المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار مع الروائي المغربي محمد شكري


zakharbrahim
30-03-2008, 18:21
http://www.maktoobblog.com/userFiles/a/l/ali_auto100/images/873image.jpeg
حاوره: يحيي بن الوليد و الزبير بن بوشتي
عن/ محمد اسليم

ارتبط اسم الكاتب والروائي المغربي محمد شكري، رضي ام ابي بعمله الروائي الذاتي الخبز الحافي ، وهو العمل الذي سجل فيه تاريخه الشخصي وتاريخ مقهوري المغرب فيما بعد الاستقلال. واراده، وان لم يقل هذا، ان يكون سجلا لتاريخ مدينته طنجة ورسم تحولاتها الاجتماعية والثقافية، وتمظهرات فضائها الخاص المتنوع. وكان العمل في خروجه القوي وان جاء اولا بالفرنسية، ثم ترجم للعربية ونشره الكاتب بشكل خاص، محوريا ومفصليا في الكتابة الذاتية الروائية، فهو لم يكن اعترافات علي طريقة جان جاك روسو ولم يكن فضائحيا اباحيا علي طريقة الكتابات الشعبية بل جاء كما وصفه النقاد بالعمل الذي يصلح ان يكون وثيقة اجتماعية وتاريخية، فهو عن تحولات الطفل الريفي الذي لم يكن يعرف لغة المدينة، وعن الاب القاسي الذي اراد الكاتب انهاء علاقته به علي المستوي الروحي علي الاقل، كما هو عمل يدخل في تفاصيل الهروب والتسكع، والبحث عن الخبز. فالطفولة في الخبز الحافي هي الباحثة عن نجاة في عالم قاس ولئيم، عالم يدفع الاخرين لاقتناص لقمة الخبز المر، الحافي، بالقوة وعبر اللصوصية ان اقتضي الامر كذلك. وعمل كهذا مفتوح علي القراءات، ومفتوح علي المشاهدة، فهو يقرأ بحسب الوجهة التي يبحث عنها القارئ كمتلقي للعمل والتجربة فالقراءة المحافظة تعتبر خروجا علي الحياء وتجاوزا للممنوع في المجتمع، والمتسكع يشاهد فيه صورته ووجهه القديم، والثائر يجد فيه بيانا ثوريا، انه دكان عجب مفتوح للطالب والراغب، ومع ذلك فالخبز الحافي في دورانه في عالم الطفولة كان في ملمح من ملامحه حكاية وسردا عاما تسجيليا وعاصفا عن الجيل الذي تربي وولد في عالم المغرب ما بعد الاستقلال، حيث جاء اولاد الريف الي المدينة ونصبوا اكواخهم حولها، وبنوا مدن صفيح حول قصور البرجوازية والاقطاعية التي استفادت وتضخمت علي حساب الشهداء الحقيقيين للوطن.
الخبز الحافي اصبح عمل الكاتب الوحيد او العمل الذي كتبه الروائي، ولكنه لم يمت او ينته علي غرار اصحاب اليتيمة في الشعر العربي ، فشكري، قبل ان يكتب الخبز الحافي ، نشر اعمالا اخري ومحاولات وتجريب في مجال السرد، والكتابة النسقية والتي جاءت علي درجة اهم وافضل من الخبز الحافي، ولهذا فشكري بدأ عملية التجريب في الكتابة والادب كوسيلة للخروج من واقع الموت المفروض عليه، في البيت والمجتمع الكبير الذي كان يعيش في فضائه وهو طنجة. ومع ذلك لم يكن الكاتب بقادر علي التخلص من شبح وظلال الخبز الذي يظل تأسيسيا في ذلك النمط من الكتابة ولكنه لم يكن تأسيسيا في تجربة الكاتب، اذ حاول شكري في الكتابات اللاحقة، تهميش او تدجين هذا العمل بكتابات اكثر نضجا، او تضمينه لحمة التجربة الذاتية بشكل عام.
مثل الخبز الحافي في غضبه وصراحته، ومرارته وشقاوته اطارا من تجربة محمد شكري، تلك التي اراد فيها ان يكون فيها الشاهد، ربما الشاهد الاخير علي حياة مدينته وجيله من المحرومين، ومن هنا تنبع اهميته. وبالرغم من ذلك فيجب ان توضع الرواية/ العمل في سياقها الاجتماعي والزمني، والحكم عليها عبر هذا المنظور، باعتبارها واحدا من تمثيلات الكتابة وتمثلاتها وليس صورة عن الكتابة في فضائها المكتمل الذي هو الكاتب نفسه.
فقد شارك محمد شكري في الكتابة الابداعية قبل وبعد الخبز الحافي، وكان مسكونا بهاجس الكشف والاكتشاف، والتنويع والتجريب بما هو ممارسة وانفتاح علي التجارب الادبية، وعاش هوس البحث عن كتابة نثر ساحر ومضيء. ومن هنا، فمن حق الكاتب ان يغضب حينما تختزل حياته الادبية في عمل واحد، ومن حقه ان يعمل ضد هذا التلخيص والاختصار، ومع ذلك فـ الخبز الحافي جعل اسم الكاتب مسموعا، ومرئيا في المدي المكتوب والمشاهد، ولكنه قاد الي بناء تصورات خاطئة او ضبابية عن محمد شكري، باعتباره قارئا تعلم الكتابة وجاء اليها متأخرا. محمد شكري هو بالضرورة ذاكرة عن جيله وزمنه، وذاكرة عن الحياة التي عاشها والتي يدافع عنها في هذا الحوار الطويل والصريح الذي تحدث فيه لكل من يحيي بن الوليد، والزبير بن بوشتي.
وحينما نقول ان الحوار شامل لانه يغطي كل المناطق المعروفة وغير المعروفة في حياة الكاتب، ولانه يحاول تحفيز محمد شكري للاجابة علي اسئلة لم يفكر من قبل الاجابة عليها، او حتي مواجهتها، انه حوار مشغول بكيفية ادارة الحوار وطبيعة الاسئلة التي تتجاوز العادي والباهت والمعاد والمكرر والتجاري والاستهلاكي، لاسئلة اكثر عمقا عن معني الابداع وعلاقته بالشهرة، وعن الثمن الذي يطالب فيه الكاتب قراءه ومستمعيه بدفعه مقابل اضحاكهم او امتاعهم ، وهذا لا يعني الحديث عن فن الفرجة وال****وز انما يتعلق الامر بحق الكاتب الاستفادة من هذه الشهرة.
وحينما يقرر شكري استثمار شهرته فهو يريد ان يصفي حساباته مع الذين اغتالوا ابداعه واستفادوا منه، ناشرين، مترجمين وموزعين وصحافيين مشغولين بالاثارة. ولهذا فالقراءة الثانية، التي يقوم بها الكاتب لاعماله عبر تذكر اسبابها وظروف ولادتها تظل امرا ضروريا باعتباره سردا علي السرد. فهو في اطار منه، سيرة ثانية للاعمال، التي جاءت رهينة ونتاجا لوقتها. فشكري يقول ان سهيل ادريس صاحب الاداب طلب منه اعادة الخبز الحافي وفلسفتها اكثر، ولم يفعل شكري ما طلب منه، بل نشرها بالفرنسية كما جاءت في فورتها وولادتها الاولي.
جانب آخر من شمولية الحوار انه لا يهتم بالكاتب، كشخص، بل يتعامل معه كشاهد، ممثل، وجزء من المجتمع فاعل وعامل فيه، فهو ليس ذلك الصعلوك الذي اتقن الكيف، والشراب في الحانات، وصنع منها ابداعا، علي الاقل كما ورد في الصورة العامة والشعبية عن الكاتب. فالحوار يقدم صورة اخري عن محمد شكري، الذي يتحدث عن نضجه الابداعي، ونضجه حكمته كرجل تجاوز سياق زمنه الشاب، وهو هنا ليس مسكونا بالنوستالجيا والحنين بقدر ما يريد التوضيح والتعليق وتقديم حالة عن العلاقة بين الشهادة والابداع، وصهر مجمل التجربة في زمان ومكان الكاتب باعتباره ساردا ومبدعا متمثلا للحالة التي يتصدي لها ويريد كشفها، او فضحها وتعريتها امام الشمس. من القضايا الاخري التي يطرحها الحوار مع شكري، صورة الكاتب كناقد ومبدع في نفس الوقت، وهنا يقدم لنا شكري عددا من التعليقات الهامة عن جيله وعن جيل الكتاب السابقين له، وفي هذا السياق فشهادة شكري في ابناء جيله، ورأيه في الفضاء الادبي المغربي، كفضاء منجز وموجود هامة وضرورية. لا يتوقف الحوار عند المعلومات ذات الطابع الكرنولوجي، البيوغرافي، ولكنه يتجاوز ذلك للحديث عن الدين والمرأة، والكتابة باعتبارها عملا وابداعا، وتجارة وتسويقا واستهلاكا، ويحاول الحوار استفزاز الكاتب شكري للحديث عن مواقفه السياسية، وانتماءاته السياسية، حيث يدافع عن ذلك مقدما صورة عن شخصية تعيش فوق الولاء الحزبي وتتعالي علي الحزبية مع انها لا تخجل من المشاركة ابداعيا في كل المطبوعات الحزبية. حاول المحاوران استثارة وحث الذاكرة القديمة واحياء ذاكرة الوجوه التي عايشها شكري او التي مر عليها، وفي ظلال الصور والالوان نعثر علي تاريخ اضافي وبديل، حيوي لحياة الادب في المغرب او الاديب في طنجة.


يحيي بن الوليد: كثيرا ما نحاور الكتاب والشعراء والمبدعين، خصوصا ممن لهم صيت واسع، لكن نادرا ما نتوقف عند الحوار ذاته. وربما خالف بعض المفكرين هذا التقليد وهم يسطرون المواضيع التي يخوضون فيها وعيا منهم بخطورة الحوار والنتائج المرجوة منه. ولذلك نريد أن نفتتح هذا الحوار الطويل بمحور حول الحوار ذاته، لنسألك بداية: كيف تري الحوار مع كاتب مثل محمد شكري؟محمد شكري: أنا تعلمت بطريقة عشوائية، وهذا معناه أنني لم أتعلم بطريقة أكاديمية، ومستواي التعليمي لا يتعدي أربع سنوات وبضعة أشهر. وطبعا التعلم العصامي لا يعتمد علي توجيه من الذين تعلمت علي يديهم. هذا التعلم والتعليم، في الخمسينات والستينات، كان عشوائيا ومحنة للجميع في مرحلة التعبئة الاستقلالية. ومن خلال هذا التعلم غير الموجه قرأت الكثير من الكتب غير المفيدة، لأنني لم أكن موجها من طرف معلمي أو من طرف قراء جادين يعرفون ما يقرأون. ومع مرور التجربة القرائية بدأت أميز بين الجيد والغث في اختيار ما أقرأ، سواء بذكائي الخاص أو بمساعدة بعض أذكياء القراءة، كتابا كانوا أو غير كتاب. ليس ضروريا أن يكون كل قارئ جاد كاتبا، بل هناك قراء جادون أفضل من بعض الكتاب الذين لا يعرفون ما يختارونه في قراءاتهم.














يحيي بن الوليد: من فضلك، محمد شكري، نعود الي السؤال السابق لتحدثنا عن كيف تنظر الي الحوار مع كاتب مثلك؟
محمد شكري: في الحوار معي ستكون الاجوبة بنفس الطريقة التي تعلمت بها. رغم هذا فهناك نظام في تصور الاشياء إذا أعيد ترتيبها من خلال الكتابة. ليس هناك تسلسل كرونولوجي. هناك سابق كان ينبغي أن يكون لاحقا، ولاحق كان ينبغي أن يكون سابقا. الانسان لا يفكر بطريقة آلية.
يحيي بن الوليد: يقال ان الكاتب هو نصوصه التي كتبها ليتركها لمختلف المجموعات القرائية وللباحثين والنقاد والمؤولين، هو ما لا يسمح للكاتب بأن يتحدث عن نصوصه، هل أنت من الذين لهم نفس التصور؟
محمد شكري: لا أعتقد أن الكاتب منفصل تماما عن نصوصه، فهو مبثوث في نصوصه، ليس هناك تجرد مطلقا في حياة الكاتب مع نصوصه، ليس هناك حياد مطلقا. وأنا أعتقد أن المبدع مبثوث كناقد في إبداعاته طبعا هذا لا يعني ما يسمي بـ الرقابة الذاتية بمفهومها السطحي.
يحيي بن الوليد: صحيح أن بعض المبدعين أمثال توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهما نجد في حواراتهما آراء نابعة بخصوص الادب، ولكن هناك من يري أن المبدع ناقد فاشل.
محمد شكري: هناك كتاب فاشلون ليسوا مبدعين حقيقيين ولا هم نقاد حقيقيون. من حقنا أن نقول: لابد من خلق نقاد مبدعين في نقدهم يبتدعون الاشياء المُبدَعة. الابداع درجات، وعندما تكون هناك خلخلة أو عدم توازن فلابد أن يكون موازيا له نقد إبداعي. هناك نقاد مبدعون. رولان بارت مبدع في النقد. وهناك من يجمع بين منتهي الابداع ومنتهي النقد مثل ت. س. إليوت، عزرا باوند وكامو.
يحيي بن الوليد: وسارتر.
محمد شكري: نعم. كذلك سارتر، ميشيل بوتور وروب آلان غرييه. هناك من تجمعت فيه هذه الموسوعة.
الزبير بن بوشتي: هل تقبل بأن يحاورك من غير العارفين والمطلعين علي أدبك؟
محمد شكري: أقبل، لكن بشرط أن يكون الشخص الذي يريد أن يحاورني مطلعا جيدا علي آداب أخري.
الزبير بن بوشتي: كيف تري علاقة الكاتب باللغة؟
محمد شكري: إن الكاتب ينبغي لـه أن يتعامل مع اللغة وكأنه يخلقها لأول مرة وليس أن يتعامل معها فقط كإيصال. عليه أن يبدع فيها. وهذا يبقينا معجبين بأبي تمام وأبي نواس وإن لم يذهب في بعض شعره أبعد من الترميم والانتقاء. إن اللغة أيضا هي تخييل مثلما هو الابداع. وفي المقابل نجد بودلير، مالارميه، بول فاليري، لوتريامون، هويتمان، ماياكوفسي وياسنين. هؤلاء أيضا نحتوا لغتهم.
يحيي بن الوليد: وفي النثر أليس هناك نحت لغوي؟
محمد شكري: أعتقد أن أول شاعر في شفافية النثر العربي الحديث يبدأ مع جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة والي حد ما أمين الريحاني. ثم جاء بعدهم جبرا إبراهيم جبرا ويوسف إدريس.
يحيي بن الوليد: وأحمد بوزفور.
محمد شكري: إنه رائد القصة القصيرة الشاعرية ومحمد زفزاف يتقارب معه في بعض قصصه.
الزبير بن بوشتي: لقد أجريت العديد من الحوارات مع قنوات عربية أجنبية، فما هي طبيعة الاسئلة التي عادة ما تطرح من طرف المحاور العربي والأخري التي يطرحها محاورك الاجنبي؟
محمد شكري: يصعب أن أنحاز الي أي منهما من حيث إلقاء الاسئلة. هناك أسئلة جادة وأخري باهتة من الطرفين. الامر يتعلق بعمق الاطلاع وذكاء الاسئلة التي قد تثير أجوبة في مستواها. وإذا كان هناك فارق فإن الاجانب ترتكز أسئلتهم علي مدينة طنجة وتحولاتها بعد الاستقلال. ربما بسبب ما تركه أجدادهم وآباؤهم هنا من حنين.
يحيي بن الوليد: سنكرس لمدينة طنجة محورا خاصا، ولذلك نطلب منك أن تواصل حديثك عن طبيعة أسئلة الاجانب.
محمد شكري: أحيانا يزعجني أن يُتَعَامَل معي فقط كظاهرة أدبية تعلمت في سن متأخرة دون التركيز علي القيمة الادبية في كتاباتي المختلفة. أنا ضد هذه الماركينتيغية أو السكوبات (السبق الصحفي). إن الانبهار بالسبق الصحافي لا يتهافت عليه إلا الفقراء في ذهنيتهم. إنهم لا يبحثون عن الامتاع الذهني فيما يقرأون. لا علاقة لي بهؤلاء وإن كانوا يقرأون كتبي.
الزبير بن بوشتي: ولكنك أنت أكبر المساهمين في تكريس هذا التصور عن نفسك.
محمد شكري: لماذا لا تقول العكس بحيث هناك من يخدم شهرته من خلال شهرتي بدءا من الناشرين، والصحافة المكتوبة، والفضائيات والاذاعات. لا أكرس نفسي وحدي لشهرتي.
الزبير بن بوشتي: بل كرست عن نفسك صورة الصعلوك التي ترفضها الآن... فأنت في العديد من اللقاءات لا تتحدث إلا عن حاناتك وعن دخولك الدار سكرانا وغيرها من الصور التي تروجها عن نفسك في حوارات ولقاءات، فكيف تقول بوقوف الآخرين وراء ترويجها؟
محمد شكري: الصعلكة هي نوع من الحياة، وهي بمفهومها القديم كانت أحيانا تسلية، وأحيانا التزاما نبيلا اجتماعيا لنصرة الفقراء، لكنها استغلت وأصبح الصعلوك لا يعني إلا الاخلاق السيئة؛ فأنا عندما أسكر أفعل ذلك بسمو السكر وتجليه. أحافظ علي أن لا تصدر عني أفعال وأقوال تزعج أو تؤذي الآخرين. أحيانا أكون أخلاقيا أكثر من الاخلاقيين أنفسهم. لا وجود لي إلا بمقدار ما أعطيه للآخر من الاحترام الذي يستحقه لكسب احترامه لي. هناك مسامرة الندّ للندّ، وهناك ناس محدودون في سلوكهم، والمطلوب في مجالستهم ومسامرتهم هو نوع من اللياقة في الكلام معهم. قبل ايام كنت أمارس نوعا من هذه الصعلكة مع نفسي دون أن يشاركني فيها أحد. إنها نوع من التدمير الذاتي أمارسه مع نفسي لتسكين قلقي المجهول. هذه الحالة تغزوني بين فترة وأخري. عندي كل ما أحتاجه، لكن ينقصني شيء ما مبهم. ثم جاء يونس الخرَّاز (رسام مغربي من أصيلة) وشاركني جزءا من هذه الصعلكة فسمّي حالتي تسكين (القهر الداخلي). أعجبت بتعبيره.
يحيي بن الوليد: قبل قليل اشرت الي الاسئلة الجادة التي طرحت عليك، نريد أن نعرف هذه النوعية من الاسئلة.
محمد شكري: كتب عني أكثر مما كتبت. الظاهرة هم الذين خلقوها. كيف أكبحهم؟ لست ملكا لنفسي كلية. جزء مني ملك للآخرين. أتذكر ذلك اليوم في كلية الآداب في مراكش أثناء لقاء نظمه لي عبد الصمد بلكبير مع الطلبة؛ فاجأني أحد المعجبين الذي لم يكن يملك أحدا من كتبي طالبا مني أن أوقع له اسمي علي ورقة. قلت له أنا لست مغنيا أو لاعب كرة قدم لكي أوقع لك علي ورقة. قال بأن الكاتب أهم.
يحيي بن الوليد: وماذا عن أسئلة الاجانب؟
محمد شكري: في معظمها لها علاقة بالمدينة التي أعيش فيها علي الدوام كما قلت من قبل. ونحن نعرف أن طنجة هي من المدن العالمية المُؤَسْطَرَة مثل المدن المينائية: الاسكندرية، أثينا، قاديش. مدن الغزو والقراصنة. إنها أسئلة لا صلة لها بمسيرة الادب العالمي ككل. أسئلة فيها فلكلور وعجائبية. أسئلة عن طنجة الكوسموبوليتية. هل ما كتبته في الخبز الحافي ، السوق الداخلي ، القصص الاخري عشته بالفعل. أسئلة من هذا النوع تلقي عليّ من طرف الاجانب والعرب.
يحيي بن الوليد: ألا تري أن هذا النوع من الاسئلة فيه استفزاز بالنسبة لك؟
محمد شكري: لماذا لا نقول بأنه استقصاء وفضول المعرفة... ! هل ما كتبته في الماضي مازال مستمرا؟ هل مازال البؤس مستمرا ومعيشا كما من قبل؟ هل مازلت الدعارة مستمرة وتمارس كما تحدثت عنها في بعض قصصك؟ والشذوذ الجنسي أحاله هي كما كان في الماضي في طنجة؟ مثل هذه الاسئلة غالبا ما يطرحها الاجانب. والجواب عنها يكون حسب طبيعة موضوع السائل في مجموع أسئلته في عمقها وسطحيتها. لا جواب ذكي بدون سؤال ذكي.
يحيي بن الوليد: وحتي نبقي دائما في الاطار ذاته، فما هي الاسئلة التي تكره أن تطرح عليك؟
محمد شكري: هل حقا مسموح بالكتابة عن الخلاعة والشذوذ؟ هل تعتبر نفسك صاحب الكتاب الواحد؟ هل تكتب عن الدعارة لأنها كتابة رائجة؟ مثل هذه الاسئلة وغيرها أعتبرها سطحية.
الزبير بن بوشتي: هل تعتبر نفسك عدو المرأة؟
محمد شكري: إن كتاباتي عنها لا تكشف عن ذلك بل أدافع عنها. ليس كل من يكتب عن المرأة الداعرة هو عدوها. الجنس الداعر أوظفه توظيفا اجتماعيا للكشف عن أسبابه الاستغلالية في أبشع صوره. هناك كثير من المباءات الاجتماعية يساهم الجنس العاهر في الكشف عنها. لكن اصحاب العقـــلية المتشددة في انتقاد الجنس المحرم قد تجدهم مهتمين بقراءاته في الخفاء بتلذذ. لا أبالغ إذا قلت إن الذين ينتقدون الجنس المحرم هم أكثر الناس شراء للكتب الجنسية.
الزبير بن بوشتي: والآن ما هي الاسئلة التي لم تطرح عليك وكنت ترغب في أن تطرح عليك؟
محمد شكري: الاسئلة التي لم تطرح علي هي الاسئلة التي لم يفكر فيها الغير ولم أفكر أنا في الاجابة عنها.
يحيي بن الوليد: ألا تعتقد أن الحوارات تخدمك؟
محمد شكري: بل تخدمهم هم. فكل صحافي يأتي إليك ليحاورك يريد أن يمتصك مثل إسفنجة في الماء. وأكثر الحوارات تجارية وأقلها جادة. ثم قد يقول لك المحاور في مقاله عنك ما لم تقله ليزكي مقاله بالاثارة التي قد تسيء إليك.
يحيي بن الوليد: أنت قلت في اللقاء الذي نظمه فرع اتحاد كتاب المغرب بطنجة حول تجربتك بأنك لا تجري الحوارات مع وسائل الاعلام إلا بمقابل مادي. ألا تري أن هذا يدخل بدوره في إطار الماركيتينغ؟
محمد شكري: يا عزيزي يحيي، ربما إلحاحي وتشبثي بأن كل حوار ـ سواء كان أجنبيا أو عربيا ـ يجب أن أتقاضي عنه مقابلا ماديا هو إعادة اعتبار لما أخذ أو سرق مني؛ فأنا قد استغللت استغلالا كبيرا من طرف مؤسسات النشر الاجنبية والعربية: الاسبانية، الفرنسية، الايطالية، البرازيلية وغيرها. أمام العربية فسهيل إدريس نشر مجموعتي القصصية مجنون الورد (1979) ولم أستلم منه سوي تسبيق عن طريق محمد برادة، فحتي الآن لم يجر معي أية حسابات عن عدد الطبعات والمبيعات. ونفس المجموعة نشرتها مؤسسة الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة (1997ـ الطبعة الثانية) دون استشارتي. كيف يعقل أن مؤسسة رسمية تنتمي الي بلد عريق في الحضارة تقوم بمثل هذا العمل غير الاخلاقي والقرصني (نسبة الي القرصنة).
يحيي بن الوليد: لحسن الحظ أنها لم تحدث زوبعة كما حصل لـ وليمة لاعشاب البحر لحيدر حيدر.
محمد شكري: (يصمت شكري للحظة ثم يواصل) إن اية مقابلة صحافية معي ينبغي أن تؤدي عنها مستحقات حتي أسترد ما سرق مني.
الزبير بن بوشتي: ووسائل الاعلام المغربية، ما حكايتك معها؟
محمد شكري: أصبحت أطلب المبلغ الذي أستحقه سواء من القناة الاولي أو الثانية. أريد أن أستفيد من شهرتي أجنبية كانت أو عربية أو مغربية. نعم، أطالبها بدفع المستحقات إن كانت تمولها أجهزة تجارية. أما إذا كان الصحافي مبتدئا وينتمي لجريدة أو مجلة لها انتشار محدود فقد أدعوه الي مائدة الطعام.
يحيي بن الوليد: وكيف تنظر للحوار في علاقته بما يسمي التسويق الذاتي ؟ ألا تلاحظ أنك تروج لنصوصك في حواراتك؟
محمد شكري: إبراز الذات غريزة بشرية خوفا من الفناء.
الزبير بن بوشتي: هل معني هذا أنك تطمح للخلود؟
محمد شكري: ألم يثبت الفراعنة أنفسهم في الاهرام وبعدهم شعب الإنكا. نزعة الخلود لا أراها شاذة. إنها حافز كبير للتطور وتبئير للانتاج الفكري.
الزبير بن بوشتي: ما رايك في الجمال؟
محمد شكري: الجمال محفز للاعجاب والتعارف.
الزبير بن بوشتي: ورأيك في ظاهرة السراويل النسائية؟
محمد شكري: ليست كل مؤخرة نسوية يلائمها السروال اللصيق جدا بها. إن بعض المؤخرات مضحكة ومنفرة. فهي تبدو مثل سنام جمل. وإذا خلعت المرأة سروالها المشدود جدا عليها فإن رائحة العفونة ستنبعث منها؛ لأن التهوية منعدمة في السروال المشدود جدا.
يحيي بن الوليد: وما الذي تسعي إليه من خلال حوار القدس العربي معك؟
محمد شكري: توضيح لما لم يلق علي سابقا من أسئلة. أسئلة ظلت مبهمة وأسعي من خلال هذا الحوار استجلاءها وإبراز أشياء جديدة لم تطرح علي من قبل.

mahdar
30-03-2008, 21:32
حوار متميز نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي قبل رحيل الكاتب المتنطع الذي كافح من اجل اسماع صوت المنبودين اجتماعيا قرأت جميع ابداعاته وبالكاد خلال خلال ايام المنع ...اذكر رواية الخبز الحافي ..السوق الداخل ..زمن الاخطاء وايضا مجاميع قصصه القصيرة ...مجنون الورد..الخيمة..وكتاباته حول بول بولز وجان جينيه وتنزيه وليامس ...رحم الله شكري وغفر له

zakharbrahim
31-03-2008, 12:46
نعم اخي mahdar
شكرا لك مرة اخرى على تعليقك.

أمين-94
01-04-2008, 11:17
شكرا لك أخي على الموضوع المفيد

zakharbrahim
05-04-2008, 11:52
لا شكر على واجب اخي
امين-94
انت دائما متتبع لمواضيعي وهذا يكفيني فخرا.

zakharbrahim
31-03-2009, 04:01
أرجو ان تعم الفائدة