المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استعدادا للإمتحان :الطفل المغربي و أساليب التنشئة الإجتماعية بين الحداثة و التقليد


شهرزاد
06-11-2007, 13:38
الطفل المغربي و أساليب التنشئة الإجتماعية بين الحداثة و التقليد

Posted on 22/12/2006 at 6:29 PM
الطفل المغربي و أساليب التنشئةالإجتماعية بين الحداثة و التقليد

لمحمد مصطفىالقباجهندالبشريوي : علم النفس النمائي


يندرج هذا الكتاب ضمن دفاتر في التربية و في إطار سلسلة " الطفولة " العدد 3، كتبه محمد مصطفى القباج ، وتتحدد عدد صفحاته فيما يناهز 104، من الحجم الصغير ، صدر عن مطبعة النجاح الجديدة بالدارالبيضاء سنة 1997، ويحتوي على مجموعة من المباحث كلها تسعى إلى دراسة الطفولة و علاقتها بالتنشئة الإجتماعية في منحيين إثنين هما الحداثة و التقليد ، وقد تم إنتاج هذه المباحث إما لنشر في مجلات دولية أو لغرض ان يشارك بها الكاتب في مؤتمرات علمية متخصصة ، لكنه جمعها بين دفتي كتاب عنونه بعنوان جامع يجعلنا نقف عنده لمحاولة تحديد دلالاته التي تحمل اكثر من حد ، ويمكن أن نحلل العنوان إلى فروع أو حدود هي كالآتي :

الحد الأول : الطفل المغربي .

الحد الثاني : أساليب التنشئة الإجتماعية .

الحد الثالث : أساليب التنشئة الإجتماعية الحديثة .

الحد الرابع : أساليب التنشئة الإجتماعية التقليدية .

الحد الخامس : الطفل المغربي بين أساليب التنشئة الإجتماعية الحديثة و التقليدية .

إذن ، إن مباحث هذا الكتاب الخمسة ، كلها يجمعها هم واحد دو دلالة معرفية و تربوية ، تسعى لفهم قضايا قد يواجهها أي باحث أو مرب في التعامل مع الطفولة ، وهذا هو الدافع الذي جعل اختيارنا يقع على هذا الكتاب ، ما دام مجال تخصصنا في علوم التربية و بالضبط ما يدخل في علم النفس النمو . إذ أن هذه المباحث في عمقها " تجلي إشكالية الأنساق التربوية في الدول النامية عامة و في الوطن العربي بصفة خاصة "1

إن محمد مصطفى القباج يطرح إشكالية تهدف إلى تأكيد الحاجة إلى إعادة النظر أو مراجعة المواقف تجاه مشكلة الطفل ، وذلك قصد إبداع توجه جديد تربوي ذي أهداف و ممارسات و مناهج جديدة تقطع مع التقليد و تتجاوز المعهود ، وتفتح الباب على مصراعيه كي يننخرط الطفل من خلاله إلى وسط تربوي جديد، تنمي في شخصية الطفل ذاك الميول في التحرر و الإختلاف و النزوع إلى الإستقلالية الذاتية ، و بالتالي النضج و الإبداع .

إذن كيف تناول محمد مصطفى القباج معالم إشكالية الطفولة بين التقليد و الحداثة ؟ أو كيف يمكن تجاوز التربية " الدمجية " إلى التربية " التحررية " الحديثة ؟

تعتبر الطفولة مرحلة من مراحل نمو الشخصية الاساسية لذا الإنسان ، وهي تتأثر بمجموعة من المؤثرات نتيجة نوعية التنشئة التي يتلقاها الطفل قد تتميز إما بطابع التقليد ، أي التربية الدمجية أو بطابع الحداثة ، أو التربية " التحريرية ".

إن التنشئة التي يتلقاها الطفل اول مرة ، هي التي تعرف بالتنشئة الاسرية ، وهي في الأصل ، أصل التنشئة الإجتماعية التي عرفها روشي GUY ROCHIH بكونها " السيرورة التي يكتسب الشخص الإنساني عن طريقها و يستنبط طوال حياته العناصر الإجتماعية الثقافية السائدة في محيطه و يدخلها في بناء شخصية ، وذلك بتأثير من التجارب و العوامل الإجتماعية ذات الدلالة و المعنى ، ومن هنا يستطيع ان يتكيف مع البيئة الإجتماعية ،حيث ينبغي عليه ان يعيش "1 ، وتلعب السنوات الأولى من عمر الفرد دورا مركزيا في هذه التنشئة ، إذ كلما نما الإنسان إلا و اكتسب أنماطا جديدة من السلوك و القيم ، فتتنامى شخصيته مع ثقافة المحيط الذي يعيبش فيه إذ بدمج قيمه و رموزه يساهم في بناء شخصيته و بالتالي تحقيق تكيفه مع بنية هذا المحيط ، وهذا ما تناوله محمد مصطفى القباج في مبحثه الاول مبرزا دور الاسرة من خلال تعريفه لها بانها " الإطار الإجتماعي الذي يفتح الطفل عينيه فيه عن العالم وهي الوسط الذي يتكفل بتزويد الحدث الصغير بما ذكرناه من عناصر التنشئة و التكوين و الامان و هي عناصر بعضها وجداني ، وبعضها عقلي ، وبعضها سلوكي ، لا بد من تفاعلها لتحقيق النضج [...] "2 ، فالأسرة هي وسط ضروري لا تدرك قيمتها إلا عندما يفقدها الطفل ، ويفقد معها كل مقتضياته الذهنية و العاطفية و القانونية ، ويكون بالتالي عرضة لمجموعة من الإختلالات و التجارب العاطفية الاليمة ، وقد اتخذ غياب الأسرة منذ القديم ، خاصة مع غياب الإنتماء إلى الأب او الأم أو هما معا ، طابعا قدحيا يجعل الطفل يعير بابن الزنا أو اللقيط أو المهمل ، فالأسرة مركب من مركبات المنظومة الإجتماعية الضرورية لمواجهة الحياة الإجتماعية ، وبدونها تختل هذه المنظومة . فهي تواصل وظيفتها بالنسبة لأصعب مرحلة في حياة الغنسان التي يطلق عليها بعض المحللين ب " الفطام الثاني " أو ما يعرف بمرحلة المراهقة التي يؤكد خلالها الفرد استقلاليته وجدواه داخل المنظومة الإجتماعية ، لكن ما يجب الإشارة إليه هو ان لكل مجتمع مناخاته الطبيعية و خصوصياته الثقافية و العقدية ، و بالتالي تبقى الطفولة و المراهقة مرتبطتان بجميع هذه الخصوصيات .

فالطفولة و المراهقة بالمغرب مرتبطتان بالمناخ المتوسطي و المحيطي ، و بالإعتقاد الديني الإسلامي ، و بالواقع الإجتماعي و الإقتصادي كبلد سائر في طريق النمو و غيرها من الخصائص تجعل النضام الأسروي في المغرب يختلف عن غيره في بلدان أخرى..فالأسرة تعتمد على مفاهيم القرابة و التبادل و التواصل ، هذا مايجعلنا نقول إن المؤسسة الأسرية بما تتيحه كوسط تربوي للطفولة الأولى من ظروف و إمكانات واسعة ، تعِدُّالفرد في نفس الوقت ليجتاز مرحلة المراهقةفي أحوال جيدة رغم أنها من أصعب مراحل نمو الإنسان ، و يتجلى ذلك في كون أن المراهق يستعمل جميع خبرات التنشئة المتأثرة بالموقع و المعتقد في تحقيق رغبات الذكورة أو الأنوثة ، كما ان الفترة تحدد ذوق الفرد المراهق و اختياراته ، و تمكنه من الإنتقال من الوسط الأسروي إلى مجال أوسع للحياة الإجتماعية ، إذ ينتقل من وضع " العالة " إلى وضع " المسؤول " الذي يؤهله إلى تحقيق اختيارات حاسمة نحو تخصص معين نظري أو عملي او هما معا .

إن الأسرة إذن ذاكرة المجتمع التي تخزن هويته و قيمه ، و تحافظ على استمرار هاته القيم وتلك الهوية ، و إضعاف هذا الكيان حثما سيؤدي إلى شرور كثيرة قد تحطم المجتمع ككل ، والمغرب فهم ان غهتمام المجتمع الدولي بالأسرة هو محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لا نسقط في الإباحية و الإنحلال الخلقي حسب تعبير الكاتب ، و المراهقة التي تعصف بها أمراض العصر هاته ، هي مراهقة هشة سائغة في فم الخطر الذي يهدد الحضارة اليوم ، وهي دليل على ان الوسط العائلي لم يقم بما عليه من مهام في التنشئة و التكوين .

لقد قدم لنا محمد مصطفى القباج الميثاق الوطني للأسرة المغربية الذي كان يسعى إلى التوفيق بين أصالة المجتمع المغربي و العزم على تحقيق الحداثة و استعمال كل الأدوات و السبل التي تتيح الإستثمار الصحيح لكل الطاقات البشرية بجميع فئاتها ، وتعزيز التربية الأسرية ، وجعل الأسرة أداة فعالة للتنمية الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية ، و تعزيز كل ما من شأنه يحمي الطفل و المراهق ، خاصة الذي يعيش حالة صعبة كالإهمال و الإعاقة و التسول و الإنحراف ...بالإضافة إلى تنظيم لقاءات و مناضرات كلها تسعى إلى تعزيز و تقوية دور و مكانة الأسرة المغربية في التنمية المجتمعية .

غير أن الكاتب سيُعرجُ بنا في دراسته هاته إلى إبراز أن مفهوم الطفولة في القرن العشرين عرف تطورا جدريا إذ راح يستمد عناصره من ذات الطفل نفسه لا من خارجه ، وذلك بفضل تنوع العلوم التي تتناول موضوعه ، و التداخل بين اهتماماتها ، حيث خرجت الطفولة من هيمنة الناضجين وأصبحت تعكس حقيقتها الصميمية التي تسهل التعامل معها ، و هناك ثلاثة أمثلة تبين معالم التطور الذي حصل في مفهوم " الطفولة " :

المثال الأول : وهو ما أسفرت عنه أبحاث جان بياجي في ميدان السيكولوجيا التكوينية أو سيكولوجيا النمو، من أن الطفولة عملية نمائية للبنيات العقلية ، يحقق فيها الكائن توازنا ينجم عن نضج داخلي و تمثل للعالم الخارجي ، هكذا فالطفل في هذه المرحلة الحسية الحركية عاجز عن تصور شبكة العلاقات المجتمعية و القيم يتبع منطقا يتناسب و طبيعة المرحلة التي يمر بها الطفل للوصول إلى هذه المعطيات .

المثال الثاني : و يتحدد في الثورة التي أحدثها التحليل اليقيني بخصوص الطفولة و تفاعلاتها الوجدانية التي تحدد معالم الشخصية الإنسانية طيلة حياة الفرد ، وهذه التفاعلات لا يمكن تصورها إلا في علاقاتها مع النسق المجتمعي خاصة داخل الأسرة .

المثال الثالث : يتحدد في الدراسات السوسيولوجية المتخصصة في تحليل ظاهرة تنافر تصورات و قيم و علاقات و المشاكل المطروحة على المجتمع بين الأجيال .

إن هذه الأمثلة تجعل من الطفولة منتوجا عقليا و مجتمعا معقدا تتحكم فيه مجموعة من التفاعلات الفسيولوجية و النفسية و المجتمعية والعقلية .

إن التطور المفهومي ليس حدثا معزولا عن سياقه المعرفي العام ، حيث يدخل في علاقة جدلية مع التطورات الأخرى التي عرفها القرن 20 سواء في مجال العلوم الدقيقة او الثورات التكنولوجية الكبرى ، خاصة في ميدان المعلوماتية الذي ينتقل فيه العالم من مجتمع الإنتاج الصناعي إلى آخر معرفي له اترتباط و ثيق بوسائل الإتصال المتطورة المسموعة و المرئية والمقروءة ، لكن ماهي أهم نتائج هذا التطور المعرفي ؟

نتج عنه تربويا تواجد و ظيفتين إحداهما تقليدية تعود إلى القرون الماضية ، وثانيهما تحريرية جاءت بها الطفرات المعرفية الطارئة هكذا نجد انفسنا إذن أمام اتجاه دكجي في التنسيق المجتمعي أي بمعنى تنشئة تقليدية ، واتجاه تحريري يلبي الرغبة في الإختلاف عن النسق المجتمعي ، فهناك الأسرة و المدرسة و وسائل الإتصال يتناوب عليها التوجه الدمجي لمطابقة النمودج الإجتماعي و السياسي ، و التوجه التحريري الذي يباعد بين الفرد و وسطه المجتمعي ليدخل به في علاقات توافق مستقبل المجتمع مختلفة عن ما كانت عليه في الماضي ثقافيا و قيميا .

فالتربية أصبحت عملية تقوم بها الأسرة و المؤسسات التعليمية و مؤسسات الشغل ، و المؤسسات السياسية و كذلك وسائل الاتصال على إختلاف أنواعها ، معتمدة على أدوات متنوعة كاللعب ، واللغة ، والمعتقد والأعراف ومناهج التعليم والنوادي والجمعيات والصحف والاذاعة والتلفزة ...الخ .

إذن لعبت وسائل الاتصال دورا أساسيا في تحويل الحضارة المعاصرة كما قال ( رولان بارت ) إلى حضارة لغوية صورية . ووسائل الاتصال هاته هي " مجموع العمليات الكهربائية والالكترونية المستعملة في إنتاج ونشر الصور والاصوات والرموز من أجل تواصل العامة من الناس و إلتقاط جمعي أوفردي منظم "1 . إنها وسائل لإيصال معلومات تبقى في حد ذاتها قابلة للتأويل . كماأنها تجمع بين الترفيه و التكوين ، وبين العقل والوجدان ، وبين الفرد والمجتمع . وتساهم بالتالي في: إرتفاع في نسبة المعلومات التي يتلقاها الفرد ، وفي أنماط السلمك ، والقيم وأنظمتها ومختلف الاتجاهات والمواقف .

إن الدول المتقدمة تكنولوجيا وفقت في مواءمة ايجابية بين توجهي التربية الدمجي والتحرري من خلال وسائل الاتصال ، رغم تعترضها من مشاكل . لكن الدول المتخلفة كدول إستهلاكية تبعية لم تنجح في ذلك . مما يجعل إنسان هذه الدول يتعرض لأثار ذات مضاعفات سلبية خاصة في صفوف فئة الأطفال، التي تجد نفسها بين تنشئتين ، تقليدية ( في أحضان الأسرة والمدرسة ) وتواصلية ( من خلال السينما والتلفزة والفيديو والصحافة ... ) .

لكن ماذا يمرر خطاب وسائل الاتصال إلى وعي الطفل في مجتمعاتنا المتخلفة ؟ .

إن الخطاب الذي تمرره وسائل في مجتمعاتنا يتمثل في الدعوة إلى مثاقفة بين نمودجين ثقافين متباينين. كما تدعو إلى أسطورية الحظ عبر الإشهارات والرهانات والمغامرات . وأيضا الدعوة إلى رفض الماضي المرجعية وتقديس الحاضر والمستقبل . وأيضا النظر إلى مركبات الخطاب التواصلي على أنها مستوى واحد تؤدي نفس الوظائف : العلم ، الدين ، الأدب ، التقنيات الموسيقى ، و العمل، هي ترسيخ نمودج كوني للشخصية تختفي معه الفوارق الحضارية، و تلويث اللسان القومي إمعانا في طمس الهويات الثقافية باستعمال أكثر من لغة في بث الرسالة التواصلية ، هذا بالإضافة إلى آثار أفلام العنف .

إن وسائل الإتصال تخلف آثارا إيجابية و أخرى سلبية ، لكن لا بد من التندخل من اجل توجيه هذه الوسائل الوجهة الصالحة ، خاصة في المغرب حتى يكون المجتمع متوازنا ، وإنشاء مركز يبحث في آثار و سائل الإتصال الإيجابية و السلبية ، وإقامة رقابة من أجل تنظيف الرسائل الإعلامية مما يدخلها من مضامين ذات التأثير السلبي .

إن التنشئة المجتمعية للطفل غالبا لاما تتحكم فيها جماعة الناضجين خاصة في مجال التربية و التعليم ، وذلك بغية دمج الفرد في الجماعة وفق أعرافها و معتقداتها و أنماط سلوكها ، حتى يحقق الفرد نضجه الكامل في ظروف تفتح مناسب ، كي يتحكم في ملكاته ، هذا كله يدخل ضمن الحتميات الطبيعية التي تحيط بالكائن البشري ، وفي معظم الأحيان تكون البنيات الأساسية للدمج المجتمعي بنيات مشبوه فيها تضيع على الفرد فرص الإنعاش و التطور ، وهي تلغي مبدأ تكوينيا في السيكولوجيا التكوينية ، وهو أن الفرد الذي لا يكون متوفرا على الشروط الضرورية لتمثيل النمودج المبيت تمتنع عليه المطابقة مع الظروف الخارجية، لكن التنشئة المجتمعية التي تكون عرضة لمؤثرات خارجية يجعلها عرضة للإنسلاخ الثقافي .

فالتنشئة المجتمعية التقليدية تتحقق في المؤسسات المجتمعية الأصلية جخاصة خلية العائلة ، و أيضا المؤسسة التعليمية و مؤسسات الشغل و المؤسسات السياسية كالأحزاب ، كل هذه المؤسسات و على رأسها العائلة و المدرسة تستعمل و سائل جاهزة لهذه التنشئة ، أهمها اللغة و المعتقد و العرف و مضمون التعليم و اللعب ...أما التنشئة المجتمعية المتقدمة صناعيا ، فقد ظهرت بها وسائل جديدة لهذه التنشئة وهي كما أشرنا لها سابقا بتقنيات الإتصال التي تسهم في العمليات التعليمية بجعلها أكثر سهولة و فاعلية ، لكن بحكم ارتباط هذه التقنيات بالتطور الصناعي والإقتصادي أدى بها الأمر إلى تحول حضاري يمكن الإصطلاح عليه بأنه ( حضارة لغوية صورية )، و بالنسبة للمغرب باعتباره بلد من العالم الثالث يدور في الفلك الليبرالي ، فالتنشئة المجتمعية إلى حدود الإستقلال كانت تتسم وفق " نمودج تقليدي " مع تواجد نمودج غربي دخيل ، وقد انضافت إلى هذين النمودجين بعد الإستقلال و سائل جديدة من التنشئة هي مستعارة ، تقنيات التواصل ، إذ ركز مصطفى القباج على التافزة بالخصوص كنمودج .

فالتنشئة المجتمعية التقليدية بالمغرب تناولها الباحثون حتى اختلفت رءياهم فيها ، وكانت تؤكد على أن الطفل المغربي تلقى تنشئة إجتماعية تعتمد بالأساس على أفراد الأسرة ، و كل الناضجين من حوله ، حيث ان الطفل يتواجد معهم طيلة ةقته ، ويلقى الرعاية و العطف منهم بل قد يصير موضوع استمتاع و تسلية بالنسبة لهم ، لكنه في مرحلة أخرى يتعرض إلى تغيير جدري في هذه العلاقة التي قد تصبح جارحة لعواطف و كرامة الطفل ، وذلك بغية الحد من أنانيته و انفته كما يتعرض لتصحيح سلوكه من طرف الأب كلما حاول مضايقة الأم ، هذا بالإضافة إلى سوء الوضع المادي لكثير من الأسر ، كل هذا يكون له تأثير على الطفل قد يواجهها فيما بعد بتصرفات شبيهة بما كانوا يقومون به في السن الثانية من العمر ، وهو ما يرفضه الكبار على اعتبار أنه دلال مبالغ فيه ، كما ان الطفل قد يلتحق بالكتاب لأجل حفظ القرآن و أيضا كي تتعدل سلوكاته من خلال الفقيه الذي قد يحاسب الطفل على جميع تصرفاته دون رحمة أو شفقة ، وذلك يؤيده تفويض من قبل الوالدين أحيانا . وفي مرحلة أخرى تشتد المراقبة على الطفل بحيث لا يصح له أن يصدر أحكاما في حق والديه ، وإلا تعرض للعقاب الجسدي ، و مع تقدم سنه يستحيل على الطفل أن يتخد مواقف شخصية وواعية أو تحسين وضعه داخل الجماعة ، لدرجة أنه يبقى معولا على والديه لدرجة تتكفل بتزويجه أحيانا في سن المراهقة ، وباختيار عشوائي لرفيقة حياته، لكن هذه التنشئة الإجتماعية حسب القباج لا تسري على الكل ، بل تختلف حسب مستوى العائلة و انتماءاتها السياسية و الإقتصادية و العقدية .

فالطفل المغربي مباشرة بعد الإستقلال 1956 و المراهق و الراشد أيضا أصبح يمارس عليه تعنيف أشد ضراوة ، من قبل وسائل الغتصال المستعارة من الخارج ، خاصة التلفزة الذي أدى تدخلها إلى تسطيح الإنتاج الثقافي ، ومعاملة الإنتاجات على حد السواء ، وراحت تكتسح كل انحاء العالم بجعلها تبث خطابا كونيا لا يأخد بعين ال‘تبار الفروق بين الثقافات و الذهنيات ، كما أن استمرار الأطفال في مشاهدة التلفزة يُساهم في انخفاض معدل الذكاء بالنسبة لهم .

إذن ، هناك تناقض واضح بين التنشئتين التقليدية و المترتبة عن وسائل الإتصال ، فالأولى تحصل في ظل ثقافة أصلية متفردة أما الثانية فهي قائمة على مثاقفة تعني انسلاخا ثقافيا و أيضا اكتساحا لثقافة أخرى هي الاكثر نظارة ، لكن الثقافة الأصلية تمكث في عمق صاحبها رغم ذلك ولايمكنه أن يلفظها إلا بتغيير وسطه .

إن الدول التي تعرضت لاكتساح الثقافات يحمل الفرد فيها شخوصا متعددة بما يعني فقدانه لكل شخصية ، كما أن التنشئة التقليدية تعتمد على الدمج بينما الثانية تزاول هتكا حادا يؤدي إلى حالة اتساخ عقلية و عاطفية قد تستعمل لصالح السياسة أحيانا ، كما ان التنشئة التقليدية تعزز شيوع أسطورية غيبية تتحكم في مصائر الناس بينما تنشئة تقنيات الإتصال تؤدي إلى أسطورية الحظ و غيرها من التناقضات ...

إن معظم الإنتاجات في تقنيات الإتصال الحديثة تكون بلغات متعددة ، وهي حثما تجعل اللسان هجينا بدوره ، فالتعدد اللغوي ليس دائما مفيدا، لكونه يؤطر محيط الطفل منذ ولادته تتجاوز التأثير العقلي تخترق على الشخص صميميته ، كما ان وسائل الإتصال في البلدان المتخلفة تمثل مساسا بالأفراد لكونها ليست خاضعة لبرنامج أو تخطيط له أهداف ومن المستحيل تدارك الموقف إلا بإنشاء " خلية علمية للبحث " مهمتها تحديد الدور الذي ينبغي أن تؤديه التقنيات التواصلية ، وهذا مشروع يتطلب جهدا فائقا و يقضة مستمرة حسب القباج .

لكن إلى جانب تقنيات الإتصال هناك المدرسة التي تقوم بدور إضافي في تربية و تنشئة الفرد ، فبينما الأسرة تمثل الوسط الطبيعي لتلك التنشئة ، فإن الإلتحاق بالمدرسة يعتبر مرحلة في نمو الفرد حيث فيها ينخرط في معارف العصر و يكون شخصيته ، و تسعى إلى الحفاظ على التراث وتقاليد المجتمع و قيمه ، تدعيما للروابط الإج تماعية بين الأفراد و تماسك بنية الامة بواسطة مجهود علمي ، في البحث و التلقين ، حتى أصبحت المدرسة الضد المقابل لكل ماهو سطحي متهافت و متحول ، لكنها تعيش حاليا انعزالية مستمرة نتيجة التطور السريع للتكنولوجيا ، خاصة من وسائل الإتصال التي فتحت الأبواب اماو تغيير ممكن للمدرسة و إرغامها على الخروج من عزلتها .

إن وسائل الإتصال راحت تتيح لكل فرد إمكانية الحصول على المعارف و الخبرات ووسعت دائرة استعمالها القوة العقلية من ذكاء و ذاكرة ، مما ساهم في تطوير هذه القوة منذ الطفولة المبكرة ، غير أن وسائل الإتصال هاته و كما أشرنا سالفا تحكمها خصوصيات تجعل خطورتها أشد على التنشئة الإجتماعية للفرد ، لدرجة أنها أصبحت مقلقة ، وجعلت المدرسة لا تعترف بها مما دفع بوسائل الإعلام إلى تنصيب نفسها انها تعمل على توصيل المعرفة المعاصرة و الوتطورة في مقابل ما تقدمه المدرسة من معرفة متجاوزة مرتبطة دائما بالماضي ، وهذا مادفع بالمدرسة دوما إلى تغيير محتوى تعليمها وتغيير مناهجه و طرق التبليغ و التدريس ، إذن هناك إشكالية حقيقية وصراع قائم بين رجال التعليم ورجال وسائل الإتصال ، لكن مع بزوغ التربية الحديثة و ظهور مفهوم " البيداغوجيا المتفتحة " تهدف إلى إخراج المدرسة من عزلتها ، و يجعلها تستفيد من مستحدثات الفكر و العلم والتكنولوجيا ، فحاولت المدرسة إثر ذلك استعمال جميع التقنيات التي بإمكانها خدمتها سواء كانت سمعية أو بصرية ، وإدماج وسائل الإتصال في تكوين المعلمين و الأساتذة و إحدات مصالح خاصة ك " التلفزة المدرسية " إذ تفتحت المدرسة على الصحافة حتى أصبح استعمالها كمساعد بيداغوجي ، أي كأداة لتلقين دروس التوعية المدنية و تلقين أساليب الخبر و التعريف بدور و سائل الإعلام المرئية و المقروءة و سلطة الصحافة والصناعة الصحفية ...كلها تربية طويلة و شاقة لكنها مفيدة .

إن الصحافة و سيلة إعلامية مكتوبة ما زالت محدودة الإنتشار أمام تأثير الإذاعة و التلفزة ، ورغم ذلك كان السبق لهاتين الاداتين الإعلاميتين في التأثير على العملية التعليمية و مساعدتها و مدها بوسائل تقنية في التكوين و التدريس . إذن كيف يمكن دمج الصحافة في العملية التعليمية بالمغرب؟

لتحقيق ذلك طرح القباج مجموعة من الإقتراحات كاستعمال الصحافة أداة منهجية ( بيداغوجيا ) و أداة مساعدة ( ديداكتيكيا ) لمادة التربية الوطنية مثلا باعتبارها مادة تجمع بين جميع القضايا التي من شأنها أن تمنح التلميذ و الطال أفكارا عدة .

إن استعمال الصحافة كأداة ديداكتيكية في مادة ، تشكل المساعد العقلي لاستيعاب المواد الدراسية الأخرى و التفتح وبث روح الإبتكار ، مع أهمية الإرتكاز على التطور العرفاني للكائن البشري حسب السيكولوجيا الإرتقائية لجان بياجيه ، أو النمودج الذي يركز على التطور الوجداني للكائن البشري حسب فرويد ، وهذا سيوسع من آفاق المدرسة حثما .

ويعرج بنا محمد مصطفى القباج نحو دراسة أخرى تتعلق بحقوق الطفل بين التراث العربي الإسلامي و الميثاق الدولي الجديد ، حيث رأى أن التراث في معناه الحقيقي و الواسع جزء من كياننا المستمر ، يشطل هويتنا و يحيا معنا ، وأن الوفاء له يسمح بصياغة فلسفة للتربية ، لذا فاحترام التراث شرط لإبداع نمط جديد للتنمية ، مع أهمية التعامل مع هذا التراث تعاملا صارما ، غير ان الطفل داخل منظومة هذا التراث قد حظي بحقوق ابتداء من اللحظة التي يقرر فيها الرجل و المرأة الإرتباط بعلائق الزواج ، فالدين الإسلامي أعطى للطفل عناية أزلية سابقة على الولادة ، كما أكد الإسلام أيضا على حق الطفل في الولادة السعيدة ، وفي التسمية الحسنة و العناية الوجدانية القائمة على المحبة و العطف و الحنان ، وأن يتمتع الطفل بحياته كطفل محتاج إلى الرعاية و التربية و حمايته من كل سوء ، فالطفل وديعة الله بين أيدي والديه ، و العدل بين الأطفال داخل الأسرة الواحدة، وحق الطفل في التربية و التعليم ، مما يستوجب الإهتمام بالتجديد التربوي و إكساب الأطفال القدرات لمواجهة كل الأحوال المحتملة إلى غير ذلك من الحقوق التي أولاها الإسلام للطفل ...، وفي مقابل ذلك نجد الميثاق الدولي لحقوق الطفل الذي عمل بعد جهد مضنٍ لإنشائه ، على تأكيد حق الطفل في الحياة و ضمان بقائه و توفير شروط نمائه و احترام هويته و حقه في التعبير عن رأيه و أن يضمن المجتمع للطفل حرية الفكر و الإنتماء الديني في حدود تشريعات البلد ، وعلى و سائل الإعلام أن تنشر ما يضمن سعادته و معرفته بالشعوب ، مع احترام ثقافته و حمايته من الإعلام المغرض و أدواته ، و العيش المناسب ، و تالحق في التربية و التعليم ، و حمايته من قبل الدولة إلى غير ذلك ...

إن محاولة التحليل المعمق سيكشف عن أن الميثاق يقوم على فلسفة تربوية تتعارض كاملا مع المعطيات التراثية ، فالميثاق مثلا يثبت بان الطفل مواطن ، أي إنسان مكتمل الشخصية و بالتالي معاملته على قدم المساواة مع الكبار ، أي مسؤول عن أفعاله و أنه محط الثقة .

إن الميثاق يتضمن اختلالات منطقية بين صورة الطفولة و لائحة الحقوق التي تقرها اللوائح القانونية للميثاق ، و بالتاي تجريد أغلب الناضجين من كل الأدوار التربوية و ربما حتى التعليمية على حد تعبير الكاتب ، إن النيثاق نص علماني و ثوري . لكن كيف نوفق بينه و بين التراث ؟

إن هذا التحدي لن يتحقق إلا بفتح باب الإجتهاد الذي لايمس النص القرآني مادام مشروع بالنسبة لغيره من النصوص و النحل و الإجتهادات و الممارسات ، في مواجهة للميثاق الذي يدخل في إطار لا يتماشى مع الإطار الثقافي الإسلامي رغم ان بعض الدول الإسلامية صادقت عليه و أصبح ملزما لها .

ABDELHAMID
09-02-2008, 11:50
شكرا على الموضوع الشيق

moaalim
09-02-2008, 14:02
مشكورة أختي شهرزاد على المقال الهام
جزاك الله خيرا

casamorino
20-02-2008, 10:59
شكرا على الموضوع أختي الكريمة

amigostri
20-02-2008, 13:12
موضوع مميز شكرا
ان شاء الله ستتم مناقشة هذه المواضيع لاحقا في الغرفة الصوتية

tiama
20-03-2008, 12:17
جزاك الله خيرا