نورالدين شكردة
09-09-2008, 17:54
ليلة من سنة – 2 –
عقارب الساعة تتحرك ببطء قاتل . فللوقت هنا حسابات أخرى و إيقاعات أخرى . الأجواء خارج البيت / المسكن مظلمة ، كئيبة ، مرعبة .. يصر " الجيلالي " دوما على القول أن الزمن هنا يحتضر ، و يختصر " عبد الفتاح موقفه من الزمن قائلا : لعل عصر الخلافة سينبعث من هنا و يسميه " ادريس " متذمرا : " الوقت ديال الزفت . و يجمع الكل علـى ان هـذه المـناطق المـنسية من المـغــرب تتـحرك خـارج إيقــاع زمن الحكومة و زمن غرينتش و زمن الرأسمالية المتوحشة و زمن العولمة المتغطرسة ....
يتدبر عبد الفتاح أمر تهييء وجبة العشاء بيمناه فقط بينما يسراه لا زالت وجهتها مجهولة. في حين انكب الأربعة المتبقين على التناحر بهمة و إخلاص و عزيمة صادقة يفتقدونها داخل أقسامهم حول لعبة الورق .
ادريس : متـأففا ، هـاذ الحـرفة مـا يمـشـيلها غـير اللـي مـا عنـد بـابـاه لا عقل ولا ضمير و لا طموح .
المغناوي : يحرك رأسه مؤيدا بالرغم من أن عينيه تخفيان خلاف ذلك .
سالم : عيب هذه الحرفة يا أخي أنها تطفئ فينا وهج الرجولة ، تكبت فينا مطامحنا المشروعة .أشعــر أننـي وأدت شبابــي و مشاريعي بين هذه الجبال البئيسة... فلا ظروف ترضي و لا نتائج تقنع ، و لا راتب يحفز ... و لا فتيات تؤنس ... أخخخخ
الجيلالي : حرفتنا هذه تحتاج إلى إحساس فني مرهف ، و ليلنا هذا يحتاج لترنيمات تجدد فيكم الأمل و العطاء و تدفعكم لإعادة النظر في أولياتكم و أحكامكم و مشاريعكم.. استمعوا إذن كي تحبوا هذه المهنة ..و انطلق مترنما :
لعلك استيقظت هذا الصباح أيضا كالمنبوذ..
عد إذن لتنام فالكل اخلف الوعود..
و الوطن أعاد رسم الحدود..
و نعتذر ديباجة كل الردود ..
ماذا عساك تنتظر ..
و أنت تحسب عمرك بالعقود..
جافتك الورود و الحظوظ و الخدود ..
عد إذن لتنام فالكل اخلف الوعود..
أو إلق بنفسك في طمت السدود ..
لا تتردد..
حَرِّق نفسك أو علقها بأعلى عمود ..
أو عش صامتا بكبرياء و زهد الهنود..
و عد غدا لتنام فالكل أخلف الوعود..
ادريس : عـلى الأقل فهـذه الخلطة الجديدة من الكلمات خير من " طاق راق "و " الشن الطن " سر يا زميلي على درب العبث فأمثالك من يؤثثون فضاء إبداع هذا البلد .
سالم : و الله العظيم يْلاَ هو اللي مْهْنِّي ، كيخبط و يغرز و يفصل في الكلمات و كينتـقم مـن الـوضـع و مـنـا و مـن راسـو ..الوزارة حـايـرة مـع الإصلاح و المـردودية و هو ما مسوقش ...
الجيلالي : اسمع أنا أمارس الإصلاح على طريقتي ... إذا لم تكن تبدع أدبا أو رسما أو موسيقى أو حتى تخيلا فإنك لن تبدع
داخل فصلك و بالتالي لن تصلح شيئا ...
الإصلاح في نظري مسالة إبداع ، رؤية مشرقة بعيدة المدى ، أقصد مسألة أفق وضاء ...إليك مثلا هذه " الصيحة الزجلية " التي ألفتها في شهور و سألقيها عليكم في ثوان و يا لسخرية الإبداع ..
نفيق فالصباح مضيوم و نلوح عليا الملايا ..
نشوف خليقتي مزلوطة منهوكة فلمرايا ..
نصرخ وأدوا القرايا ..
كي ندير نصون نفسي من البلا و كثرة الرزايا..
تباعت المناصب و الأعراض رخيصة بالهدايا ..
نصيح طالبين الحمايا ..
من غول الجور و التهميش و فتنة السبايا ..
من تجار القيم و الاخلاق وخوانين الرايا ..
سالم : في الحقيقة يلا عولات عليك الوزارة تصلح شي زفتة طفراتو بكري ..أعدتنا لزجلك الصداح و ياليتك ما كتبت الزجل ، تعيس هو من لم يستمع لزجلك الرنان . شنو غنكولك أصاحبي الله يسهل علي بشي انتقال و خلاص !!!
عبد الفتاح : الإصلاح مسالة إيمان و إخلاص ووعي مطلق بالمسؤولية أمام الله و أمام العباد . فما يفترض أن يقال قيل و ما يفترض أن يكتب كتب و ما يفترض أن يشخص شخص لكن ما يفترض أن يعمل لم يعمل بعد و هنا مربط الفرس. حرك طنجرة الضغط مرة تلو الأخرى وأعاد إدخال يده في جيب قميصه الأفغاني ..أما يسراه فإنها لم تبرح جيبه منذ عهد طويل .
ادريس: عجيب هو أمر هذه المدرسة، و عجيب هو أمرنا كلما اعتقدنا أننا نبذل قصارى جهدنا نكتشف أننا لا ننتج شيئا... لعل مدرستنا تحتاج إلى نفس تجديد أي إلى فن جديد للتدريس أو ربما لرقيب مقيم .
الجيلالي : التجديد هو ما جادت به قريحتي أيها المعلم الفاشل .
عبد الفتاح : الرقيب هو الله سبحانه و تعالى ثم الضميرمقاطعا مشيرا بيمناه نحو السماء . داسا يسراه بين غياهيب تلابيب قميصه .
الجيلالي : مـن اليـوم فـصاعدا لـن أسمـعكم غـير نثـر يطفح بالصمود و الكفاح والجهر بالمناكر و المفاسد و تبنى قضايا المستضعفين ... و القضايا الدولية العادلة ...
سالم : أرجوك ... إطفح لوحدك ..نحن لم نشتكيك أو نوكلك قضايانا ..وضعنا أردى من أشد الأوضاع الدولية قتامة .
الجيلالي : تصــور البارحـة حلـت بـي حـالة إلـهام . انتصر علي تدفق الأفكار والأبيات و اكتنفتني حالة إبداع خالدة ،دونت خلالها خواطري بيمناي و يسراي – سرق نظرة خاطفة ماكرة ، صوب عبد الفتاح وكرر ضاغظا على مخارج الحروف :-نعم بيسراااااااااااي-
ثم أتمم : إليكم ما تفتقت عنه قريحتي.. قصيدة نثرية ستخلخل مفهوم الأب في مجتمعاتنا المتخلفة ، سأعلن خلالها عن ميلاد جديد للأب المتفهم ، المتحضر و انطلق دون استئذان..:
تتأمل في فخر قدها الأملس من سمك السلمون..
تتساءل في ديوتية أبية أأنا ؟ أأنا من أبدع كل هذه الفنون ؟..
تقدر.. لعل عربون جمالها سيتجاوز المليون ؟..
تقتني لها سريلا ضيقا بلون الليمون ..
حمالات و تبانا بلون الزيزفون ..
هاتفا نقالا ، محفظة يد و غيلون ..
فرشاة أسنان ، مناديل صحية و سنون ..
باستماتة تساعدها في ارتداء و خلع البنطلون ..
و لا تتردد في تزويدها بالعوازل و الصابون ..
لا تبالي ..فاجهاض بعزة خير من مذلة دزينة من البنون ..
و لأن تصادق ابنتك ذوي الترليون ..
خير ألف مرة من انتظار سدادة يعلوها رسم الكيدون ..
فنعم الأب أنت ... و لا تسئ بي الظنون ..
فأنت الشهم و أنا الملعون ..
ادريس : حقيقة على الرغم من تلويتك لأسماعنا بهذا التجشؤ اللغوي غير أننا الفناك و ألفنا إبداعاتك ... ليالينا تصير غير ذات نكهة دون سيلانك الأدبي ... لكن صدقني بينك و بين الإبداع جدارات برلين و غزة و سبتة ...
عبد الفتاح : أتدري ما يعوزك حقا؟ نقح لغتك من مفردات الجرائد و القصص و كراسات التلاميذ ..و انكب على أمهات الكتب قراءة و تدبرا ..وقتها ستكسب لغة وسطى.. وحينها أعد كتابة القران و صحاح الأحاديث و متون الروايات و الأثار ... ربما.. ربما ستصير لغتك حينها قابلة للقراءة ...
الجيلالي : -غـاضبا- و أنت أتـدري ما يعـوزك ...أخـرج يـدك اليسرى من مخبئها ... و تعاطى مع الحياة بيديك معا ... و كفاك موعظة و ادعاء تقوى . أنت اخر من يسدي النصح أو يتحدث عن الإصلاح و الواجب .
المغناوي : لقبه الجيلالي في إحدى نثرياته بــ" الحسود المنبوذ. " لم يعد يتحدث كثيرا منذ اكتشاف سعيه الدؤوب لاختلاق الفتن و المشاكل و الإيقاع بين الزملاء و بين التلاميذ و بين أناس الدوار ...بل و حتى بين الحيوانات .
سالم : محاولا تهدئة الوضع و الرجوع لموضوع الليلة.. نحن بين الجبال غير معنيين على ما أعتقد بقضية الإصلاح..
الجيلالي: الإصلاح أيها الإخوة ولادة جديدة لنفوس ميتة قتلها الإحباط و الرتابة ... الإصلاح قضية راهنة لإعادة تركيب ذواتنا وبنائنا الفكري السلبي المتواطئ.. الإصلاح تجديد لهذه البنى المفككة المقززة و لهذه الكتب المنفرة... خلاصة القول الإصلاح إبداع ... و ها أنذا أمامكم أمثل النموذج الحي للإصلاح و التجديد. بت لا أجد صعوبة تذكر في إبداع الشعر بكل أوزانه و الرواية و الزجل و القصة و السيناريو و المسرحيات و المقامات و البحوث العلمية الرصينة ... لقد صار الإبداع عندي ملكة و أصالة .
سالم : اسمع.. أضمن جنس أدبي أعترف لك بالإبداع فيه هو كتابة الجذاذات. بصراحة الله يحسن عوان داك التلاميذ معاك..
الجيلالي : استمع أيها العقيم إلى هذه التركيبة اللغوية لتعي المعنى العميق للإصلاح والتجديد و الإبداع.. و انطلق مسترسلا بالرغم من المعارضة الشديدة لكل الحاضرين ..
أبغي فيلا أطرحه أرضا بجرة قلم ..
إلي بديناصور أعتصره ليا بقبضة ألم ..
أمسك نفسي من ياقتي ..
و أطوح بي في السماء ..
أنقذف بلا وجهة صوب اللافضاء..
أصيح بملء الإبداع الذي يبتلعني ..
بطاطس قلاها الموت..
بطاطس علاها الروت..
تلتقطني مقلاة الغلاة ..
و على زيتها أقلى أنا المبدع كالبطاطس..
هكذا روحي تغلي دماؤها المحروقة ..
هكذا فلسطين تنكفئ عن جراحها المسلوقة ..
هكذا العراق يبكي أطلاله المسروقة ..
ادريس : صمت طويلا و هو يتكئ بخده على يده راميا الجيلالي بنظرات تقطر شررا و توعدا و حسرة و غيظا ...
سالم : مقهقها : لقد نلت من حرمة النثر أخيرا ... إبداعاتك تقطر سخفا و عقما ...هذا ليس بإبداع أيها الواهم.. هذه أوهام و تخاريف الغربة ... و أنت اخر من يتحدث عن الإصلاح ... تحدث عن فن الكاريكاتور ..عن الرسوم المتحركة ..عن الأمراض النفسية ...
عبد الفتاح : عمل بمبدإ تغيير المنكر باليد فاستل يسراه من جيب قميصه و كال بها لكمة وقعت مباشرة على توحيمة الجيلالي صارخا : سئمنا من تفسخك و استهتارك أيها المرتد ..أبهذا الإنحطاط و السفه يتحدث المرء عن فلسطين و العراق؟ تدخل الزملاء باستثناء " المغناوي " لفظ النزاع قبل أن تتطور الامور لما لا تحمد عقباه . تناوبا على جبر خاطره و الطبطبة على توحيمته .
استغل الجيلالي لحظة التعاطف هاته و الإلتفاف حول توحيمته المصابة .اعتلى طاولة الفصل و نهق نهقته الاخيرة كما وصفها زملاؤه في حين اعتبرها هو زأرته الاخيرة و انطلق مبدعا :
هجرة القوافي
أنسكب نثرا و لا أجافي ..
التقط جمرا من على سبع أثافي ..
أنسج قصيدة دون قوافي ..
تاه الشعر و الفكر في الفيافي ..
و علا الدنس أديم بحر صافي..
سطع نجم الحثالة و المرتزقة و الـحوافي ..
صرخ البلداء حسبك.. كفاك.. باراكا ..صافي ..
هجرت الشعر و صرت إسكافي ..
المغناوي : يصفق حاقدا .
ادريس : الله على راحة .
عبد الفتاح : يعيد دس يسراه في جيب قميصه ، عادا على مسمع الأخرين بأصابع يمناه عدد الوجبات و الصلوات المتبقية قبل حلول العطلة البينية .
و تابى الليلة ان تنـقضي ........
عقارب الساعة تتحرك ببطء قاتل . فللوقت هنا حسابات أخرى و إيقاعات أخرى . الأجواء خارج البيت / المسكن مظلمة ، كئيبة ، مرعبة .. يصر " الجيلالي " دوما على القول أن الزمن هنا يحتضر ، و يختصر " عبد الفتاح موقفه من الزمن قائلا : لعل عصر الخلافة سينبعث من هنا و يسميه " ادريس " متذمرا : " الوقت ديال الزفت . و يجمع الكل علـى ان هـذه المـناطق المـنسية من المـغــرب تتـحرك خـارج إيقــاع زمن الحكومة و زمن غرينتش و زمن الرأسمالية المتوحشة و زمن العولمة المتغطرسة ....
يتدبر عبد الفتاح أمر تهييء وجبة العشاء بيمناه فقط بينما يسراه لا زالت وجهتها مجهولة. في حين انكب الأربعة المتبقين على التناحر بهمة و إخلاص و عزيمة صادقة يفتقدونها داخل أقسامهم حول لعبة الورق .
ادريس : متـأففا ، هـاذ الحـرفة مـا يمـشـيلها غـير اللـي مـا عنـد بـابـاه لا عقل ولا ضمير و لا طموح .
المغناوي : يحرك رأسه مؤيدا بالرغم من أن عينيه تخفيان خلاف ذلك .
سالم : عيب هذه الحرفة يا أخي أنها تطفئ فينا وهج الرجولة ، تكبت فينا مطامحنا المشروعة .أشعــر أننـي وأدت شبابــي و مشاريعي بين هذه الجبال البئيسة... فلا ظروف ترضي و لا نتائج تقنع ، و لا راتب يحفز ... و لا فتيات تؤنس ... أخخخخ
الجيلالي : حرفتنا هذه تحتاج إلى إحساس فني مرهف ، و ليلنا هذا يحتاج لترنيمات تجدد فيكم الأمل و العطاء و تدفعكم لإعادة النظر في أولياتكم و أحكامكم و مشاريعكم.. استمعوا إذن كي تحبوا هذه المهنة ..و انطلق مترنما :
لعلك استيقظت هذا الصباح أيضا كالمنبوذ..
عد إذن لتنام فالكل اخلف الوعود..
و الوطن أعاد رسم الحدود..
و نعتذر ديباجة كل الردود ..
ماذا عساك تنتظر ..
و أنت تحسب عمرك بالعقود..
جافتك الورود و الحظوظ و الخدود ..
عد إذن لتنام فالكل اخلف الوعود..
أو إلق بنفسك في طمت السدود ..
لا تتردد..
حَرِّق نفسك أو علقها بأعلى عمود ..
أو عش صامتا بكبرياء و زهد الهنود..
و عد غدا لتنام فالكل أخلف الوعود..
ادريس : عـلى الأقل فهـذه الخلطة الجديدة من الكلمات خير من " طاق راق "و " الشن الطن " سر يا زميلي على درب العبث فأمثالك من يؤثثون فضاء إبداع هذا البلد .
سالم : و الله العظيم يْلاَ هو اللي مْهْنِّي ، كيخبط و يغرز و يفصل في الكلمات و كينتـقم مـن الـوضـع و مـنـا و مـن راسـو ..الوزارة حـايـرة مـع الإصلاح و المـردودية و هو ما مسوقش ...
الجيلالي : اسمع أنا أمارس الإصلاح على طريقتي ... إذا لم تكن تبدع أدبا أو رسما أو موسيقى أو حتى تخيلا فإنك لن تبدع
داخل فصلك و بالتالي لن تصلح شيئا ...
الإصلاح في نظري مسالة إبداع ، رؤية مشرقة بعيدة المدى ، أقصد مسألة أفق وضاء ...إليك مثلا هذه " الصيحة الزجلية " التي ألفتها في شهور و سألقيها عليكم في ثوان و يا لسخرية الإبداع ..
نفيق فالصباح مضيوم و نلوح عليا الملايا ..
نشوف خليقتي مزلوطة منهوكة فلمرايا ..
نصرخ وأدوا القرايا ..
كي ندير نصون نفسي من البلا و كثرة الرزايا..
تباعت المناصب و الأعراض رخيصة بالهدايا ..
نصيح طالبين الحمايا ..
من غول الجور و التهميش و فتنة السبايا ..
من تجار القيم و الاخلاق وخوانين الرايا ..
سالم : في الحقيقة يلا عولات عليك الوزارة تصلح شي زفتة طفراتو بكري ..أعدتنا لزجلك الصداح و ياليتك ما كتبت الزجل ، تعيس هو من لم يستمع لزجلك الرنان . شنو غنكولك أصاحبي الله يسهل علي بشي انتقال و خلاص !!!
عبد الفتاح : الإصلاح مسالة إيمان و إخلاص ووعي مطلق بالمسؤولية أمام الله و أمام العباد . فما يفترض أن يقال قيل و ما يفترض أن يكتب كتب و ما يفترض أن يشخص شخص لكن ما يفترض أن يعمل لم يعمل بعد و هنا مربط الفرس. حرك طنجرة الضغط مرة تلو الأخرى وأعاد إدخال يده في جيب قميصه الأفغاني ..أما يسراه فإنها لم تبرح جيبه منذ عهد طويل .
ادريس: عجيب هو أمر هذه المدرسة، و عجيب هو أمرنا كلما اعتقدنا أننا نبذل قصارى جهدنا نكتشف أننا لا ننتج شيئا... لعل مدرستنا تحتاج إلى نفس تجديد أي إلى فن جديد للتدريس أو ربما لرقيب مقيم .
الجيلالي : التجديد هو ما جادت به قريحتي أيها المعلم الفاشل .
عبد الفتاح : الرقيب هو الله سبحانه و تعالى ثم الضميرمقاطعا مشيرا بيمناه نحو السماء . داسا يسراه بين غياهيب تلابيب قميصه .
الجيلالي : مـن اليـوم فـصاعدا لـن أسمـعكم غـير نثـر يطفح بالصمود و الكفاح والجهر بالمناكر و المفاسد و تبنى قضايا المستضعفين ... و القضايا الدولية العادلة ...
سالم : أرجوك ... إطفح لوحدك ..نحن لم نشتكيك أو نوكلك قضايانا ..وضعنا أردى من أشد الأوضاع الدولية قتامة .
الجيلالي : تصــور البارحـة حلـت بـي حـالة إلـهام . انتصر علي تدفق الأفكار والأبيات و اكتنفتني حالة إبداع خالدة ،دونت خلالها خواطري بيمناي و يسراي – سرق نظرة خاطفة ماكرة ، صوب عبد الفتاح وكرر ضاغظا على مخارج الحروف :-نعم بيسراااااااااااي-
ثم أتمم : إليكم ما تفتقت عنه قريحتي.. قصيدة نثرية ستخلخل مفهوم الأب في مجتمعاتنا المتخلفة ، سأعلن خلالها عن ميلاد جديد للأب المتفهم ، المتحضر و انطلق دون استئذان..:
تتأمل في فخر قدها الأملس من سمك السلمون..
تتساءل في ديوتية أبية أأنا ؟ أأنا من أبدع كل هذه الفنون ؟..
تقدر.. لعل عربون جمالها سيتجاوز المليون ؟..
تقتني لها سريلا ضيقا بلون الليمون ..
حمالات و تبانا بلون الزيزفون ..
هاتفا نقالا ، محفظة يد و غيلون ..
فرشاة أسنان ، مناديل صحية و سنون ..
باستماتة تساعدها في ارتداء و خلع البنطلون ..
و لا تتردد في تزويدها بالعوازل و الصابون ..
لا تبالي ..فاجهاض بعزة خير من مذلة دزينة من البنون ..
و لأن تصادق ابنتك ذوي الترليون ..
خير ألف مرة من انتظار سدادة يعلوها رسم الكيدون ..
فنعم الأب أنت ... و لا تسئ بي الظنون ..
فأنت الشهم و أنا الملعون ..
ادريس : حقيقة على الرغم من تلويتك لأسماعنا بهذا التجشؤ اللغوي غير أننا الفناك و ألفنا إبداعاتك ... ليالينا تصير غير ذات نكهة دون سيلانك الأدبي ... لكن صدقني بينك و بين الإبداع جدارات برلين و غزة و سبتة ...
عبد الفتاح : أتدري ما يعوزك حقا؟ نقح لغتك من مفردات الجرائد و القصص و كراسات التلاميذ ..و انكب على أمهات الكتب قراءة و تدبرا ..وقتها ستكسب لغة وسطى.. وحينها أعد كتابة القران و صحاح الأحاديث و متون الروايات و الأثار ... ربما.. ربما ستصير لغتك حينها قابلة للقراءة ...
الجيلالي : -غـاضبا- و أنت أتـدري ما يعـوزك ...أخـرج يـدك اليسرى من مخبئها ... و تعاطى مع الحياة بيديك معا ... و كفاك موعظة و ادعاء تقوى . أنت اخر من يسدي النصح أو يتحدث عن الإصلاح و الواجب .
المغناوي : لقبه الجيلالي في إحدى نثرياته بــ" الحسود المنبوذ. " لم يعد يتحدث كثيرا منذ اكتشاف سعيه الدؤوب لاختلاق الفتن و المشاكل و الإيقاع بين الزملاء و بين التلاميذ و بين أناس الدوار ...بل و حتى بين الحيوانات .
سالم : محاولا تهدئة الوضع و الرجوع لموضوع الليلة.. نحن بين الجبال غير معنيين على ما أعتقد بقضية الإصلاح..
الجيلالي: الإصلاح أيها الإخوة ولادة جديدة لنفوس ميتة قتلها الإحباط و الرتابة ... الإصلاح قضية راهنة لإعادة تركيب ذواتنا وبنائنا الفكري السلبي المتواطئ.. الإصلاح تجديد لهذه البنى المفككة المقززة و لهذه الكتب المنفرة... خلاصة القول الإصلاح إبداع ... و ها أنذا أمامكم أمثل النموذج الحي للإصلاح و التجديد. بت لا أجد صعوبة تذكر في إبداع الشعر بكل أوزانه و الرواية و الزجل و القصة و السيناريو و المسرحيات و المقامات و البحوث العلمية الرصينة ... لقد صار الإبداع عندي ملكة و أصالة .
سالم : اسمع.. أضمن جنس أدبي أعترف لك بالإبداع فيه هو كتابة الجذاذات. بصراحة الله يحسن عوان داك التلاميذ معاك..
الجيلالي : استمع أيها العقيم إلى هذه التركيبة اللغوية لتعي المعنى العميق للإصلاح والتجديد و الإبداع.. و انطلق مسترسلا بالرغم من المعارضة الشديدة لكل الحاضرين ..
أبغي فيلا أطرحه أرضا بجرة قلم ..
إلي بديناصور أعتصره ليا بقبضة ألم ..
أمسك نفسي من ياقتي ..
و أطوح بي في السماء ..
أنقذف بلا وجهة صوب اللافضاء..
أصيح بملء الإبداع الذي يبتلعني ..
بطاطس قلاها الموت..
بطاطس علاها الروت..
تلتقطني مقلاة الغلاة ..
و على زيتها أقلى أنا المبدع كالبطاطس..
هكذا روحي تغلي دماؤها المحروقة ..
هكذا فلسطين تنكفئ عن جراحها المسلوقة ..
هكذا العراق يبكي أطلاله المسروقة ..
ادريس : صمت طويلا و هو يتكئ بخده على يده راميا الجيلالي بنظرات تقطر شررا و توعدا و حسرة و غيظا ...
سالم : مقهقها : لقد نلت من حرمة النثر أخيرا ... إبداعاتك تقطر سخفا و عقما ...هذا ليس بإبداع أيها الواهم.. هذه أوهام و تخاريف الغربة ... و أنت اخر من يتحدث عن الإصلاح ... تحدث عن فن الكاريكاتور ..عن الرسوم المتحركة ..عن الأمراض النفسية ...
عبد الفتاح : عمل بمبدإ تغيير المنكر باليد فاستل يسراه من جيب قميصه و كال بها لكمة وقعت مباشرة على توحيمة الجيلالي صارخا : سئمنا من تفسخك و استهتارك أيها المرتد ..أبهذا الإنحطاط و السفه يتحدث المرء عن فلسطين و العراق؟ تدخل الزملاء باستثناء " المغناوي " لفظ النزاع قبل أن تتطور الامور لما لا تحمد عقباه . تناوبا على جبر خاطره و الطبطبة على توحيمته .
استغل الجيلالي لحظة التعاطف هاته و الإلتفاف حول توحيمته المصابة .اعتلى طاولة الفصل و نهق نهقته الاخيرة كما وصفها زملاؤه في حين اعتبرها هو زأرته الاخيرة و انطلق مبدعا :
هجرة القوافي
أنسكب نثرا و لا أجافي ..
التقط جمرا من على سبع أثافي ..
أنسج قصيدة دون قوافي ..
تاه الشعر و الفكر في الفيافي ..
و علا الدنس أديم بحر صافي..
سطع نجم الحثالة و المرتزقة و الـحوافي ..
صرخ البلداء حسبك.. كفاك.. باراكا ..صافي ..
هجرت الشعر و صرت إسكافي ..
المغناوي : يصفق حاقدا .
ادريس : الله على راحة .
عبد الفتاح : يعيد دس يسراه في جيب قميصه ، عادا على مسمع الأخرين بأصابع يمناه عدد الوجبات و الصلوات المتبقية قبل حلول العطلة البينية .
و تابى الليلة ان تنـقضي ........