المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذا غيض من فيض ما يحدث داخل الأقسام بشهادة الجيلالي...


نورالدين شكردة
12-09-2008, 19:34
مطلق التقصير

نفث دخان سيجارته ببطء و تلذذ . تصفح بين يديه جريدة موالية للأغلبية الحكومية دافعا رأسه إلى الوراء بنشوة و زهو محاذرا ألا يسقط سيجارته من بين شفتيه . ابتسم مؤيدا عنوانا كتب بالبند العريض " حركة الهمة تعلن عن تحولها إلى حزب أطلقت عليه " حزب الوطن " . امتدت يده لفنجان قهوته ، ارتشف منه رشفتين صغيرتين تنبأن بأن هذا الكأس بهذا الإيقاع قد يحتاج لألف رشفة و ألف دقيقة قبل أن يعلن نهايته....انتابته رغبة فورية لإعلان انشقاقه عن حزبه و الانضمام بأقصى سرعة لهذا الحزب الذي يبدو المستقبل معه أنصع و أشرق و أضمن ... انتقل للصفحة الرياضية . أطلق ضحكة مدوية و هو يتأكد مرة تلو المرة من مبلغ صفقة انتقال اللاعب " معيزو " صديق طفولته و ابن جيرانه " 20 مليون درهم '' ملياران " ألفي مليون !!!؟يحتاج الجيلالي لـ 5000 شهر أي ما يقارب 416 سنة لجني هذا المبلغ ادخارا و توفيرا دون تبذير فلس واحد ...أربكته الأرقام فأصدرت الجريدة بين يديه صوتا مزعجا ، ارتشف من كأسه مرتين متتاليتين و انقض على شبكة مسهمة بكر فأرداها ثيبا في لمح البصر ... التفت صوب شبكة " سودوكو " عذراء و ما إن هم باختراق فراغاتها حتى كسر أجواء ه صوت الجيلالي و هو يمسك بيديه متانته التي تكاد تنفجر و يرجو منه بإلحاح و استعطاف السماح له بمغادرة الفصل . انتفض " الزبون " واقفا من على كرسيه دافعا بالكأس و الجريدة و لفافة العاطوس و الحمص المقلي " و المناديل الورقية و المذكرة اليومية ... مزمجرا

كم مرة قلت لكم انصرفوا دون إشعاري أو إزعاجي أيها المتسولون"

أما زوجته فقد خطفت نظرة أخرى صوب مقاسات منكبي زوجها ممسكة بين أصابعها باحترافية قل نظيرها بقضيبين تحيك بهما قميصا صوفيا راقيا . تخيلت وهج السعادة الذي سيغمر محيا زوجها و هي تفاجئه بهدية عيد زواجهما و لمعت عيناها و شفتاها و خداها ببريق طافح بالطمع و الذهب فيما أصدرت ملامحها ابتسامة ماكرة راضية ...

عادت ملامحها لتكشف عن مشاعر هائمة ...أشد القرارات حسما في حياتها اتخذتها من مكانها هذا ؛ زواجها ، إجهاضين إراديين اثنين و ثالث مفاجئ" عدولها عن الطلاق بعد مشاكل عاصفة رفضها القاطع المساهمة مع زوجها في اقتسام ثمن اقتناء سكناهما الحالية ، اقتناؤها في خلسة من زوجها لمئات الأسهم و السندات المالية ، اقتراضها لمبلغ مهم من المال أعطته لإحدى الوسيطات من أجل تهجير أخاها العاطل....

و هذا القرار الأخير كان بالضبط السبب المباشر لكثرة ترددها على أطباء الضغط و الجهاز العصبي و القلب ...فالوسيطة تلاشت و أخوها الكهل العاطل لا زال يبتز منها ثمن السجائر ...

نفضت عن ذاكرتها عوالق هذا القرار الطائش و عادت لتنتشي بقرب اكتمال القميص و ببــريق الذهـب المـحتمل و بمـشروع مـدرسة غير مرخصة لتعليم فن الطرز و الحياكة ... و بطريقة مفاتحة زميلتها في العمل لعرض زواج أخيها عليها ارتعد هاتفها الجوال مرارا قبل أن يصدر رنة شعبية مميزة وضعت قضبانها جانبا و سارعت مبعثرة محتويات حقيبتها اليدوية أخرجت حزمة من الذهب وقنينتين من العطر و مراهم التزيين و دفتر الشيكات و" الزريعة "و" كاوكاو"ونتافين قبل أن تقع يداها على هاتفها القزم ......

تهللت أساريرها و هي تخاطب إحدى زميلاتها السابقات . امتد بهما الحديث من أيام الصبا إلى سن المراهقة مرورا بسن النضج و الزواج وصولا لسن اليأس ... و انتهت المكالمة تاركة في نفس صاحبتها أبشع معاني اليأس و الإحباط ...

صرخة مدوية لرضيعها -الأخير-جعلتها ترتعد مثل هاتفها و تستفيق من يأسها .

انتزعته من عربته المدفوعة و ضمته بعنف نحو صدرها القاحل زارعة حلمتها بين شفتيه لعله يحبس صراخه . لم يعبا بثدي فارغ جاف و استمر في إصدار " وعوعات " شبيهة بصفارات إنذار سيارات الإسعاف. بحثت من جديد داخل محفظتها اليدوية و بعثرت محتويات حقيبة أخرى و بدأت تصرخ " أين الرضاعة ؟ أين الحليب ؟ أين الحفاظات ؟ أجيبوا أيها اللصوص .

لطمت خديها بكل ما أوتيت من قوة بعدما اكتشفت أن الحقائب اختلطت عليها هرولت صوب القسم المجاور حيث لا يزال زوجها يعتصر طاقته لإتمام ملء شبكة السودوكو. تذكرت فجأة أن أمهات إحدى تلميذاتها رزقت بمولود جديد فقفلت راجعة صوب فصلها. استدعتها من طاولتها صوب مكتبها و خطت لها وريقة صغيرة آمرة إياها أن توصلها إلى أمها بأقصى سرعة ممكنة ترددت التلميذة للوهلة غير انها تماسكت و استفسرت معلمتها مبتسمة " نقول لماما تدير فيهم الشحمة و لا بلاش " زأرت المعلمة في وجها كلبؤة هائجة : " سيري دغيا الله يعطيكي الشحمة فاللقوة..."

des problèmes
13-09-2008, 13:08
واصل التميز يانورالدين

نورالدين شكردة
13-09-2008, 13:25
واصل التميز يانورالدين

جزيت خيرا على عباراتك المشجعة
وفقني الله و إياكم لما فيه الخير والسداد

صانع الاجيال2
14-09-2008, 10:37
مقالات تدل على علو كعب صاحبها وتمكنه من اساسيات الكتابة وحسن توظيف الواقع بطريقة هزلية

نورالدين شكردة
28-09-2008, 01:25
مقالات تدل على علو كعب صاحبها وتمكنه من اساسيات الكتابة وحسن توظيف الواقع بطريقة هزلية

وتلك بالضبط منهجيتي لعلمي أن القراءة فعل ثقيل على نفوس المغاربة يلزم تخفيفه ببعض شحنات الهزل
شكرا على اطرائك المشجع ووفقك الله

الاطلسي.
28-09-2008, 02:00
حقيقة عند قراءتي لهذا التدوين الرائع لما يقع داخل بعض الفصول الدراسية من مآسي ، ضحيتها المتعلمة و المتعلم و تذكرت ــ المسمن و البطبوط المدهونين بالزيت و العسل ـــ و تذكرت الطواجن و الخبزة القروية الضخمة .
شكرا جزيلا لإثارة الموضوع و مزيدا من العطاء .

نورالدين شكردة
28-09-2008, 12:59
حقيقة عند قراءتي لهذا التدوين الرائع لما يقع داخل بعض الفصول الدراسية من مآسي ، ضحيتها المتعلمة و المتعلم و تذكرت ــ المسمن و البطبوط المدهونين بالزيت و العسل ـــ و تذكرت الطواجن و الخبزة القروية الضخمة .
شكرا جزيلا لإثارة الموضوع و مزيدا من العطاء .
ماذا تقصد بتذكرك وذكرياتك هذه ؟هل هو حنين لأيام الغوث القروي أم شجب لسلوك مقيت متجدر في المكان و الزمان؟أفترض فيك أخي عبد الرزاق حسن النية وهذا جلي من خلال مواضيعك وتعاليقك وسعيك للخدمة على الدوام..
تحياتي وشكرا على مرورك

كريــم
28-09-2008, 13:07
طريقة فريدة في الكتابة

نورالدين شكردة
28-09-2008, 18:51
طريقة فريدة في الكتابة

شكرا أخي كريم على كرم مرورك
وفقك الله