المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تامر القروي


محمد معمري
08-11-2008, 21:19
تامر القروي


لم تكن القرية التي يقطن فيها تامر قرية جميلة.
كانت قرية مهمشة إلى أقصى حد.
غير أنها أصبحت قرية في غاية الروعة من الجمال والحضارة لأن طرقها تعبّدت بأجود قير، وزينت الأرصفة بأجمل أنواع المرمر، وأصبحت فيها مساجد جد جميلة، ومستشفى كبيرمجهز بأحدث الأجهزة الطبية، ومدارس وإعداديات وثانويات مجهزة تجهيزا كاملا، ومسبحا رائعا، وملاعب للرياضات من أروع ما يكون، ودور للثقافة مجهزة أحسن تجهيز، وسكن لا مثيل له حتى في المدن الكبيرة، وحدائق تحدث عن جمالها روعة الطبيعة من الجبال والأشجار والأزهار والجداول...
حدث ذلك بعد أن حطت " أربع مركبات " فضائية بهذه القرية٪
قال بصير القوم:
- يا أهل القرية، هلموا! إن شيئا غريبا حط بغابتنا!؟
أسرع القوم بمشاعل وتكبيرات تردد صداها الجبال المطلة عن القرية في سكون الليل الأخير.. سمع الزوار صوت الصدى، ورمقوا قبس المشاعل فأدبروا إلى مراكبهم مسرعين ومرتبكين.. وما إن أقلعوا حتى اصطدمت " مركبتان " فلم يبق منهما سوى الغبار المتناثر في الفضاء.. أصاب أهل القرية الذعر فولوا مدبرين يركضون، تارة يتعثرون وتارة يلتفتون وراءهم، وتارة ينظرون فوق رؤوسهم.. إلى أن وصلوا إلى مساكنهم وهم لا يدرون شيئا ما عدا تأويلات لا تفيد في شيء.
في الليلة الموالية، جاء طفل غريب إلى نافذة بيت تامر فبدأ يُلوّح له بيده. تامر طفل شجاع وذكي؛ قام من فراشه وفتح النافذة.
قال تامر للطفل الغريب:
- من أنت، وما بك؟
تبسم الطفل الغريب وقال:
- أريد مساعدتك في أمر عاجل.
لم يرفض تامر، لبس ثيابه بسرعة وتسلل عبر النافذة ورافق الطفل الغريب إلى قمة الجبل.
بينما هما يسيران بين المزارع يتبادلان الحديث؛ كانت المفاجأة الكبرى لتامر من النوع الذي طالما كان يحلم به في اليقظة والنوم.
لقد أخبره أنه من أصحاب المركبات الفضائية، لقد كان بعيدا عنهم لما أقلعوا بسرعة لم تكن مبرمجة لديهم.. وبسبب الحادثة المؤلمة سوف لن يتفقده أحد ظنا منهم أنه أصبح في عداد المفقودين.. لهذا يرجو مساعدته بأشياء تخرج صناعتها عن علم الطفل الغريب... وطلب من تامر أن يستر أمره، ويجلب له متطلباته حتى يتمكن من تحويلها إلى إشارات تسافر إلى كوكبه لتخبر أهله ببقائه على قيد الحياة، وبالمقابل يعلم تامر من علوم كوكبهم التي يرغب في تعلمها...
راقت الفكرة لتامر، وتعاهدا أن يلتقيا كل ليلة في قمة الجبل.. وبينما هما يقتربان من الجبل إذا بذئاب جائعة تتوجه صوبها وهي تعوي عُواء الافتراس، فصوّب الطفل الغريب يده نحوها فإذا بضوء أخضر ينبثق من أصابعه صيّر الذئاب ترابا؛ ولما وصلا إلى قمة الجبل اعترضت سبيلهما حية عظيمة فانبثق ضوء أصفر من أنامله فصيّرها نباتا شائكا.. التفت إليه تامر في دهشة وحيرة سائلا:
- كيف تفعل حتى ينبثق هذا الضوء من أناملك ويحوّل هذه المخلوقات إلى مخلوقات أخرى!؟
أجابه الطفل الغريب:
- نحن في كوكبنا نتعلم كيف نصنع الشيء، وأنتم تتعلمون كيف تصنعون الآلة التي تصنع لكم الشيء الذي تريدونه. نحن لا نحتاج لبناء المصانع، بل نحتاج فقط لنتعلم ونبحث حتى نكتشف الصيغة السرية لنشأة الشيء، عندها لا يُكلّفنا الأمر سوى ذكر صيغة النشأة، وصيغة المكان فيتنزل كل ما أردنا في أحسن وأروع تصميم...
أصابت الدهشة تامر، وتكونت لديه الرؤية لطموحه، وعلت همته وقال:
- أريد في البداية أن تعلمني كيف أبني مدرسة جميلة تتوفر على كل المرافق التعليمية، والثقافية، والرياضية...
هكذا في كل ليلة يسهر تامر، ويتسلل عبر النافذة متخفيا متسلقا قمة الجبل لا يُخلف الميعاد، ولا يُفشي السر لأحد...
بعد مضي زمن، أصبح تامر يعرف علوما لا يعرفها سكان الأرض، تطور ذكاؤه، أصبح عمليا وجديا أكثر من أي وقت مضى...
وذات ليلة، بينما هو يُعلــّمه إذا بمركبة فضائية حطت لنقل الطفل الغريب، فاضطر ليُودّعه.. وفجأة بدأت دموع تامر تنهمر بشدة وهو يقول:
- أرجوك صديقي ابق معي، أرجوك...
نظر إليه الطفل الغريب وقال:
- نحن لا نبكي، الوداع يا أجمل صديق.
أقلعت المركبة وهي تحمل معها آمالا كثيرة لتامر لم تتحقق بعد...
عاد تامر إلى بيته، وهو يفكر في تصميم قريته تصميما عمرانيا لا مثيل له...
بدأ يخرج تامر في نفس الميعاد، لكن هذه المرة من أجل العمل، فيتوجه صوب المكان الذي صمم بنايته وتجهيزاته، ثم يذكر صيغة النشأة، وصيغة المكان...
وفي كل صبيحة تشرق شمس القرية على بناية جديدة مشيدة أروع تشييد، ومجهزة بأجمل التجهيزات وأجودها لا ينقصها سوى الأطر والأعوان والخدم...
المسؤولون، والسكان يتساءلون عن هذا الأمر العجيب، ولم يجدوا إلى معرفته سبيلا...
كتب رئيس الجماعة القروية إلى كل المسؤولين يقول:
- ... إننا في قريتنا، في كل صبيحة نفتح أعيننا على بناية جديدة مجهزة أحسن تجهيز لا ينقصها سوى الأطر، والأعوان... ولم ندر لحد الساعة سر هذا الأمر العجيب...
لقد أصبحت أعمال تامر أحاديث أهل القرية، حيث يسمع الحديث عن أعماله الإنسانية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدينية... بين الناس في كل مكان، حتى التلاميذ عند أبواب المدارس، وأفراد أسرته... فتبتسم نفسه مستحسنة صنع يدها، ويزداد حرصا كي لا يخون عهد صديقه الطفل الغريب.
بعد مضي فترة من الزمان، ظهرت القرية في أروع حلة لا تضاهيها حتى المدن الكبرى.. مما جعل السياح يفدون إليها من كل بقاع الأرض.. ساد الرواج في كل المجالات.. وأصبح أهلها أثرياء...
كل ما عمله تامر من أجل خدمة قريته وسكانها لم يلهه عن دراسته.. وفي آخر السنة الدراسية اقترحت المدرسة أن تتوج أفضل التلاميذ من أجل خلق التنافس بينهم، وكذلك بين المعلمين.. فاجتمع التلاميذ في ساحة المدرسة، وصعد المدير المنبر ومن حوله المعلمون وقال:
- لقد رأت مدرستنا أن تخصص كل سنة عشر جوائز للمتميزين في سبع مجالات، والمفاجأة الكبرى أن الجائزة الأولى في كل هذه المجالات انفرد بها تلميذ واحد وهو: تامر، فليتقدم مشكورا.
علت أهازيج التلاميذ مع التصفيقات، والهتافات معبرة بإخلاص وصدق:
- حقا يا تامر، أنت أفضلنا...
- تستحق كل شيء عن جدارة واستحقاق...
- نحبك يا تامر...
وسط هذه الأهازيج، والتصفيق الحار، وعناق المعلمين، وآلات التصوير التي تكاد تنطق لهذا اليوم العظيم تأثرت نفسية تامر فبدأت الدموع تسيل على خدّيه مصحوبة بشهيق وخنين، فتذكر كلمة الوداع من صديقه الطفل الغريب: [نحن لا نبكي]، فصرخ فجأة:
- أنا لا أبكي، لا أبكي، لا أبكي، يا إلهي...
تقدم إليه أحد المعلمين فرفعه، وضمه إلى صدره، وهو يمسح دموعه ويُقبّله قائلا:
- أنت لا تبكي يا تامر، أنت بطل، إنها دموع الفرحة فقط.
- قال تامر والخنين يؤثر على كلامه:
- دموع الفرحة!
تسلم تامر كل الجوائز، وأخذ معه التلاميذ، وأولياؤهم والمعلمون والمدير صورا تذكارية، ووعده المدير أن تعلق الصور في كل الأقسام السنة المقبلة...
انصرف الجميع، وكل واحد يتمنى لو كان تامر ابنه في لحظة التتويج، وهو يوبخ ابنه لماذا لا يكون مثل تامر...
فرح تامر بكل ما أنجزه؛ وتمنى أن يعود صديقه الطفل الغريب ليتعلم أشياء أخرى لا تزال عالقة في ذاكرته، وأخرى أصبحت وليدة خواطره.. أهمها إصلاح عقول وقلوب البشر.


بقلم: محمد معمري

الزبير
09-11-2008, 20:04
شكرا على المساهمة

hanimos
10-11-2008, 01:47
شكرا أخي علاوي ياسين على هذه المساهمة المتميزة
فكل شئ ممكن، فقط يجب أن تكون لدينا الإرادة القوية ، العزيمة والقدرة على التضحية لتحقيق آمالنا
فكما يقول المثل الفرنسي
si tu veux tu peux
vouloir c'est pouvoir
فنحن في كوكبنا نحتاج إلى تغيير جدري في 'العقليات'
دمت موفقا
تحياتي

نورالدين شكردة
10-11-2008, 11:24
نمط فريد هذا الدي اتحفتنا به الان حقيقة قصتك هذه بطقوسها وغرابتها وروعتها تجعلنا جميعانتمنى أن نكون نحن هم تامر قبل ان يكونه أبناؤناوفقك الله و إيانا أخي ياسين للإصلاح والتغيير

أم ايمان
10-11-2008, 15:39
ما احوجنا الى التفكير و التامل قبل التخطيط و العمل
ما احوجنا الى الطيبة وحب الخير للجميع
ما احوجنا الى العمل المتقن و الصبر عليه و عدم فقدان الحماس
ما احوجنا الى مثل تامر
ما احوجنا الى مثل هذه القصص

محمد معمري
10-11-2008, 20:53
ما احوجنا الى التفكير و التامل قبل التخطيط و العمل
ما احوجنا الى الطيبة وحب الخير للجميع
ما احوجنا الى العمل المتقن و الصبر عليه و عدم فقدان الحماس
ما احوجنا الى مثل تامر
ما احوجنا الى مثل هذه القصص

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم imanaton، أشكرك جزيل الشكر على مشاعرك الطيبة، تحياتي لك الخالصة النابعة من معين القلب مع كامل تقديري لك.
تقبل مني.

الغِلاَق
10-11-2008, 21:24
أخي الكريم ياسين
لقد شدتني قصتك،وهي قصة تربوية رغم أنك "إطار حكومي"ولست مربيا ! اهنئك على هذا الحس التربوي والذي لا شك في أن ما يحركه هو الوعي بالإضافة إلى الإبداع .
هذا من جهة،أما من جهة أخرى فلا بد لي من أن أشير إلى أنه من الأفضل أن تتفادى تعبيرات من قبيل:فتبتسم نفسه مستحسنة صنع يدهاـ ساد الرواج في كل المجالات ـ وهم لا يدرون شيئا ما عدا تأويلات لا تفيد في شيء ـ تأثرت نفسية تامر ـ...
لقد أعجبتني قصتك أخي ياسين،ولكن ورود عبارات من هذا النوع قللت ـ وسوف تقلل ـ من شأن قصصك الغنية والتي تنمّ عن خيال واسع يفتقد مثله الكثيرون.
سأحكي هذه القصة لابني هذا المساء بحول الله قبل نومه.
نطمع في المزيد،وعلى نفس الشاكلة.
شكرا على سعة صدرك وسعة خيالك.
دمت في أحسن حال.

محمد معمري
11-11-2008, 11:35
أخي الكريم ياسين
لقد شدتني قصتك،وهي قصة تربوية رغم أنك "إطار حكومي"ولست مربيا ! اهنئك على هذا الحس التربوي والذي لا شك في أن ما يحركه هو الوعي بالإضافة إلى الإبداع .
هذا من جهة،أما من جهة أخرى فلا بد لي من أن أشير إلى أنه من الأفضل أن تتفادى تعبيرات من قبيل:فتبتسم نفسه مستحسنة صنع يدهاـ ساد الرواج في كل المجالات ـوهم لا يدرون شيئا ما عدا تأويلات لا تفيد في شيء ـ تأثرت نفسية تامر ـ...
لقد أعجبتني قصتك أخي ياسين،ولكن ورود عبارات من هذا النوع قللت ـ وسوف تقلل ـ من شأن قصصك الغنية والتي تنمّ عن خيال واسع يفتقد مثله الكثيرون.
سأحكي هذه القصة لابني هذا المساء بحول الله قبل نومه.
نطمع في المزيد،وعلى نفس الشاكلة.
شكرا على سعة صدرك وسعة خيالك.
دمت في أحسن حال.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم elghilak، أشكرك على مشاعرك الطيبة، وعلى ملاحاظتك القيمة، ويا حبذا لو تنعت الخانة لكان أفضل لي وللقارئ حتى نتفادى أخطاءنا؛ إما بتوضيح نوعية الخطأ، أي: حشو، ركاكة، سجع... أو تقترح العبارة البديلة؛ هكذا تكون قد ساهمت في إصلاح ما أفسده العطار...
تقبل مني.

الزبير
11-11-2008, 16:51
لقد أعدت القراءة وذلك بسبب اعجابي بالقصة التي نتمنى أن توحي لأبنائنا بالواقع عوض التفكير في أن يهاجر أو يتمنى أن يصبح مغنيا فهذه هي احلام اطفال مغرب اليوم رجال الغد

محمد معمري
11-11-2008, 18:17
لقد أعدت القراءة وذلك بسبب اعجابي بالقصة التي نتمنى أن توحي لأبنائنا بالواقع عوض التفكير في أن يهاجر أو يتمنى أن يصبح مغنيا فهذه هي احلام اطفال مغرب اليوم رجال الغد

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم الزبير، أحييك من معين قلبي، وأشكرك على تلبية النداء، وتطلعاتك نحو مستقبل أبنائنا... لك مني أجمل التحيات مع أطيب المتمنيات.
تقبل مني.