المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أعطاب العمل النقابي بالمغرب


abo fatima
23-06-2013, 10:17
أعطاب العمل النقابي بالمغرب


بقلم: ذ.سعيد الشرقاوي


إن كون العمل النقابي نبض المجتمع و قوته الساعية إلى ضمان التوازنات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بين أفراده، و اضطلاعا منه بأدوار التأطير الواعي و اليقضة الدائمة لأفراد، و تفعيل الحراك الشعبي المدني سعيا للضغط السلمي و المراقبة البناءة لأداء لأجهزة الدولة و مراكز القرار. جعل الجهاز المخزني وإدراكا منه لتلك الأدوار الطلائعية يبتكر و يبدع كل ما في وسعه من وسائل مادية و خفية لإفراغ الجهاز النقابي من أدواره الفاعلة، سعيا إلى ترويضه و الحد من فاعليته، وفي المقابل تطويعه و صياغته وفق خاتم يضع بين أصابعه يحركه كيف و متى شاء.

بين الأدوار الطلائعية و التاريخية النقابية، و مطامح الترويض و التدجين المخزنية، يتشكل وضع نقابي مغربي عنوانه العريض "جعجعة بلا طحين"، آلة جوفاء تعج ضجيجا بين الفينة و الأخرى، جراء أعطاب تعترضها و هي حصيلة البطش المخزني :




· عطب احتواء و تدجين النخب النقابية:




من المجالات التي حققت في الجهاز المخزني نجاحا باهرا خبرته المريرة في الترويض و تقليم الأظافر و التوجيه وفق اختياراته و توجهاته، نمتح ذلك في كون المؤسسة النقابية اليوم تقود إلى المؤسسات السياسية الحزبية و إلى كراسي مؤسسات الدولة، فأقل ما يمكن القول عنها أنها "مقاولة نقابية" و ملحقة تابعة للجهاز المخزني يتحكم بها عن بعد، بعد أن أسسها بعطفه و رضاه و بمباركته.و مادامت كذلك فإن النخب المتواجدة فيها تعتبرالنقابة إحدى المررات للوصول إلى العطف المخزني ما دام هو حارس بوابة الوصول إلى قشدة المجتمع.

إنه بفعل صنارة التدجين و الإدماج المخزني، أفرغ الجسم النقابي من محتواه، ووجه إلى أغراض مخزنية تستهدف امتصاص الغصب الشعبي و تسويق خيارات المخزن، وتوجيه الرأي العام إلى قضايا هامشية، و غير بعيد عنا اعتبار ملف الصحراء القضية المركزية في احتجاجات فاتح ماي 2013 ، و بعده مسيرة حول "قضية الاغتصاب" الأحد 05 ماي 2013، إنها قضايا يجلبها المخزن إلى دائرة التأثير، التفافا عن ملفات عالقة وقضايا هامة: ارتفاع الأسعار – تجميد الأجور- خرق الحريات النقابية "قانون الإضراب" – التعليم، الصحة...أين هذه أمام تلك؟. من ذلك يجد المخزن مساحة واسعة يدجن بداخلها النخب و يرسم لها حدود التصرف و قضايا الاهتمام.




· عطب البلقنة و الفريخ:



من أدواته الإختراقية الفعالة أيضا، يبتكر المخزن في إيجاد اللقاحات الفعالة لبلقنة الجسم النقابي و تشتيته إضعافا له و تأثيثا لتضاريسه بالشكل الذي يضمن له التحكم، لذلك نجده يبث الخلافات و يخلقها، و تارة يقدم امتيازات للبعض ، و يحرم البعض الآخر منها، إضعافا للتكتلات الكبرى الخارجة عن سياجه الموضوع، وصناعة لرموز أخرى مرغوب فيها عبر آلة الإعلام التي تصنع كائنات ضوئية ومناضلين استثنائيين في أقل وقت ممكن.

وواقع العمل النقابي تاريخيا و حاليا يشهد بالتفريخ و الانشقاقات الفجائية التي صنعها المخزن ضمانا لتحكم أكثر، فكل جهاز نقابي يحمل معه مولودا جديدا في مرحلة تاريخيا معينة اقتضاها و حددها حاجة المخزن إلى المولود الجديد، بدءا بانشقاق الفيدرالية الديموقراطية للشغل عن الكونفدرالية الديموقراطية للشغل ، مرورا انشقاق الإتحاد العام الديموقراطي للشغالين بالمغرب، عن الإتحاد العام للشغالين بالمغرب، وصولا إلى الانشقاقات الأخيرة التي عرفها كل من الإتحاد الوطني للشغل و الإتحاد المغربي للشغل.




· عطب الارتجالية و التدبدب:



بالأمس القريب خاضت التنظيمات النقابية في مختلف القطاعات معارك نقابية وفق ملفات مطلبية ضخمة تحتاج إلى عقود من النضال في ظل وضعنا النقابي المتردي، غير أننا نرى اليوم فراغا نضاليا استثنائيا و انكماشا يمكن نعته ب "سلم اجتماعي " غير أن المعهود و الأقرب إلى المنطق و الواقع أن السلم الاجتماعي قرار نقابي تاريخي لا يمكن اللجوء إليه إلا بعد تسوية الملفات و القضايا العالقة. هل هذا البرود النقابي يعكس سلما اجتماعيا تمخض عن مكتسبات مصونة؟ هل اتفاق 26 أبريل 2011 يعكس حجم الملفات المطلبية العالقة؟

هذه التساؤلات و غيرها تضعنا أمام حقيقة التنظيم النقابي المغربي الفاقد لسلطة القرار و لديموقراطية داخلية تفرزها. إنه تنظيم متدبدب يفقد لخطة إستراتيجية نضالية واضحة المعالم و المراحل، تحكمه رغبات و توجهات الجهاز المخزني، و ترسم له حدود التحرك درا للرماد في العيون و ضبطا للحراك الشعبي و امتصاصا لغضبه، إنه بذلك جهاز و أداة في يد المخزن للتحكم عن بعد، و يفتقد لأي سلطة في وضع مخططات استراتيجية نضالية جريئة.




· عطب العزوف عن العمل النقابي:



إن تشرذم الجهاز النقابي وارتمائه في أحضان المخزن، أفرز عزوفا ملحوظا عن العمل النقابي انخراطا و حتى مشاركة في المحطات النضالية التي تدعو إليه التنظيمات النقابي، و هي مشاركة أضحت محتشمة "إضرابات قطاع التعليم نموذجا"، هذا العزوف نتيجة اليأس و الإحباط الذي نالت منه الشغيلة الحظ الأوفر ، وهو ما خلف هوة و مأزق شاسع بين أغلبية ساخطة صامتة متفرجة تتنامى بشكل ملحوظ أمام أقلية يكابد فيها "الذين هم تحت" و يساوم و يدجن فيها "الذين هم فوق"، مأزق وضع التنظيم النقابي في خانة معزولة تفقد ثقتها أمام الجماهير، و توقع سيئ لأي محاولة احتجاجية جريئة.

كما أن الارتباط المصلحي كعلاقة تطغى بين التنظيم و الفاعل النقابي، خلف غياب ثقافة النقد و المساءلة لدى الفاعلين النقابيين، و تنامي نزعة التبرير و التواطؤ، أو الرجوع إلى الوراء و الاكتفاء بتوجيه أصابع الاتهام و تبرئة الذمة.

نجد أعطاب العمل النقابي بالمغرب من صنع النظام المخزني و حلفائه في الميدان جعلت منه آلة جوفاء عرجاء تطن وفق هوى الخزن و رغباته، فهو وضع لا يستفيد منه سوى الجهاز المخزني و النخب المرتمية في أحضانه، إذ بدلك يجد نفسه الحكم و والفيصل في كل قضية يسجل حضورة الفاعل كنظام اختراقي و توجيهي. إنه وضع يضعنا أمام أفق مفتوح عن الزمن ننشد فيه أن يعيد الفاعل و الفعل النقابي حيويته وفاعليته و مقاومته باعتباره الحصانة و الجدار السميك أمام كل الخيارات التصفوية المسكنات المتبطة التي ينهجا الجهاز المخزني. كما يضعنا على مشارف أفق صناعة تنظيم نقابي راشدا يمتلك المقومات الطلائعية لمواجهة التحديات المصيرية، يتطلب ذلك من الغيورين و الفضلاء وعيا باللحظة التاريخية الحاسمة و اقتناعا بضرورة العمل المشترك الجاد والمسؤول كصمام آمان و بديل مصيري ناجع لإنجاز مهام المرحلة التاريخية.