رشيد بوشارب
20-10-2008, 12:04
ًمعلمً حرفته، وأنا أيضا...في غالب الأحيان لم يكن اختيارا حرا، ربما كنا مجبرين...مدفوعين برغبة البقاء، ومدججين بأسلحة الصبر والكرامة...
ارتجاجات كثيرة أصابتنا في المراكز الحساسة؛ تشخيص الوضع يحتاج لكثير من الفهم...
أستاذ!!!
بقرية بعيدة قضى نصف عمره...من الشموع كان يضئ كوخه البئيس، ومن بئر بعيد يجلب ماءه...
وجهه كتاب مفتوح على البؤس والشقاء...تغلفت سحنته بالقتامة، تقوس ظهره...وبدت عليه ملامح الهرم...
لاعتكافه بهذه المنطقة النائية، وطول انتظاره لا نتقال أوترقية، تدنت مستوياته المعرفية والثقافية...فلم يعد يلمس فوارق بينه وبين تلامذته...الاضافة التي لديه، أنه مجتهد فصله...
ذات يوم، قرر التوجه الى المدينة، سيرا على الأقدام اجتاز عشرين ميلا من المسالك الوعرة والضيقة... ومنهكا وصل...
برغم ذلك بدت عليه علامات الانشراح...وبابتسامات عريضة كان يتفرس في الوجوه والمباني والأشياء...استرعى انتباهه مرور مظاهرة حاشدة تعالت فيها الأصوات و بحت فيها الحناجر...انضم اليها من دون تردد، كيف لا وهي حركة احتجاجية لبني جلدته: المعلمين...
ارتفع صوته أكثر من الآخرين، عبر عن غضبه عما آلت اليه أوضاعه...في شعاراته طالب برفع الأجور والاعتناء بالمرافق الضرورية للمدرسة... وتسهيل عملية الانتقال من مؤسسة لأخرى...
بسرعة فائقة أصبح زعيما للمظاهرة ، طاقاته الاحتجاجية صارت غير محدودة، هي الفرصة إذن لتفجير المكبوتات لديه...هي لحظة انتقام قانونية لحالات البؤس والمهانة والعزلة...
خمسة عشر يوما من المظاهرات والاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد...المدارس أصبحت أماكن مفضلة للأشباح...الأطفال ظلوا في بيوتهم يلوكون الفراغ...تفتت الطبشور...وجف القلم...
أخيرا تحركت الحكومة، اجتماعات ما راطونية للوزراء ...ندوات صحفية مستمرة لوزير التعليم، طالب بوقف الاضراب مقابل تحقيق الأماني والآمال ، استجاب المضربون فورا...أخيرا ستنتهي المأساة، سيصبح المعلم كائنا حيا مثل الآخرين ...
يتزوج ويسافر ويحتسي قهوة الصباح في المقهى مع باقي الموظفين...ويدفع فاتورة الكراء والماء والكهرباء بسعادة...
بعد انتظار طويل وعسير، خرجت الحكومة بقرار مهم جدا: أسقطت عنه لقب معلم...ومنحته صفة أستاذ...!
بقلم رشيد بوشارب
ارتجاجات كثيرة أصابتنا في المراكز الحساسة؛ تشخيص الوضع يحتاج لكثير من الفهم...
أستاذ!!!
بقرية بعيدة قضى نصف عمره...من الشموع كان يضئ كوخه البئيس، ومن بئر بعيد يجلب ماءه...
وجهه كتاب مفتوح على البؤس والشقاء...تغلفت سحنته بالقتامة، تقوس ظهره...وبدت عليه ملامح الهرم...
لاعتكافه بهذه المنطقة النائية، وطول انتظاره لا نتقال أوترقية، تدنت مستوياته المعرفية والثقافية...فلم يعد يلمس فوارق بينه وبين تلامذته...الاضافة التي لديه، أنه مجتهد فصله...
ذات يوم، قرر التوجه الى المدينة، سيرا على الأقدام اجتاز عشرين ميلا من المسالك الوعرة والضيقة... ومنهكا وصل...
برغم ذلك بدت عليه علامات الانشراح...وبابتسامات عريضة كان يتفرس في الوجوه والمباني والأشياء...استرعى انتباهه مرور مظاهرة حاشدة تعالت فيها الأصوات و بحت فيها الحناجر...انضم اليها من دون تردد، كيف لا وهي حركة احتجاجية لبني جلدته: المعلمين...
ارتفع صوته أكثر من الآخرين، عبر عن غضبه عما آلت اليه أوضاعه...في شعاراته طالب برفع الأجور والاعتناء بالمرافق الضرورية للمدرسة... وتسهيل عملية الانتقال من مؤسسة لأخرى...
بسرعة فائقة أصبح زعيما للمظاهرة ، طاقاته الاحتجاجية صارت غير محدودة، هي الفرصة إذن لتفجير المكبوتات لديه...هي لحظة انتقام قانونية لحالات البؤس والمهانة والعزلة...
خمسة عشر يوما من المظاهرات والاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد...المدارس أصبحت أماكن مفضلة للأشباح...الأطفال ظلوا في بيوتهم يلوكون الفراغ...تفتت الطبشور...وجف القلم...
أخيرا تحركت الحكومة، اجتماعات ما راطونية للوزراء ...ندوات صحفية مستمرة لوزير التعليم، طالب بوقف الاضراب مقابل تحقيق الأماني والآمال ، استجاب المضربون فورا...أخيرا ستنتهي المأساة، سيصبح المعلم كائنا حيا مثل الآخرين ...
يتزوج ويسافر ويحتسي قهوة الصباح في المقهى مع باقي الموظفين...ويدفع فاتورة الكراء والماء والكهرباء بسعادة...
بعد انتظار طويل وعسير، خرجت الحكومة بقرار مهم جدا: أسقطت عنه لقب معلم...ومنحته صفة أستاذ...!
بقلم رشيد بوشارب