المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "لَقشور" ... عونُ نَظافة علّم المُعلّمين مَبدأ "الإحسان" و "التّضحية"


nasser
19-01-2015, 22:10
رشيد أكشار : هبة بريس : 19/01/2015 =========http://www.hibapress.com/upload/1912015-0affe.jpg
يضطر المرء أحيانا مكرها للوقوف لحظة تأمل عند جدية و مثالية أفراد من فئات اجتماعية محددة، فضلت تحسين عملها و الإخلاص فيه، على مجرد النظر إلى مردوده المادي، الذي قد يكون صفرا لدى كثيرين، كحال السيد محمد التحوس الملقب بـ "لقشور"، و الذي عايش أربعة مدراء مؤسسات تعليمية بمؤسسة ابتدائية بإقليم سيدي إفني، ضرب خلالها أروع الأمثلة في الانضباط في المواعيد و تحسين عمله، سواء حين كان مساعدا تقنيا بمطعم المؤسسة، أو خلال تولِّيه مهام تنظيف خمس وحدات مدرسية متباعدة خلال اليوم الواحد، ثلاث مرات في الأسبوع.

لقشور، الرجل الذي ناهز متم عقده السادس، و الأب لخمسة أبناء، اكتفى في أحسن أحواله بمبلغ لا يتجاوز 800 درهم شهريا، مقابل تنظيف 12 قاعة دراسية و أربعة مراحيض في أربع وحدات مدرسية (فرعيات)، يفصل بين بعضها أكثر من سبع كيلومترات، متنقلا على دراجته الهوائية أو ماشيا، و في ظروف مناخية قاسية جدا، اضطر في مناسبات عديدة بسببها لملازمة الفراش مُكرها، رغم إلحاحه على مدير المؤسسة و العاملين بها استئناف عمله.

رغم بساطة مدخوله، و قلة ذات يده، و فقره المدقع الذي يعيشه رفقة زوجته و ابنته التي تعاني مرضا مستديما في إحدى قدميها، فإن قرار الاستغناء عن أعوان التنظيف أو تأخر مستحقاتهم المالية لشهور عديدة لم يكن كافيا لفصل السيد "لقشور" عن هوايته المفضلة كما قال لهبة بريس، و المتمثلة في عيادة أطر التدريس بمختلف الوحدات المدرسية و السؤال عن أحوالهم و قضاء حاجياتهم المتنوعةـ و التي تستلزم في أغلب الأحيان جهودا كبيرة، دون ملل أو ضجر، الأمر الذي أضفى عليه لقب "الجوكر" إلى لقبه السابق.

عاينت هبة بريس عن كثب طبيعة المهام الصعبة التي يقوم بها السيد محمد التحوس، الذي قطع مسافة 8 كيلومترات مشيا على الأقدام، لبلوغ مركزية المؤسسة التعليمية التي يعمل بها، واقفا عند أبواب الفصول الدراسية، ينتظر مغادرة التلاميذ لتنظيف الحجرات، رغم استيقانه أن مستحقاته المالية ستتوقف، نظرا لعدم تجديد النيابة الاقليمية التعاقد مع هذه الفئة، الأمر التي زاد من حيرة أطر المؤسسة التي قال أحد منتسبيها أنه يستحي حين يرى "لقشور" يقوم بعمل تطوعي مرهِق و متعِب ببشاشة و رحابة صدر و طلاقة وجه، في حين، يتقاعس كثير من المأجورين و الموظفين عن بلوغ الحد الأدنى من أدائهم الوظيفي.

استحضر أحد أساتذة الوحدة المركزية لـ (مجموعة مدارس الطاهر الافراني) التي يعملها السيد العون، لحظة عصيبة من اللحظات التي أثبت و أكدت بالملموس مدى إخلاص "لقشور" لمؤسسة التعليمية، حين لاحظ تمايل صديقه العون في مشيته بفضاء ساحة المؤسسة و هو يتنقل بين المراحيض و خزان المياه، قبل أن يكتشف ارتفاع درجة حرارته و احمرارا شديدا في عينيه، و بابتسامة عريضة و كأن شيئا لم يكن!

ذات الأستاذ و هو يقص وقائع من ممارسات هذا السيد الغريب، يقول أن "لقشور" حضر يوما إلى المؤسسة قاطعا مسافة 7 كيلومرات في جو ممطر و بارد جدا على متن دراجته الهوائية المتهالكة، ليكون أول ما يسأل عنه هو موعد مغادرة التلاميذ للحجرات لأداء واجبه، غير مبال بثيابه المبتلة عن آخرها، و السعال المستمر الذي لم يفارقه إلى حين مغادرته للمؤسسة في وقت مظلم و متأخر جدا، سيمر بعده على وحدة مدرسية أخرى في طريقه لتنظيف حجراتها الثلاث و مرحاضيها.

قال لقشور في لقاء له بهبة بريس أن مكسبه الأكبر من عمله هو علاقاته بالأساتذة و تلاميذ المؤسسة الذين يقوم بتسليتهم، سواء خلال فترات الاستراحة، أو أثناء تناول وجبات المطعم المدرسي، و أن تعويضاته ليست الدافع الأساس لارتياده المؤسسة، كما قال أنه رهن إشارة أصدقائه المدرسين في أي وقت كان، و لو متأخرا، و هو ما أكدته لحظة توديعه لأطر المؤسسة التعليمية أثناء مغادرتهم لها خلال بدايات العطل المدرسية، بدموع قد تبدو غير مفهومة في زمن تبادل المصالح و المنفعة المتبادلة و الأجر مقابل العمل.

nasser
19-01-2015, 22:13
http://www.hibapress.com/upload/1912015-0affe.jpg