المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيداغوجيا الإدماج بين تناسق النموذج وإكراهات الممارسة البيداغوجية


abo fatima
07-03-2014, 22:22
بيداغوجيا الإدماج بين تناسق النموذج وإكراهات الممارسة البيداغوجية







http://4.bp.blogspot.com/-6UGkhVbbLfM/ToLtOsw1B5I/AAAAAAAAAO8/HaL-2s9oJzU/s1600tarbiapress-almassae.jpg
إن موضوع التربية عموما والبيداغوجيا خاصة يموضعها في إطار يتأرجح بين الإنتاج الرمزي المولد للأنساق البيداغوجية، المستندة إلى مرجعيات مجردة توجه النموذج البيداغوجي المنشود، وبين القوالب المادية والحسية التي تحول زخم النظرية إلى حقيقة سارية المفعول، والفرق بين اللحظتين يكمن أساسا في مِؤشرات درجة تشبع الممارسة اليومية بمبادئ ذلك النموذج البيداغوجي، ودرجة انخراط الممارس البيداغوجي في إرساء هذا النموذج.




عرفت المنظومة التربوية بالمغرب خلال السنوات الأخيرة في إطار الإصلاح التربوي المنشود، عرفت الشروع في إرساء بيداغوجيا الإدماج كنموذج بيداغوجي جديد وإطار منهجي للمقاربة بالكفايات، قبل أن نفاجأ، في ظل سياقات خاصة، بتوقيف العمل بها من طرف الوزير السابق دون تشاور مع الفاعلين المعنيين ودون الاستناد إلى أي تقييم ميداني لهذه البيداغوجيا.




وغني عن البيان ما أثارته هذه البيداغوجيا من سجال كبير في الأوساط التربوية، بين مختلف الفاعلين، خاصة في وسط هيئة التدريس، سجال يرقى أحيانا إلى مراتب النقاش العلمي الرصين، وأحيانا أخرى لا يعدو أن يكون أكثر من مظهر من تمظهرات استراتيجية «المقاومة» التي تصاحب كل تغيير منشود في شتى الحقول champs بلغة بيير بورديو، سواء تعلق الأمر بحقل الفعل البيداغوجي أو بحقول الفعل الاجتماعي بشكل عام.




ومهما تكن طبيعة هذا السجال فإنها تدفعنا للتأمل والتفكير، وفقا للمدخل الذي اخترناه لمقاربة هذا الموضوع، في علاقة النموذج البيداغوجي بطبيعة الممارسة البيداغوجية، باعتبارها حالة تربوية تستحق الدراسة في ضوء السجالات والمقاومات التي تعرفها الساحة التعليمية مند الشروع في إرساء بيداغوجيا الإدماج.




فإذا كانت بيداغوجيا الإدماج نموذجا نظريا متناسقا تم تبنيه لعدة اعتبارات، وبناء على تجارب دولية ناجحة، فإلى أي حد يمكن ضمان نجاعة هذا النموذج في ضوء الممارسات البيداغوجية التي عايناها في إطار التداريب الميدانية كطالب مفتش أولا وكمختص تربوي ثانيا. في هذا الصدد لابد من التأكيد على طبيعة العلاقة بين النموذج والممارسة البيداغوجيين وهي علاقة جدلية، في نظرنا، لا يمكن الرهان على أحد أطرافها دون الآخر، فلا معنى للنموذج في غياب الممارسة ولا جدوى وراء ممارسة بيداغوجية تفتقر لتصور نظري واضح ومنسجم.




إذا كانت بيداغوجيا الإدماج نموذجا بيداغوجيا متسقا من الناحية النظرية، فإلى أي حد تبدو الممارسة البيداغوجية منسجمة مع هذا النموذج، وإلى أي حد يبدو هذا النموذج ذاته قابلا لمواكبة الممارسة البيداغوجية وخصوصياتها؟ وقادرا على التكيف ومعطيات الوضعيات البيداغوجية بالمدرسة المغربية على اختلافها وتنوعها، بعيدا عن كل صورة نمطية قد تختزل النموذج والممارسة معا؟




نحن إذا أمام إشكالية المقاربة البيداغوجية في علاقتها بفعل التدريس والتعلم، ذلك أن للمقاربة البيداغوجية ارتباطا عضويا بهذا الفعل، من حيث كونها تشكل، مبدئيا على الأقل، الإطار الناظم لتدبير عمليات التدريس ولتوجيه أنشطة التعلم، غير أن قراءة أولية للواقع التعليمي الميداني تكشف عن مفارقات وتقابلات ينطوي عليها ذلك الواقع، حيث المفارقة قائمة بين الخطاب وواقع الممارسة الميدانية، ذلك أن التجديد المؤسساتي للمقاربات البيداغوجية المعتمدة على مستوى الخطاب والتوجيهات الرسمية غالبا ما لا تواكبه التدابير الكفيلة بتأمين التجسيد العملي الناجع لمستلزماته و أهدافه في الممارسة البيداغوجية.




لمقاربة هذه الإشكالية: النموذج- الممارسة، سنحاول في البداية الإحاطة النظرية بأهم المفاهيم التي نود التطرق إليها في هذه الدراسة، حيث سنتعرف على مفهوم المقاربة البيداغوجية بشكل عام ونحيط نظريا ببيداغوجيا الإدماج تحديدا، قبل أن نرصد ميدانيا واقع الممارسة البيداغوجية وفق مقاربة الإدماج عبر تقنيتي الاستمارة والمقابلة، وسنبرر لاحقا لماذا الجمع بين هاتين التقنيتين، كأداتين للبحث.




التحديد النظري للمفاهيم:



في مفهوم المقاربة البيداغوجية:



حسب عبد الكريم غريب في المنهل التربوي، المقاربة البيداغوجية هي كيفية النظر في الظواهر البيداغوجية وفق استراتيجيات وطرائق وتقنيات معينة. والمقاربة البيداغوجية نسق منسجم من العناصر التي تشكل التواصل البيداغوجي.



والمقاربة البيداغوجية الفعالة ليست اختبارية، بل استكشافية لمكامن القوة والخلل في سيرورة تربوية محددة، وأساس وضع المتعلم «ككائن إنساني في صلب الاهتمام البيداغوجي وكما يقول جاستونميالاري «إن كائنا إنسانيا أو وضعية إنسانية، كما هو حال الوضعيات التربوية، لا يوجد إلا وسط نسيج من العلاقات الجدلية التي تشكل قسطا من المضمون والشكل» ، وتبقى المقاربة البيداغوجية الناجعة مؤسسة على استيعاب حاجة الفرد لما هو أساسي وراهني في أفق دمجه في المحيط التربوي على أساس المرونة. إن الأساس العقلاني لكل مقاربة نقدية لابد أن يتمثل في معايير دقيقة، وهي معيار الموضوعية حيث الاستناد إلى وقائع ومؤشرات تهم مادة التدريس وواقع المؤسسة ونمط المدرس، ثم معيار الملائمة أي توافق هذه المقاربة مع السياق التربوي والمؤسساتي حتى لا تبقى البيداغوجيا المعلنة مقاربة منفصلة، ومتعالية، وبعيدة عن المطالب التربوية ولا تراعي خصوصيات المتعلم والمدرس والأهداف العامة للتعليم.








خالد زروال
مفتش تربوي

عن جريدة المساء