المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نص المداخلة التي وزعت و ألقيت في اللقاء اليساري التشاوري في الأونيسكو/ بيروت 15 و16/3


arkoun
18-03-2008, 18:47
نص المداخلة التي وزعت و ألقيت في اللقاء اليساري التشاوري في الأونيسكو/ بيروت 15 و16/3/2008

عديد نصار ([email protected]?subject=الحوار المتمدن -نص المداخلة التي وزعت و ألقيت في اللقاء اليساري التشاوري في الأونيسكو/ بيروت 15 و16/3/2008&body=Comments about your article http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=128511)
[email protected] ([email protected]?subject=الحوار المتمدن -نص المداخلة التي وزعت و ألقيت في اللقاء اليساري التشاوري في الأونيسكو/ بيروت 15 و16/3/2008&body=Comments about your article http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=128511)
الحوار المتمدن - العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=128511#)

بداية، اسمحوا لي أن أتقدم من المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني بجزيل الشكر على هذه الدعوة السباقة إلى قوى اليسار المناضلة التي ينبغي عليها أن تتحمل مسؤولياتها بكل جدية و ثبات، ليس فقط الآن في ظل مرحلة غير مسبوقة من مراحل النضال الطبقي حيث تلتبس القضايا و يخيم التضليل و يستشري الفساد و يعم الاسفاف و يسود الهراء، بل أبدا طالما استمر استغلال و قهر و تسلط. كما أتوجه بالشكر لجميع الرفاق الذين لبوا هذه الدعوة، و الذين تغيبوا لظروف خارجة عن إرادتهم، إحساسا منهم بجسامة المسؤولية و تحديدا للموقع و معرفة بأهمية الدور و تأكيدا على ضرورة التحرك لانتزاع زمام المبادرة فكرا و تنظيما و ممارسة نضالية. و إني إذ أحيي الحزب الشيوعي اللبناني و هو على أبواب مؤتمره العاشر، آمل أن تشكل دعوته التي نحن بصددها فاتحة لأن يستعيد دوره الريادي و المحوري في العمل الدؤوب من أجل استعادة وحدة الحركة الشيوعية، ليس في لبنان فحسب، و إنما في الوطن العربي، و كذلك،بمشاركة فاعلة مع القوى الشيوعية المخلصة لقضايا الطبقة العاملة و الشعوب المضطهدة، في العالم كله. و هذا لن يتم إلا باتخاذ الخطوات العملية الضرورية لذلك على الصعد الفكرية و التنظيمية و السياسية، و التي يجب أن يسير بها المؤتمر العاشر تكريسا لموقع هذا الحزب و تأكيدا على دوره النضالي.
انسجاما مع ما طرحت ورقة الدعوة، فإني قسمت مداخلتي إلى العناوين التالية:
1- رؤية في الأساس المادي للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، مشروع تقسيم العمل الدولي الجديد
2- الغياب السياسي للنقيض الحقيقي للنظام الرأسمالي و النتائج الطبيعية لتشرذم العمل الشيوعي
3- وحدة الحركة الشيوعية هي الأساس الضروري لإدارة الصراع و إيصاله إلى نهاياته المحتومة
4- الصهيونية منتج امبريالي و مقاومتها ذات طبيعة طبقية
1- رؤية في الأساس المادي للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ، مشروع جديد لتقسيم العمل الدولي :
يكثر الحديث عن تعدد المشاريع هذه الأيام، فهناك من يتحدث عن مشروع أمريكي صهيوني و هناك من يتحدث عن مشروع إيراني .. طبعا، يتم كل ذلك بعيدا عن تحديد ماهية كل مشروع اعتمادا على فهم مادي و علمي لأي منها .. لا شك أننا نعيش في ظل أسوأ نظام استغلال طبقي عرفه التاريخ، حيث تعمل الطبقات المسيطرة و بشكل دؤوب على طمس معالم الصراع الطبقي فيه و إلباسه لبوس صراعات تسمح بتأبيد سيطرة النظام الرأسمالي و بالتالي تأبيد أبشع أشكال الاستغلال و النهب و تبديد الثروات و تخريب البيئات الاجتماعية و الطبيعية التي هي ملك لجميع الأجيال، فتهدد بشكل متزايد مسيرة الحياة على هذا الكوكب.
إنني أزعم أن الوجوه المتعددة و المختلفة للصراعات و الأزمات القائمة في عالم اليوم، ما هي إلا انعكاسات لأزمة حقيقية واحدة هي أزمة النظام الرأسمالي العالمي، حيث تتجلى عدوانيته بشكل غير مسبوق بسبب طبيعة و حدّة هذه الأزمة. وحتى نحسن التعرف على طبيعة و أسباب هذه الأزمات و الصراعات المفتوحة في شتى أنحاء العالم، و خاصة في منطقتنا العربية، لا بد من مقاربة مادية و علمية تسمح لنا أن نتعرف على مرحلة تاريخية جديدة يمر بها النظام الرأسمالي العالمي في ظل غياب سياسي فاقع لنقيضه الحقيقي على الصعيد العالمي.
و لا يمكن أن يتحقق و أن يتحدد وجود أو دور لأي يسار بعيدا عن هذا الفهم العام وهذه الرؤية الشاملة.
إذن، علينا أولا أن نتعرف على الأساس المادي لأي مشروع سياسي كي يمكننا مقاربته و التعامل معه. نعم، هناك مشروع أمريكي صهيوني في المنطقة و العالم. هذا صحيح و مؤكد. و ربما هو المشروع الوحيد الشامل و المتكامل للعالم اليوم، و الذي ينشأ فعلا عن حاجات مادية و يمتلك الدوافع الجوهرية، فما هي المنطلقات و الأسباب المادية لهذا المشروع؟
إن المنهج الماركسي يظهر لنا أن النظام الرأسمالي قد دخل في طور أزمته منذ نهايات القرن التاسع عشر، فأخذ يتوسل قذف هذه الأزمة بعيدا عن مراكزه من خلال حروبه الاستعمارية، و من بعد، الامبريالية التي مكنته من إبعاد شبح زواله قرنا كاملا و لا يزال. و لقد كان ظهور و تنامي الحركة الصهيونية أحد أبرز منتجات النظام الرأسمالي في طور أزمته. فلا يمكن فهمها و بالتالي التعامل معها إلا كمنتج من منتجات النظام الرأسمالي في طور حروبه و استتباعه للمجتمعات التي شكلت مجتمعات طرفية منعتها الحروب الامبريالية و الاستتباع للمراكز الرأسمالية من استئناف تطورها الطبيعي و كذلك من استغلال و حسن إدارة ثرواتها.
لطالما عانت مجتمعاتنا على مدى القرن العشرين و حتى اليوم، في ظل مشاريع تجدد سيطرة النظام الرأسمالي العالمي الذي لم ننل منه إلا حروب العدوان و التفتيت و الإبادة و الاستتباع. و أرى أن النظام الرأسمالي اليوم يعمل من أجل إبعاد شبح أزمته القاتلة على تنفيذ مشروع جديد لتقسيم العمل الدولي يكون لمنطقتنا فيه نصيب مرّ ظهرت بوادره منذ غزو العراق و احتلاله.
هذا التقسيم الجديد للعمل الدولي يقوم على تحولات جذرية تطال البنى الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في شتى المجتمعات البشرية تحت ضغط التفوق الاقتصادي و التقني و العسكري للإمبريالية و في غياب شبه كامل لقوى الثورة الاشتراكية كقوة موحدة فاعلة على الساحة الأممية، على النحو التالي:
1- المراكز الرأسمالية و على رأسها الولايات المتحدة و من خلفها اليابان و أوروبا ( الدول الرأسمالية الكبرى ) حيث مراكز المال و الاعلام و التحكم باقتصاديات العالم و قيادة الترسانات العسكرية الكبرى، و الصناعات الاستراتيجية.
2- مناطق شرق و جنوب شرق آسيا ذات الاكتضاض البشري حيث تتركز صناعات الدرجة الثانية و ما دون في ظل تنافس عمالة يؤدي إلى خفض حاد في تكاليف الانتاج، و على مقربة من مصادر الطاقة الرخيصة و مصادر المواد الأولية الضرورية بحيث تتحول هذه البلدان إلى بروليتاريا العالم،
3- مناطق الثروات النازفة و هي بلدان البداوة و القبائل و الطوائف و المذاهب التي تقيم على بحر من النفط و الموارد ( الوطن العربي و إيران و أواسط آسيا) حيث التأسيس لاقتتال دائم بين هذه المكونات هو السبيل الأكيد لتمكين السيطرة الامبريالية و تأبيدها،
4- المناطق المحسوبة خارج التاريخ و هي مناطق إحتياط الثروات المؤجلة في أفريقيا المفخخة بعشرات الحروب الأهلية......
5- الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ، أمريكا اللاتينية ، و لا بأس أن تنعم بشيء من الديمقراطية الآن كونها لا تستطيع إلا أن تبقى مصدرا لليد العاملة الرخيصة و للعديد من الموارد الضرورية لحاجات المجتمع الأمريكي االذي يجب أن ينعم ببعض فتات الإمبريالية كرشى تقدم نظير هدوئه و استكانته و إن أمكن، دعمه للسياسات الإمبريالية حتى تأتي و كأنها انعكاس لإرادة شعبية تشهر الديموقراطية في وجه الشعوب " البربرية " أو" الدول الشمولية" أو" الدكتاتوريات" موضوع الحروب الأمريكية و الإمبريالية.
إن نجاح تقسيم العمل الدولي بهذه الطريقة يؤدي إلى:
1- تأكيد الهيمنة الاقتصادية و المالية للرأسمالية العالمية بمراكزها المعروفة و على رأسها الولايات المتحدة. من خلال قوتها العسكرية المنتشرة في كافة البحار و معظم البلدان و بواسطة اتفاقيات تلزم بلدان العالم بالتعاون القانوني و التجاري لآماد طويلة.
2- استمرار تدفق فائض القيمة من بلدان الأطراف أو المجتمعات البروليتارية في شرق و جنوب شرق آسيا باتجاه مراكز الهيمنة الإمبريالية من خلال البضائع متدنية التكلفة التي تتدفق عليها.
فالكل يعلم أن تكلفة العامل الأمريكي تعادل أضعاف تكلفة العامل الآسيوي . و مع احتساب فروقات الإدارة و أسعار الطاقة و المواد الأولية و الضرائب ، تصبح تكلفة السلعة المنتجة في أمريكا مثلا عشرات أضعاف تكلفتها في آسيا! ألا يعد هذا استغلالا متوحشا للعمال؟ أو ننكر على عمال آسيا انتماءهم الطبقي بدعوى أن التصنيع هبط عليهم من السماء و لم يتولد نتيجة تطور محلي تلقائي؟؟؟
إن عرق العمال الآسيويين ينزف مع ما ينتجون من بضائع باتجاه الغرب تاركهم في شقائهم!
3- استمرار و تأبيد السيطرة على منابع الطاقة في البلدان العربية و أواسط آسيا هو المدخل الذي لا غنى عنه لتأبيد السيطرة على العالم! و لن يكون ذلك ممكنا و دائما في ظل وجود دول كبيرة حتى لو أكدت تحالفها و اعتمادها على الإمبريالية، لأن الإمبريالية لن تبقيَ نفسها في أي ظرف من الظروف تحت رحمة دول كبيرة قد تتمرد يوما. هذا ما جعل الولايات المتحدة تشن حروبها في أفغانستان و العراق و تحشد لحروب مماثلة في سوريا و إيران ثم تزرع الفتن و الفوضى و الحروب الأهلية الدامية المريعة لتجعل من إمكانية إعادة اللحمة إلى المجتمعات أمرا يلامس المستحيل. فتؤسس لكيانات طائفية و مذهبية و عرقية صغيرة متناحرة لا تقوى على الاستمرار إلا بحماية و مساعدة الراعي الامبريالي. لقد قالها كولن باول بصفاقة بالغة قبيل الحرب على العراق، إننا سنعيد رسم خارطة المنطقة بما يتناسب والمصالح الأمريكية. ثم جاهرت بها رايس عندما قالت في خضم العدوان على لبنان ، إنها آلام مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد. و اليوم ، و بعد إذكاء نار الفتن في العراق، يصدر قرار مجلس الشيوخ الأمريكي بتقسيم البلد! تأكيدا على ذلك.
إن ما يدّعيه البعض أن الولايات المتحدة لا حاجة لها بالاستيلاء على منابع النفط لأنها كما يروج قادرة على شراء كل نفوط العالم بأوراقها الخضراء التي تستطيع أن تطبع منها ما تشاء. هذا كلام سخيف يقصد منه التضليل و لكنه لا يؤدي الغرض منه لمدى سخفه. فمن قال إن دولة قوية تقبع على أكبر احتياطي للنفط في العالم ستظل تقبل بتلك الورقة الخضراء ما شاء لها الأمريكان أن تقبل؟
4- لا أحد ينكر و لا أحد يستطيع أن يقدر الإمكانات الضخمة التي تحبل بها القارة السمراء. لهذا فإن الامبريالية حريصة كل الحرص أن لا تمس كي تبقي عليها احتياطا مؤجلا طالما أنها اليوم بصدد أن تستفيد و بشره من النزف الحاصل لثروات العرب و آسيا. و هي بذات الحرص على استمرار النزاعات و التخلف الذي يلف القارة كي تبقى غير قادرة على استغلال ثرواتها. و ما الصراع على دارفور إلا طريقة لإبعاد قوى أخرى عن القارة و في مقدمها الصين.
5- إن استمرار تدفق المال المنهوب باتجاه المراكز الإمبريالية يؤدي إلى تحولات كبرى في المجتمعات الغربية حيث ترتقي الطبقات باتجاه الأعلى فتنحسر الطبقة العاملة و تحصل على الكثير من الضمانات و التأمينات و ترتقي الطبقة الوسطى بكافة شرائحها ما يعزز وضع النظام و يجعله أكثر قدرة على إدارة معاركه. من هنا نلحظ تزايد قوة الاتجاهات اليمينية في تلك المجتمعات و اضمحلال أي دور لقوى يسارية أو عمالية.
لم تعد المجتمعات تعيش في أطر تعزلها عن بعضها و تترك لكل منها إمكانية لتحاشي الهيمنة الإمبريالية. فعندما يرى البعض أن معظم المجتمعات في بلدان المراكز الرأسمالية تتحول إلى طبقة وسطى عليه أن يرى كيف أن معظم مجتمعات العالم الأخرى تتحول إما إلى بروليتاريا العالم ( شرق و جنوب شرق آسيا ) و إما إلى مجتمعات قتال دائم ( أواسط آسيا و إيران و البلدان العربية ) و إما إلى مجتمعات مهمشة تقف على فوهات براكين حروب أهلية ( أفريقيا ).
و إني على يقين أن الولايات المتحدة الرأسمالية و الإمبريالية على استعداد لتخوض المزيد و المزيد من الحروب المباشرة أو بالواسطة من أجل تكريس هذا التقسيم الدولي للعمل و لو أدى ذلك إلى مقتل عشرات الألوف من جنودها النظاميين و المرتزقة و إلى خسائر مادية بترليونات الدولارات. فلا قيمة لكل هذا عند الإمبرياليين أمام استمرارية و وديمومة نظامهم الرأسمالي.
إن هذه الرؤية، إذ تؤكد على أن الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي هي مصدر كل أزمات العالم اليوم، لا تغفل عن حقيقة أن ما يتحقق فعلا على أرض الواقع لن يكون تماما ما يريده الرأسماليون، بل ربما، و على الأرجح، أن يتحقق خلاف، بل عكس ذلك. فثمة ثلاثة أنواع من المعيقات أو المثبطات لهذا المشروع:
- داخلية، أي ناشئة عن فشل السياسات الاقتصادية الاجتماعية الرامية إلى تحييد
الصراعات الطبقية الداخلية في مجتمعات المراكز الرأسمالية و في مقدمها
الولايات المتحدة،
- دولية، أي ناشئة عن تضارب مصالح المراكز الرأسمالية مع الطموح الأمريكي للهيمنة تماما على مصير و مستقبل النظام الرأسمالي و العالم،
- و أممية، ناشئة عن مقاومات الأمم الطرفية موضوع الحروب و المشاريع و الاستراتيجيات الامبريالية. و هذا ميداننا !
إن المقاربة المغلوطة للمشروع الأمريكي الصهيوني و عدم فهم أسبابه المادية و أبعاده و مراميه الحقيقية، يضع بعض اليسار أمام أكثر من خيار و أمام تعدد مشاريع فيحاول أن يختار من بينها ما يعتقد أنه الأقرب إلى الحداثة و الانفتاح و الديمقراطية التي يدعي. إنه منزلق اليسار الانتهازي الذي أغرته الثورات الملونة و أحلام الربيع البرجوازية.

2- الغياب السياسي للنقيض الحقيقي للنظام الرأسمالي و النتائج الطبيعية لتشرذم العمل الشيوعي:
لن أدخل في المقدمات التاريخية لانهيار التجربة اللينينية الآن، فليس هذا موضوعنا، و لو أنني كنت قد دعوت في أكثر من مكان إلى عملية نقد شاملة تقوم بها جهة ماركسية متخصصة لكامل المرحلة الممتدة منذ المقدمات الأولى لثورة أكتوبر و حتى حصول الإنهيار الكبير و ما رافقه من انكفاء لحركة التحرر الوطني و تصدع بل تشرذم لقوى الحركة الشيوعية و اليسار عموما، ما أخرجها من دائرة الصراع كنقيض حقيقي للنظام الرأسمالي العالمي، وحده القادر على هزيمته.
لقد انكشف العالم أمام الوحش الرأسمالي، الذي انطلق في أشرس هجمة له، مستغلا الغياب السياسي و النضالي لنقيضه الحقيقي، يمعن حروبا و يرسم خرائط جديدة للعالم. تفتت الاتحاد السوفياتي، انقسمت تشيكوسلوفاكيا، تفتت يوغوسلافيا، و جاءت حروب الصومال و أفغانستان و العراق و حصار إيران و سوريا و اشتدت أزمة النظام الطائفي في لبنان مع ما شهده من اجتياحات صهيونية و محاولات لنقله جيوسياسيا من موقع إلى آخر، و بدأت الانقسامات الطائفية و القومية و المذهبية تشتد و تسيطر من خلال حروب و مجازر وحشية كان لأداء الاحتلال الأمريكي للعراق و أفغانستان و لوجود أساطيله و قواعده و أجهزة مخابراته المدعومة صهيونيا و إقليميا، الدور الواضح و الأبرز في نشوئها ما أعتبره فعلا تنفيذا إقليميا لما أسميته مشروع جديد لتقسيم العمل الدولي أعلاه.
إن الشعوب لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الجرائم الوحشية التي ترتكب بحقها و أمام الإبادة المنظمة التي تتعرض لها من قبل الإمبرياليين و الصهاينة، و هي، بالتالي، لن تنتظر القوى الشيوعية و الماركسية و اليسار لتتوحد و تطلق نضالها و تسقط مشاريع الامبرياليين و الصهاينة. إنها تنتج مقاوماتها ( و التحاقاتها )، تلجأ إلى التاريخ، و ربما إلى خارجه، لنبش ما يساعدها على مواجهة أخطارالإبادة. من هنا كان الامتداد الواسع و الاكتساح الكبير للساحة العربية و الإقليمية من قبل القوى الدينية أمرا يسيرا. غير أن كل فئوية، مهما قدمت من إنجازات، تظل عاجزة عن تقديم الحلول الشاملة و المشاريع الوطنية للتحرير و التحرر. و هكذا يفقد انتصار تموز قدرته على توحيد القوى الشعبية المضطهدة و يستطيع حلفاء الأعداء أن يجدوا لهم مرتكزا شعبيا يكاد يعادل المرتكز الشعبي للمقاومة!
و هذا ما دفعني إلى القول: إن كل فئوية، مهما كانت، تنتهي في خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني.
إنني أكاد أجزم أن انتشار الفكر السلفي و الظلامي و تقاسمه للساحات على جانبي الموالاة و الممانعة للمشروع الأمريكي الصهيوني، رغم ما أدى إليه هذا الانتشار من حمامات دم و انحدار حاد على الصعد كافة، و في الممارسات، أثبت، ليس فقط عقمه، و إنما تخلفه و همجيته، عائد في المحصلة النهائية، إلى جانب عوامل أخرى، إلى الغياب الفاقع لحركة شيوعية واحدة متماسكة الرؤية و النهج و التحليل العلمي لهذه المرحلة. أما العوامل الأخرى فأرجعها إلى مدى شراسة و إصرار أصحاب المشروع الأمريكي الصهيوني و قدراتهم المادية الهائلة التي يستخدمونها تقنيا وسياسيا و إعلاميا و استخباراتيا و عسكريا و ثقافيا في هجومهم الشامل، و إلى براغماتية البدائل الجاهزة المتاحة في كل مرة تتعرض استراتيجيتهم إلى إخفاق أو انتكاسة.

3- وحدة الحركة الشيوعية هي الأساس الضروري لإدارة الصراع و إيصاله إلى نهاياته الأكيدة:

بناء على ما تقدم كانت دعوتنا إلى وحدة الحركة الشيوعية، و كان شعارنا: وحدة الحركة الشيوعية فوق كل اعتبار. فلا من يسار و لا من وحدة يسار و لا من دور لليسار في غياب حركة شيوعية موحدة ذات أفق. لقد توكأ العالم معظم القرن الماضي على وجود الاتحاد السوفياتي و المعسكر الاشتراكي، فحققت الشعوب استقلالها السياسي و شرعت تعمل على مشاريع استقلالها الاقتصادي، انتصرت ثورات و تحققت إنجازات، و لكن السقوط المدوي للكتلة الشرقية، أفقد الشعوب سندا و بدأت تفقد مع فقدانه غالبية إنجازات المرحلة المنصرمة وصولا إلى فقدان أبسط مقومات السيادة و الاستقلال أمام الوحش الامبريالي الذي يمارس بكل صلف تدخلاته السافرة في جميع أنحاء العالم مستعملا أو متجاوزا المنظمة الدولية و كل القوانين و الأعراف و التقاليد التي تعوّد عليها العالم خلال ما بعد الحرب العالمية الثانية. و أقول: لا ينتظرن أحد أن تؤدي قوة دولية صاعدة، كالصين أو روسيا أو غيرهما، الدور الذي أدته في الماضي الكتلة الاشتراكية، في إعادة التوازن إلى العالم و لجم الوحش الامبريالي عن الاستمرار في وحشيته. إذن، لا بد من إعادة الاعتبار إلى النقيض الحقيقي للنظام الرأسمالي، النقيض الطبقي، الذي هو وحده قادر على القضاء على هذا النظام و إزالته من الوجود. و لن يكون ذلك متاحا إلا من خلال العمل على تحقيق وحدة الحركة الشيوعية، من خلال إرساء الأسس النظرية لهذه الوحدة و التي هي : - استعادة المنهج الماركسي و إزالة ما علق عليه من تراكم العمل السياسي و الايديولوجي جراء تجارب متنوعة و مختلفة الظروف .
- قيام ورشة عمل متخصصة مهمتها إجراء عملية نقد شاملة لتلك التجارب و استخلاص العبر منها.
- تحديد رؤية نظرية متماسكة قادرة على تحليل و فهم واقع النظام الرأسمالي و أزماته و إدارة عملية الصراع.
و قد اقترحت من أجل هذا العمل الكبير إقامة اتحاد عالمي للحركة الشيوعية يكون بمثابة هذه الجهة المتخصصة التي يقتصر عملها على إعادة التأسيس النظري و تشكل المرجع الفكري للحركة الشيوعية العالمية.
إن وحدة الحركة الشيوعية ضرورة تاريخية من أجل استعادة الطبقة العاملة وحدتها و دورها في قيادة الصراع و تمكينها من تشكيل أوسع تحالف طبقي معاد للنظام الرأسمالي و قادر على إسقاطه و تصفيته.

4- الصهيونية منتج امبريالي و مقاومتها ذات طبيعة طبقية:

لقد ارتبط نشوء الحركة الصهيونية بدخول النظام الرأسمالي العالمي في مرحلة أزمته. إنها فعلا منتج رأسمالي يمثل أبشع وجوه هذا النظام. لقد استعان بها في تمويل حروبه الامبريالية و استعمل كيانها، في فلسطين، بعد أن نكل من خلالها بأهلها و فرض عليهم اللجوء من أجل تأسيس كيان غاصب على أرضهم، بواسطة المجازر و الإرهاب المنظم المحمي من الدول الأمبريالية، أقول، استعمل كيانها قاعدة لبسط نفوذه و من ثم إحكام سيطرته على أغنى مناطق العالم بمصادر الطاقة، العصب الأساسي للنظام الرأسمالي. و هكذا تتم أكبر عملية نهب للثروات و منع المجتمعات صاحبة الحق فيها من الاستفادة منها و استكمال تطورها الطبيعي الحر و المستقل.
إن التحالف المتين الذي ربط أكبر دولة إمبريالية ( بريطانيا أولا، ثم الولايات المتحدة بعدها ) بالحركة الصهيونية و كيانها في فلسطين ليس حلفا عاديا و لا هو حلف إنساني و لم يوجد من أجل نشر القيم الديمقراطية في هذا الشرق. إنه تحالف بين نظام رأسمالي في طور حروبه الإمبريالية مع كيان غاصب محارب زرعه أرباب هذا النظام هنا في فلسطين، ليشكل قاعدة ثابتة لهذا النظام و لينوب عنه و ليساعده في هذه الحروب.
و عليه، فإن مقاومة الشعب الفلسطيني المضطهد، و سائر الشعوب التي تتعرض للعدوان الصهيوني المستمر، هي شكل من أشكال الصراع الطبقي فرضه النظام الرأسمالي عليها.
إن بقاء الحركة الصهيونية و استمرار كيانها الغاصب رهن باستمرار أزمة النظام الرأسمالي العالمي، و كل تسوية مع هذا الكيان لا تعدو تسوية بينه و بين أنظمة و سلطات برجوازية تابعة بطبيعتها و تركيبتها لهذا النظام الرأسمالي، و التي تستمد وجودها و استمراريتها بدورها، من وجود هذا النظام و حاجاته.
لقد ربط النظام الرأسمالي العالمي مصيرنا بمصيره، فليس لنا فكاك من حروبه و سيطرته و نهبه لمقدراتنا و تشويهه لتطور مجتمعاتنا إلا بالخلاص من أزماته و الذي هو هو الخلاص منه هو نفسه. و بهذا تكتسب مقاومتنا لمشاريعه و استراتيجياته و لحلفائه و أتباعه، طابعا طبقيا بامتياز. لذا فكل مقاومة للمشروع الامبريالي الصهيوني هي مقاومة طبقية شاءت ذلك أم أبت و علينا التعاطي معها انطلاقا من هذا الفهم. أن تكون طبقية، يعني أن تعي مسؤولياتها التاريخية، و تصب في السياق التاريخي للصراع الطبقي بين النظام الرأسمالي و نقيضه الحقيقي، الطبقة العاملة العالمية و التحالف الذي تقوده. من هنا تأتي أهمية و مشروعية أن يتوحد اليسار بقيادة حركة شيوعية موحدة، كي يتنكب عبء مسؤولية قيادة الصراع، و الذي لن يصل إلى خواتيمه المطلوبة طبقيا و وطنيا إلا بقيادته.

في النهاية، أشكركم على حسن استماعكم و متابعتكم، كما و أكرر شكري لقادة الحزب الشيوعي اللبناني التي أتاحت لنا هذا اللقاء، متمنيا أن نلتقي، و قد أنجز أعمال مؤتمره العاشر، شاقا طريقه بثبات، قادرا متمكنا من قيادة مرحلة جديدة من مراحل النضال الشيوعي المتصل ، فهناك جوع و هناك عطش في البشر للفكر و الثورة و التحرر و في شتى الميادين، الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية و الاعلامية و التربوية و الفنية ... فمن لهذا كله غير الشيوعيين المبدعين، فافسحوا لهم الطريق، إنهم قادمون!