المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليلة من سنة-1-


نورالدين شكردة
01-09-2008, 13:34
لــيــلة مــن ســنــة-1-

تناثرت نجوم بيضاء مزينة كبد السماء ، و بدا وجه القمر شاحبا كئيبا من وراء طيف سحابة عابرة ، اخترقتها خيوطه الواهنة وتجاوزتها لتتسلل عبر شقوق شرفة مسكن وظيفي ، تواجد به ساعتها ، كما تواجد به البارحة ، و كما سيتواجد به غدا ، و بعد غد ، و بعد بعد غد خمسة من المعلمين ، التفوا حول طاولتين مدرسيتين متواجهتين ، تتوسطهما شمعة غيوانيةو تسامروا ساهرين متناوبين على ارتشاف " دكة " شاي بارد من نفس الكأس ،مستهلكين نفس الحـوار و عـين النقاش و ذات المشاعر ، بعدما أنهكهم لعب الورق و انتظار غليان " كاميلة " المرق .
إدريــس: يتأفف و يتذمر ، يلعن الحظ و الوقت و الدنيا و المهنة و التلاميذ ... يسترجع أنفاسه برهة ، ثم يعود ليختتم سلسلة سبابه و شتائمه غيرالموجهة لأحد معين قائلا : ( الدنيا غدارة و كتعطف غير لل****ة ، والعشرة مع الرجال صالحة غير للي ما عندو نفس )
عبد الفتاح : السبحة لا تـفارق يـمناه يقتـنص التعقيب ( " احمد الله يا أخي على وضعك ، و تذكر دائما أن ما بعد العسر يسرا و أن ما بعد الشدة الرخاء ، و أن البطالة تعدت المجاز إلى المهني و الحرفي و المياوم .فكفاك تشاؤما ..." ) ، أما يسراه فلم يعلم أحدنا يوما وجهتها داخلعباءته .
الجيـلالي : باسما حالما ينتشل نفسه من موضعه ، يعتدل واقفا و بصوت رومانسي مصطنع يهمس : ( " أنصتوا لهذه الخاطرة يا أصدقاء " ):

رموش عينيك تبدوان لي بين فجاج الجبال ..
تذكريني ، تذكريني حبيبتي حنان ..
بصاقك ، ركلاتك ، عضعضاتك تحاصرني في الأحلام ..
لن أنسى يوم صفعتني قرب " دكان الجزار " ..
لكن تأكدي ، انك أنت يا ست الحسن و الجمال ..
من تستحق أن يباع لحمها بألف ريال !..
سـالــم : يعض على شفته السفلى بشفته العليا و سن واحد من فكه الأعلى افتنانا أو ربما استهزاء ب " لامية " الجيلالي ، يعلق ( " راه غير الله يستر من هاذ الشي ديالك و خلاص "!) ينفث بحرقة اخر نفس من سيجارته ، يتأمل أيامه في دخان سيجارة ادريس ، يسال: " ما زال شي مريتل دكازا أ دريس ؟ "
ادريــس : يجذب بعمق و تلذذ نفسا طويلا من سيجارته ، يهيم لا مباليا و كانه لم يسمع "سالم " لا ينتظر ردا ، يعض على شفته السفلى امتعاضا هذه المرة ، يخفي شعورا بالكراهية في أعماقه و يتظاهر بالانشغال في إزالة وسخ اسود عالق بين شقوق الطاولة بسكين صدئ .يحرك رأسه يمنة و شمالا كمن يبحث عن أحد أو شيء ، أو كمن يتحسر، أو كمن يمتنع باستهزاء ، متأهب كعادته للعن الحياة و العورات و الأنساب و الأعراف و الملل ، يخيل للناظر أنه سيثور في وجهه . لكنه يكتفي بالتأفف و التذمر من نفسه ...
المغـناوي : علامات الحقد و الكيد و إمارات السوء و الخبث بادية على وجهه ، استنفذ كل طاقاته في إثارة الفتن و اختلاق الإشاعات و توزيع الوشايات ، فركن إلى العزلة و الصمت و الانطواء بعدما طاله التهميش و التأنيب و الازدراء . و لم يعد يعبأ بتواجده أحد ... هو الآخر لم يعد يعبا بنفسه ...
عبد الفتاح : حبات السبحة تمر الواحدة تلو الأخرى بين سبابة و إبهام يمناه و هو يعد على مسمع من الآخرين تواريخ و أسماء الأيام المتبقية للعطلة، و أصابع يسراه وحده يعلم متجهها .
الجيـلالي: عشوائي كعادته ، عبثي من فطرته ، ذو توحيمة فحمية شحمية لوراثته .يدعي دوما استلهام كتاباته و اختراعاته من الصمت و الفوضى ، و من مواء القطط و الشعور بالشطط ، تمتد يده بغتة لدفتره الملازم ، يهمهم ببضع كلمات ثم يردف بصوت سكسفوني مقنع " اسمعوا هاذ الزجل الرجال " :

أَلحبيبة ، العزيزة ، الغزالة ديالي ..
بين الجبال راني وراكي ديما فبالي ..
نظمت عليك الراي و الملحون و الزجل الموزون..
لا يغرك الحب اللي قتل روميو.. و قوى عنتر..
و جنن قيس.. وجمد جاك ..
انا الجيلالي بروحي و توحيمتي و رابيلي و لا نطريطي فداك..
نموت و نحيا ..نتجمد و ندوب نطير فسماك، نحماق و نتعقل بهواك ..
نولي كينكو د لعشاق..
أمان أمان أنا الفنان و دان داني دان دانا على الزين الفتاك ..
أرايي على الراي و ما دار في أنا ليك و انتي لي و ما لينا فراق..
و يا ليل يا عين على اللي رضا بالهم و هم تك بم بم طاق راق..
( للضرورة الشعرية ).
ســـالم : إعصار ضحكة انفلتت من بين فضاءات فراغات أسنانه بكل مخلفاته ، يتدارك موقفه المحرج فيكتم ضحكته الشنيعة و يعلق متلعثما ( أعطي الراحة لراسك أسي الجيلالي و نوض اخترعنا شي آلة كتخفف ضيم الغربة حسن ليك و لينا ) .
ادريــس : ... أف .....
المغـناوي : !!!؟ رائحة الكراهية و عدم الانسجام فائحة منه .
عبد الفتاح : يمناه لم تبرح عقيق السبحة ، يحرك شفتيه مسبحا و محوقلا و عادا ، تنقبض أساريره حتى تختفي زعانف شاربيه بين نتوءات لحيته ، و تلتقي جبهته عند تجعيدتين لا غير . يتجهم ، يتصفح الجميع بالتفاتة نصف دائرية و ينطلق متحدثا بقلق واضح ( العشا و العطلة دايما كيتعطلوالإخوان ... ) و الجميع يعي أي عشاء يقصد ؟ و الجميع يتساءل: اين هي يسراه؟
ســالـم : (رائحة الدخان هاته تذكرني بليلة حمراء ماجنة ، أمضيتها مع زملائي أيام التكوين ، استهلكنا فيها الفواحش و المحرمات حد الإغماء ،آه عليها من مرحلة . كل شيء وقتها كان متاحا و مباحا و حلالا .. ).
يصمت لبرهة ، يتحسر بصوت مسموع عن بعده و حنينه لخمارة
الحي و ابنة الجيران ، يعتصر سيجارة رخيصة بين شفتيه تفوح
منها رائحة المسك أغدق عليه بها "عبد الفتاح " ينفث دخانها عبر فجوتي انفه صوب وجه " إدريس " مباشرة ، يعقبها
بزفرة بطيئة و جملة سريعة : (شحال ما زال للعطلة الرجال؟ )
الـجـــيلالي : بصوت أجش يجاهد كي يجعله رخيما رحيما بإسماع زملائه ،يتغنى بإبداعاته ممهدا : (تمعنوا في تفعيلة القرن !):

تقوقعت آمالي في جب الملل و السام و الرتابة ..
تشرنقت أحلامي بين زوايا الحزن و الأسى و الكابة..
تعنكبت طموحاتي تحت طيف جمل و جبل و سحابة ..
غربة و " حكــرة " و حنين ..
هــم و غـم و أنين ..
عــزلـة و نـفـي و تأبين..
( دبا غير كولوا واش انا ماشي ضايع ؟ !)
ســـالــم:..: " نحن من ستضيعنا بترهاتك هاته ".....
ادريــــس : ." .الله يلعنها عشرة و الله يلعنها قصارة و الله يلعنها ابداعات "" اسكت اصاحبي لوجه الله " ..
عبد الـفـتاح : مزيان على الاقل فلك اجر المجتهد المجنون اقصد المخطئ " ...
الجيـــلالي : .تمده التعليق بطاقة متجددة .تنتابه حالة إسهال أدبي يخرج حزمة من المسودات يبعثرها يلتقط واحدة و ينساب مرددا و هو يفتعل متقمصا شتى أنواع المشاعر
و الانفعالات و لربما لا يفتعل ذلك ....

هواجس النوارس .... شن..
اقلقتني اللقالق... طـــــــن..
عذبتني العنادل ...رن ..
تحاملت علي أسراب الحمام..
انا عصفور جريح اصيب بلوثة عشق بومة شقية..
حنين ... انين ... طنين..
طنين ... طنين ... طنين ..
شن ... طن ... رن..
دمعة و تفاحة و حلزون..
قملة و رمانة و غيلون..
ابحث في اللابحث عن اللامبحوث ..
التهم الصمت كفار صيني يمضغ الماء ..
اصرخ بلا صوت ، بلا عيون ، بلا لسان ..
حنان ... حنان ... وا حنان.....
منبه و سيارة و تلفون ..
بيب بيب ....تيك تيك..عن عن...
شن... طن ... رن..
تنطفئ الشمعة ..
دموع ... شموع ... دموع ..
ســــــالم :.......................................
ادريــــس :......................................
عبد الفتاح:.....................................
الجيـلالي :.....................................
وتأبى الليلة أن تنقضي...

hanane81
02-09-2008, 22:55
واااو روعة أخي
بارك الله فيك و في قلمك
تحياتي.

نورالدين شكردة
03-09-2008, 10:06
بارك الله فيك وفي تحملك لجيلالياتي
تحياتي

des problèmes
05-09-2008, 21:53
تبارك الله على الجيلالي المجلجل
2kتحيات المنفي2k

نورالدين شكردة
06-09-2008, 00:46
أهلا أخي عد بإسمك القديم أرجوك لنحيي سجالاتنا وتجلجلاتنا المجلجلة
تحياتي وشكرا على المرور الطيب

ابو طفلين
26-10-2008, 01:14
شكرالك، تركت ليلتي بدون نوم.

نورالدين شكردة
06-11-2008, 10:23
شكرالك، تركت ليلتي بدون نوم.

اعتدر أخي جواد نفديهالك فالخير ان شاء الله
وأعتدر مجددا
ومشكور على مرورك اللطيف

zaza74
26-06-2009, 10:57
je te conseille cher narrateur d éditer tes contes motivantes et succulantes ...
à avouer je les trouves pleines de dévouement et du sucre ..tu peux les ramasser dans un livre nommé يوميات معلم في الأرياف
je te jure que je serai le premier à l acheter
merci mille fois pour ton courage

الزبير
26-06-2009, 18:32
هذا النص كان ضحية من ضحايا الحذف او الرمي الى الرشيف فقد زالت كل التعاليق والملاحظات بشأنه
لذلك سأكتفي بقولي للمبدع السي نور الدين مبدع متالق كعادته

hlilou
26-06-2009, 22:03
اعجبتني اغاني الجيلالي كثيرا....هههههه
جميلة هي كتاباتك اخي......دائما تتحفنا باسلوبك المميز الساخر
دمت لنا ودام لنا ابداعك

nefraoui
26-06-2009, 22:36
قصتك أخي نور الدين من الروعة بمكان ، فن أدبي رفيع المستوى وأسلوب راق جدا ألبسا للدفتر حلة الأدباء الكبار .
مرة أخرى ، أقترح عليك جمع الجيلاليات في مجموعة قصصية تثري الساحة الأدبية .
دمت متألقا.
تحياتي ومودتي تقبل .

نورالدين شكردة
28-06-2009, 14:32
je te conseille cher narrateur d éditer tes contes motivantes et succulantes ...
à avouer je les trouves pleines de dévouement et du sucre ..tu peux les ramasser dans un livre nommé يوميات معلم في الأرياف
je te jure que je serai le premier à l acheter
merci mille fois pour ton courage
أخي زازا....أخاف ما اخاف تكونو غير كتزطموني ويجريو عليا القراء والباءعين وحتى القصاصون الحقيقيون...
لكن صدقني إن قلت لك ان شهادتك اصابتني بغرور وانتفاخ في الأنا سرعان ما خنقتهما وذبحتهما ذبحا...
آمل صدقا ان ترى جيلالياتي النور هذا الصيف وآمل أن يجد من تقع بين يديه نفسة نسبة السكر والصدق والصراحة والجرأة التي لمستها في مجلولتي...
احييك وأعترف لك ان ردودا من قبيل ردك تدفعني دفعا لإغراق المنتدى بجيلالياتي خصوصا إن كانت ردودا صادقة لا يلمس فيها للمجاملة نسمة ولا طيبة...حياك الله

نورالدين شكردة
28-06-2009, 14:33
اعجبتني اغاني الجيلالي كثيرا....هههههه جميلة هي كتاباتك اخي......دائما تتحفنا باسلوبك المميز الساخر
دمت لنا ودام لنا ابداعك
ودمت لنا أختي حليلو بجميل تتبعك ونهمك المفرح للقراءة والكتابة...
سعداء بقراءاتك وكتاباتك المتميزة..حياك الله

نورالدين شكردة
28-06-2009, 14:35
هذا النص كان ضحية من ضحايا الحذف او الرمي الى الرشيف فقد زالت كل التعاليق والملاحظات بشأنه


لذلك سأكتفي بقولي للمبدع السي نور الدين مبدع متالق كعادته

نعم أخي الزبير صدقت كنت قد تلقيت بصدده ردودا طيبة كثيرة وأخرى منتقدة أكثر ...
لكن ما علينا فطعم ردودكم ما زال عالقا بين ثنايا صفحات منتدانا العزيز...
لك التقدير والمحبة...

نورالدين شكردة
28-06-2009, 14:40
قصتك أخي نور الدين من الروعة بمكان ، فن أدبي رفيع المستوى وأسلوب راق جدا ألبسا للدفتر حلة الأدباء الكبار .
مرة أخرى ، أقترح عليك جمع الجيلاليات في مجموعة قصصية تثري الساحة الأدبية .دمت متألقا.تحياتي ومودتي تقبل .
ومودة وتحية اكبر للمبدع المتألق الأخ النفراوي...
شكرا لك على جميل مرورك وتشجيعك وإطرائك ...
دعي معايا يوفقني الله نخرج المجموعة ديالي اللولى هاد الصيف إن شاء الله...
لك التحية والتقدير..

mahdar
29-06-2009, 08:47
نص يتسم بجماليته و متانة بنائه السردي ...ناهيك على شخصيته التي اصبحت تخلق الفة مع كل الدفاتريين

علال ابن الشرق
29-06-2009, 11:57
ترى أين تتجه يسرى عبد الفتاح ؟ سؤال راودني وأنا أتجول بين أفنان روضتك المزهرة ، أقتطف ما دار من حوار بين شخصياتت أنهكها " التعيين " لممارسة لعبة التعليم " العالي " ،( نسبة إلى علو الجبال ) ..
حكي مميز ، يعتمد أسلوب السهل الممتنع ، وحوار تستشف منه إشارات كثيرة ، كل أستاذ يرمز إلى صنف من الناس : عبد الفتاح متدين بدأت رياح تأثير على شخصيته جراء دخان السجائر ، و" رومانسيات " الجيلالي، إدريس : ضائع بين متاهات السجائر ، الجيلالي : شخصية حالمة ينثر أشعاره على من لايحسن الإنصات ، رصد لجزئيات صغيرة ، واستنطاق لحوارات تافهة أصيبت بها عقول بعض "رجال" التعليم ، فكانت النتيجة ما نرى..
نص متألق يا نور ، أتحفنا بالمزيد..
سأمر إلى الجزء 2 إن شاء الله..