المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لنشتغل أكثر حتى يرضى عنا اللصوص


naima zahiri
26-01-2014, 21:08
عبد الله الدامون
العدد :2281 - 26/01/2014
المغاربة باتوا يعرفون الآن أنهم لن يشتغلوا إلى حدود الستين عاما فقط، بل سيزيدون سنتين إضافيتين، وبعد ذلك سيمتد بهم العمل إلى خمس سنوات أخرى، حيث سيكون سن التقاعد هو 65 عاما بالتمام والكمال.
من امتيازات رفع سن التقاعد أن كثيرا من المغاربة لن يجدوا أنفسهم مضطرين إلى لعب «الضّامة» بين أزقة الحي، لأن ذلك ينقص من قيمتهم ويحولهم إلى رجال كبار بعقول أطفال صغار؛ كما أن الكثيرين لم يلعبوا «الضّامة» في حياتهم، لكنهم مباشرة بعد تقاعدهم سيضطرون إلى تعلمها، والتعلم في الكبر كالنقش على الوبر.
لكن المشكلة أن الأحياء السكنية لم تعد فيها أماكن للعب «الضامة»؛ ففي الماضي كانت الأحياء الشعبية تتوفر على مناطق خضراء وساحات يقضي فيها الشيوخ والمتقاعدون الفترة التي تفصلهم عن القبر، ففيها يأخذون كل يوم قسطهم من أشعة الشمس ويتبادلون النميمة ويتحدثون عن فلسطين ومشاكل الشرق الأوسط؛ أما اليوم فكل شبر فارغ نبتت فيه دور وعمارات، والمشكلة الكبرى أن المغرب يشيخ، وكلما زاد عدد الشيوخ تقلصت المساحات الخضراء والحدائق.
هناك امتياز آخر لرفع سن التقاعد، وهو أن الزوجات لن يجدن أنفسهن فجأة أمام «ضرة» جديدة اسمها الزوج المتقاعد؛ فالرجل عندما يفقد عمله يتحول إلى «ربة بيت» مزعج يتدخل في الطبخ والملح والسكر وصوت التلفزيون وملابس الأولاد وضجيج الجيران وماكياج الزوجة وجواربها. هكذا سيكون رفع سن التقاعد ضمانا يكفل للزوجات حمل أزواجهن مباشرة من العمل إلى القبر.
هناك فائدة أخرى لرفع سن التقاعد وهي خفض أعداد مرضى السرطان، لأن الكثير من المتقاعدين يفقدون العمل ويتحولون إلى مدخنين شرهين. إنهم لا يجدون ما يفعلونه في بلد فارغ، لذلك يصبح التدخين أفضل وسيلة لتسريع الجنازة.
في أوربا، مثلا، يتقاعد الناس ثم يقررون السفر والتجوال وصرف مدخراتهم على الاستمتاع بما جمعوه خلال سنوات العمل الطويلة، وفي المغرب يتقاعد الناس ويبدؤون في الإعداد للقبر، لذلك كثيرا ما تجد متقاعدين يبدؤون الصلاة في اليوم التالي لحصولهم على التقاعد، فلا وقت كان لديهم خلال العمل من أجل ذلك. كما أنهم يكتشفون المسجد وصلاة الجمعة، وأحيانا يقررون الحج. الفرق واضح، إذن، بين تقاعدنا وتقاعدهم، هم يتقاعدون للاستمتاع أكثر بالحياة، ونحن نتقاعد لنستعد للموت.
لكن بغض النظر عن فوائد التقاعد المتأخر أو مساوئه، لماذا قرر المسؤولون أن يعمل المغاربة خمس سنوات إضافية؟ هذا هو السؤال الخطير.
لقد قالوا لنا إن صندوق التقاعد مشرف على الإفلاس، إن لم يكن قد أفلس من زمان، وقالوا إن أموال الضمان الاجتماعي غير كافية لكي تطعم وتعالج كل هؤلاء المتقاعدين، فالمغرب يشيخ، وشباب اليوم، الذين نفتخر بهم «بالشفوي»، سيصبحون في وقت قريب عالة على أنفسهم وغيرهم. لكن أين ذهبت آلاف الملايير التي ادخرها عمال وموظفو المغرب لكي يحتموا بها في شيخوختهم؟
تفاصيل هذا الموضوع قد تصيب بالشيب أكثر الناس شبابا، لذلك لا بأس من الإشارة إلى بعض الخطوط العريضة في هذا الملف المفزع:
منذ سنوات طويلة، بدأ كبار اللصوص يلعبون في أرزاق اليتامى والأرامل والمساكين، حيث نهبوا أموالا بلا حد ولا حصر. وتقول أرقام متطابقة إن المبلغ الذي تم نهبه يساوي ميزانية المغرب كاملة لسنوات طويلة.
وقبل بضع سنوات، كشفت لجنة برلمانية أن الأموال الضائعة من الصندوق في مرحلة معينة فقط وصلت إلى 47 مليار درهم، وأن هذا الرقم يتجاوز 115 مليار درهم إذا تم احتساب الفوائد. لكن هذه اللجنة لم تقل للمغاربة من سرق أرزاقهم، وهذا طبيعي لأنها لجنة برلمانية وليست لجنة أممية، فالذي كان ينبغي فعله في قضية أموال التقاعد والضمان الاجتماعي هو تحويلها إلى محكمة دولية.
من المؤكد أن المغاربة الذين يصرون على معرفة أين ذهبت أموالهم وأموال آبائهم وأجدادهم لن يجدوا صعوبة في ذلك، صحيح لن يصلوا إلى أسماء وصفات اللصوص كلها، لكنهم سيفهمون أنهم يشبهون ذلك الراعي الذي دفع بغنمه إلى الذئب لكي يحرسها.
مصيبة أموال التقاعد لن يصفها الكلام، فأن تجد أرملة مسكينة نفسها عاجزة عن تكفين ودفن زوجها، الذي كان يدفع لصندوق التقاعد لمدة ثلاثين سنة، هذا لوحده يدل على طبيعة البئر الذي غرقت فيه أرزاق المغاربة.
الآن، على المغاربة أن ينسوا ما جرى ويقولوا للصوص عفا الله عما سلف، ثم يشتغلوا حتى يموتوا، فمن العيب أن نحاسب اللصوص، بل يجب أن نشتغل أكثر لكي يسرقوا أكثر.
اشتغلوا أيها المغاربة حتى الموت لكي يرضى عنكم لصوصكم.