المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صناعة النقابي الفاسد


abo fatima
20-12-2013, 12:24
صناعة النقابي الفاسد

صحيفة الأستاذ | الأربعاء 18 ديسمبر 2013


يقال إن الرئيس البوسني السابق علي عزت بيغوبيتش رحمه الله .. كان قد اعتاد الصلاة يوم الجمعة في الصف الأول، وذات مرة وصل إلى صلاة الجمعة متأخراً ففتح له الناس الطريق إلى أن وصل الصف الأول فاستدار للمصلين بغضبٍ وقال مقولته الشهيرة ” هكذا تصنعون طواغيتكم”. و في مقال له بجريدة أخبار اليوم العدد 855، تحدث الصحافي المصري علاء الأسواني؛ و حديثه عن الرئيس المصري مرسي؛ عن الأسباب الخمسة التي تؤدي إلى صناعة الديكتاتور و حددها في ماكينة الاستبداد و التنظيم السري والتراث الديني والضعف الإنساني و متلازمة ستوكهولم، و لمن لا يعرف هذه الأخيرة فهي عبارة عن مشاعر التعاطف و الارتباط التي تتولد لدى الضحايا تجاه جناتهم نسبة إلى أحداث سرقة و اختطاف رهائن وقعت بستوكهولم سنة 1973.
و تتجسد هذه الصناعة القديمة الجديدة؛ صناعة الطواغيت؛ بوضوح في علاقة مكاتب النقابات التعليمية بموظفي القطاع نفسه، فكلنا نعلم أن هؤلاء الطغاة ليسوا إلا مجرد معلمين بدؤوا أنشطتهم النقابية بكثير من التواضع و قليل من الثقة بالنفس فرضه وسطهم الاجتماعي و بساطة عيشهم كغالبيتنا، و شيئا فشيئا بدأ يدخلهم هوس السلطة لأن الإنسان إذا تولاها غالبا ما يكون ضعيفا أمام النفاق، و يصدق كلمات المديح و يعتبر أنه يستحقها عن جدارة، فيتعامل مع استفسارات الموظفين و أسئلتهم و تساؤلاتهم بكثير من التعالي و التكبر، قبل أن ينتقل به عجبه و انبهاره بنفسه إلى درجة الطاغوتية فيتاجر بهمومهم و مشاكلهم و يمارس عليهم الوصاية في غياب أية مراقبة للنفس أو مقاومة للغرور، و كمرحلة أخيرة يتجرد من إنسانيته ليتحول إلى حيوان شرس من النوع النادر الذي يأكل بني جنسه بمجرد أن يحس فيهم ضعفا..
هذا هو نقابينا، معلم الأمس القريب طاغية اليوم تراب الغد، تراه عندما يسأله أحد المعلمين عن أمر بسيط، أو يشكي له نائبة من نوائب التعليم حلت به، تراه يدقق النظر و ينفخ الأوداج و يعبس و يتولى كأن مفاتيح خزائن الأرض كلها بيده، أو كأنه المحي المميت العزيز القدير..جاهلا أن فرقا شاسعا يوجد بين الحي و عبد الحي، و أن العزيز لا أهل له بل عنده عبيد إن شاء عذبهم و إن شاء غفر لهم..و تراه إذا استوقفته المعلمة المثقلة بأحزان و أتراح شتى، يزمجر و يدمدم و يسيل لعابه لأنه لا يرى فيها إلا مشروع صفقة مربحة أو وجبة لحم بشري قابل للاقتيات..و لولا نفاقنا و تملقنا و لامبالاتنا و جهلنا بحقوقنا وواجباتنا، لما كانت قضايانا المصيرية بأيدي أناس من هذه الشاكلة، و لما أصبحنا اليوم نعض الأنامل في الوقفات و الاعتصامات على واقع بئيس و نفق مسدود حشرنا فيه أنفسنا..و لكنها طبيعة البشر..فنحن كالسمك كما قال أحد الزملاء، ما فكر فرد منه يوما أفلت من صنارة صيد أن يخبر إخوانه أنها طعام ملغوم، بل يعود هو نفسه ليبتلعه فيكون مصيره الموت لأنه ليس كل مرة تسلم الجرة..
الأصل في النقابي أن يقبل على هموم الشغيلة فيعالجها و على مشاكلها فيجد لها حلا و على قضاياها فيدافع عنها باستماتة، و الأصل فينا أن نختار لهذه المهمة الأصلح لها، فلما ضيعنا الأصل فينا، بدل الله حالنا، و لن يغير ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا..و أكثر ما يحز في النفس أن الربيع الديمقراطي الذي غير الكثير من المفاهيم، و حرر الشعوب من القيود، و قلب موازين القوى،و الذي أطلق شرارته الأولى بائع متجول، لم يجد طريقه إلى أذهان من يفترض فيهم أن يكونوا في مقدمة المغيرين و الغيورين على الحقوق إذا هضمت و الحرمات إذا انتهكت.فالناظر إلى هذه “التماسيح” و “العفاريت” النقابية التي ما زالت تجثم على الجسد النقابي، و تتكلم باسم شغيلة السبورة و الطباشير،سيقول إما أنه لا مشاكل عندنا بالمرة و لا قهر و لا استبداد و لا ظلم يستوجب أن نثور ضده داخل هذا القطاع،و إما أن الهمم ماتت و الإيمان اضمحل، لأنه لا إيمان لمن لا غيرة له..
فهل صحيح أن الحديث عن الديموقراطية في صفوف رجال التعليم أمر سابق لأوانه؟.. إنك لما ترى فئة من المعلمين و المعلمات يعتصمونبمدينة الرباط مثلا في مواجهة كل الأضرار المادية و المعنوية و دفاعا عن حقوق و قضايا مصيرية، و ترى في الان نفسه شريحة منهم، و لعلهم أكبر المتضررين من الوضع الراهن، تراهم ملتحقين بمقرات عملهم تاركين ظهور إخوانهم عارية أمام أي ضربة قاصمة..جاهلين أم عالمين أن فعلهم ذاك يكرس ثقافة الخضوع و الخنوع، و أن جهلهم و لا مبالاتهم و انخداعهم يترك الساحة فارغة لطواغيث النقابات الفاسدة و يصنع المزيد منها..
لما ترى هذا الوضع تدرك أن الناس لما صنعوا ديكتاتورييهم بوسائل شتى، صنعنا نحن نقابيينا الفاسدين بجهلنا بحقوقنا وواجباتنا و بمديحنا لهم و تملقنا لمن نصادف منهم، فنغذي فيهم إعجابهم بالنفس و غرورهم و ضعفهم البشري، فيتحولون الى ما هم عليه و نتحول إلى ما نحن عليه، إلا من رحم ربنا و إلى أن يجعل للأمر مخرجا..

babaya1
20-12-2013, 19:53
نطقت فصدقت