المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيدي عبد الرحمن المجذوب : الشاعر الساخر


أبو ياسر1
15-10-2008, 03:01
سيدي عبد الرحمن المجذوب : الشاعر الساخر

تتألف أشعار المجذوب من مصراعين مقفيين، في لغة ليست هي بالدراجة ولا الفصيحة، وإنما جماع منهما، كما
هي لغة »الملحون«.
وقد باتت هذه الأشعار، اليوم، يتغنى بها المغنون والمتسولون في الساحات العمومية في بلدان المغرب، وتُتناقل في الدروب وداخل الخدور. ويعرف بها المتعلمون، كما يعرف بها العوام. وهي تعتبر جزءاً من الميراث الروحي والثقافي لمنطقة شمال إفريقيا، كما هي أشعار عمر الخيام جزء
من التراث الفارسي.


تأليف : سكيلي ميليي
وبوخاري خليفة

واش كانون عامين نستنى فيه السخانة
لا يصادق الشيخ المجذوب غير البسطاء من الناس، بتلك الصداقة الشجاعة، الخالصة، والنبيلة والقوية، القائمة على احترام الشريعة الدينية، والثقة بالله والرأفة والعطف. فبين هؤلاء الأصدقاء سيكون الله حاضراً دائماً وضامناً للوفاء بينهم :
الّي يركب يركب ازرق
شعرة بشعرة سبيبه
والّي يصحب يصحب العبد
في كل حزة يصيبه
ووجدنا المجذوب يعود إلى الفكرة نفسها، فيصوغها في صورة أوجز وأشد بساطة في رباعيات أخرى.
،ومما لاشك فيه أن هذا الرجل، المسكون صراحة، بالحقيقة الكاملة، والبحث عن الله من غير حجب ولا أستار، قد عرف، عند نهاية مرحلته الدراسية، تلك الأزمة القاصمة، التي طالت به سنتين :
عميت وصميت
وخفيت بعد الرزانة
واش كانون عامين
نستنى فيه السخانة
إن العمى الذي يشير إليه المجذوب في هذه الرباعية ليس هو، بطبيعة الحال، ذلك العمى الفيزيولوجي الذي غشيه في شيخوخته. والأحرى بنا أن نشبهه بذلك الليل الروحي، الذي أفاض في تصويره الزهاد المسلمون والرهبان المسيحيون. فهذا القديس جون ده لاكروا قد تحدث عن ثلاث ليال روحانية : الانسلاخ عن كل ما يحدث (ليل الذاكرة) وليل البصيرة والإيمان الذي كأننا بالمجذوب يصوره في الرباعية السالفة، وآخر هذه الليالي هو انقطاع التأمل الحواري الذي هو ليل العزيمة وليل العشق، وهو يسبق التجلي، الذي يتحدث عنه المجذوب في الرباعية التالية.
إن جميع الزهاد المسلمين قد تحدثوا عن هذه الحالة من «الليل» و«العمى»، التي تنغلق فيها سائر الأبواب، ولا يشرع إلا باب المحبوب.
وكأننا بالبحث الذي خاضه المجذوب قد تأدى منه إلى كشف عرَّفه الحقيقة، وجعله يتحسر على الزمن الذي صرفه في الجري وراء الأخطاء والمتاهات :
امنضري يا ربي اهدف
بالحزم جيت نطاطي
لو كان صغري يتسلف
ما نعمل زلاطي
هذه العزيمة على الاستمساك بالعقيدة الخالصة، والبلوغ إلى الإشراق الكامل، والدين الأسمى، والاستقامة المطلقة، ستجعل شاعرنا يتسامى على كل أشكال النفاق والرياء. وقد سبق لنا أن قرأنا تلك اللازمة من أشعار المجذوب يسلطها على أصحاب القطعان، الذين يزيدون من اعتبارهم لرعيانهم متى رأوهم يركعون ويسجدون. وها هو المجذوب يوجه مثل ذلك النقد إلى النساء اللائي يزعمن لأنفسهن الورع والتقوى، وما هن إلا يخدعن أزواجهن :
بعيني شفت الفقيرة تصلي
وسبحتها فوق الحصيرة
هي تخدع في رجلها
وهو يقول مراتي فقيرة
وعلى القدر نفسه من القسوة والشدة تلك الرباعية التي يتناول فيها بهجائه النساء المنافقات، اللائي، وإن لم يكن لهن من عذر صحي، تراهن، يشاركن الصائمين إفطارهم، بعد أن يكن أطعمن خفية خلال النهار :
ريت البحر وريت الأمواج
ريت السفاين يعوموا
ريت النساء كيف البراج
يتصحروا ما يصوموا
وأياً ما يكن، فإن إيمان المجذوب بالقضايا الدينية الأساسية إيمان أصيل :
شافوني اكحل مهلّف
يحسبوا ما فيَّ ذخيرة
وأنا كالكتاب مألّف
فيه منافع كثيرة
إن الخلائق جميعاً، كبيرهم وصغيرهم، وغنيهم وفقيرهم، وغربيِّهم وشرقيهم ليس لهم إلا حاصد واحد. لأن الحصاد أمرٌ يتولاه الرب، والحساب والعقاب أمران سيسريان على سائر الخلق، بعد أن يقوموا من المطامر (المقابر) التي كانت مثواهم الأخير :
الأرض فدان ربي
والخلق مجموع فيها
عزرائيل حصاد فريد
مطامره في كل جهة
الموت يراه المجذوب في صورة خاتمة أو تتويج يسمو ويتعالى كثيراً عن المآسي البشرية :
لا تخمم لا تدبّر
لا ترفد الهم ديمة
الفلك ما هو مسمّر
ولا الدنيا ما لها قيمة
وبعد أن بينا القول في مسألة عقدية المجذوب، سنسعى في ما يقبل من هذا الكتاب، إلى استيضاح السبل التي يدعو شاعرنا إلى سلوكها للبلوغ إلى ذلك التسامي المتدرج للنفس، إلى أن تنتهي إلى الموت.
يعلم المجذوب أن عدو كل تطهُّر هو البلاهة التي تزيّن للمغرور أن يطمع في أن يكون هو مركز الكون، وتوهمه بأن الدنيا شيءٌ مهم، وأنه فيها يقوم بدور مميَّز.
إنه، باختصار، يرد الدنيا إلى حجمها الحقيقي في خضم الكون. ونراه يختار أن يضرب لنا مثلاً لهذا الأمر بتلك الفاكهة المدورة، الأزهد سعراً، والأشد تواضعاً؛ تلك الفاكهة التي تباع في الأسواق مكدسة في الأرض (الشمام) :
الدنيا مثلتها دلاعة
تتكركب مع جميع الدلاع
الحاذق يعطي معها ساعة
والجايح غدا معها قاع
ويأتي الشيخ المجذوب بتعبير آخر أبلغ بياناً، في رباعية أخرى هي تنويع على الرباعية السالفة، يقول فيها إن الطماعين والمغترين قد أغوتهم هذه الدلاعة الدوارة، حتى التصقوا بها، جرتهم إلى الجحيم :
الدنيا مثلتها دلاعة
تتقرقب من بين الدلاع
كم لحقوها من طماعة
ورمتهم في بير ما له قاع

internaute18
16-10-2008, 01:22
شكرا أخي على الأبيات الرائعة
في الحقيقة ،يزداد تقديري ل عبد الرحمن المجذوب في كل مرة أقرأ أو أستمع لكلماته البليغة
أصدق التحيات لك أخي

خادم المنتدى
15-04-2016, 02:44
-********************************-
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك..شكرا جزيلا لك
-*********************************-