعليم العمومي من خلال «تهريب» العديد من نساء ورجال هذا الأخير نحو التعليم الخصوصي دون احترام للمذكرات المنظمة، وهذا هو مربط الفرس أو سبب نزول المقرر، الذي يحمل في طياته -من حيث يدري واضعوه أو لا يدرون- تصحيح خطأ بخطأ أكبر منه.. ذلك أنه لم يقترح حلا للمشكل بقدْر ما عمل على تغيير موقعه عبر نقله وتصديره للتعليم الخصوصيّ، وهو ما أعطى الانطباع بأنّ وزارة التربية الوطنية هي وزارة للتعليم العمومي فقط، بيد أن المدرسة العمومية والخصوصية هما وجهان لعملة واحدة، لذا وجب على أي مقارَبة أن تكون وطنية قبل كل شيء وتأخذ في الحسبان مصلحة كل المتمدرسين، بغضّ النظر عن انتمائهم إلى هذه المدرسة أو تلك، وإلا ستكون قاصرة مهْمَا عبّأنا لها من أسباب النجاح..
إن المزيد من التمحيص في هذا المقرر الصادر عن مسؤول سياسيّ متمرّس، أو مفترض فيه أن يكون كذلك، لتدفعنا إلى القول بسطحيته، بل إنه يشكل قنبلة موقوتة قد تصيب شظاياها كل الجسم التربويّ في حال تفجرها، فلنتصور أن المقرر نفذ حرفيا -وهو مالم يحذث إلى حد الساعة- ونفذ إثر ذلك أصحاب المدارس الخصوصية تهديدَهم بإقفال هذه المدارس أو تقليص عددها، فكيف يمكن للمدرسة العمومية أن تستوعب تلاميذ التعليم الخصوصي؟ ألدينا ما يكفي من الأطر لمواجهة هذه المسألة؟ وهل للوزارة الوصية الإمكانات الضرورية لتحمل هذا الوضع؟..
إن الجميع يعرفون أن الجواب بالنفي عن هذه الأسئلة ليست فيه أي مزايدة، بالنظر إلى المشاكل العويصة التي يتخبط فيها تعليمنا، وأفقه القاتم -على المدى القصير والمتوسط على الأقل- ونتمنى أن لانكون على صواب في قولنا بسطحية هذا المقرر، لأن القائمين على التعليم في بلادنا لا يمكن أن يكونوا بهذه السداجة، وهذا ما يجرّنا إلى تأويل آخر، يتمثل في أن المقرر برمته ربما هو مناورة لليّ ذارع أرباب التعليم الخصوصي ومواجهة «عقوقهم»، بل وسيلة لقياس مدى قوتهم وقابليتهم لتنفيذ أوامر ومقررات الوزارة في الحال والمستقبل، وقد تكون هناك خلفيات وتأويلات أخرى لهذا المقرر لا يعلمها إلا الله وواضعوه.
وخلاصة القول إن المقرر -وإنْ كان يتمتع بالجرأة في طرحه- فإنه فاقد للشمولية في مضمونه. لذا ارتأينا -انطلاقا من غيرتنا- ألا نكتفي بالتحليل والنقد، بل ندلي بدلونا علّنا نساهم في سد بعض الثغرات بالاقتراحات المتواضعة الآتية :
-1 إشراك المعنيين قبل اتخاذ القرار، مع استحضار مصلحة أبنائنا وبلدنا (وزارة وصية، أرباب التعليم الخصوصي، نقابات، جمعية آباء وأولياء التلاميذ)..
-2 الإسراع بفتح مراكز التكوين في وجه حمَلة الشهادات المعطَّلين من شبابنا لسد حاجة التعليم الخصوصي من الأطر التربوية .
-3 إخضاع نساء ورجال التعليم الخصوصي الممارسين للتكوين المستمر، لأن أغلبهم فاقدون للتكوين التربويّ، وفاقد الشيء لا يعطيه..
-4 الاتفاق بين الوزارة الوصية وأرباب التعليم الخصوصيّ على حيثيات هذه التكوينات من حيث التمويل والمضمون والمدة الزمنية... وكذا الاتفاق على دفتر تحملات جديد، معقول وواقعيّ.
-5 ضمان حقوق الأطر الإدارية والتربوية العاملة في التعليم الخصوصيّ بشكل يرفع عنهم الغبن، إنْ على مستوى الأجور وعدد ساعات العمل أو على مستوى العسف والشطط.
-6 تسوية وضعية المستحقين للترقية، من نساء ورجال التعليم العموميّ، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع الشركاء الاجتماعيين في هذا الصدد، لأن الحاجة هي التي تدفع العديد منهم إلى التعليم الخصوصي.
-7 وضع سقف زمنيّ يتراوح بين 3 إلى 5 سنوات لتفيذ وأجرأة النقط التي سبق ذكرها..
وأعتقد، في الأخير، أن التعامل مع هذه الاقتراحات -إذا كانت مجدية- ومع اقتراحات العديد من الغيورين بروح من المسؤولية والوطنية من شأنه أن يُعيد الثقة إلى النفوس ويعمل على رصّ الصفوف وتعبئة الطاقات لمواجهة أمهات المشاكل التي يعاني منها تعليمنا، بل ويفتح آفاقا واسعة أمام العاطلين من شبابنا، فضلا على القضاء -وهذا هو بيت القصيد- على ظاهرة «ترحال» أساتذة التعليم العموميّ نحو نظيره الخصوصيّ، لأن هذا الأخير ستصبح له أطره الكفؤة والكافية .
رجل التعليم