المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نزول القرآن على سبعة أحرف


smayli070
10-09-2008, 01:27
نزول القرآن على سبعة أحرف


نزول القرآن على سبعة أحرف من الموضوعات الشائكة، ولكن لا بد لنا في هذا البحث من طرق بعض مسائله، للحاجة إليها في مسألة من أهم مسائل هذا البحث، وهي هل جمع القرآن على الأحرف السبعة، أو على حرف واحد؟
فلا بد لنا من ترجيح كفة أحد الأقوال في المراد بالأحرف السبعة لنبني عليه الحكم في هذه المسألة الجليلة الخطر.
المبحث الأول: نزول القرآن على سبعة أحرف
أنزل الله القرآن على نبيه صلى الله عليه و سلم بلسان عربيٍّ مبين، قال تعالى : } إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {،(1) وقال تعالى: } بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ {.(2)
وكان ابتداء نزول القرآن على لسان قريش، إذ كانوا قوم النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم، وقد قال تعالى: } وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ {،(3) وكانوا كذلك أوسط العرب دارًا ولسانًا، فقد كانت تأتيهم وفود العرب في مواسم الحج، وكانت تقام الأسواق للفصاحة والبيان حول الحرم،(4) وكانت العرب تتحاكم إلى قريش لفصاحتها وحسن لغاتِها ورقة ألسنتها، وكانوا إذا أتتهم الوفود تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتِهم وأصفى كلامهم، فصاروا بذلك أفصح العرب.(5)
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ.(6)
قال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه أنزل بلسان هذا الحي من قريش، أي: معظمه وأكثره نزل بلغتها.(7)
وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون قوله: نزل بلسان قريش، أي: ابتداء نزوله، ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم.(8)
ولَمَّا كانت الأمة التي أرسل إليها النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم أمِّيَّة، وفيهم من لا يقدر على غير لسان قومه، سأل النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم جبريل، فأخبره أن القرآن نزل على سبعة أحرف، فكان ذلك تيسيرًا على المكلفين، ليسهل عليهم تلاوة القرآن، وحفظه، والعمل به.
فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم جِبْرِيلَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمُ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلامُ وَالْجَارِيَةُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.(9)
وقد جاء أن النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم سأل الله التخفيف عن أمته في أوجه قراءة القرآن، فخفف الله عنهم بأمره أن يقرئ أمته على سبعة أحرف.
فَعَنْ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: إِنَّ اللهَ تعالى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ: أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ تعالى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ. قَالَ: أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ تعالى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ. فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ تعالى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَؤُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا.(10)
وقد أقرأ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم أصحابه بتلك الأحرف المنزلة عليه، فكانوا يقرؤون بِها، حتى أنكر بعضهم على بعض وجوهًا من القراءة، فأخبرهم النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم بأن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: أَرْسِلْهُ. اقْرَأْ يَا هِشَامُ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ يَا عُمَرُ، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.(11)
وقد روى نزول القرآن عن سبعة نحو ثلاثين صحابيًّا، حتى ذهب أبو عبيد والحاكم والسيوطي إلى أنه من المتواتر.(12)
وقد نازع بعض العلماء في تواتر هذا الحديث رغم حصول عدد التواتر في طبقة الصحابة، بزعم أن هذا العدد لم يتوفر في الطبقات التالية، وهذا خلاف العادة، إذ إن العادة أن الرواة في الطبقات التالية يكونون أكثر، ويكفي نص من نص من العلماء على تواتره، إذ لا شكَّ أنَّهم تحققوا من حصول عدد التواتر في كل طبقة.
وبالجملة، فالحديث ثابت ثبوتًا لا شكَّ فيه، وهو دالٌّ على رحمة الله بِهذه الأمة، وتيسيره تعالى لَها تلاوة هذا القرآن، كما قال تعالى: } وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذِّكْرِ {.(13)

(1) الآية 2 من سورة يوسف ? .
(2) الآية 195 من سورة الشعراء.
(3) من الآية 4 من سورة إبراهيم ? .
(4) أي في أماكن قريبة من مكة مثل مَجَنَّة وذي الْمَجاز وعُكاظ، انظر لسان العرب (جنن) (1/706)، و(جوز) (1/726)، و(عكظ) (4/3058).
(5) انظر الصاحبي في فقة اللغة لابن فارس ص 55.
(6) رواه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب باب نزل القرآن بلسان قريشٍ (6/621)ح 3506.
(7) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 385.
(8) فتح الباري (8/625).
(9) رواه الترمذي في سننه، كتاب القراءات، بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (5/194-195) ح 2944، وأحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/157) ح 20699.
(10) ورواه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بَاب بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (6/101-103) ح 820، والنسائي في سننه، كتاب الافتتاح، باب جامع ما جاء في القرآن، واللفظ له (2/152-153) ح 939، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (2/76) ح 1478.
(11) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (8/638-639) ح 4992، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بَاب بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (6/98-100) ح 818، والنسائي في سننه، كتاب الافتتاح، باب جامع ما جاء في القرآن، واللفظ له (2/150-151) ح 937، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (2/75-76) ح 1475.
(12) انظر نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص 173-174 ح 197، والإتقان في علوم القرآن (1/131).
(13) من مواضعه الآية 17 من سورة القمر.

deco19792000
10-09-2008, 09:45
جزاك الله خيرا