المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطفل بين الأسرة و المدرسة و الجمعية التربوية


wabrinnouche
05-11-2008, 21:49
الطفل بين الأسرة و المدرسة و الجمعية التربوية.
تراهن كل الدول على بعض الجهات المعينة لتنشئة مواطن الغد ، هذه الجهات التي يصطلح عليها بمؤسسات التنشئة الاجتماعية، و التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، الأسرة و المدرسة والإعلام و المجتمع المدني و...
فما مفهوم التنشئة الاجتماعية؟ وما هي تمثلاتها داخل المجتمع؟ و ما نصيب الطفل من اهتمامات هذه المؤسسات ؟


مفهوم التنشئة الاجتماعية:


إن التنشئة الاجتماعية عملية تربوية يقوم بها المجتمع بجميع أجهزته و مؤسساته و مثلما أن التربية ضرورة اجتماعية، فإن نفس الضرورة الاجتماعية هذه تتمثل في التنشئة الاجتماعية كعملية تفاعل اجتماعي ينمو خلالها الفرد وفق تحديد اجتماعي، و نظام ثقافي يعمل على إكساب الفرد شخصيته الاجتماعية و ثراته الثقافي .
كما أن لثقافة المجتمع تأثيرا كبيرا على شخصية الأفراد، و بناء على هذه الشخصيات يقوم المجتمع بدور هام في تحويل الطفل من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي ، وهي عملية إستدخال ثقافة المجتمع في بناء الشخصية ، فعملية التنشئة الاجتماعية هي التي تكسب الفرد إنسانية ، كما تكسب صفاته الإنسانية (1)
و إذا استطاع الطفل إقامة العلاقات الاجتماعية بينه و بين غيره في حدود، فإنه يصبح موضع رضي المجتمع ، على أن كل هذا لا يعني أن عملية التنشئة الاجتماعية بسيطة، و إنما هي جد معقدة لتداخل مجموعة من الأنماط فيها، و التي تختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية ، و المستويات الحضارية بين كل جماعة وأخرى ، وكذلك بين مختلف المؤسسات المعنية بالموضوع . ولكن ، لابد من طرح السؤال حول هذا الطفل الذي يجب الاهتمام به ورعايته من قبل كل هذه المؤسسات. فمن يكون هذا الطفل؟
مفهوم الطفل:
تعرضت الكتب الفلسفية لمفهوم الطفل، لكن بشكل عام و فضفاض، و يمكن القول بأنها مجرد تأملات في الطفولة. و من ذلك أن أفلاطون تطرق إلى هذا المفهوم في كتابه (الجمهورية) ومن خلاله أشار إلى أهمية التدريب أثناء مرحلة الطفولة المبكرة، حتى يتسنى تحديد ميول الطفل. و ناقش الفروق الفردية الكامنة بين الأفراد، وفي هذا الصدد دعا إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لاكتشاف البارز من استعدادات كل فرد، حتى يتأتى توجيهه في وقت مبكر، حسب ما يناسب مواهبه الخاصة. على أن أفلاطون لم يكن في الواقع يتحدث سوى عن طفل الطبقة الارستقراطية في المجتمع اليوناني آن ذاك. و في اعتقادي، إن هذه الشمولية التي يقارب بها مجمل المفكرين و المهتمين نمو الطفل خلال معالجتهم لهذا المفهوم، تضعنا أمام صورة لطفل نموذج: هو إما طفل فرويد على مستوى النمو الجنسي أو طفل بياجي على مستوى النمو العقلي أو طفل هنري فالون على مستوى النمو الاجتماعي. و هكذا تتعدد النماذج، على أن الطفل المغربي لا يمكن إلا أن يكون نموذجا لنفسه فقط. وتبقى الوسيلة المناسبة لمعرفة الطفل المغربي هي أن ننظر إليه من زاوية تفاعله مع محيطه. فما هي المؤسسات التي تسهر على تنشئته؟

مؤسسات التنشئة الاجتماعية:
التنشئة الاجتماعية هي عملية تفاعل اجتماعي تكسب الفرد شخصيته الاجتماعية وهي بذلك عملية تربوية تهم الآباء و المدرسين و جميع الأطراف المشاركة ، إذ تتضمن عمليات تشكيل الفرد وبناء شخصيته على نحو يمكنه من النمو و الاتزان و التكامل مع ذاته ، والتكيف مع المجتمع ، وثقافته والعمل على تطويره . وبالتالي وباعتبار نفس الأهداف والدور والتكامل بين التربية و التنشئة الاجتماعية، يمكن اعتبار مؤسسات هذه الأخيرة هي نفسها مؤسسات تربوية ، ومن أهم و أخطر هذه المؤسسات.
أ- الأسرة:
تعتبر الأسرة من بين المنظمات الاجتماعية التي لها أكبر الأثر في نمو الطفل ، فهي التي تمده بالحاجيات البيولوجية و الاجتماعية وهي التي تعتبر أول مجال لإشباع حاجات الطفل الجسمية و النفسية ، باختصار فإن الأسرة تهيئ الجو والبيئة الاجتماعية والثقافية التي يتشرب الطفل معاييرها ومثلها وواقعها في تفكيره وسلوكه.
والأسرة التي يولد فيها الطفل هي الجماعة المرجعية الأولى التي فيها ينشأ ويكتسب قيم الجماعة ومعاييرها، وطرق عملها عند تقييمه لسلوكه(2) وتتأثر التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة بنمط التربية والتنشئة الذي تسلكه.
بنية الأسرة المغربية وواقعها:
عرفت بنية المجتمع المغربي مجموعة من التحولات الاقتصادية ، والسياسية والاجتماعية ، بسبب دخول نمط الإنتاج الرأسمالي وبالتالي شمل هذا التحول جل المؤسسات والقطاعات الاجتماعية بما فيها الأسرة(3) حيث تم إنتاج مجموعة من البنى الأسرية يغلب على بعضها طابع المحافظة والتقليد ورفض المعاير الجديدة ، ويغلب على البعض الأخر طابع التفتح والتحرر ونبد التقاليد (4) .
ويشير الأستاذ عبد الواحد الراضي في دراسته لنمط تنشئة الطفل المغربي (5) بأن هذا الأخير بعدما يقضي مرحلة الرضاع في نوع من النعيم الوجداني ، تتغير فجأة معاملة الراشدين في سياق المعاملة السلبية التي تؤدي إلى تكوين شخصية خاضعة لسلطة الكبار، غير قادرة على تأكيد ذاتها.
على هذه الخلفية الأسرية التي تطبع شخصية الطفل بمجموعة من السمات ينتقل إلى المدرسة حاملا لمجموعة من التمثلات والأفكار ، فهل توفر له المدرسة ما يمكن أن يلبي بعضا من حاجياته الأساسية؟
ب - المدرسة :
تستقبل المدرسة الطفل بقوانين ذات طابع شكلي، إذ تحاول أن تستمد مشروعيتها من محاولة القيام بتنظيم قواعد الحياة فيها. ولذلك غالبا ما نجد ذلك واضحا في القانون الداخلي لكل مؤسسة مدرسية (6) وقد اعتبرت المدرسة منذ أول نشأتها قاطرة للتقدم، وفاتحة عهد جديد للمساواة في التعليم بفضل مجانية التعليم العمومي، كما اعتبرت رمزا لحرية الإنسان وانعتاقه من الجهل، ( من فتح مدرسة أغلق سجنا ) ووسيلة للتهذيب وتطوير سلوك الفرد، والسمو بمعارفه وثقافته. وهكذا تفتح المدرسة أبوابها لجميع الأطفال البالغين سن التمدرس الذي يتحدد في ست سنوات .
وإذا كان الهدف من المدرسة هو تكميلي لما تقوم به الأسرة في تربية الأبناء وتنشئتهم، فإنها تضيف إلى ذلك التعليم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ، وذلك بأساليب بيداغوجية تقتضي اعتماد ممارسات و أنشطة تربوية معينة، ترمي إلى تحقيق الأهداف المرصودة التي يتوخاها المجتمع . أي بصفة عامة ، تسمح التربية الحديثة للطفل بتحقيق حاجته من الحرية وإثبات الذات ، و تحقيقها بين جماعة الفصل ، حتى يكون عضوا فعالا في المجتمع الذي يتهيأ ليحيا فيه.
ج- الجمعية التربوية:
إذا كنت قد أشرت إلى دور كل من الأسرة و المدرسة خلال تناولي لهذا الموضوع، فما هو دور الجمعية التربوية ؟
أمام القصور الملاحظ في العمل التربوي بالمؤسسات التعليمية ، و أمام تخلف الأسر عن أداء واجبها التربوي على الوجه المطلوب ، فإن العمل الجمعوي في النهاية هو الجهة التي ينبغي أن تناط بها مسؤولية سد هذا الفراغ .
وهكذا فإن المنظمات و الجمعيات التربوية تبذل مجهودات جبارة في هذا المجال ، نتيجة تضحيات المنخرطين فيها لرسوخ قناعاتهم بالعمل الجمعوي . على أن الصعوبات التي تواجهها تكمن في ضعف الإمكانيات المادية ، و النقص في الأطر المتفرغة للتسيير و التأطير ، إذ أن أغلبية المنخرطين يصارعون ضد الزمن ، لأنهم في الغالب يزاوجون بين القيام بواجباتهم المهنية ، و تحمل مسؤولياتهم الجمعوية.
رغم كل الصعوبات التي تعترضها فإن ما يميز نشاطها - الجمعيات التربوية- عن نشاط غيرها من مؤسسات رسمية كالمدرسة، أو اجتماعية كالأسرة، هو أنه نابع من اختياراتها و قناعاتها سواء من حيث صياغة الأهداف، أو تحديد البرامج، أو اختيار أدوات ووسائل العمل، و هو ما يعني أن الجمعية تعمل في نوع من الاستقلال النسبي، بحيث لا تتدخل أية جهة أخرى في توجيه عملها أو تحديد اختياراتها ما دامت تتماشى و متطلبات المجتمع، و تعكس طموحاته و تطلعاته التنموية. لذلك تتمتع الجمعية بحرية واسعة في العمل التربوي، الشيء الذي يمنحها أوسع الفرص في اختيار أساليب العمل المناسبة. وهكذا تعمل الجمعية من خلال مجموعة من الأنشطة التي تنجزها أطرها التربوية على جعل الطفل قادرا على التكيف مع النمط الثقافي و العلائقي داخل مجتمعه الواسع، و هو ما يقتضي تكوين الطفل مهارتيا و معرفيا و ثقافيا، وتحريك طاقاته و استعداداته الفطرية. و هذا ما تعبر عنه أهداف معظم الجمعيات و المنظمات التربوية التي تهتم بقطاع الطفولة و الشباب.
الطفل بين الأسرة و المدرسة والجمعية التربوية:
لاشك أن الاهتمام بالطفولة و قضاياها يعتبر بمثابة إجراء أساسي لتحقيق التنمية الاجتماعية ، فالاستثمار في مجال الطفولة عن طريق ضمان التربية والتكوين للأجيال الصاعدة ، هو في حد ذاته ضمان لتنمية اجتماعية متوازنة، وتمكن أهمية العناية بالطفولة ، في أن تكوين شخصية الطفل هو إعداد لرجل المستقبل ، الذي سيتحمل المسؤولية ، وهذه العناية تتحدد في مختلف أشكال الرعاية الاجتماعية و التربوية التي توفرها مختلف المؤسسات و الهيئات و المنظمات التربوية عبر مراحل تطور الطفل ونموه ، ذلك أن تكوين شخصية متوازنة مصانة الحقوق يعتبر أساس نجاح أي سياسة تربوية وثقافية واجتماعية وتنموية .
المراجع:
(1) في اجتماعيات التربية ص 112 د. منير مرسي سرحان.
(2) الطفل و المجتمع . عملية التنشئة الاجتماعية فريد ريك ألكن, ترجمة محمد سمير حسنين ص 130
ADAM.A « Casablanca Essai sur la transformation de la société » paris (3) 1972. Chapitre sur la famille marocain au contacte de l’occident.
(4) السلطة الأبوية و الشباب د. زهير حطب و .د. عباس مكي ص 53
(5) سيرورة التنشئة الاجتماعية . دراسة ذ. عبد الواحد الراضي في أواخر الستينيات.
(6) سلسلة التكوين التربوي الفصل الخاص بالمدرسة ووظائفها.