المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طبيعة المحبة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم


بلابل السلام
12-10-2008, 21:27
طبيعة المحبة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

إن الهدف من هذا المبحث هو الإجابة على التساؤلات الآتية:
ماحقيقة الحب في حياته صلى الله عليه وسلم ؟ وما هي طبيعته؟ هل كان فطرة متأصلة في نفسه الشريفة أم كان كما يدعي بعض المدعين شهوة ؟ وما مدى تأثير هذا الحب على سلوكه وأخلاقه صلى الله علي وسلم ؟ وما العلاقة بين الحب والبغض على ضوء السلوك النبوي ؟

أ- الحب والواجب


إن من يقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم سيكتشف أنه كان محبا , وودودا, فقد أطاع الله كثيرا لأنه أحبه كثيرا ..وبر الناس كثيرا لأنه أحبهم كثيرا ..وأقبل على الفضائل والواجبات جذلان مبتهجا لأنه أحبها وأحب معها كل عظائم الأمور, ومارسها في شغف عظيم ممارسة محب مفطور لا ممارسة مكلف مأمور فوراء كل سلوكه ومواقفه وحياته صلى الله عليه وسلم نجد الحب ..إذا سجد وأطال السجود أو سمع وجيب قلبه ونشيج تضرعه وبكائه ..فذاك لأنه في غمرة شوق جارف ومحبة آخذة ولهذا كان عليه الصلاة والسلام ينتظر الصلاة بشوق ولهفة، فإذا جاء ميعادها قال لمؤذنه بلال – رضي الله عنه – "أرحنا بها يابلال " نعم "أرحنا بها " وليس "أرحنا منها ".(1)
وهذا يظهر لنا الفرق بين من ينتظر الصلاة بكل شوق وحب ليلقى ربه عزوجل ويقف بين يديه ويرتاح إليه ..وبين من يقوم إلى الصلاة ويعتبرها واجبا عليه أداؤه دون أن يحس بأدنى شوق أو لهفة للقاء المولى عزوجل .
وبهذا أيضا يظهر لنا الفرق بين الحب والواجب .فالواجب قد يؤدى على كره ومضض , أما الحب فيأخذ طريقه إلى أشق الأمور وأصعبها في ابتهاج وغبطة , لذا كانت الطاعة عن حب أولى من الطاعة عن خوف وقهر . (2)

..................................................

" إنسانيات محمد صلى الله عليه وسلم " خلد محمد خالد ص.125بتصرف .
انظر " فضائل وأسرار لا إله إلا الله " محمد الصايم ص.66.




ب- المحبة والفطرة

المحبة عند الرسول صلى الله عليه وسلم ليست شهوة, إنما هي فطرة جبل عليها منذ كان طفلا ففتى فكهلا..لم تقع عليه عين إلا أحبته وأسلمت قلب صاحبها لهيام شديد حتى ولو كان من أشد المبغضين له.(1) فكم من أعرابي فدم لا أدب له ولا فهم ولا عقل ولا علم ولا كرم ولا حلم قابل جنابه الشريف بما غضب له المكان والزمان وخاطبه بما عبس له السيف واحتد له اللسان فكان جوابه الإغضاء , والعفو عمن أساء ...فتبدل بغضه بالحب وبعده بالقرب ..واستحال إنسانا بعد أن كان ثعبانا وصار حبيبا بعد أن كان ذيبا(2) .
فمن ذلك ما روي عن فضالة بن عمير بن الملوح (3)أنه حدث نفسه بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح , فلما دنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يافضالة .فقال فضالة: نعم يارسول الله .قال ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال :لاشئ كنت اذكر الله, فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : استغفر الله" .ثم وضع يده الشريفة على صدره فسكن قلبه .فكان فضالة – رضي الله عنه – يقول والله مارفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إلي منه . (4)


ومثله ما روي عن شيبة الحجبي (5)الذي كان ينوي قتل النبي صلى الله عليه وسلم ليثأر لأبيه وعمه اللذين قتلا يوم أحد لكنه عجز عن ذلك حيث قال " لما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من حديد فناداني صلى الله عليه وسلم :ياشيبة ادن مني، فدنوت منه فالتفت إلي وابتسم وعرف الذي أريد منه فمسح صدري ثم قال : اللهم أعذه من الشيطان .قال شيبة فوالله لهو كان
..........................................

انظر "إنسانيات محمد صلى الله عليه وسلم " ص.126 بتصرف .
"وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم " للشيخ النبهاني ص.22
هو فضالة الليثي بن عبد الله .وقيل بن وهب بن بحيرة بن مالك بن عامر من بني ليث بن بكر بن عبد مناة الليثي .انظر ترجمته في " أسد الغابة " 4/364رقم4227
انظر " السيرة الحلبية " لعلي برهان الدين الحلبي 3/56.
هو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري الحجبي .اسلم يوم الفتح وقيل اسلم يوم حنين .توفي سنة 57هجرية .انظر ترجمته في " أسد الغابة " 2/534-535رقم2466




الساعة إذن أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي وأذهب الله ماكان في .ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله أعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شئ .ولو كان أبي حيا ولقيته تلك الساعة لأوقعت به السيف (1).


فهذه الوقائع تدل على أن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم مفتوح دائما لكل الناس, ملئ بالحب , فياض بالرحمة, وهذا ما ألان عود كل جبار وجعله يخر صريعا أمام هذا الحب الوديع .فما هو إلا أن تعانقه نظرات عينيه الحانيتين حتى تهدأ ثورته وتطيب نفسه .(2)

ج- الحب وتحمل الأذى

لما كان الحب عند الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم طبيعة وفطرة لاغرضا وشهوة، فقد كان يبذله في سخاوة نفس نادرة النظير، وكان يتحمل لأجله جفاء وغلظة بعض الأعراب وأذى وقساوة بعض سفهاء قريش وأرذالها كأبي لهب وأبي جهل وعقبة بن أبي معيط .


ومن صور هذا الأذى مارواه الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض :أيكم يجئ بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد. فانبعث أشقى القوم – وهو عقبة بن أبي معيط –فجاء به فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه وأنا أنظر لا أغني عنه شيئا، لو كانت لي منعة .قال :فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لايرفع رأسه حتى جاءته فاطمة فطرحته عن ظهره(3) "
وروي كذلك أن عقبة جلس مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه، فلما بلغ ذلك أبيا أنبه وعاقبه وطلب منه أن يتفل في وجه رسول صلى الله عليه وسلم ففعل عدو الله ذلك (4)
إلى غير ذلك من أساليب السخرية والتحقير والاستهزاء والتكذيب وإثارة الشبهات والدعايات الكاذبة حول تعاليم الدين الجديد وحول ذاته وشخصه صلى الله عليه وسلم .(5)



.............................................

السيرة الحلبية " 3/70-71.
" إنسانيات محمد صلى الله عليه وسلم " ص.128.
"صحيح البخاري" كتاب الوضوء باب " إذا ألقي على المصلي قدر أو جيفة "
" سيرة ابن هشام " 1/387.
انظر " الرحيق المختوم" ص. 94-95.

ورغم هذا الأذى وهذه المحن ،ظل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دائما ذاك المعين الفياض بالرحمة والمودة والحب .وهذا ما يبرزه رده لجبريل عليه السلام حين طلب منه أن ينتقم له منهم ويطبق عليهم جبلا مكة حيث قال " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله عز وجل لايشرك به شيئا" (1)
وصدق الله العظيم حيث قال ﴿ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ﴾(2)

د- الحب والبغض

الحب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل القاعدة الراسخة لسلوكه، وحين تفرض عليه الظروف القاهرة أن يبغض بعض الناس، فإن هذا البغض لا ينفصل عن قاعدة الحب ذاتها ،بمعنى أنه عليه الصلاة والسلام يبغض حين يكون البغض تعبيرا عن الحب ودفاعا عنه. فهو مثلا يحب الحق وهذا الحب يقتضيه أن يبغض الباطل. ويحب العدل وهذا يتطلب منه أن يكره الظلم .ويحب الجمال وهذا يقتضي منه أن يكره كل أمر قبيح وهكذا (3).
وهذا أمر طبيعي( فكل بغض فهو لمنافاة البغيض للمحبوب ولولا وجود المحبوب لم يكن البغض. بخلاف الحب للشئ فإنه يكون لنفسه لا لأجل منافاته للبغيض ) (4)
على أن "بغضاءه " صلى الله عليه وسلم إذا كان موضوعها أناسا يستحقونها لم تكن ذات أصالة في طبيعته ولا في سلوكه، بل مجرد سحابة رقيقة عابرة سرعان ما تنجلي
فها هو ذا يلقى من خصوم الإسلام في قريش أشد الأذى وأفدح المؤامرات ..ولكنه ما يكاد يدخل مكة ظافرا مؤيدا بفضل الله وقدرته حتى يقول للذين أخرجوه منها وكادوا له أعظم الكيد ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: ( "لاتثريب عليكم اليوم" (5).اذهبوا فانتم الطلقاء)(6)


هكذا إذن كان الحب في حياته صلى الله عليه وسلم فطرة وطبعا متأصلا وقاعدة راسخة ومنبعا فياضا ارتوت به الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء.

.............................................
"صحيح البخاري "1/458كتاب"بدء الخلق " باب – ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين –
سورة آل عمران من الآية 159.
" إنسانيات محمد صلى الله عليه وسلم " ص.131وما بعدها بتصرف .
" إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان " لابن قيم الجوزية 2/119
سورة يوسف من الآية 92.
" الرحيق المختوم " مباركفوري ص.456.

فاطمة -الزهراء
12-10-2008, 23:03
جزاك الله خيرا أختي بلابل وجعله في ميزان حسناتك

بلابل السلام
14-10-2008, 14:05
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
شكرا جزيلا أختي الكريمة على المرور والتحية.. لك مني أجمل تحية .