المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نساء حول الرسول(ص) 1


عزيز الدعو
08-11-2008, 22:53
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها



( 68 ق. هـ 3 ق. هـ/ 554 – 619 م )



هي خديجة بنت خويلد بن أسدِ بن عبد العزَّى بن قـُصـيٍّ، يلتقي نسبها بنسب النبي في الجدِّ الخامس، وأُمـُّها فاطمة بنت زائدة بنت جندب، وقيل: إن أباها مات قبل حرب الفجار، وهي حرب قامت بين قريش ومن معها من كنانة من جهة، وبين قيس عيلان من جهة أخرى.

وُلدَتْ بمكة قبل عام الفيل بخمسة عشر عامًا (68 قبل الهجرة) في بيت مجد وسؤدد، هو من أعرق بيوت قريشٍ نسبا، وحسبا، وشرفا، ونشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة، وعرفت بالسيرة الكريمة، وكان من صفاتها الحزم والعقل والعفة، وكانت تدعى في الجاهلية بـ: "الطاهرة".
وكانت قبل رسول الله عند عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمرو، وقد ولدتْ له هند بن عتيق، ثم خلف عليها أبو هالة مالك بن نباش، فولدتْ له هند وهالة.
وإذا كان قد قدِّر لخديجة رضي الله عنها أن تتزوَّج مرَّتين قبل أن تتشرَّف بزواجها من رسول الله، فإنها لم تطلق مرَّتين، بل مات عنها زوجاها، وبعد موت زوجها الثاني تفرَّغت السيدة خديجة رضي الله عنها لتربية أولادها وتجارتها.
فقد كانت رضي الله عنها ذات شرف ومال وتجارة رابحة، فكانت تستأجر الرجال لتجارتها وتبعثهم بها إلى الشام، ومرَّت الأيام ووصل إلى مسامعها ذِكرُ "محمد بن عبد الله" كريم الأخلاق، الصادق الأمين، وكان قلَّ أن تسمع في الجاهلية بمثل هذه الصفات، فأرسلت إليه وعرضتْ عليه الخروج في مالها تاجرًا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار.
وحينها قبلَ ذلك منها، وخرج في مالها ومعه غلامها ميسرة حتى قدم الشام، وهناك نزل رسول الله (ص) في ظلِّ شجرة قريبا من صومعة راهب، فاطلع الراهب إلى ميسرة وقال: منْ هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال ميسرة: هذا الرجل من قريش من أهل الحرم. فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قطُّ إلاَّ نبيٌّ، ثم باع رسول الله سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد، ولما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فربح المال ضعف ما كان يربح أو أكثر.
وقد أخبرها ميسرة عن كرم أخلاقه وصفاته المتميزة التي وجدها فيه أثناء الرحلة، فرغبت في الزواج منه.
وتحكي السيدة نفيسة بنت منية قصة هذا الزواج فتقول: "كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيٍّ امرأة حازمة، جلدة، شريفة، أوسط قريش نسبا، وأكثرهم مالاً، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد(ص) بعد أن رجع من الشام فقلتُ: يا محمد، ما يمنعك أن تزوَّج؟
فقال: ما بيدي ما أتزوَّج به.
قلتُ: فإن كفيتَ ذلك، ودُعِيتَ إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألاَ تجيب؟
قال: فمن هي؟
قلتُ: خديجة.
قال: وكيف بذلك؟
قلتُ: عليَّ.
قال: وأنا أفعل.
فذهبتُ فأخبرتها، فأرسلتْ إليه أن ائتِ لساعة كذا وكذا، وأرسلتْ إلى عمها عمرو بن أسد ليزَوِّجها - وقيل: إن الذي أنكحه إياها أبوها خويلد - فحضر ودخل رسول الله في عمومته، فتزوَّجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة.
وكان زواج رسول الله (ص) منها قبل الوحي، وقد عاشت معه خمسا وعشرين سنة، بدأ معها في الخامسة والعشرين من عمره وكانت هي في الأربعين، وظلاَّ معًا إلى أن توفَّاها الله وهي في الخامسة والستِّين، وكان عمره في الخمسين، وهي أطول فترة أمضاها النبي مع هذه الزوجة الطاهرة من بين زوجاته جميعًا، فقد كانت أقرب الزوجات إليه، فلم يتزوَّج عليها غيرها طيلة حياتها، وكانت أمَّ ولده الذكور والإناث إلاَّ إبراهيم ، فإنه من مارية القبطية، فكان له منها : القاسم وبه كان يُكنَّى، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
هذا، وقد ألقى الله في قلب خديجة رضي الله عنها صفاء الرُّوح ونور الإيمان والاستعداد لتقبُّل الحقِّ، وتجسَّد ذلك حين نزل الوحي على رسول الله في غار حراء بقوله: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق"، حيث رجع ترجف بوادره وضلوعه، حتى دخل على خديجة فقال: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي". فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوْع.
وهنا قال لخديجة: "أَيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي؟! لَقْدِ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي". وأخبرها الخبر، فردَّت عليه خديجة بما يُطَيِّب من خاطره ويُهدِّئ من رَوعه، فقالت: "كَلاَّ أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ".
ثم انطلقت به رضي الله عنها حتى أتت به ابن عمِّها ورقة بن نوفل، وكان امرأ تنصَّر في الجاهليَّة، وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِيَ.
فقالت خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك.
قال ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي (ص) خبر ما رأى.
فقال ورقة: هذا الناموس الذي أُنْزِل على موسى، ليتني فيها جَذَعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك.
قال رسول الله(ص): "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟".
قال ورقة: نعم، لم يأتِ رجل بما جئتَ به إلاَّ أُوذي، وإن يدركني يومك حيًّا أنصرك نصرًا مؤزَّرًا.
ثم أرادتْ رضي الله عنها أن تتيقَّن وتتثبَّت مما جاء به رسول الله(ص) ؛ فروى ابن إ**** أنها قالت لرسول الله(ص): يابن عمِّ، هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: "نَعَمْ". فبينما رسول الله (ص)عندها إذ جاءه جبريل، فقال رسول الله(ص): "هَذَا جِبْرِيلُ قَدْ جَاءَنِي". فقالت: أتراه الآن؟ قال: "نَعَمْ". قالت: اجلس على شقِّي الأيسر. فجلس، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: "نَعَمْ". قالت: فاجلس على شقي الأيمن. فجلس، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: "نَعَمْ". قالت: فتحوَّل فاجلس في حجري. فتحوَّل رسول الله (ص) فجلس، فقالت: هل تراه؟ قال: "نَعَمْ". قال: فتحسرتْ وألقتْ خمارها، فقالت: هل تراه؟ قال: "لا". قالت: ما هذا شيطان، إن هذا لملَكَ يابن عمِّ، اثبتْ وأبشر. ثم آمنتْ به وشهدتْ أن الذي جاء به الحقُّ.
قال ابن إ****: وكانت خديجة أوَّل مَن آمن بالله ورسوله وصدَّق بما جاء به، فخفَّف الله بذلك عن رسول الله ، لا يسمع شيئًا يكرهه من ردٍّ عليه وتكذيب له فيحزنه إلاَّ فرَّج اللهُ عنه بها، إذا رجع إليها تثبِّته، وتخفِّف عنه، وتصدِّقه، وتهوِّن عليه أمر الناس رضي الله عنها.
وعن أول إسلامها يحكي يحيى بن عفيف عن عفيف فيقول: جئت في الجاهلية إلى مكة، فنزلتُ على العباس بن عبد المطلب، فلمَّا ارتفعت الشمس وحلَّقت في السماء وأنا أنظر إلى الكعبة أقبل شابٌّ، فرمى ببصره إلى السماء، ثم استقبل القبلة فقام مستقبلها، فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه، فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشابُّ فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فخرَّ الشاب ساجدًا فسجدا معه.
فقلت: يا عباس، أمر عظيم! فقال لي: أتدري من هذا الشابُّ؟ فقلت: لا. فقال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، هذا ابن أخي. وقال: أتدري من هذا الغلام؟ فقلت: لا. قال: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، هذا ابن أخي، هل تدري من هذه المرأة التي خلفهما؟ قلت: لا. قال: هذه خديجة ابنة خويلد زوجته ابن أخي هذا، وابن أخي هذا حدَّثني أن ربه رب السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، ولا والله ما على ظهر الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.
هذا، وقد كانت هناك سمات وملامح بارزة اتَّسمت بها أمُّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وكان أوَّل ما يبرز من تلك الملامح صفتي العفَّة والطهارة، هاتان الصفتان التي قلَّما سُمِع عن مثلهما في بيئة لا تعرف حرامًا ولا حلالاً، في بيئة تفشَّت فيها الفاحشة حتى كانت البغايا يضعن شارات حمراء تنبئ بمكانهن!
فقبل الإسلام وفي تلك البيئة الجاهليَّة، ومن بين نسائها جميعًا، انتزعتْ هذه المرأة العظيمة ذلك اللقب الشريف، ولُقِّبَتْ بـ "الطاهرة"، كما لُقِّبَ أيضًا في ذات البيئة بـ "الصادق الأمين"، ولو كان لهذه الألقاب سمع أو انتشار في هذا المجتمع آنذاك لما كان لذكرها ونسبتها لأشخاص بعينهم أهمِّيَّة تُذْكَر.
كذلك كان من السمات والملامح البارزة لأُمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنها كانت حكيمة عاقلة، فكلُّ المصادر التي تحدَّثت عن السيدة خديجة رضي الله عنها وصفتها بـ "الحزم والعقل"، وكيف لا تُوصف بذلك وهي التي استعانت به في أمور تجارتها بعد أن عرفت عنه الصدق والأمانة؟!
وقد تجلَّت مظاهر حكمتها وعقلانيَّتها حينما فكَّرَتْ في الزواج منه ، بل حينما عرضت هي الزواج عليه في صورة تحفظ ماء الوجه؛ حيث أرسلت السيدة نفيسة بنت منية دسيسًا عليه بعد أن رجع من الشام، ليَظْهَر وكأنَّه هو الذي أرادها وطلب منها أنْ يتزوَّجها، وهي التي كانت من أوسط قريش نسبًا، وأكثرهم مالاً، وكان أكابر قومها حريصين على الزواج منها، وكان منهم مَنْ قد طلبها وبذل لها الأموال... ثم هي ترفض وترغب في الزواج من محمد، ذلك الفقير، المسكين، اليتيم، المعدم!!
فلم تكن خديجة رضي الله عنها مراهقة حتى يُقال: إنها شُغِفت به. بل كانت آنذاك في الأربعين من عمرها، وهو مبلغ العقل والحكمة في الرجال والنساء، ولم تكن خديجة رضي الله عنها تعرفه منذ زمن بعيد حتى يقال: إنها أَلِفَتْه، أو كانت تعرفه عن قرب. فإنَّ بَعثة تجارة الشام الوحيدة وحكاية ميسرة عنه هي التي عَرَّفَتْها به.
ثم هي وبعد الزواج نرى منها كمال الحكمة وكمال رجاحة العقل، فها هي ذي تستقبل أمر الوحي الأوَّل بعقلانيَّة قَلَّ أنْ نجدها في مثل هذه الأحوال بالذات؛ فقد رفضت أن تفسِّر الأمر بخزعبيلات أو أوهام، بل استنتجت بعقليَّتها الفذَّة وحكمتها الفريدة أنَّ الله لن يخزيه، فكان جوابها: "إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ".
فقد توصَّلتْ إلى أنَّ مَن وفَّقه الله لمثلذلك وتخلَّق بمثل هذه الأخلاق، فلن يخزيه الله أبدًا، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل ليُدركا الأمر، وهذه طريقة عقلانيَّة منطقيَّة بدأت بالمقدِّمات وانتهت بالنتائج المترتِّبة على هذه المقدمات، فيا لها من عاقلة، ويا لها من حكيمة!!
ونستطيع أنْ نلمس ملمحًا آخر يُمَيِّز شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، وهو أنها نصير رسول الله، وهذه السمة تُعَدُّ مِنْ أهمِّ السمات التي تُمَيِّزها رضي الله عنها؛ فهي التي وهبت نفسها ومالها، وكلَّ ما ملكت لله ولرسوله r، ويكفي في ذلك أنها آمنت بالرسول وآزرته ونصرته في أحلك اللحظات التي قلَّما تجد فيها نصيرًا أو مؤازرًا أو مُعِينًا، في أوَّل لحظات الرسالة.
فآمنت به حين كفر الناسُ، وصدَّقته حين كذَّبه الناس، وواسته بالأُنس والمال حين نفر عنه الناس، وتلك هي صفات امرأة الشدائد؛ فكانت تمثِّل أعلى القيم الأخلاقيَّة والإيمانيَّة تجاه زوجها ، حيث قدَّمت كل ما تملك.
لقد عاشت معه حلو الحياة ومُرِّها، وكانت فيهما نِعْم الأنيس ونعم النصير، وكان النبي مثل غيره من الأزواج؛ فلم يكن محاطًا من أهوال الدنيا ومصائبها بسياج من الحماية أو الأمن أو الدَّعَة، فتارة تحلو الحياة فنعم الحامدة الشاكرة هي، وتارة تكشِّر عن أنيابها وتبرز وجهها الآخر فكانت هي هي خديجة.. تؤازره.. تشاركه الهمَّ.. تهوِّن عليه.. تواسيه.. وتمسح عنه بكفٍّ من حنان كُلَّ الآلام والأحزان.
فبعد زواجها من رسول الله وبعد تلقِّيها خبر الوحي، تطيب نفسها بانتقالها مع رسول الله من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح وال**** والحصار، ولم يَزِدْها ذلك إلاَّ حُبًّا لمحمد وحبًّا لدين محمد وتحدِّيًا وإصرارًا على الوقوف بجانبه والتفاني في تحقيق أهدافه، فكانت هي خديجة.. امرأة الشدَّة.. امرأة المحنة.
ولمَّا خرج رسول الله مع بني هاشم وبني عبد المطلب إلى شعاب مكة في عام المقاطعة، لم تتردَّد رضي الله عنها في الخروج معه لتشاركه أعباء ما يحمل من أمر الرسالة الإلهيَّة التي يحملها، على الرغم من تقدُّمها بالسنِّ، فأقامت معه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله تعالى.
وكأنَّ الله اختصَّها بشخصها لتكون سندًا وعونًا للرسول في إبلاغ رسالة ربِّ العالمين الخاتمة، فكما اجتبى الله رسوله محمد واصطفاه من بين الخلق كافَّة، كذلك قدَّر له في مشوار حياته الأوَّل لتأدية الرسالة العالميَّة مَنْ تُضَارعه، أو على الأقلِّ تشابهه؛ لتكون شريكًا له في حمل هذه الدعوة في مهدها الأوَّل، فآنسته وآزرته وواسته بنفسها ومالها في وقت كان الرسول في أشدِّ الاحتياج لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة.
ومن خلال ملامح شخصيَّتها السابقة هذه نستطيع - وبكلِّ قوَّة - أنْ نصفها بملمح آخر يجمع ويُعَبِّر عن كامل شخصيَّتها، ألاَّ وهو الزوجة المثاليَّة، تلك التي تدفع زوجها إلى مدارج الكمال ومراتب العظمة، فهي بالفعل أُمُّ المؤمنين، وقدوة المؤمنات، التي جسدت خُلُق المرأة المثاليَّة في عَلاقتها مع زوجها من المودَّة والسَّكَن، والحبِّ والوفاء، والبذل والعـطاء، وتحمُّل المحنِّ والشدائد دون تأفُّف أو تضجُّر... فليت ثم ليت نساء المسلمين يَقْفُون أثرها ويحذون حذوها ويخطون خُطَاها.
ولا شكَّ أنَّ امرأة بمثل هذه الصفات وتلك الملامح لا بُدَّ وأنْ يكون لها من الأفضال الكثير والكثير، والذي يُعَدُّ في بعض الأحيان كنوع من ردِّ الاعتبار لشخصها رضي الله عنها، فها هو ذا الرسول r يُعْلِن في أكثر من مناسبة بأنها خير نساء الجنة، فيَرْوِي عليُّ بن أبي طالب عن النبي (ص) أنه قال: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ". وفي رواية أخرى مفصَّلة: عن ابن عباس قال: خطَّ رسول الله (ص) في الأرض خطوطًا أربعة، قال: "أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟" قَالُوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله: "أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.
بل وَرَدَ أيضًا أنها رضي الله عنها من أفضل نساء العالمين، فقد رُوِيَ عن أنس بن مالك أنَّ النبي (ص) قال: "حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.
ليس هذا فحسب، بل يُقْرِئها المولى السلامَ من فوق سبع سماوات، ويبشِّرها ببيت من قَصَبٍ في الجنة، فعن أبي هريرة t أنه قال: أتى جبريل النبي r فقال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ".
هذا، وبعد خمس وستِّين سنة من العمر فاضت رُوحها رضي الله عنها إلى بارئها، وتزامن ذلك مع وفاة عمِّه أبي طالب، الذي كان يدافع عنه ويحميه، وكان ذلك قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنوات، فحزن الرسول ذلك العام حزنًا شديدًا، حتى سُمِّي بـ "عام الحزن".
قال ابن الأثير: "ففي السنة العاشرة أوَّل ذي القَعدة - وقيل: النصف من شوال - تُوُفِّيَ أبو طالب، ثم تُوُفِّيَتْ بعده خديجة بثلاثة أيَّام، وقيل: بشهر. وقيل: كان بينهما شهر وخمسة أيام. وقيل: خمسون يومًا. ودفنها رسول الله بالحَجُون، ولم تكن الصلاة على الجنائز يومئذ، وقيل: إنها ماتت قبل أبي طالب"
وإذا كانت قد رحلتْ رضي الله عنها بجسدها فإنها لم ترحل بروحها، وقد ظلَّ الرسول يذكرها ويردِّد فضلها، ويُعلنه على الملأ لمن يسأله في ذلك: "إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا". وفاءً لها واعتبارًا، ولتصبحَ عَلاقته معها غرَّة في جبين التاريخ عامَّة وتاريخ العَلاقات الأسريَّة خاصَّة!
تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله إذا ذبح الشاة فيقول: "أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ". قالت: فأغضبْتُه يومًا، فقلتُ: خديجة؟! فقال رسول الله "إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا".
وكان يُكثر من ذكرها ويتصدَّق عليها، وفي ذلك تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أيضًا فتقول: ما غِرْتُ على أحد من نساء النبي ما غِرْتُ على خديجة، وما رأيتُها، ولكن كان النبي يُكثر ذِكْرَها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلتُ له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلاَّ خديجة. فيقول: "إِنَّهَا كَانَتْ.. وَكَانَتْ.. وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ".
وقد وصل من وفائه لها أنه تعاهد بالبرِّ لأصدقائها بعد وفاتها، فعن أنس بن مالك قال: كان النبي إذا أُتِيَ بشيء قال: "اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلانَة فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ".
وتروي السيدة عائشة أيضًا في ذلك فتقول: جاءت عجوز إلى النبي وهو عندي، فقال لها رسول الله : "مَنْ أَنْتِ؟" قالت: أنا جثَّامة المزنيَّة. فقال: "بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟" قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فلمَّا خرجتْ قلتُ: يا رسول الله، تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال: "إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ!
وعن هذه الزوجة الطاهرة أيضًا تروي السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: كان رسول الله r يُكثر ذكر خديجة، فقالت له: لَقَدْ أَخْلَفَكَ اللهُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ تمعُّرًا مَا كُنْتُ أَرَاهُ مِنْهُ إِلاَّ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ، وَإِذَا رَأَى المَخِيلَةَ" (http://www.islamstory.com/article.php?id=848#_ftn20) حَتَّى يَعْلَمَ أَرَحْمَةٌ أَوْ عَذَابٌ. تقول عائشة: فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ
فما أروع هذه الزيجة! وما أروع هذان الزوجان! وكأنَّ الله خلقهما لتأتمَّ بهما الدنيا كلها، ويأتمَّ بهما كلُّ زوج وزوجة يريدان إصلاحًا وفلاحًا، فهذا هو آدم في شخص النبي وهذه هي حوَّاء في شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، وهذه هي الزيجة الربانيَّة كما أرادها الله، وكما طبَّقها رسول الله، وسلام الله عليها في العالمين.

mt2 ولكم مني أزكى التحيات.mt2

ملاك أم يحيى
13-11-2008, 14:12
جزاك الله خير الجزاء

اللهم اجعلنا و اجعل بناتا مثل خديجة رضي الله عنها

عزيز الدعو
13-11-2008, 19:56
جزاك الله خير الجزاء

اللهم اجعلنا و اجعل بناتا مثل خديجة رضي الله عنها
آمين يارب العالمين
شكرا على المرور اختي

argabi72
13-11-2008, 23:15
شكراً لك اخي الكريم

عزيز الدعو
14-11-2008, 11:00
شكراً لك اخي الكريم
تحياتي لك اخي
شكرا على المرور.

mido.jimi
15-11-2008, 11:42
شكرا على المساهمة...جزاك الله خيرا

عزيز الدعو
15-11-2008, 11:55
شكرا على المساهمة...جزاك الله خيرا

تشكراتنا على المرور الطيب
و انتم من اهل الجزاء
آ متن يا رب.

عزيز الدعو
15-11-2008, 12:00
شكرا على المساهمة...جزاك الله خيرا

اعتذر عن الخطأ الاملائي
وانتم من اهل الجزاء
آمين يارب
آمين يارب
آمين يارب
آمين يارب

الزبير
26-11-2008, 16:42
بارك الله فيك

عزيز الدعو
27-11-2008, 20:29
بارك الله فيك


شكرا اخي الكريم على المرور و على التشجيع الدائم.

amy
15-12-2008, 11:22
جزاك الله خير الجزاء

ام منصف
15-12-2008, 13:16
شكرا على المساهمة...جزاك الله خيرا