المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى عمر عزيمان رئيس المجلس الأعلى للتعليم: أدركوا تجربة مراكز الأقسام التحضيرية للمعاهد العليا في المغرب، إنها تستغيث !


التربوية
19-10-2013, 18:40
إلى عمر عزيمان رئيس المجلس الأعلى للتعليم: أدركوا تجربة مراكز الأقسام التحضيرية للمعاهد العليا في المغرب، إنها تستغيث !

البشير خنفر نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 10 - 2013

عزمت على الكتابة إليكم بعد تردد يعود سببه إلى الفائدة المنتظرة من الكتابة في موضوع اشتد عليه الطرق الإعلامي، والتبست فيه الخطابات بلا فائدة. وأصبح الناس ينتظرون فيه الأفعال لا الأقوال. ونظرا للتقدير الذي أكنه لشخصكم ولتاريخكم، بدا لي أن التوجه إليكم بخصوص موضوع يهم الشأن الذي أناطته أعلى سلطة في البلاد بكم بصفتكم رئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للتعليم في المغرب ، أضحى امرأ ملحا و ضروريا.
لقد سبق لي أن حضرت جلسة عقدت بالمجلس الأعلى للتعليم وخصصت لمستقبل مراكز الأقسام التحضيرية للمدارس العليا وشهادة التبريز في المغرب .وغادرت حينئذ مقر المجلس الأعلى بالرباط يحدوني الأمل في أن الشروط قد نضجت للقيام بنقلة نوعية في المجالين معا (شهادة التبريز والمراكز التحضيرية للمعاهد العليا في المغرب)، وهما مترابطان أشد ما يكون الترابط.
والحق أن الجميع حينها علق هذا الأمل على حزم الفقيد عبد العزيز مزيان بلفقيه إلا أن القدرة الإلهية شاءت أن يغادرنا إلى دار البقاء ،رحمة الله عليه .وظل هذا الحلم بعده في مهب الريح ، تتقاذفه الأهواء والأمزجة والحسابات الصغيرة جدا وردود الأفعال المتشنجة التي لا تصلح لأن تقيم عليها أمة تحترم نفسها استراتيجيتها التعليمية في بناء مؤسسات رفيعة ومنتجة كمراكز الأقسام التحضيرية للمعاهد العليا . وتلك مشيئة الله لا راد لها . وبين تاريخ انعقاد الجلسة /الأمل تلك ويومنا ، ضاعت العديد من السنوات سدى ، أذكر ذلك بكثير من المرارة ، وكأننا أمة لا تقيم للزمن شأنا !! إذ لا يعقل أن تسند الأمة أمر تكوين خيرة أبنائها ( الحاصلين على أعلى المعدلات في الباكالوريا ) لمراكز يسود أطرها الشعور بالقهر والظلم ، والاستبداد الذي سلط على الأطر المبرزة العاملة بها . ففي الوقت الذي حقق طلبة هذه المراكز نتائج متقدمة في مباريات ولوج المدارس العليا الفرنسية والمدارس العليا للمهندسين ببلادنا، توصل العاملون بها برسائل موقعة من الوزير شخصيا « يوبخهم فيها توبيخا شديدا ويخبرهم أنه سيقتطع من أجورهم أجرة شهرين متتابعين « .
وقد بلغ عدد التوبيخات الموزعة على أطر هذه المراكز ما يفوق ستمائة توبيخ ظالم  !!. وذلك في رد فعل منفعل على تعبير المبرزين العاملين بهذه المراكز عن يأسهم من إصلاح منظومة الأقسام التحضيرية للمعاهد العليا، والاعتراف بمكانة الأساتذة المبرزين المغاربة بعد انتظار دام أكثر من عشرين سنة. قد يكون أسلوبهم في ذلك غير مقبول إلا أن أسلوب الزجر والانتقام وتبخيس أدائهم يكاد يدمر كل شيء نافع في هذه المؤسسات .
لقد شنت على المبرزين وهم من خيرة أطر البلاد (وهذا لا يعني ألا يكون بينهم من يجوز ألا يسري عليه هذا الوصف كما هو الشأن في باقي المجالات والمهن ) حملة هدامة وغير منصفة ، جرت وقائعها في البرلمان ووسائل الإعلام . حيث ردد الوزير السابق أن المبرزين يطالبون بتخفيض حصة العمل الأسبوعية إلى ثماني ساعات ، وهو ادعاء لا أساس له من الصحة . أما الحقيقة فتتمثل في قرار آخر كانت الوزارة تهيئ له بهذه الحملة ، وتجلى في ما بعد في إجبار الأساتذة المبرزين العاملين بهذه المراكز على القبول بالعمل ما من 6 الى 8 ساعات إضافية إجبارية، ليغطوا الخصاص المهول في الأطر الذي تعرفه هذه المراكز العمومية ، مما جعل بعض المبرزين يعملون الآن ما بين 20 الى 22 ساعة . وهو أمر لاشك منعكس على نوعية التأطير وجودته . وقد همت هذه الساعات الإضافية الإجبارية مختلف التخصصات الضرورية لتهييء الطلاب لاجتياز مباريات ولوج المدارس العليا للمهندسين في فرنسا وعلى الصعيد الوطني، وكذا ولوج المعاهد العليا للتجارة والتسيير في بلادنا وفي فرنسا . تم ذلك في تجاهل تام لمطالبتهم بإصلاح أوضاع مراكز الأقسام التحضيرية بالبلاد والاعتراف بمكانة الأستاذ المبرز وإنصافه.
إن هذه الأجواء الثقيلة أحبطت العزائم وأشاعت الشعور بالقهر. وأصبحت المراكز تعيش احتقانا صامتا بعد أن كانت فضاء للعمل الجاد والبناء. والنتيجة أن الكثير من أطر هذه المراكز المشهود لهم بالكفاءة أصبحوا يتطلعون إلى مغادرتها نحو الجامعة أو الخروج للتقاعد النسبي. فتقلص عدد الأقسام النوعية mp* على الصعيد الوطني الى النصف، من أربعة أقسام إلى قسمين، وأصبحت نتائج بعض مراكز القطاع الخاص في بعض المدن الكبرى تتقدم نتائج المراكز العمومية بها لأول مرة في تاريخ هذه المراكز بالبلاد ، وهذا أمر مؤسف حقا. وبينما كانت مراكز الأقسام التحضيرية بتجربتها الناجحة استثناء في منظومة تعليمية معطوبة ، أصبحت بدوها تنزلق بسرعة نحو الهاوية . يتزايد الإقبال عليها كل سنة، دون ان يتم تكوين العدد الكافي من الأطر المبرزة ذات الكفاءة العالية (فقد أسندت مهام تأطير السنة الثانية هذه السنة لأساتذة «متدربين « لم يسبق لهم العمل في هذه المراكز من قبل لسد الخصاص ،اما بعض المواد اللغوية فلا يزال البحث جاريا عن أساتذة أكفاء من الثانوي لتدريسها !!).
ليس من المعقول ان تدبر شؤون مراكز أسندت لها مهام تكوين أجود ما ينتجه النظام التعليمي في البلاد بهذه الارتجالية مهما كانت الذرائع !!! لقد بات ضروريا لتجاوز هذا الوضع المأزوم أن يعاد النظر في مجالين أساسيين هما : سلك التبريز وشهادة التبريز ببلادنا ، وذلك أسوة بغيرها من البلدان المتقدمة . فتعطى لهما الأهمية الكافية ماديا ومعنويا حتى يكونا قادرين على استقطاب خيرة الأطر التعليمية في البلاد . والحال أنهما اليوم عاجزان عن ذلك، لا يغريان أحدا، الكل يرى ان الانتساب إليهما مغامرة غير محسوبة العواقب .
إن إيلاء الأهمية لهما من شأنه ان يخلق دينامية في المنظومة التعليمية ببلادنا، فتصبح منظومتنا التعليمية قائمة على التنافس في الاجتهاد والتحصيل والخبرة، منظومة تقدر البذل وتكافئ عليه . لقد اصبح من الضروري الاعتراف بقيمة شهادة التبريز ماديا ومعنويا، وإقامة معادلة منصفة ومعقولة لها من شانها أن تربط المبرزين بالبحث العلمي الجامعي، فيسمح لهم بالتسجيل في سلك الدكتوراه .
ولا أعتقد أن عاقلا سيجد في مشروع من هذا القبيل ما يضر النظام التعليمي في البلاد، بل بالعكس إن فيه كل أسباب الرفع من جودته وتحقيق انفتاحه على التطور العلمي والتقني الذي يشهده العالم من حولنا. يتوج ذلك كله بالبت في نظامين أساسيين ملحين، الأول خاص بالأقسام التحضيرية يحصنها ، ويضبط شروط العمل بها تربويا وإداريا .
والثاني خاص بهيئة الأساتذة المبرزين المغاربة، يرجع الاعتبار لهم ويحدد وضعياتهم وتدرجهم المهني ومجالات اشتغالهم . لقد بذلت بلادنا منذ الثمانينيات جهدا كبيرا لكي تتوفر على هذه العينة من الأطر المبرزة ، وهم اليوم يشكلون هيئة قائمة الذات. وقد حان الوقت للاعتراف بالأدوار التي يضطلعون بها في النظام التعليمي ببلادنا (سواء أكان ذلك في التأطير والتدريس أو الادارة المركزية والجهوية والمحلية أوفي الاشراف التربوي أو التكوين المستمر البناء النافع الذي أبعدوا عنه).
إن إطلاق مبادرة بناءة في هذا المنحى من شأنه ان تبدد الاحتقان السائد و سيكون لها بدون شك أثرها الكبير على مستقبل التعليم ببلادنا .
والله الموفق .
أستاذ مبرز في الترجمة