المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حين يصل الفساد لمواطن العفة!


wafae
28-07-2007, 11:04
قرأت هذا المقال في أحد المواقع ,هو مقال لكاتب مصري لكن ما جاء فيه يمس الواقع العربي بصفة عامة..
تفضلوا بقراءته

جاء يطلب مني إعطاءه شهادة مرضية فسألته عن مرضه فقال لي: الامتحانات.. فداعبته قائلا: أما زلت تخشى الامتحانات وأنت الآن وكيل مدرسة وفي الخمسين من عمرك؟ ثم إنك تعلم أنني لا أعطي مثل هذه الشهادات "المضروبة".. فأطرق بوجهه خجلا وحرجا وتمتم قائلا: أعرف كل ذلك، وأنت أيضا تعرف عني بحكم الصحبة والقرابة أنني أمقت مثل هذه الأشياء، ولكنني في أزمة لا أجد منها مخرجا.

وتابع: كل عام تتعرض حياتي للخطر بسبب الامتحانات حيث أكلف برئاسة مجموعة من اللجان كل عام في منطقة ما، وأنا -كما تعلم- لديّ مشكلة مزمنة لم أستطع علاجها حتى الآن وهي أنني أصر على منع الغش في كل اللجان التي أترأسها.

فساد الغشاشين

طالع في نفس الملف:
إطلالة على سيكولوجية الفساد

قلت له: أعرف ذلك، وأذكر أننا كل عام كنا نبحث عن وسيلة نخرجك بها من مقر اللجنة، حيث كان يتجمع أهل البلدة أو القرية أو المنطقة يحاولون الفتك بك لأنك ضيعت مستقبل أبنائهم وبناتهم، وأذكر كيف كان المسئولون عن أمنك وحمايتك يغمضون أعينهم غضبا منك وشماتة فيك لأنك "نشفت رأسك أكثر من اللازم"، كما أذكر أنك كدت تفقد عينك أو حياتك كلها في كثير من الامتحانات لإصرارك على نزاهة الانتخابات.. معذرة "الامتحانات".

قال نعم ولكن الأمر اختلف هذه الأيام فلم تعد حياتي مهددة من العامة والدهماء الذين اعتدنا على صفاقتهم وحرصهم الجاهل الغبي على حق أبنائهم في الغش، والذي يعتبرونه حقا مشروعا لأبنائهم المساكين، وإنما الخطر الآن يأتي من أناس لهم حيثياتهم ولهم نفوذهم يرسلون بالإجابات النموذجية لأبنائهم بالكامل ليحصلوا على الدرجة النهائية أمام عيني، ومن يفعلون ذلك هم ممن يفترض أنهم يحرسون الأمن والقانون والعدالة والنزاهة والحق، وأنا كما تعلم مجرد مدرس لا حول لي ولا قوة ولن أستطيع أن أقف في وجه الجميع، ولن أستطيع في هذه السن أن أغير رأسي.

وأضاف: هذا العام بالذات سأراقب في إحدى المدارس الخاصة للغات، وهي معقل أبناء الضباط والمستشارين وكبار رجال الأعمال، وليس لي طاقة بكل هؤلاء.

الفاسد المستبد

وهنا دار رأسي أنا بين وقائع مماثلة، ولكن كان أقربها لبؤرة وعيي واقعة كنت أنا أحد ضحاياها في الثمانينيات من القرن الماضي، ودارت أحداثها في إحدى الجامعات الإقليمية وبطلها أحد رؤساء الأقسام (وهو بالمناسبة ليس من تخصصي، ولكنه كان يرأس مجموعة أقسام إداريا ومنها القسم الذي أعمل به) حيث كان معروفًا عنه قسوته واستبداده وغطرسته ودكتاتوريته وعناده وجبروته وميله الشديد للظلم والبطش.

كان النجاح والرسوب في الأقسام التي يتحكم فيها مرهونا برضاه الشخصي عن طالب الدراسات العليا، ولسبب أو لآخر لم أحظ برضاه الشخصي فعشت أياما سوداء ومررت بخبرات امتحانية مؤلمة، قررت بعدها ترك هذه الجامعة الإقليمية بل ترك مصر بالكامل وفي نيتي ألا أعود إليها ما حييت.

لم يكن ذلك لمجرد غضبي من ممارسات هذا الرجل وحده، أو كان تعميما خاطئا مني تجاه كل أساتذة الجامعة ومنهم بالطبع كثيرون فضلاء، وإنما مما رأيته من قبول من حوله ومن تحته ومن خلفه لتسلطه وغطرسته واستبداده وظلمه.

هذا القبول الذي كان يمتد من أصغر نائب في المستشفى إلى رئيس الجامعة في ذلك الوقت، رغم معرفة الجميع بنقائصه وحديثهم عن تلك النقائص ليل نهار في الجلسات المغلقة.. أما حين يصل الأمر إلى المواجهة فالكل راض بما يفعله ويقنع نفسه أنه على حق.

تركت مصر وتركته وتركتهم جميعا.. ومرت السنون وقابلت أحد أقارب هذا الرجل فقال لي بأنه اقتحم الشقة على إحدى قريباته (بسبب خلاف عائلي تافه) وضربها ضربا عنيفا هي وابنتها.. وأصبحت قضية كبيرة.. فقلت الحمد لله سيأخذ جزاءه على ما فعل بي وبكثيرين قبلي وبعدي حاربهم في مستقبلهم العلمي وشردهم داخل مصر وخارجها بما يملكه من سلطة الأستاذ الجامعي ورئيس القسم، وهي سلطة مطلقة استنادًا إلى افتراض نزاهة من يتبوءون تلك المكانة العلمية الرفيعة.

حكم الله سبق

لكن محدثي نظر إليَّ بأسى وهو يقول: للأسف الشديد لقد خرج منها -كعادته- مقابل 17 ألف جنيه دفعها (لا تسألنا لمن حتى لا نقترب من مواطن العفة).

ودارت الأيام وتم القبض على هذا الأستاذ الجامعي وهو في الثانية والستين من عمره يلعب القمار في شقة مشبوهة ومرصودة (وقد كان القمار نشاطه المفضل بعد الانتهاء من عيادته)، ولكنه خرج من هذا الأمر بتدخل أحد أصحاب النفوذ من أقاربه، وغادر محبسه المؤقت وهو يخرج لسانه للذين قاموا بالقبض عليه، بل وتطاول عليهم بالكلام.

استمر الحال على ذلك إلى أن حانت لحظة الصفر بعد عدة شهور من تلك الواقعة، وتم القبض عليه بواسطة إدارة مكافحة الآداب بالقاهرة، وهو يدير شقته بإحدى مدن الدلتا للقمار ومعه عدد من المقامرين المحترفين، أحدهم يعمل موجهًا للتربية والتعليم بالإسكندرية في ذلك الوقت، وكانت فضيحة مدوية نشرتها أغلب الصحف والمجلات الرئيسية وكتبت حينها مجلة "روزاليوسف" على غلافها "طبيب يعالج مرضاه بالقمار" وأفردت لقصته صفحتين في العدد رقم 3694 بتاريخ 27 مارس 1999، وذكرت أنه كان يعمل رئيسًا للقسم منذ 1970 حتى 1997 ولم يترك رئاسة القسم إلا بسبب إحالته للمعاش.

المهم أنه ألقي في الحبس لمدة ثلاثة أسابيع وتم تحديد موعد للقضية، ولكنه مات بعد فترة قصيرة، وأفضى إلى ربه بعد أن تسبب في تشريد عدد كبير من الأطباء الأكفاء إبان فترة رئاسته للقسم التي استمرت 27 عاما، وترك آثارًا شديدة على البنية النفسية لكل من عمل تحت رئاسته.

لقد كان هذا الرجل يمثل لي النموذج الأول للاستبداد والفساد، وكان ذلك النموذج من أقوى المحفزات لي على كراهية هاتين الصفتين وبذل كل ما أستطيع من جهد لمحاربتهما في أي مجال.

هذه الوقائع وغيرها لا تشير إلى مجرد فساد؛ وإنما إلى اقتراب ذلك الفساد من مواطن العفة في المجتمع (أسمع من يعترض على كلمة اقتراب ويقول إنه وصل فعلا وتغلغل)، تلك المواطن التي يفترض أن تظل بعيدة عن الفساد لتشكل صمام أمان للمجتمع حتى لا ينهار تماما.

د.محمد المهدي
استشاري الطب النفسي

المجال مفتوح أمام تعليقاتكم

jabaoui omar
28-07-2007, 12:45
السلام عليكم..
فعلا تشخيص لدائنا المزمن..اليوم نشرت جريدةالمساء وفي صفحتها الاولى خبر المدير السابق لمدير البنك العقاري والسياحي المدعو الزاهيدي والذي فر بجلده الى البرتغال مخافة ان يكون كبش فداء لسرقة مال شعب مغبون ورقم السرقة وصل ل:1400مليون دولار..دولار..وما لم يحسب اكثر وادهى..واورد في كلامه اسماء من العيار الثقيل كعصمان والسنوسي ممثل المغرب في المنتدى الدولي ومستشار الملك اليهودي نسيت اسمه..
وما زال الفساد مستمرا للاسف...

wafae
28-07-2007, 15:43
للأسف مسلسل الفساد لا يريد أن ينتهي

lahmaidi1974
28-07-2007, 18:34
شكرا على هدا المقال التصويري للحالة التي يعيشها الوطن العربي ،فعندما يصل الفساد الى الدين من المفروض الضرب على ايدي المفسدين يكون الامر عسيرا على الاصلاح ،و كما يقال عندما يصبح حاميها حراميها فليس لنا سوى الدعاء لله ليرفع غضبه و مقته عنا يااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اا رب نسالك اللطف فالانتخابات على الابواب ولا ندري ما الكارثة التي ستاتي بها

wafae
28-07-2007, 18:58
لا شكر على واجب أخي
أؤمن على دعائك و أسأل الله الإجابة