المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اكتشاف الذات


akchmir
15-11-2008, 23:23
عندما أكتشف ذاتي ما الذي سيستجد؟؟
سؤال يطرحه بعض الناس وهم يتناسون أنهم يحملون في داخلهم كينونة إنسانية هي من التعقيد الشيء الكبير…
هذا العلم نبغ به الغرب لإحساسه –حسبما أعتقد- بفراغ نشأ داخليا في ذات كل إنسان هناك، قد يكون جزءا من الحل الذي ينشدونه ولكنه يبقى جزءا، فما بالنا نحن المسلمين المالكين لجوانب النشاط الروحي بين جوانبنا لا نعبأ بالواقعية التي تفوق الغرب بها علينا…….
المشكلة تكمن –والله أعلم- في أننا في جوانب تربيتنا نركز على بناء الإنسان المسلم المدعم بالنظريات ولانبني في معظم الأحيان ذلك الإنسان المسلم الواقعي الذي يستمد من تلك النظريات التي يحملها واقعا مناسبا له يملك أبجديات التعامل معه وإنما نترك له التشتت هنا وهناك بين صراعات يمر بها كإنسان يعيش على ظهر هذه المعمورة وبين إنسان هو بكل فخر صاحب رسالة.
من خلال احتكاكي بكثير من الشباب-وهم عماد الأمم- وجدتهم أبعد ما يكونون عن معرفة أنفسهم فكيف بهم يدخلون بحر تغيير الأنفس والآفاق؟؟…
مرحلة اكتشاف الذات هي مرحلة خطيرة لأنها ترسم مسار الإنسان في رحلته على هذه الأرض… هذه المرحلة تتطلب من الإنسان أن يوقظ نفسه بمعنى أن يتوقف لفترة قد تطول أو تقصر عن مجاراة هذا العالم المضطرب… لحظات تطلب منه طرح أسئلة معينة على النفس:
من أنا ؟؟
ماذا أفعل في هذه الدنيا؟؟
ماذا أعرف عن نفسي؟؟
لماذا خلقت؟؟
كيف أريد أسلوب حياتي أهو بعيدا عن الناس أم وسط زحمة هذا العالم أم في عداد حاملي الرسالات؟؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير –الذي يتفاوت من شخص لآخر- يحمل لنا العديد من الإجابات المريحة التي تضع النقاط على الحروف في نفوسنا!!
إنسان في وسط هذا العالم الصاخب وجد نفسه في غربة لظروف كانت قاهرة-وإن كان الإنسان في معظم الحالات هو المسؤول عن ظرفه لأنه من صنعه- ، كان يحمل بين جوانبه خلفيات(نظرية) بسيطة عن دينه وعن أصدقائه وعن أهله وعن كل شيء ولكن لاوجود لشيء عن نفسه!!
وجد نفسه يضطرب بإضطراب هذا العالم ، وجد نفسه يقع في تحديات خطيرة لولا الله لتفتت شخصيته ، ووجد نفسه يجاري هذا العالم في عبثه.. في وقت ما شاءت العناية الإلهية أن يتوقف ويبتعد عن عجلة الزمان لبعض الوقت وكان هذا هو المفترق الخطير في حياته…
وتوقف وتوقف و طالت وقفته ولكن بعد ذلك ولد من جديد أدرك من هو(؟) وأدرك ما دوره وأدرك الكثير –وليس كل شيء لأنه لاوجود للكمال هنا-عن نفسه وأقول أدرك ولا أقول عرف لأن المعرفة بالشيء لاتولد القيام به كما في حالة الإدراك والاستيعاب…ما الذي حصل هنا؟؟
ما حصل هو معرفة الأنا وفك لغز هذه الكينونة الداخلية بكل بساطة…
مصطلحات ضخمة أليس كذلك؟؟
ولكنها بسيطة إذا أردنا سبر أغوارها…
هي قصة شاب أعرفه حق المعرفة، ولكنه تحول إلى إنسان أجاد فن التعامل مع نفسه وبالتالي مع الآخر…… دعونا ندخل في صميم هذا الشاب……
ولكي نعطي للموضوع بعدا آخر سنترك الشاب يروي لنا رحلة اكتشاف ذاته بنفسه!!
دخلت الجامعة ووجدت نفسي في عالم يدور وأنا لا أدرك دورانه لجهلي ولبساطة فطرتي… الخجل يلفني والرعب من المستقبل القادم يضرب طوقا حولي والمجتمع الذي حولي يفرض نفسه علي… لن أقول بأنني كنت كاللقمة السائغة لمن حولي ولكن كنت أنا تلك اللقمة بعينها… جهلي بالتعامل مع الواقع الذي أعيشه كان دائما يؤثر سلبا على نفسيتي… ضغطي يرتفع كلما تعرضت لأزمة ما… ثقتي بنفسي بدأت بالتلاشي بعد كل انهيار عصبي… كنت أعتبر نفسي حاملا لرسالة ما ولكن كان الواقع المؤلم يمنعني من أداء هذه الرسالة لأنه تفوق علي وأحكم سيطرته على الموقف وبدأ الاستسلام كرد فعل منطقي…..
في ذاك الوقت كان يتردد على مسامعي من الداخل صوت قوي يخرج من أعماق غائصة في نفسي وهي تسألني لماذا الاستسلام فقلت لها وماذا تريدين مني أن أفعل تجاه هذا الواقع فقالت اكتشفني!!!
وقفت مدهوشا لهذه الكلمة التي وقعت على مسامعي وترددت في أصدائي للحظات عديدة ، اكتشف ذاتي؟؟ ما هذا المصطلح؟؟
بعدها بأيام عزمت على البدء، كثير من تصرفات الفرد يكون منشؤها ردات الفعل وغالبا ما تكون هذه الردات سلبية في اتجاهها ومسيطرة في طرحها إلى حدود تمنع العقل من الرؤية الشاملة للنقطة، وقمت بإصلاح الخلل والبعد عن الردات ولكن ينقصني التوازن الذي سيكون هو الميزان لوزن الأمور وتجنب الإفراط والتفريط. هذه النقطة وهي التوازن حصلت عليها أثناء قراءتي لكتاب في تربية الطفل.كان هذا الكتاب يعتمد على منهاج التوازن للدلالة على فلسفته، فلقد كان يعرض الموقف ويعطي الحل لهذا الموقف تارة في أقصى اليمين وتارة في أقصى اليسار وإذ بالحل المتوسط والمتوازن يظهر لوحده في المنتصف. من هذه الفلسفة تعلمت هذا المبدأ وأدركته وبدأت تطبيقه عمليا في كل موقف يواجهني وبالتالي أًصبح خلقا لأن الخلق هو عادة الفعل…
كذلك كانت هناك العقد المتأصلة في النفس من تجارب الماضي وكان لي معها معارك شتى لمحوها، لا يخفى على القارئ ما لهذه العقد من عظيم تأثير على تفكير الإنسان ولذلك كان النسيان والتفكير لأننا نعيش هذه اللحظة وليس الماضي، فالماضي لا يجب أن يكون له ذلك التأثير السلبي على عقلية الفرد لأن الماضي وجد لكي يتخذ الإنسان منه العبر والمواعظ لا أن يؤثر في حياته فينحى بها منحى آخر…
هذه النقاط الثلاثة قادتني نحو التفكير الموضوعي وإدراك أساليبه وبالتالي الدخول إلى عالم النفس بكل صدق وواقعية ، أي أن المزيج الذي ظهر من تلك المكونات الثلاثة (طرد ردات الفعل، التوازن، محي العقد)أكسبني قدرة على التعامل بموضوعية مع نفسي. فصارت الحقيقة جلية أمام ناظري عندما أحكم على فعلي الذي قمت به…
وهكذا مع قليل من الصداقة مع النفس وكثير من التقوى والصلة بالله والشفافية صرت أستطيع توجيه اللوم مباشرة إلى نفسي إن أخطأت دون التحرج من نفسي في ذلك وبالتالي توطدت العلاقة مع نفسي مما فتح الباب أمامي في الدخول إلى عالمها الرحب والبدء في اكتشافها……
بداية حاولت التعرف على الأمور التي تجعلني متوترا ومكتئبا وكتبتها على الورقة، وبدأت بتفنيد كل منها على حدة ومع المصارحة والحوار الداخلي أمكنني القضاء على المحبطات لأنها من الأمور الصغيرة التي لا يجدر بنا الاهتمام بها لأنها صغائر، هذه النقطة بدأت ألمس تأثيرها على علاقاتي مع رفاقي ، فلم أعد أهتم بتلك القضايا الصغيرة التي تنشأ بين أصحاب الجيل الواحد(لنقل الأنداد) مما انعكس إيجابا على علاقاتي الاجتماعية…
وهكذا سبرت أغوار نفسي وتعرفت عليها وتوطدت علاقتي مع ربي وفتحت لي آفاق أخرى في الاتصال مه بني البشر…………………
هذه القصة أو السيرة الذاتية التي نقلها لنا صاحبها تبين لنا الكثير عن أهمية الاكتشاف الذاتي…
فكما رأينا أدى الاكتشاف الذاتي إلى علاقة رائعة في شفافيتها مع رب العالمين ومع بني البشر ومع النفس نفسها في إصلاح أمورها…
النقطة التي تلي الاكتشاف الذاتي هي مجال العلاقات الاجتماعية وعلاقة العبد مع ربه وعلاقة الإنسان بواقعه ومجتمعه:
أولا: العلاقات الاجتماعية: كما قال صاحبنا فإن التخلص من العقد المتأصلة في نفوسنا سيفتح أمامنا المجالات المتنوعة لعلاقات أرحب مع الآخر… فعندما مثلا تضع في ذهنك هذه المقولة(عند تعاملك مع الآخرين ، تعامل معهم منطلقا من لحظتك التي تعيشها الآن ! ولا تجلب الماضي البائس)، هذه المقولة لو طبقت من بعض بعض بني البشر لكان الحال مختلفا!!
وعندما نتعامل مع الآخرين بإطار أننا عندما نخدمهم (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) لأن الأجر من عند الله فإن الفارق يظهر كالشمس في وسط النهار، ولكن! مع تطبيق التوازن نجد أننا عندما نتعامل بهذا التجريد سينشأ تعامل جاف في بعض جوانبه باعتبار أننا لا ننتظر الجزاء ، لذلك كان لزاما علينا أن نفهم الصورة التالية:
عندما نعطي شخصا ما عطاء ما -بغض النظر عن ماهية هذا العطاء- ونذر أنفسنا أصحابا للعطاء فإننا بعير قصد نطبق أقصى درجات الأنانية لماذا؟؟
لأنك عندما تعطي وتعطي ولاتترك الفرصة للآخر لكي يعطي فإنك تحرمه من العطاء هو الآخر، لأنك عندما تعطي فهذا يدل على وجود مقدار معين من المحبة عندك تجاه الذي تعطيه… الآن انقل (الكاميرا) أو المنظور إلى الطرف الآخر وضع نفسك في مكانه، ستجد نفسك آخذا للعطاء ولكنك لا تستطيع أن تعبر للذي يعطيك ذلك الحب الذي يغلف علاقتك به؟؟
شلل نصفي أليس كذلك؟؟؟
تأخذ وتأخذ دون أن تستطيع التفكير ولو للحظة بالعطاء لكي تعبر لحبيبك عن حبك له، لجهل حبيبك بأبجديات العلاقة المشتركة بين الإنسان!!!
من هذا المثال الحي الذي يفسر الكثير من المشاكل التي تحدث في البيوت بين الزوجين ، تستطيع أن تقدر ما لنظرية التوازن من أثر ساحر، كيف؟؟
تملي علينا نظرية التوازن في هذا الموقف أن نكون أصحاب عطاء وأيضا أصحاب أخذ وذلك لكي نترك الفرصة للإنسان الآخر لكي يعبر عن حبه الإنساني لنا وهي حاجة فطرية فينا نحن البشر لأننا بحاجة إلى التعبير عن حبنا للآخر وهذا الحب يتخذ أشكالا عديدة منها العطاء……أكتفي بذكر المثالين السابقين لأنني أعتقد بأنهما وضحا الصورة جيدا…………
ثانيا: علاقة العبد مع الرحمن الرحيم، بسبب الاكتشاف الذاتي سوف تقوى علاقتك مع الله، كيف؟؟
عندما تطبق نظرية التوازن في سبر أغوار نفسك ستتعرف على الجوانب المادي في حياتك ونظيرتها الروحية ، وهنا سوف تبحث عن مدى الاتزان الحاصل في نفسك ، فلا يخفى عليك أخي القارئ كم سلبتنا روحانيتنا وشفافيتنا مع ربنا وأسرنا ومجتمعنا هذه المادية التي نعيشها، ولذلك كان التوازن لكي يعيد الأمور إلى نصابها ويحفظ حالة من الاتزان، لذلك كان حريا بكل واحد منا أن يزود كينونته النفسية بجهاز إنذار يعلمه بأي خلل
في ذاك التوازن الذي نرتضيه لأنفسنا(وكذلك جعلناكم أمتا وسطا لتكونوا شهداء على الناس)………
من ناحية أخرى، عندما أحقق الاكتشاف الذاتي سأصل إلى الأجزاء الناقصة في علاقتي مع ربي وأبدأ بعملية البناء لكي أنهض ببناء أقوي، بمعنى أنني مثلا قد أجد عندي نقصا في حفظ القرآن الكريم مما يعني بسبب معرفتي بنفسي وعلاقتي الصادقة معها سيكون لزام علي أن أحسن هذا الجانب، أيضا عندما أشعر بنقص في عدد مرات الاستغفار اليومية سيكون لزاما علي أن أزيدها لأنني أعلم الداء وبيدي أصبح الدواء ، وكذلك ينطبق الأمر على قيام الليل وقراءة القرآن….هذا من الناحية التعبدية ،، أما من ناحية أخرى،فإنك مثلا بعد أن اكتشفت نفسك وجدت أنك تميل يإتجاه العلم في المجال الهندسي مثلا، فلذلك سوف ينصب اهتمامك على الإبداع في هذا المجال لأنك صاحب رسالة وفي نيتك أنك تعبد رب الأرباب بسعيك إلى خدمة الإسلام في مجالك هذا ، وهكذا في العديد في الأمور الحياتية…………
ثالثا: ضغط الدم، الذبحة الصدرية، الإحتشاء القلبي ومن ثم الوفاة……
نهاية مأساوية لإنسان القرن العشرين…لماذا؟؟
من أجل نقاش حاد أو من أجل مأزق معين أو من أجل صراع في الشركة بين المدراء أو من أجل………الخ.
هذه هي المأساة ، تخيل عدد العضلات التي تقوم أنت بإرهاقها عندما تنتابك نوبة توتر ، أحصها على أصابعك:
1.شد في عضلات الرقبة.
2.الصداع
3.ظهور العقد في الجبين
4.تصلب في عضلات الرقبة
5.شد في عضلات الفكين
6.انحناء الكتفين
7.شد في العضلات الخلفية
8.وجع معدي
9.بشكل تلقائي يتم جذب الساعدين إلى منطقة البطن مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس نتيجة الضغط على الحاجب الحاجز.
لهذه العضلات الحق في أن تشكيك لربها!!!
هذا بالطبع غير المشاكل الداخلية كالصداع وخفقان القلب السريع والإسهال وعسر الهضم والإمساك والأرق والتعب والتفشش بالأكل وضعف الذاكرة وجفاف الفم وعدم القدرة على التركيز والأيدي الباردة وغيرها الكثير ، يا لطيف!!!!
لماذا كل هذا ياعبدالله؟؟؟
سيساعدك اكتشافك لذاتك على تطوير مقدرتك النفسية على مقاومة التوتر والقلق والاكتئاب…
عندما تستوعب وتدرك بأنه يجب عليك أن تعيش في حدود يومك فقط! فهذا يعني عدم إشغال نفسك بأمور تريد أنت أن تستبق أحداثها، حاول إسعاد نفسك الآن لا تهتم بشأن البحث الذي سوف تلقيه غدا مثلا ، كل ما يجب عليك هو أن تخصص له وقتا معينا وكفى…
لكن بتطبيق نظرية التوازن لا أقول بمنعك عن التفكير بالمستقبل لأنه من حقك التفكير بذلك المجهول ولكن لا تدع الأمر يتجاوز حده ووقته…حاول أن تبتسم الآن..
مثال آخر: لديك ظروف عجيبة تمنعك عن التأقلم معها، تقف وتركض بعيدا أم تشعر نفسك بقوة التحدي وتتحدى الظروف ، وتصنع من الليمون شرابا حلوا(الغزالي)!!!
التخطيط وإدارة وقتك كل ذلك يساعدك على حياة صحية في هذا العالم المضطرب، قم بتحديد أولوياتك وأعطها سلما من الأفضلية ولا تنسى وجود الكثير من الأمور الغير مهمة، وضعها على الورقة فمع الورقة والقلم يحلو السمر…
عندما تصيبك مشكلة ، لا تفكر في المشكلة فقط فكر في المقدمات التي تدركها عن المشكلة وعندما تحيط إحاطة جيدة بهذه المقدمات توكل على الله وابدأ في حل المشكلة انطلاقا من المقدمات التي تعرفها تمام المعرفة فأنت لها يا عنترة…
عندئذ ستصل إلى النتيجة بعد توفيق الله لك……
هذه بعض الأمور التي تفيد في حياتنا اليومية كبشر نعيش على ظهر هذه المعمورة……
وأنا أرى أن تتكامل هذه العلوم الإدارية النفسية مع مناهج التربية التي يضعها الأخصائيون لكي تعطينا إنسانا صالحا ومصلحا قادرا على التعامل مع واقعه بكل ليونة وديناميكية من منطلق خلفية ثقافية إسلامية,,,,,,,,

بقلم: حسام

akchmir
15-11-2008, 23:57
إن من نعم الله على العبد أن يهبه المقدرة على معرفة ذاته، والقدرة على وضعها في الموضع اللائق بها، إذ أن جهل الإنسان نفسه وعدم معرفته بقدراته يجعله يقيم ذاته تقيماً خاطئاً فإما أن يعطيها أكثر مما تستحق فيثقل كاهلها، وإما أن يزدري ذاته ويقلل من قيمتها فيسقط نفسه. فالشعور السيئ عن النفس له تأثير كبير في تدمير الإيجابيات التي يملكها الشخص، فالمشاعر والأحاسيس التي نملكها تجاه أنفسنا هي التي تكسبنا الشخصية القوية المتميزة أو تجعلنا سلبيين خاملين؛ إذ إن عطاءنا وإنتاجنا يتأثر سلباً وإيجاباً بتقديرنا لذواتنا، فبقدر ازدياد المشاعر الإيجابية التي تملكها تجاه نفسك بقدر ما تزداد ثقتك بنفسك، وبقدر ازدياد المشاعر السلبية التي تملكها تجاه نفسك بقدر ما تقل ثقتك بنفسك.



إن حقيقة الاحترام والتقدير تنبع من النفس؛ إذ أن الحياة لا تأتي كما نريد فالشخص الذي يعتمد على الآخرين في تقدير ذاته قد يفقد يوماً هذه العوامل الخارجية التي يستمد منها قيمته وتقديره وبالتالي يفقد معها ذاته، لذا لابد أن يكون الشعور بالتقدير ينبعث من ذاتك وليس من مصدر خارجي يُمنح لك. والاختبار الحق لتقدير ذواتنا هو أن نفقد كل ما نملك، وتأتي كل الأمور خلاف ما نريد ومع ذلك لا نزال نحب أنفسنا ونقدرها ونعتقد أننا لا زلنا محبوبين من قبل الآخرين. فلو اخترنا لأنفسنا التقدير وأكسبناها الاحترام فإننا اخترنا لها الطريق المحفز لبناء التقدير الذاتي.


العلاقة بين تقدير الذات والنجاح:

هناك اتفاق بين الباحثين عن وجود علاقة بين تقدير الذات والنجاح، ولكن الاختلاف القائم هو عن طبيعة هذه العلاقة، فهل لابد أن يكون الشخص متفوق في تحصيله العلمي لكي يكون لديه الإيجابية في تقدير ذاته. أو أن الثقة بالذات تسبق التفوق العلمي. والحقيقة أنها علاقة تبادلية، مع أنه لابد من الاعتراف بأن الاعتداد بالذات مطلب لكي يتم التفوق في الحقل العلمي، وهذا التفوق بالتالي يؤدي إلى زيادة الثقة بالذات. فالكل منهما يغذي الآخر.

صفات نقص الذات:

تشير الدراسات أن قرابة 95% من الناس يشكون أو يقللون من قيمة ذواتهم وهم بهذا يدفعون الثمن عملياً في كل حقل يعملون فيه، فهؤلاء الذين يقارنون أنفسهم بالآخرين ويعتقدون أن الآخرين يعملون أفضل منهم وأنهم ينجزون ما يسند إليهم بيسر، فهم بهذه النظرة يدمرون ذواتهم ويقضون على ما لديهم من قدرات وطاقات. وقد يؤدي بهم ذلك إلى الاكتئاب والقلق وكثير من حالات الاكتئاب والانتحار لها علاقة بالازدراء الذاتي. وجيمس باتيل (1980م) كان من الأوائل الذين قرروا قوة الترابط بين الاكتئاب والازدراء الذاتي، فلقد اكتشف إنه عند ازدياد الاكتئاب؛ فإن تقدير الذات يقل، والعكس بالعكس ولهذا من العلاج لحالات الاكتئاب تنمية المهارات الفردية في رفع مستوى تقدير الذات والمحافظة على الحالات المزاجية لديه.

صفات الواثقون في ذواتهم:

الأشخاص الواثقون من ذواتهم تجدهم سريعين في الاندماج والانتماء في أي مكان كانوا، فلديهم الكفائية، والشعور بقيمتهم الذاتية وقدرتهم على مواجهة التحدي، ولقد أظهرت الدراسات أن هؤلاء الأشخاص الأكثر قدرة على السيطرة على أنفسهم والتحكم في حياتهم هم الأكثر إنتاجية، والأكثر سعادة ورضى بحياتهم، وليس بالضرورة أن يعتقدوا أنهم الأفضل فهم ليسوا ملائكة وليسوا كاملين، ولا يملكون أداة سحرية لذلك؛ ولكنهم متفائلون وواقعيون مع أنفسهم، وأقوياء في مواجهة عثرات النفس.

ومن البديهي أنهم لا يتحكمون في كل شيء ولكنهم يتحكمون في مشاعرهم واستجاباتهم اتجاه القضايا والأحداث. ولا يشترط لهذه الاستجابة أن تكون دائماً إيجابية؛ ولكن لا بد أن تكون مستمرة، فبناء النفس رحلة طويلة شاقة، قد تواجه الأشواك والهضاب والتلال وتواجه السهول والأودية ولا بد من الارتفاع والانخفاض في هذه الرحلة الشاقة، وإن أردت أن تنجز هذه الرحلة بنجاح فاستمر في المسير ولا تتوقف حتى تنتقل من بيئتك إلى بيئة أكثر سعادة واستقرارا. ولا شك إن نهاية الرحلة ممتعة تنسيك آلام السفر والتعب، فلا تتوقف عن السير.

طرق تنمية تقدير الذات:

يؤثر تقديرك لذاتك في أسلوب حياتك، وطريقة تفكيرك، وفي عملك، وفي مشاعرك نحو الآخرين، وفي نجاحك وإنجاز أهدافك في الحياة، فمع احترامك وتقديرك لذاتك تزداد الفاعلية والإنتاجية، فلا تجعل إخفاقات الماضي تؤثر عليك فتقودك للوراء أو تقيدك عن السير قدما، أنس عثرات الماضي وأجعل ماضيك سراج يمدك بالتجارب والخبرة في كيفية التعامل مع القضايا والأحداث، إذ يعتمد مستوى تقديرك لذاتك على تجاربك الفردية. وهذه بعض الطرق الفعالة والتي تساعدنا على بناء أنفسنا إذا نحن استخدمناها. ومن المهم أن نعرف أننا نستطيع أن نختار الطريق الذي نشعر معه بالثقة ونستطيع من خلاله أن نعبر عن ذاتنا والذي بُنيته وأسه مشاعرنا.

لمن أراد أن يحسن صورته الذاتية أن يكون مدرك لوضعه الحالي وعلاقته بنفسه ورؤيته لنفسه، فأجعل لك عادة وهي الملاحظة المنتظمة مع نفسك وأنظر كيف تنظر إليها دائماً من وقت لآخر. فالأشخاص الذين يزدرون أنفسهم عليهم أن يتعهدوا أنفسهم من وقت لآخر وأن يغيروا نظرتهم السودائية نحو أنفسهم، وهنا يتحتم عليهم أن يتزودوا بالعلم والمهارة اللازمة ليتقدموا إلى الأمام. فمعظم الأشخاص من غير شعور يتبعون المخطوطات التي كتبت في عهد الطفولة بدون تحليل أو تحدي. إن أرادوا التغير عليهم أن يمزقوا هذه الموروثات السلبية، ويزيلوا ما علق في أذهانهم من ترسبات الطفولة والتي تؤسس عدم احترام النفس واستحقار الذات، لا بد من إظهار التحدي لهذه الأساطير المورثة التي مجدت الخوف، وعظمت الآخرين لدرجة استحقار الذات وجعلتنا سلبيين منزوعي الإرادة.

• لا بد أن نضع هناك خطوط زمنية في حياتنا، ونقاط انتقالية معروفة، وعلامات واضحة لتقييم مسيرتنا في تطوير ذواتنا، عند هذه النقاط نلحظ هل نحن إيجابيين أم سلبيين، هذه المعلومات التي نتلقفها ونحملها بين جوانح أنفسنا هل تعطينا تصور واضح عن حقيقة أنفسنا، إن المأساة الحقيقة للذين يزدرون أنفسهم هو جهلهم بحقيقة أنفسهم، فهم لا يعرفون قدراتهم، ولا يدركون أبعاد إمكانياتهم. وكثير من هؤلاء من يصاب بالذهول والدهشة عند حصول بعض المعرفة عن نفسه وعن الإمكانيات والقدرات التي يملكها. إننا لا بد أن نحاول اكتشاف أنفسنا ونعرف حقيقتها حتى نحكم عليها فكما قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا جهلنا أنفسنا فلا بد أن تكون أحكامنا على ذواتنا خاطئة، وتصرفاتنا وسلوكنا مع أنفسنا غير صائبة وهنا يكون الظلم لهذه النفس التي هي أمانة عندك.

اكتب ما تريد تحقيقه،وضع الأهداف لتحقيق ما دونت، واجعل هنا وقت كاف لتحقيق هذه الأهداف، وهنا ملحظ ضروري لابد من ذكره وهو الحذر من التثبيط واليأس عند الإخفاق في محاولة تحقيق الأهداف، فلا شك إن الإنجازات الرائعة سبقها إخفاقات عديدة، فقط استمر لتحقيق هدفك مع معاودة الكرة عند حدوث الفشل،استعن بالله ولا تعجز، فالعجز والخور ليست من صفات النفوس الأبية ذات الهمم العالية. المراجعة المستمرة للوسائل المستخدمة لتحقيق هذا الأهداف، فهل هذه الوسائل مناسبة وملائمة لإنجاز الهدف؟ أعد مراجعة أهدافك من فترة إلى أخرى لترى هل حقاً يمكن إنجازها، أما أنها غير منطقية وغير واقعية، أو لا يمكن تحقيقها في الوقت الحاضر فترجى إلى وقت لاحق، يمكنك عرض أهدافك على أحد المقربين لديك والذي تثق في مصداقيته وعلميته فتطلب منه المشاركة في كيفية تحقيق هذه الأهداف، الاستفادة من تجارب الآخرين توفر لك الوقت والجهد. وهنا لا تنس أن تكافئ نفسك عند تحقيق هدف معين، وأكبر مكافئة تمنحها لنفسك هي الثقة بأنك قادر على الإنجاز وتحقيق أشياء جيدة، أجعل تحقيق هذا الهدف يزيدك ثقة بنفسك.

اكتشف اللحظات الإيجابية، اقض بعض الوقت مع نفسك في التركيز فيما لديك وفيما أنجزت، وليس فيما تريد أو فيما تفكر أن تنجزه أو تفعله. افتخر بنفسك عندما ترى إنجازاتك، واحذر من الغرور والكبر، افتخر بنفسك بالقدر الذي يجعلك تقدر وتحترم ذاتك، وبالقدر الذي يمنحك المضي قدماً لتحقيق أهدافك؛ بقدر ما تستطيع أحرص على استغلال الظروف الإيجابية؛ فاستغلالك للأوقات الإيجابية تمنحك طاقة للقضاء على الأوقات السلبية أو غير المنتجة في حياتك.

كن مشاركاً فعالاً، فالنشاط العملي ضروري جداً لبناء الذات، والاتصال بالآخرين عامل أساسي لتطوير النفس وإكسابها الثقة، فالمشاركة مع الآخرين قضية أساسية لتكامل الذات، وهي كالرياضة للجسم، فعند ممارسة الرياضة فإن الجسم ينتج كيمائيات، ويطلق هرمونات تساعد على ارتياح وهدوء العقل، كذلك الممارسة الفعالة مع الآخرين ومشاركتهم أعمالهم تمنح النفس الارتياح، والشعور بالرضا. هنا لا بد أن تكون المشاركة مع أناس فعّالين نشيطين، يملكون الإيجابية مع ذواتهم، قادرين على منحك الثقة بذاتك واستنهاض الإيجابيات لديك، فمعاشرة الكسالى والخاملين يكسب المرء الخمول والكسل. والطباع تنتقل بين الناس عن طريق المباشرة والخلطة فإن أردت أن تكون فعّال، فأبحث عن ذوي الهمم العالية وأحرص على معاشرتهم فلعلك تكتسب من صفاتهم.

كن إيجابي مع نفسك وحول نفسك، كل تفكير سلبي عن نفسك مباشرة استبدله بشيء إيجابي لديك. إن الذين يعانون من ازدراء ذواتهم دائماً تذهب أفكارهم إلى سلبياتهم ويغفلون أو يتناسون عن إيجابياتهم، فيحطمون أنفسهم ويقضون على قدراتهم وطاقاتهم. ولا يخلو إنسان من إيجابيات وسلبيات فالكمال لله - عز وجل - ، ولكن يظل هناك السعي الدؤوب والمستمر للوصول أو الاقتراب من الكمال البشري. والنظرة السلبية الدائمة للنفس تحول دون الوصول إلى الكمال البشري، فهي تشعر بعدم القدرة ـ وإن بذل ما بذل ـ فيتولد لديه اليأس وبالتالي يتخلى عن بناء ذاته؛ وهذا مزلق خطير.

أعمل ما تحب وأحب ما تعمل، اكتشف ما تريد عمله، وأعمل ما ترغبه نفسك وليس ما يرغبه الآخرون. إن الغالب في العمل الذي تؤديه عن حب هو العمل الذي ينجز ويتم، وثق تماماً عندما تعمل عملاً بدون حب ورغبة أن هذا العمل وإن أنجزته فلن يكون فيه إبداع. وإذا لم تكن قادراً على اكتشاف ما تريد أن تعمله، أو لا تستطيع عمل ما تحبه، فاعمل ما بيدك الآن برغبة ومتعة، أزرع هذه الرغبة والمتعة في عملك حتى تطرد الملل والسآمة وتشعر بالارتياح.

اعمل ما تقول إنك ستعمله، فمن الأمور الأساسية لقيمة الإنسان واحترامه لذاته هو احترام كلماته، والوفاء بعهده. عندما تقول إنك سوف تعمل أمراً فأعمله. إذا كنت حقاً تقدر قيمتك الذاتية فإنك لا تستطيع أن تتفوه بهذه الكلمة وتلتزم أمراً وأنت تعرف في قرارة نفسك أنك لن تستطيع عمل ذلك. إذا رغبت أن تخبر شخص ما بأنك ستؤدي عملاً ما فكن واثقاً بأن لديك الوقت الكافي، والإمكانات والمصادر لعمل ذلك.

كن أنت ولا تكن غيرك، فليس هناك شخصين متشابهين في كل شيء، أفتخر بذاتك فليس أحد لديه كل ما لديك من صفات ومعاني، عش حياتك باحترام وتقدير فأنت تملك شخصية فريدة. انظر إلى نفسك بصورة إيجابية، تأمل الصفات الإيجابية التي تملكها فأنت قد تكون صالحاً صادقاً محباً للخير وتفعل الخير... ابحث عن الإيجابيات التي لديك وتمسك بها.

كن على الوقت في كل شيء، فعندما يكون هذا سلوك دائم في حياتك، تكن ذو شخصية مميزة، ويرى الناس أنك صادقاً في وقتك، حريصاً كل الحرص على تقدير القيمة الزمنية، حينئذ يبدأ الناس يثقون فيك ويكونون أكثر اطمئنانا في تعاملهم معك. قد يبدو لك الأمر ليس بالشيء الكبير؛ لكنه أساسي لكي تبدو قديراً في أعين الآخرين.

اتخذ مسؤولياتك، الشعور بالمسؤولية في الأمور الصغيرة يمكنك بتحمل المسؤولية في القضايا الكبيرة. أشعر بالمسؤولية ولو مع نفسك فإن هذا يمكنك من النجاح، وهذه أولويات سلم النجاح. لا تنظر إلى الآخرين كيف تخلو عن مسؤولياتهم، فهذه سلبية لا تتبع، كن شجاعاً مع نفسك فليس أحد مسئول عن خطئك أو إخفاقك؛ فلا تلم الآخرين بأنهم لم يحملوك المسؤولية، فالمسؤولية تؤخذ ولا تطلب.

حاول عمل أشياء جديدة ودع لنفسك أن تخطئ.

أنشئ توقعات واقعية عن نفسك، وجزء أهدافك الكبيرة إلى أجزاء صغيرة.

أمنح الدعم للآخرين وتعلم كيف تتقبل الدعم منهم

منقول

akchmir
16-11-2008, 12:44
قوة بلا حدود ……………….Unlimted Power
الجزء الأول
استنساخ القدرات المتطورة لدى المتفوقين
تأليف
آنتوني روبينس
ترجمة
كامل السعدون
ما هو النجاح …؟

أن تضحك غالباً …أن تضحك كثيراً…أن تفوز بصداقة الأذكياء واحترامهم لك
أن ترى في عيون الأطفال الإعجاب والتأثر بك ، أن تجد التقييم الصادق من الناقدين الشرفاء
، أن تنجو من نصائح أصدقاء السوء ، أن تجعل من هذا العالم ، قبل أن تفارقه ، أحسن قليلاً مما هو عليه
، من خلال طفلٍ صحيحٍ معافى وسليم العقل ، أو من خلال علاقة جميلة جعلت الحياة أسهل ولو لحبيبٍ أو صديقٍ واحدْ .
في قناعتي ، هذا هو النجاح .

رالف والدو أيمرسون
Ralph Waldo Emerson

الفصل الأول
" ما يملكه الملوك "
-1-

" ليس الهدف الأسمى في الحياة هو المعرفة ، بل الفعل…"
توماس هكسلي

سمعتُ عنه كثيراً ومنذ أشهر عديدة ، سمعتُ أنه شابٌ نابه ، ناجح ، محظوظ ، غني ومبدع .
أردتُ أن أراه ، أن أرى ذلك الذي قيل ، رؤية العين ، وكان لي ، رأيته …تابعته بعناية وهو يغادر أستوديو التلفاز ، ولاحقته لأسابيع عدة وبعينٍ فاحصةْ ، رأيته وهو يعطي آرائه وتوصياته واقتراحاته للناس ، أفراداً وجماعات ، في السياسة كما الاقتصاد كما الرياضة ، وفي كل هذا كان يتحدث عن تطوير الشخصية الفردية وإعادة برمجة المنظومة العصبية .
يتراوح مستوى زبائنه ، بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نزولاً إلى الرياضي المبتدئ في الملاكمة أو الجولف .
رأيته يعقد المؤتمرات ويقيم الندوات ويحاضر في الجامعات ويفتتح الكورسات الدراسية الخاصة ، بل وفوق هذا رأيت كم هو سعيد في حياته الأسرية إذ كانت حوله دوماً زوجةٌ محبة ، تتبعه حيث يذهب ، وفي النهاية يرحلان إلى الفيلا الراقية التي يمتلكانها في ( سان دييغو ) على ضفاف المحيط الهادي …!
كيف يمكن أن يتسنى لكائنٍ من كان ، كل هذا النصيب من التوفيق والنجاح والسعادة والثراء وفي عمرٍ لا يتجاوز الخامسة والعشرين ؟
وفوق هذا ، لم يكن الفتى قد نال من التعليم نصيباً ذو قيمة ، فهو بالكاد أنهى الدراسة الثانوية ، وإلى ما قبل ثلاثة أعوام ، كان الفتى في غاية الفقر والإحباط واليأس ، وكان يعاني من السمنة المفرطة ، ولم يكن ممن يثيرون الانتباه أو يغرون بالاهتمام …!!
كيف تسنى لمثل هذا الشاب أن ينال هذا الذي ناله ، ويتحول هذا التحول المدهش في بحر ثلاثة أعوام ؟

ثم منْ هو هذا الفتى الغريب …؟
من…؟
ببساطة هو أنا …أنا هذا الشاب …!
لقد نجحت في تحويل اتجاهات حياتي بشكل دراماتيكي ، من العادية والفشل إلى قمة النجاح ، بفضل إعادتي لبرمجة عقلي ، بشكل جديدٍ كل الجدة ، وهذا ما أود أن تشاركني إياه عبر كتابي هذا …!


********

نحن البشر … نحن تلك المخلوقات العاقلة الذكية التي تمتلك جهازاً عصبياً غاية التطور والتعقيد والخطورة ، نحن … نختلف عن بعضنا في كل شيء ، في أحلامنا ، في قدراتنا ، في مواهبنا ، في رؤانا الخاصة عن أنفسنا ، أغراضنا الخاصة ، ولكل واحد منا طموحه الخاص في النجاح ، فما هو هذا النجاح الذي نتمناه جميعاً ونحلم به ونسعى إليه …؟
أهو كم نملك ؟ كم من الشهرة ننال ؟ كم من الفرص ، من العلاقات الجيدة المفيدة نملك ؟ أي منصب سياسي أو حكومي ننال …؟
هل النجاح ، هو وصولٌ إلى هدفٍ ما ، ونيله والاستمتاع به …؟
لا …ليس هذا هو النجاح الحقيقي .
ليس بالوصول إلى هدفٍ والاستقرار عنده حتى يفقد ألقه ويغدو مملاً ، بل النجاح هو الصيرورة الدائمة ، التطور الدائم ، التغيير ، التنوع ، الممارسة ، التجديد ، التجاوز الدائم للتحديات والحواجز والاستمتاع بالانتصارات التي تسجل في كل يوم مع كل تحدي يتم التغلب عليه .
النجاح الحق هو النمو في القدرات الشعورية ، في العواطف ، في الكفاءات الفسيولوجية ، التطور الروحي ، تنمية الذكاء ، تحسين الاقتصاد الشخصي باستمرار ، البحث عن فرص التطور ، القدرة على التواصل الاجتماعي وإشراك الآخرين في ما نفكر فيه وما نملكه وما نخطط له ، لأن السعادة الفردية والنجاح الحق لا يكتمل بغير نشره وسط الناس .
والطريق إلى النجاح ليس بالسالك دوماً والمعبد الناجز التعبيد ، بل هو دوماً بكراً وواعداً ورحباً للتعبيد والتطوير والإغناء المستمر ، وما تلك المبادئ التي أسوقها في كتابي هذا إلا بضع إشارات تدل على تعرجات الطريق واتجاهاته ، لك أن تعتمدها إن شئت ، فتصل إلى ما وصلت إليه ، ولك أن تبتدع أساليبك وتقنياتك الخاصة المناسبة أكثر لشخصيتك وتكوينك العقلي والفسيولوجي والاجتماعي .
الحقيقة أني ، كلما تذكرت حجم النجاح الذي أصبته ، شعرت بالرهبة والمسؤولية والسعادة بذات الوقت .
إنني ممتنٌ غاية الامتنان لكل من علمني كيف أصلح حالي ، كما وأني ممتنٌ لنفسي ، لمرونة فكري ورحابة صدري وقسوة ألمي وحرماني ، لأن جميع هؤلاء كانوا المعلمين الأمناء .
طبعاً لا أدعي أنني النموذج الأمثل للنجاح والتفوق فقد أصاب غيري من النجاح أكثر مما أصبت ، وخصوصاً وأن سبل النجاح في الغرب سالكةٌ وكم من الناس من وصل القمة بين ليلةٍ وضحاها .
إن ما يحصل اليوم في عالمنا ، لم يكن ممكناً حصوله ولا حتى في الأحلام في القرون التي سلفت …!!
خذ على سبيل المثال ( ستيف جونز ) . شابٌ صغير بسروالٍ من الجينز ، مفلسٌ لا يملك شروى نقير ، ومع ذلك تمخضت عبقريته عن اكتشاف الحاسوب الشخصي ، وما هي إلا أيامٌ أو أشهر وإذ بهذا الاكتشاف يتحول إلى كنزٍ من الثروة لا ينضب ، وتحول الفتى إلا ماردٍ صناعيٍ جبار ، يغرف ملايين الدولارات بلا حساب .
أو خذ ( تيد تورنر ) مكتشف التلفزيون السلكي ( Cable TV ) ، لقد خلف الرجل في فترةٍ قصيرة إمبراطورية جبارة ، من فكرة يمكن أن يكون قد فكرها في ذات الآن العشرات غيره .
بل وأنظر للمشتغلين في عالم الترفيه وصناعة الترفيه ، المخرج الرائع ( ستيفن سبيلبيرغ ) أو ( بروس سبيرغنيشتاين ) أو المئات بل الآلاف غيرهم في أمريكا والغرب عامة .
لقد نالوا الشهرة والنجاح في فترات قياسية .
ومن ينل النجاح ، ينال شيءٍ آخر أكبر وأسمى وأعظم من النجاح ذاته إلا وهو القوة …!
القوة هي الثمرة الشهية العذبة الساحرة التي لا بد للنجاح لكي ما يكون حقيقياً ، أن يتمخض عنها …!
أيُ قوةٍ نعني …؟
كلمة القوة …كلمة حساسة جداً ، مستفزّة ومرعبة وجميلة بنفس الوقت ، مستفزّة ومرعبة لأنها تستجلب تداعيات سلبية ، وجميلة حين لا تكون عدوانية وحين تفتح للآخرين أفاق المشاركة والاستمتاع …!
أنا لا أنظر للقوة على إنها الانتصار على الآخرين ، ليست تلك هي القوة الجميلة الحالمة التي تستحق أن تمتلك ، ولا هي تلك القوة الحقيقية التي يمكن أن تعمر طويلاً …!
القوة الحقة في قناعتي تعني الأتساع …الانتشار …سعة الخيارات ورحابتها وتنوعها وتعددها … القوة هي الحرية ، حرية أن تختار بدلاً من أن يُختار لك ما تأكل وما تشرب وأين تسكن ومن تحب وكيف تعيش …!
الحرية في أن تعيش تجاربك الشخصية بأقل قدر من الاضطرار ، الحرية في أن تنمو بشكلٍ طبيعي ، أن تنمي مواهبك ، قدراتك ، كفاءاتك بالشكل والسرعة التي ترجوها .
القوة هي القدرة على تغيير حياتك ، وإعادة تشكيل تصوراتك الشخصية بما يوسع من آفاق حريتك ويغني حياتك ، ومن ثم الزجّ بالأشياء والأحداث والناس وبشكلٍ لا إكراه فيه لخدمتك وخدمة أنفسهم من خلال التعاون والتعاطف معك .
ثم …أليس الفرق كبيراً بين أن تعيش تحت سقفٍ واطئ وضمن أربع جدرانٍ تزداد ضيقاً يوماً بعد يوم ، وبين أن تعيش في فضاءٍ فسيحٍ لا حدود له ؟
قطعاً خيار القوة هو الخيار الأفضل والأجمل .

*****

لقد أخذت فكرة القوة عبر العصور أشكالاً مختلفة وارتدت لبوساً تناسب كل عصر .
في العصور القديمة ، كانت القوة الجسدية ( الفسيولوجية ) هي العامل الحاسم في تحديد الزعامة الاجتماعية ، وكان المتميزون بقوة العضل والسرعة في العدو والمهارة في القتال ، هم من يسودون على شعوبهم أو قبائلهم ، ومن هؤلاء يتوج الملوك ، ولاحقاً صار التتويج وراثياً ، حتى لو لم يكن أبن القوي قوياً مثله .
ونال آخرون القوة من خلال ارتباطهم بأولئك الأقوياء وخدمتهم في بلاط أولئك الأقوياء ، وهكذا نشأت النخب السياسية والعسكرية القوية التي تحكم وتملك العبيد والجواري والأموال والأراضي .
في عصر الصناعة ، خسر الملوك أماكنهم الأثيرة لصالح أولئك الذين يملكون الرأسمال ، ونشأت طبقة الملوك الجدد ونشأت نخبٌ سياسية تعتمد على الملك الجديد ، صاحب الرأسمال .
أما عصرنا هذا ، فإنه عصر المعلوماتية ، عصر المعرفة ، عصر الإعلام ، وإذ هو كذلك فإن هناك من يغير حياتنا ويسود فينا من خلال الأفكار الجديدة التي قد تكون راقيةٍ عميقةٍ وذات قيمة خطيرة كنظرية الكم مثلاً ، أو التافه مثل آخر صيحات الأزياء أو صناعة الهامبورجر .
ما يميزُ عصرنا هذا ، هو هذا التدفق الخطير الجاري على مدار الساعة ، للمعلومات ، وما ينتج عنه من تغييرٍ سريعٍ في أنماط تدفق المعلومة وآليات تدفقها .
صناعة الخبر ، صناعة الفكرة ، صناعة المعلومة ، يمر إلينا عبر متغيرات لا تنتهي من الشرائح الكمبيوترية ، السماعات ، الميكرفونات ، البرامج ، التي تنقل لنا الجديد في ثورة المعلومات .
معلوماتٌ تُرى ، معلوماتٌ تسمعْ ، معلوماتٌ تُحسْ .
وبالتالي فملوك عصرنا الراهن هم منتجو المعلومة ، منتجو الخبر ، منتجو الفكرة .
هؤلاء هم من يملك ما كان ملوك العصور السابقة يملكون ، هؤلاء هم من يجلس على عروش ملوك العصور السالفة ، هؤلاء هم من يملكون مفاتيح القوة في عصرنا .
وكما قال ( جون كينيث كالبرايث ) :
" النقود وقود المجتمع الصناعي ، أما مجتمعنا فوقوده المعرفة "
وإذا كان من الصعب أن لم نقل من المستحيل على الرجل العادي أن يكون ملكاً إن لم يرث العرش من أبٍ أو عم ، وإذا كان من الصعب على من لا يملك رأسمالاً أن يتحول من فئة المسحوقين إلى فئة المالكين الميسورين ، فإن هذا الحال قد تغير الآن في عصر المعرفة ، لأن هذه المعرفة متاحةٍ للجميع ، وبعض المعارف يمكن أن ترفدك برزق يومك ، أما الأخرى ، الخاصة والمتميزة فإنها يمكن أن ترفدك بما هو أكبر وأسمى وأعظم من رزق يومك .
بلا …يمكن أن ترفدك بالقوة التي يمكن أن تغير قدرك بالكامل .
في الولايات المتحدة الأمريكية ، يمكنك أن تجد مثل هذه المعرفة في أي مكتبةٍ عامة ، أو في أي دورةٍ تدريسيةٍ خاصة تعلمك كيف تطور شخصيتك ، كيف تضع لنفسك أهدافا ، كيف تتعلم العلوم النافعة المناسبة للعصر .
أذهب إلى السوق ، تجد ما لا يعد من الكتب الحديثة التي تعلمك كيف تكون مليونيراً ، كيف تكون عبقرياً ، كيف تكون ناجحاً في السياسة أو الإدارة .
لماذا ينجح البعض ، ويفشل آخرون …؟
لماذا يصل البعض إلى القمة ولا يبارح آخرون السفح ..؟
الحقيقة …مع إن المعلوماتية والمعرفة هي سمة العصر ، فإن تلك المعرفة لا تكفي لوحدها للارتقاء …!
لو إن كل ما نحتاجه كان أفكاراً وأحلام واقتراحات ، لكنا منذ الطفولة قد غدونا في القمة ، لأن لا أكثر من الأطفال خصوبة في الخيال وإنتاجا للأفكار الغريبة الذكية .
هناك شيءٌ آخر حاسم في الوصول إلى النجاح …إنه العمل …الممارسة …التحرك الهادف …!
المعرفة وحدها ، ليس إلا قوة كامنة ، لا يمكن أن تتجسم وتتجسد شيئاً ملموساً مرئياً إلى عبر الفعل ، وهذا الفعل يبدأ بالذات ومن الذات ….من الداخل .
كل ما نفعله في الحياة ، كل تحركٍ نتحركه ، ينطلق أصلاً من الداخل من التفاعل مع الداخل ، من محاورة النفس ومشاورتها ، من تواصلنا مع ذواتنا ، والكيفية التي نتواصل بها مع تلكم الذوات هو ما يرسم ملامح سلوكنا وفعلنا وتواصلنا مع الخارج .
مستوى رقي حياة الواحد منّا ، حجم نجاحه والكيفية التي يعيش بها ، هو في واقع الحال ثمرة للكيفية التي يرى بها الواحد منّا ذاته ، كيف يحاورها ؟ ما حجم القيمة والاعتبار الذي يحمله لذاته ؟ بأي لغة وبأي نبرة يتحدث فيها المرء مع ذاته ؟
ما هي تصوراته عن ذاته وأي تصورات يحمل عن حياته وكيف يفهم الحياة ؟
وليس التواصل مع الذات عبر الكلام والمونولوج الداخلي الجاري في العقل ليل نهار ، لا بل وعبر لغة الجسد ، ملامح وجوهنا ، انبساط وانقباض عضلاتنا ، كيف نتصرف ، كيف نتحرك ، طريقة مشيتنا ، جلوسنا .
الناجحون هم من يرتدون ثوب التفاؤل ويسلكون مع أنفسهم ويتصرفون ويعتمدون لغة ونبرة وسلوكيات وحركات من هو مؤمن بذاته وواثقٌ من انتصاره ونجاحه .
ثم يأتي العمل في الخارج ، التواصل مع الخارج ، لأنك لا يمكن أن تنتج شيئاً في الخارج إن لم يكن لديك فعلٌ خارجي ، فمهما كنت متوازناً متماسكا متفائلاً مع نفسك ومهما كان سلوكك وتواصلك مع ذاتك سلميٌ حبيٌ متفائل فإنه وحده لا يمكن أن يثمر شيء بغير التواصل مع الخارج .
من المؤسف أننا نخدع أنفسنا كثيراً حين نحاول أن نبرر نجاحات الناجحين بأنها ثمرة مواهب خاصة أو قابليات معينة نفتقدها نحن ، لا …إنهم بالكاد يختلفون عنا كثيراً ، ولكنهم في الواقع يفعلون ما لا نفعل وهو العمل…الخروج إلى ساحة الفعل .
من منّا غير قادر على أن يفعل ، يخطو ، يتصرف ، يمارس بيده وعقله وملامح وجهه ، الممارسة السليمة التي يمكن أن توصل إلى نتيجة …؟
كلنا نملك ذلك ، كلنا نملك القدرة ، وكلنا يمكن أن ننجح لو تسنى لنا أن نطور هذه القدرة على الفعل .
لقد أمتلك الكثيرون ، ذات المعرفة التي أمتلكها ( تيد تورنر ) أو ( ستيف جونز ) ، ولكنهم لم يفعلوا ما فعله هذا أو ذاك في نقل الفكرة إلى الواقع العملي بإخراجها من الذهن إلى الخارج اعتمادا على الثقة العالية بالنفس وحسن التواصل مع الذات والإيمان بقدرات الذات والشغف الشديد بالخروج من قمقم الفقر والحرمان إلى فضاءات الحرية والسعادة .

******

حسناً …قلت سابقاً أن التواصل السليم مع الذات يفضي إلى تواصلٍ سليمٍ مع الخارج ، والتواصل مع الخارجي بالقول والفعل يؤدي إلى نتائج ، والنتائج التي نريدها هي طبعاً تلك التي تمنحنا ثماراً حلوةٍ شهيةٍ أي تمنحنا النجاح .
فكيف نتواصل مع أنفسنا ذلك التواصل السليم ؟
بأن نمتلك تصورات إيجابية سليمة ونافعة ، أن نختار للحديث مع أنفسنا العبارات الإيجابية التي تحفز على النجاح ، أن نمتلك إعلاماً ذاتياً داخلياً مشجعاً على التقدم والبناء والنصر .
وبذات الآن وانطلاقا من هذا التواصل السليم مع الذات ، ننطلق إلى الخارج ونتواصل مع الخارج تواصلاً إيجابياً سليماً ، عبر اللغة ونغمة الصوت ونبرته وتعابير الوجه الإيجابية الموحية بالثقة والشجاعة وحب الآخرين والرغبة بالتعاون والرغبة بالنجاح المشترك .
كل تواصل نحققه في الخارج ، يمثل عملاً مهماً على طريق النجاح في عصرنا هذا الذي صار الناس فيه معتمين في تقدمهم وإلى حدٍ كبير على بعضهم وعلى رقي العلاقات بينهم .
التواصلُ قوة العصر ، ومن يملك السيطرة على مفاتيح التواصل السليم مع نفسه ومع الآخرين ، يمكن له أن يغير فهمه ومعايشته وتقبله للعالم ، فيصيبه من هذا العالم فهماً ومعايشةٍ وتقبل وترحيب ، وبالتالي ينال من هذا العالم حصته الأوفر من النجاح .
لو تتابع أولئك الذين أثروا في الأجيال إن سلباً أو إيجاباً ، ك ( جون كندي ، الدالاي لاما ، غاندي ، نهرو ، لوثر كينغ ، مانديلا ، بل وهتلر وموسوليني ) ، لرأيت إنهم كانوا يحسنون التواصل مع الناس فأوصلوا رسائلهم التي كانت بناءة أو مدمرة .
لكن ..ربما يسألنا سائل ، وكيف لي بالتصرف مع هذا الذي يصيبني من الخارج من فشلٍ أو هزيمة ومن ثم انعكاساته الداخلية علي والمتمثلة بالاضطراب والشرود الذهني أو الضعف العام الذي يتمكن مني فأحير في التعامل معه …؟
هنا يكون الاختبار الحقيقي لأرادتك وإيمانك بنفسك وبالمستقبل ورغبتك الحقة الجادة في التغيير والتطور والنجاح .
إنك وحدك من يقرر كيف يتصرف وكيف يشعر وبدءاً كيف يفهم ويترجم انعكاسات الخارج على الداخل ، نحن وحدنا من يعطي المعنى لهذا الذي يحصل لنا ، فبإمكانك أن تفسر الحادث الذي يصيبك في الشارع كاصطدامك بعمود نور أو دهسك من قبل سيارةٍ طائشة ، على أنه ليس شراً مطلقاً ، بل هو تجربة مفيدة طالما أنك لم تمت ، أو بإمكانك أن تفسره على أنه كارثة حتى لو لم تصب بخدش بسيط من جرائه ، وبالتالي فإنك خلقت تصورا وترجمةٍ لحدثٍ ما ثم استنتجت فهماً وأعطيت شعوراً بالرعب أو الرضا لمثل هذا الحادث ، بحيث يمكن لمثله أن يعيش معك طوال حياتك على أنه تجربة مرعبة تترسخ في العقل الباطن وتجعلك ترهب كل سيارة أو أن تتحول ربما إلى هاوي سباق سيارات وتحوز على الجوائز السنية .
للأسف الشديد غالباً ما نسلم نحن قيادنا للطيار الأوتوماتيكي ، الأفعال الشرطية ورد الفعل العفوي ، دون أن نعنى بتمحيص الحدث واختيار ترجمة إيجابية يمكن أن تحيل حياتنا إلى نجاحٍ متواصل .
يجب أن يعود مقودنا لأيدينا ونتحرر من ردود الأفعال العفوية أو الانعكاسية أو القائمة على العادة أو على التجارب السابقة دون تمحص .
يجب أن نحرر إرادتنا الطيبة وروحنا المؤمنة بالتقدم والنجاح ، من خلال إعادة برمجة فهمنا للحياة وأحداثها ومجرياتها والشخوص الذين نتعامل معهم ونعيش بينهم ، لكي ما يمكن لنا لاحقاً أن نعيش حياة مفعمة بالتقدم والنجاح والنمو الحقيقي في كل المجالات .
هدف هذا الكتاب هو أن نتغير ، نغير عقولنا ، نعيد برمجتها لكي نحقق نتائج ، أو ليست النتائج هي ما نريد …؟
أو ليست النتائج تعني ، صحة أفضل ، عمر أطول ، سعادة أكبر ، مال أكثر ، شهادة أرقى ، مركز قيادي …؟
لكن قبل أن يكون بمقدورك أن تحقق نتائج ، عليك أن تعي ما سلف أن حققت من نتائج ، أن تنظر بإيجابية وتفاؤل وثقة لذاتك ، أن تقول وتؤمن وتوحي لنفسك بأنك ناجح أصلاً وإن مجرد استعدادك لقراءة هذا الكتاب واهتمامك بتطوير شخصيتك هو ذاته نجاح وذاته نتيجة قابلة للتطور .
هذا الموقف السيكولوجي الإيجابي من الذات ، موقف الاحترام والاعتبار السالف لذاتك ، مهمٌ جداً في تحقيق التقدم ، وإلا فالبديل عن التفاؤل والثقة بالذات والإيمان والمتابعة والتقييم لكل تطورٍ يحصل ، البديل عنه هو التشاؤم والقنوط واليأس ، وحيث يحل التشاؤم ، يغدو من المستحيل تحقيق أي تقدم .
الكثيرون للأسف يتوهمون أن من غير الممكن السيطرة ذاتياً على العقل وبالتالي تشغيله بالشكل الذي نريد والزج به بمنتهى الكفاءة في معركة التطوير الشخصي ، هذا خطأ كبير وشائع جداً ، بل بمقدورنا السيطرة على عقولنا وتوجيهها حيث نريد .
إذا كنت في لحظةٍ ما كئيباً ، فإنك أنت من أختار أن يكون كئيباً ، وبعكسه إذا كنت في حالة حماسٍ وتدفق ، فهذا خيارك أنت لا غيرك وليس بحكم الظروف .
لهذا قلنا من الضروري أن تؤمن بأنك ناجح قبل أن تشرع في بناء قلعة نجاحك المأمول .
حسنا …كيف خلقت لنفسك الكآبة وتوهمتها آتية من الخارج ؟
ببساطة في لحظةٍ ما امتلكت فهماً خاطئاً لفعلٍ ما حصل في الخارج أو لصورة قديمة استذكرتها أو لمقارنة ظالمة قمت بها بين حالك وحال غيرك ، وأوحيت لنفسك أنك فاشل أو كئيب وأن الحياة لا معنى لها وأنك لا تستحق أن تكون سعياً وأن الناس لا تحبك و…و…و…الخ .
ثم سمحت لهذه الترجمة الخاطئة أن تتلبسك ، ولعبت الدور بعناية ، تركت لذراعيك أن يهبطا بيأس إلى الجنبين ، شددت أعصابك ، عكرت صفحة وجهك ، تركت للغتك أن تبدو مضطربة ، أجزت لنغمة صوتك أن تبدو هابطة حزينة ، بل وربما خلقت اضطرابا في كيما-بيولوجيا جسمك عبر احتساء كمٍ كبيرٍ من الكحول أدى بدوره إلى هبوط السكر في الدم ، وبالنتيجة انخفضت طاقتك ومعنوياتك واستولت عليك الكآبة .
إذن فأنت اجتهدت لخلق الكآبة ، وليس غيرك من سببها لك .
هناك للأسف الكثير من الناس من يعيشون كالطفيليات على استثمار عواطف الآخرين عبر تمثيل أدوار الكآبة والحزن واليأس للفت انتباه الآخرين واكتساب تعاطفهم .
بل وهناك من لا يجد أمانه وتوازنه الداخلي إلا من خلال الشعور بالحيف والكآبة والحزن والألم ، ومثل هؤلاء لا يمكن أن نتوقع لهم أو منهم أن ينجحوا في الحياة .
الحقيقة أن الخارج هو انعكاس للداخل وليس العكس ، فإذا كنت كئيباً في داخلي فإن كل ما في الخارج سيبدو كئيباً …!
بإمكانك أن تغدو حيوياً متحمساً متدفقاً بمشاعر القوة والثقة والأمل ، من خلال أن تتخذ لنفسك بالإيحاء أو بالتصرف ولغة الجسد ، وجهة نظرٍ حماسية تخلق لاحقاً شعوراً بالحماس أو بإمكانك أن توحي لنفسك بالسعادة أو الشجاعة أو الرقة أو الحنان ، لتجد نفسك لاحقاً وقد تلبسك هذا الشعور الذي أوحيت لنفسك به .
ولنتذكر قول شاعر الإنجليز الرائع شكسبير:
" الشجاعة هي الإحساس بالشجاعة "
وذات الأمر مع كل المشاعر الأخرى …!

*****

من المفيد أن نقارن عملية خلق المتغيرات الشعورية من خلال قيادة الحوار الداخلي وعمليات التصور الداخلية بما يفعله المخرج السينمائي أو التلفازي حيث يتلاعب بالمشهد التمثيلي بخلق متغيرات صوتيه وصورية تحقق عند المشاهد التأثير الذي يريده هذا المخرج ليضمن وصول رسالة المشهد وبالتالي نجاح هذا المشهد أو تلك اللقطة ، فإذا أراد أن يخيفنا أو يبهرنا رفع الصوت وملأ الشاشة بأكملها بمؤثرات صورية خاصة في لحظة تصاعد الحدث الدرامي ، أما إن شاء إضحاكنا أو إمتاعنا حسب أو تحقيق استثارات أخرى خاصة فإنه يضع المؤثرات الصوتية والصورية والإضاءة و…و…و… بما يناسب الرسالة المراد توصيلها لنا .
وفي أحايين كثيرة من الممكن أن يكون ذات الشخوص وذات الموضوع وذات المشهد ، ولكن برسالة أخرى مغايرة ، فمن التراجيديا إلى الكوميديا وبالعكس ، هنا تجد المخرج يتلاعب بالمؤثرات الصوتية والصورية والديكور وحركة الممثل وملامح وجهه ولغة جسمه ، بحيث يعكس الرسالة الجديدة المغايرة للأولى .
ماذا لو إننا فعلنا الأمر ذاته فنلعب دور المخرج المبدع ونغير المشهد الداخلي في شاشة العقل ونملأه بهذا الذي ينفعنا ويطور شخصياتنا ويدفع مسيرتنا قدماً على طريق النجاح والتفوق .
بإمكانك أن ترفع الصوت في حوارك الداخلي مع نفسك أو تخفضه ، بإمكانك أن تغير نبرة الصوت ونغمته ، فتجعلها هادئةٍ واثقةٍ دافئة وتدل على السعادة عوضاً عن الحزن أو الكآبة ، بإمكانك أن تكبر الصورة وبالذات تلك المتفائلة الجميلة الموحية بالنجاح والسعادة وتضيئها ، وبذات الآن تصغر وتعتم الصورة الكريهة المتشائمة التي لا توحي بالإيجاب ولا تدفع للتقدم .
بل وبإمكانك أن تمنح الصورة الجميلة لوناً جميلاً في الذاكرة وتضفي عليها حرارةٍ وحيويةٍ ودفئاً فتغدو مشعة في داخلك وتسهم في تغيير مشاعرك من السلب إلى الإيجاب .
ربما بتوهم الواحد منا أن هذا غير صحيح وغير معقول ، ولكن الواقع يقول العكس ، والبحوث العلمية وممارسات الحكومات وأجهزة المخابرات بل وشركات الدعاية والإعلان وصناعة السينما ، كلها تقول إن هذا صحيح ، فحيث أن الآخر قادر على أن يؤثر عليك ويغير مزاجك ومشاعرك بمثل هكذا مؤثرات ، فكيف لا تستطيع أنت أن تفعل ذلك مع نفسك …!

******

" إن كل جهدٍ منضبط ومكثف ، يعطي مكافأة مضاعفة "
جيم رون
Jim Rohn
_____________________________

أولئك الذين طوروا قدرات خاصة ، أتبعوا طريقاً واضحاً محدداً نحو النجاح ، وإذ نقول واضح فنعني أن هناك علاماتٌ دالة على الطريق أختبرها هؤلاء الناجحون واعتمدوها وقد تسنى لي أن أعتمدها ، لا بل وأضعها في قوالب نظرية يسيرة التناول .
الخطوة الأولى في الطريق إلى النجاح هي أن تعرف النتيجة سلفاً من خلال معرفتك لما تريده بالضبط ، فكلما كان الذي تريده واضحاً أمكن لك أن تعرف إلى أين يوصلك هذا الذي تريد بل وتتخيله بعناية ووضوح ، أما الخطوة الثانية فهي أن تعمل ، تتحرك ، تخطو … وإلا فإن الرغبات لن تخرج من ظلمة الحلم إلى فضاء النور والتحقق .
وإذ نقول تعمل فإننا لا نعني هنا أن تخرج شاهراً سيفك أو هادراً طاقاتك في جري بلا هدف ، لا وإنما نقصد أن تنتخب السلوكيات والعلاقات وتضع الخطط والبرامج والإجراءات التي تجدها الأنسب والأقدر على تحقيق أهدافك .
حسناً … حين تكون لدينا رؤية سليمة وواضحة للهدف ثم نضع الخطط والبرامج ونشرع بالعمل ، هنا قد نفاجئ بأن عملنا هذا لا يقربنا من الهدف أو ربما يشتت جهدنا ويظللنا ، هنا نستطيع وعلى ضوء وضوح الهدف أن نغير اتجاهنا أو وسائلنا المعتمدة ، وهذا يتطلب منّا حواساً نشطة وحادة للغاية بحيث تستطيع أن تتعرف على تعرجات الطريق وأنحناءاته حتى قبل الوصول إليها ، وبالتالي نغير الاتجاه أو نستبدل الأدوات ، وإذن فالخطوة الثالثة هي حواسٌ مرهفة ، أما الأمر الرابع فهو المرونة والمرونة تعني أن تطور في نفسك القدرة على التعامل بمرونة في أثناء مسيرك نحو الهدف ، بحيث يمكنك أن تغير الاتجاه أو تغير سلوكك دون أن تضحي بالهدف .
لو إنك تراقب الناس الذين نجحوا ، لوجدت أنهم اعتمدوا هذه الوصفة الرباعية وبقوة ، معرفة الهدف ، التخطيط والبرمجة والعمل ، الحواس المرهفة وأخيراً المرونة .

*****

لنأخذ على سبيل المثال " ستيفن سبايلبيرغ " ، المخرج السينمائي الذي وصل القمة في صناعة السينما وهو بالكاد يصل السادسة والثلاثين من عمره .
في عام 1986 كان الرجل يستند في تاريخه السينما على أربعةٍ من أكثر الأفلام إيراداتً في تاريخ السينما آنذاك .
كيف تسنى له أن ينال كل هذا النجاح في هذا العمر المبكر ؟
حين كان الفتى في سن الثانية عشرة ، عرف أنه يحب السينما ومنذ ذلك الحين وضع لنفسه هدفاً .
في سن السابعة عشرة دخل الأستوديو في جولةٍ عادية مثل الكثير من السواح والشباب الفضولي ، ولكنه كان أكثر من فضوليٌ عادي ، لقد تسلل إلى داخل الكواليس ووصل الأماكن التي لم يكن مسموحاً للزوار الوصول لها ، ودنى من العاملين وأظهر الاهتمام وبدأ يثرثر مع أحد مساعدي المخرج عن أحلامه واهتماماته واقتراحاته ، فلفت له الأنظار رغم صغر سنّه .
هل انتهت القصة عند هذا الحد ، قطعاً لا فالرجل ( سبيلبيرج ) يعرف ما يريد ، ولديه إستراتيجياته الخاصة وخططه ولديه قوته الشخصية وقد أفاده اللقاء الأول مع أحد العاملين في الأستوديو ، أفاده كثيراً في إجراء التعديلات المناسبة على سلوكه ومظهره ، لكي ما يكون مقنعا حقاً كفتى نابهٍ وذو اهتمام جديٍ بالفن .
في اليوم التالي استعار بذلة مناسبة من أحد أصدقائه ، أقترض حقيبة أبيه ، ولم يكن لديه ما يضعه فيها غير بضع سندويجات وقطعتا شوكولاته ، وتوجه بخطى واثقة صوب الأستوديو ، دخل بمنتهى الثقة وكأنه يدخل باب بيته ، وفعل هذا طوال الأشهر التالية من تلك السنة ، يدخل بهمة ، يجلس ، يراقب ، يتعلم ، ينمي قدراته وكفاءاته .
قابل الكثير من المخرجين والعاملين في الإنارة والصوت والمكياج وغيره ، أستمع إلى أحاديثهم وأختزن خبراتهم ، ولم يطل به الزمن وإذ به يدخل الأستوديو لا كمتفرج ولكن كعضو في أسرة الإنتاج السينمائي ، وبعد بضع سنين جاءت الفرصة ونال أول عقد عمل كمخرج ولمدة سبعة أعوام .
هل أستخدم ( سبيلبيرغ ) تلك المباديء الأربع التي أشرنا لها سابقاً ( معرفة الهدف والعمل والحواس النشطة والمرونة ) ؟
بلا لقد فعل ، كان لديه المعرفة الخاصة المتميزة العميقة بالسينما سلفاً وبالتالي كان يعرف ما يريد ، ثم شرع بالفعل والحركة منذ اللحظة التي وجد نفسه فيها في الأستوديو ، لم يقل لا مكاني ليس هنا ، أو أنا لا أصلح للعمل السينمائي أو أنا لا أملك رأسمال أو أنا لا زلت صغيراً ، مطلقاً لم يقل شيء من هذا ، بل قال لنفسه أنا أحب السينما وأنا لدي معرفة جيدة تؤهلني للمباشرة بالاحتكاك بعالم السينما ، ثم كان يقظاً منتبهاً غاية الانتباه وهو يخطو جهة الهدف ، كان متابعاً واعياً لتحركاته وللنتائج التي يحققها وهل هي تدفعه صوب الهدف الأساسي أم إنها تبعده عنه ، ثم كان ( سبيلبيرغ ) مرناً ولم يتشبث برأيٍ واحد أو سلوكٍ واحد بل كان على الدوام يقيس المسافة بين إستراتيجيته وتكتيكاته وأهدافه ، فما يراه غير مجدي ولا يوصل إلى الهدف ، كان يتخلى عنه ويعتمد أسلوباً آخر غيره .
الحقيقة أن كل الناجحين يتميزون بالمرونة والانسيابية واليقظة الموجهة لمتابعة مسيرتهم وتعديلها وتقييمها باستمرار على ضوء ما يتحقق من أهداف .
طيب …ولنأخذ السيدة ( بارباره بليك ) ، كانت في البدء معيدةٍ في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا ، كانت تحلم في أن تغدو يوماً عميدة الكلية ، وظل هذا الحلم ملازما لها ، ولكنها فجأة ونتيجة وقوعها في الحب ، فضلت البيت والأسرة على طموحها العلمي …!
ومرّت السنين .
ومجدداً … بعد تسعة أعوام استيقظت في تلك السيدة رغبتها القديمة في أن تكون يوماً عميدة كلية الحقوق ، فكرت مع نفسها ..لا زال الوقت باكراً ولا زال الحلم حياً ما المانع …!
طيب والأسرة ، والأبناء …؟
لا بأس وليكن ، بمقدوري أن أجمع الاثنين معاً طالما أؤمن بكليهما بذات الوقت ، وعادت إلى الكلية ، درست من جديد لتنشيط معلوماتها ، أخذت دروس خاصة ودورات خاصة وعلى حسابها الشخصي ، طورت إمكاناتها ثم تقدمت للكلية بطلب العودة إلى العمل ، حين تعرضت للفحص المهني المطلوب ، وجدوها لا تقل كفاءةٍ عن أي منهم ، ونالت الوظيفة التي طالما حلمت بها .
حسناً …لا شك إن أي واحد منّا تذوق دجاج ( الكنتاكي ) ، ربما تندهش وتسأل وما علاقة ( الكنتاكي) بموضوعنا هذا…؟
لا …هناك علاقة …بل علاقة حميمة ليس بين هذا الكتاب والدجاج وإنما بيننا وبين الرجل الذي أكتشف وصفة ( الكنتاكي ) …!!!
فمن هو هذا الرجل ..؟
من هو هذا الذي صنع إمبراطورية ( الكنتاكي …( ؟
إنه ( وبيرست سانديرز ) … رجلٌ متقاعدٌ من العمل ، فقيراً إلى حدٍ ما وفي سنٍ متقدمة نسبياً ، ولا يمتلك إلا وصفة لشواء الدجاج …!
، قبل أن يكتشف تلك الوصفة ، كان يملك مطعماً صغيراً وحين أفلس مطعمه ، بدأ الرجل يعيش على المعونة الحكومية للمفلسين من أمثاله ، حين قبض راتب المعونة الأول ووجد أنه بالكاد يكفي لطعامه وسكنه ، فكر في أن يحسن رزقه بالعمل الإضافي وذلك ببيع وصفته على المطاعم مقابل حصة من الأرباح .
وشرع بالتجوال ليل نهار على المطاعم صغيرها وكبيرها ، نام في السيارة ، غاب عن البيت يوم ويومين وثلاث ، جرّب خططاً عديدة وغير من أساليبه مرات ومرات ، وتجاوز عدد المطاعم التي زارها عارضاً وصفته قرابة الألف وتسعة مطاعم ، وكلها رفضت الفكرة …!
فجأة جاءت الفرصة الوحيدة التي أنتظرها ، وسمع لأول مرة من مدير أحد المطاعم كلمة " نعم …أنا آخذ وصفتك وسنرى …!! " .
كم واحد منا لديه وصفة ما أو فكرة ما يمكن أن تنقله للنجاح والشهرة والثراء …!
قطعاً الكثيرون …!
وكم منّا من كان لديه هذا الإصرار والعناد والثقة والإشعاع الذي كان يشع من عيني الرجل السمين القصير البائس الذي أسمه ( سانديرز ) …؟
هذا الرجل … تميز بما يفتقده الكثيرون ، تميز بالحسم والإصرار ، تميز بالمرونة وتقبل الهزيمة وإعادة رسم الخطط مرات ومرات حتى وصل إلى النجاح ، تميز بالأيمان بما يريد والثقة بتحقيق هذا الذي أراده مهما طال الزمن وتكررت الأخفاقات …!
إن كل ما يسعى له هذا الكتاب هو بشكل أو بآخر تنشيط المخ وتغذيته بتلك الإشارات الفعالة القادرة على منحك القوة في الأداء والعمل .
لقد مشى الناس على الجمر لآلاف السنين وبألف طريقة وطريقة ولألف سببٍ وسبب ، وأنا أفعل هذا مع الناس في الدورات الدراسية التي أفتتحها إذ أن أول اختبار أعرض له طلابي هو أن يمشون حفاةٌ على الجمر ، ليس لأسبابٍ دينية أو غيرها ، ولكن لأثبت لهم أو بالأحرى ليثبتوا هم لأنفسهم أن لا شيء مستحيل وأنهم قادرون على تحقيق أي هدف ومهما كانوا يظنونه مستحيل .
إنني أستحث تلاميذي ، هؤلاء البالغون الذين يأتون لي ليتعلموا كيف يحسنوا أدائهم الحياتي وينالوا النجاح ، أستحثهم على أن يؤمنوا ، وأن يعيشوا الإيمان عملياً .
إن قدرتك على المشي على الجمر أو عدمه ، يعتمد على الطريقة التي تتواصل فيها أو تتحاور مع نفسك ، الطريقة التي توصلك إلى التخلص من برمجتك الذهنية السابقة التي تقول لك غالباً أنت لا تستطيع …أنت لا تقدر …!
الإنسان قادرٌ على أن يفعل كل شيء شريطة أن يتمكن من تحرير طاقاته الداخلية التي تعزز إيمانه بالقدرة على فعل كل شيء ، إنها الطاقات والقوى الروحية التي تجهز الإيمان بالوقود الذي يحتاجه ليتوهج وينير ويدفئ ويفعل المستحيلات .
هناك سبعة ميزات أساسية يمتلكها أولئك الذين يرومون النجاح أو تقف خلف نجاحهم :
الملمح الأول : الشغف أو الهوى :

كل هؤلاء الذين استعرضناهم لحد آن في هذا الفصل من الكتاب ، تميزوا بأنهم اكتشفوا سبباً راسخاً في نفوسهم يستحثهم للإبداع والإصرار والتحدي وبالتالي النجاح ، سبب يمدهم بالطاقة التي لا تستنفذ للاستمرار والعمل والصبر والتفوق وتجاوز الذات والقفز على الحدود والتسامي إلى قمم المجد ، إنه الشغف الشديد بهذا الذي يرومون التفوق فيه …!
وإلا ما الذي يدفع بعض الناس للسهر إلى ساعة متأخرة في العمل الفني أو الفكري أو حتى العمل في المطبخ لدى البعض ، ثم تجدهم ينهضون باكراً في الصباح لمتابعة المشوار .
الهوى أو الميل أو سمه الشغف هو ما يعطي للحب هذه النكهة المتميزة الخاصة النقية ، الهوى هو ما يعطي للحياة هذا الجمال الذي تراه فيها . كل ما في الحياة من أشياء عظيمة ، الاختراعات الجبارة التي غيرت وجه الحضارة ، المنجزات الفنية والأدبية الرائعة ، جميع هذا ما كان ممكن أن يتحقق وتنعم به البشرية لولا رغباتٌ قويةٌ تستمد رحيقها من الشغف الداخلي العميق الذي يتجاوز أحياناً حدود المنطق العقلي .

الملمح الثاني ( الإيمان ) :

كل الكتب الدينية في كل أنحاء العالم وبمختلف اللغات ، تتحدث عن قوة الإيمان ، وتأثيره في البشر .
ما يميز أولئك الناجحون ، في مختلف أنشطة الحياة ، هو أنهم يمتلكون إيماناً قوياً بشخصياتهم ، هواياتهم ، كينونتهم ، قدراتهم و…بهذا الذي يطمحون للوصول إلية .
لو إننا آمنا بالسحر ، لرأينا السحر في كل مكان ، ولو إننا آمنا بأن الحياة ضيقة ودروبها وعرة وآفاقها غير رحبة ، لوجدناها كذلك ولما نلنا منها شيء ، لأن الحياة لا تعطيك إلا بقدر ما تريد منها ، وما تريده من الحياة هو ما تؤمن سلفاً بأن بمقدور هذه الحياة أن تهبه .
في كتابنا هذا ، نمنحك أساليب علمية خاصة لتغيير منظومتك الإيمانية بحيث يتسنى لك أن تحقق تلك الأهداف والرغبات السامية .
الحقيقة أن هناك الكثير من الناس لديهم شغفٌ وهوى بشيء ما ، هواية ، رغبة ، طموح معين ، ولكنهم يمتلكون بذات الآن تصورات ضيقة جداً عن كينونتهم ، من هم وماذا يريدون ، قدراتهم وكفاءاتهم ، وبالتالي فهم لا يفعلون شيء لتحقيق هذا الشغف الذي لديهم وتحويله إلى واقع عبر العمل الجاد البناء المبرمج .
الناجحون من الناس ، يعرفون من هم وماذا يريدون ، وكيف يصلون ، إنهم يملكون الإيمان القوي بقدرتهم على تحقيق ما يريدون .
الشغف مع الإيمان يمكنهما أن يساعدانا في توفير وقود التقدم نحو الهدف ، ولكن الوقود ليس كافي ، لأنك لا يمكن أن تملأ صاروخا بالوقود فقط وتتوقع منه أن يصل إلى السماء ويستقر في مدارٍ ما ويؤدي وظيفةٍ معينة .
مضافاً إلى القوة ، وقود الحركة ، طاقتها نحتاج نحن إلى طريق ، ومحطات استراحة على الطريق ، إنها …الإستراتيجية …!

الملمح الثالث : الإستراتيجية :

الإستراتيجية هي طريقة لتنظيم الموارد والإمكانات المتاحة وبرمجة الحركة نحو الهدف بالشكل المناسب الذي يمكن أن يوصل لهذا الهدف بأقل قدرٍ من المعوقات والمتاعب والخسائر ، ولو أخذنا ( ستيفن سبيلبيرج ) نموذجاً لرأينا أنه ومنذ لحظة أن قرر أن يكون صانع أفلام متميز ، نلحظ أنه رسم لنفسه خطاً يوصل بين لحظة الحلم ولحظة الوصول ، ثم رصد إمكاناته المتاحة وسجل نقاط ضعفه وما ينقصه من إمكانات ومن معرفة ، ثم زجّ بنفسه في مهمة إكمال نواقصه المعرفية بتعلم ما يحتاجه حقاً .
وبدءاً كان لدى الرجل شغفاً دافقاً بالسينما ، وكان لديه إيمان شديد بنفسه وبإمكاناته ، قبل أن يضع إستراتيجيته …!!
إن كل الأفراد والمؤسسات والحكومات تعتمد الإستراتيجية والتخطيط الذكي المنسجم للوصول إلى الأهداف ، فأنت يمكن أن تملك شغفاً وإيماناً وتفتقد الإستراتيجية السليمة الصحيحة العقلانية ، وبالتالي لا يمكنك أن تصل إلى شيء مطلقاً .
إن كل المتميزين من ساسة وفنانين ورجال أعمال يعرفون أن الإمكانات المادية والمعنوية ( الإيمان والشغف ) لا تكفي للوصول إلى الأهداف ، إن لم توضع تلك الإمكانات في إستراتيجية سليمة .
بمقدورك أن تفتح الباب بأن ترفسه بقوة فتحطمه ، لكن أهذا هو الحل السليم للتقدم والنجاح …؟
قطعاً لا … بل من الأجدى أن تبحث عن المفتاح ، فلا تحطم الباب ولا تكسر ساقك ….!

الملمح الرابع : المنظومة القيمية :

ما الذي جعل أمريكا على ما هي عليه الآن من عظمةٍ في الفكر والعلم والتقدم والحرية والديموقراطية والتأثير الدولي الحاسم …؟
أهي ثروات أمريكا الاقتصادية ، الذهب والبترول والنحاس والزراعة و…و…و…الخ .
لا … فكثير من البلدان لديها أكثرُ مما لدى أمريكا ربما قياساً إلى عدد السكان ، فما هو إذن ..؟
إنه القيم الأمريكية ، الحلم الأمريكي ، الثقة بالنفس وبالوطن ، الوطنية الأمريكية ، حب الحرية ، حس التسامح ، جميع هذه قيم أخلاقية أساسية ، قيم عملية ، واقعية ، إنسانية تضع الأهم قبل المهم ، وتقدم النافع المفيد الدافع للتطور والتفوق والنبوغ ، قبل الهامشي الانعزالي الفردي المثالي .
القيم …نظمٌ إيمانية خاصة ومتميزة تعنى بما هو صحيحٌ وما هو خاطئ ، ما هو نافعٌ وما هو ضارْ ، ما يجعل الحياة ذات معنى وقيمة ، وما لا يغني ولا يطور ولا يؤسس لمعنى سامي للحياة ، إنها المعايير للصحة كما الخطأ .
الكثير من الناس وللأسف لا يملكون صورة واضحة عن ما هو مهم وما هو غير مهم بالنسبة لهم ، وبالتالي فأنت تراهم يتخذون قرارات أو يقتنون أشياء أو يمارسون ممارسات تبدو ساعتها مهمةٍ لهم ، ولكنهم بعد حين يودون لو يتخلون منها ، وقد لا يكون ذلك يسيراً عليهم .
لو أنك تتابع بعينٍ فاحصةٍ أولئك الناجحين في الحياة ، للحظت إن لديهم حسٌ ذكيٌ للغاية لما هو مهم بالنسبة لهم وما هو غير مهم ، وبالتالي فهم لا يتخذون القرارات الخاطئة ولا يهدرون منابع ثروتهم الروحية والمادية عبثاً .
أنظر إلى ( جون كندي ) مثلاً أو ( مارتن لوثر كينغ ) أو غيرهم كثيرون ، تلاحظ أنهم ومع الاختلاف الكبير في الرؤى لما يجب أن تكون عليه الحياة والعلاقات بين الناس ، رغم هذا فقد كانت لكل واحدٍ منهم منظومة قيمية ، تعكس هويتهم الأخلاقية والإنسانية وأولوياتهم في الفكر والعمل .
إن فهم القيم والتمسك بها هو أبرز مفاتيح التقدم نحو الهدف .
لو تنظر لمجموعة الملامح البارزة لفكر وسلوك الناس الناجحين التي ذكرناها بإيجاز في هذا الفصل ، لرأيت أنها تبنى على بعضها البعض وتتداخل بقوة مع بعضها البعض ، لتشكل نسيجاً متكاملاً ، الشغف يبنى على الإيمان ، فكلما آمنا بقدرتنا على شيء ما كلما أزداد شغفنا بهذا الشيء وبالعكس ، ثم تجد الإيمان والشغف لا يكفيان بغير الإستراتيجية ، فلو إنك آمنت بأن الشمس تشرق من الشرق وكنت ولوعاً وبقوة بأن تعيش لحظة الشروق ، فإنك لا يمكن أن تتوجه صوب الغرب وتنتظر أن ترى الشروق من هذا الاتجاه ، إذن فأنت تحتاج للإستراتيجية ومعرفة الطريق .
طيب …وهل تتأثر الإستراتيجية بالقيم الأخلاقية والمعايير ..؟
طبعاً ، فأنت لا يمكن أن تعمل وتخطط وتنجح في شيء لا يتناسب مع تصوراتك القيمية ومشاعرك ومنظومتك الأخلاقية ، قد تنجح فعلاً ولكن إلى حين ، وسيصيبك الألم والندم لاحقا لأنك خالفت ضميرك وفعلت شيئاً لم يكن منسجما مع قيمك .
بذات الوقت فإن هذا الرباعي من الميزات المطلوبة للنجاح ، يرتبط بالعامل الخامس التالي :

الملمح الخامس : الطاقة :

هذا الديناميك ، هذه الحيوية الفسيولوجية ، هذا التدفق من القوة والحركة والفعالية ، إنه من مستلزمات النجاح والتقدم والتفوق ، ولا يمكن الوصول لشيءٍ دونها .
يمكن أن يملك المر شغفاً ، يمكن أن يكون مؤمنا بنفسه وبأهدافه وقدراته ، يمكن أن يضع إستراتيجية ، ويمكن أن يكون ذو قيمٍ واضحة صريحة ، ولكنه يفتقد إلى الطاقة للفعل ، يفتقد إلى الحيوية الفسيولوجية ، بالنتيجة تجد مثل هذا لا يفعل شيء ولا يصل لشيء .
النجاح الحقيقي لا يمكن أن يتحقق بغير تلك الطاقة الروحية والنفسية والفسيولوجية التي تمكننا من تحقيق أفضل النتائج اعتمادا على هذا الذي نملك من إمكانات وقيم وإستراتيجية وإيمان وشغف .

الملمح السادس : القدرة على تكوين علاقات اجتماعية :

كل المتميزين المتفوقين الذين نالوا من النجاح النصيب الأكبر ، كانت لديهم قدرات عالية على ربط أنفسهم بأشخاص حتى ممن يختلفون معهم في الخلفية الاجتماعية وفي التصورات والبنية الفكرية .
لا شك أن هناك البعض من العباقرة ممن كانوا منعزلين اجتماعيا ولم يبرحوا أبراجهم الشخصية العالية ، ولكنهم قطعاً ينجحون في شيء ويفشلون في أشياء أخرى ، وبالتالي ليس مثل هذا النجاح ما يتوق له المرء .
إن (كندي ، غاندي ، لوثر كينغ ) وغيرهم المئات أو الآلاف ، كانوا يملكون تلك القدرة على التواصل الحر والحي والدافئ مع الآخرين ، بل مع الملايين من الناس .
إن النجاح الحقيقي الكبير لا يتحقق على مسرح الحياة ، بل في البدء يتحقق في الداخل ، في القلب ، في الضمير ، في الروح ، في الإيمان بالإنسانية وحب الناس كافة وفهمهم مهما اختلفوا معك ، في هذه الحاجة الداخلية العميقة في أن ننال حب الآخرين واهتمامهم ، وبدون تلك الروابط مع الآخرين ، وبغير تبادل الحب والاهتمام ، لا يكون النجاح نجاحاً حقيقياً ، بل في الغالب سيكون عبئاً ثقيلاً وسيكون طريقه وعرة للغاية ومرهقة .

الملمح السابع والأخير من ملامح النجاح والناجحين هو :
القدرة على الاتصال والتواصل مع الآخرين :

وهذا هو جوهر هذا الكتاب وعصبه الأساسي وعموده الفقري …!
الكيفية التي نتواصل بها مع الناس ومع أنفسنا ، تحدد بالنتيجة كفاءة ورقي مستوى حياتنا . الناس الذين نجحوا ونالوا من الحياة نصيباً راقياً من الثراء والاعتبار والقيمة ، هم أولئك الذين امتلكوا فن التواصل مع الناس ، وقبل ذلك فن التواصل الإيجابي مع أنفسهم ، إنهم أولئك الذين تعلموا كيف يواجهون التحديات وينجحون في التواصل مع ذواتهم ونقل التحدي أو التجربة المرّة إليها بلغةٍ متفائلة تفضي بالتالي إلى أن يستمدون من أنفسهم الصبر والشجاعة والتحمل ، فيعبرون بالنتيجة خطوط النار وهم أكثر قوة ، فينتصرون وينجحون .
التمكن من فن التواصل ، هو سمة أولئك الآباء الناجحون ، الأمهات الرائعات المنجبات للعظماء ، المدراء الجيدون ، الفنانون الرائعون الذين ينشرون قيم الحب والجمال وسط الأجيال الصاعدة .
فن التواصل ، هو فن النجاح ونشر عدوى النجاح وسط الناس .
حسناً … تلك سمات النجاح الأساسية ، وذات تلك السمات سنفصلها بعناية في الفصول اللاحقة عبر صفحات كتابنا هذا ، وما أردناه هنا هو التقديم لها والتعريف ببعض محتوى كتابنا الواسع هذا .

akchmir
16-11-2008, 13:08
قوة بلا حدود ……………….Unlimted Power
الجزء الأول
استنساخ القدرات المتطورة لدى المتفوقين
الفصل الثاني
محاكاة المتميزين عبر إعادة برمجة الأعصاب

تأليف
آنتوني روبينس
ترجمة
كامل السعدون

" غريبةٌ هي الحياة ، إن رفضت ما هو دون الأحسن ، وهبتك أحسن ما في خزائنها بلا انقطاع "

سومرست موم

كان يقود دراجته البخارية على الطريق السريع وبسرعة مائة كيلومتر بالساعة ، وفجأة حدث الذي حدثْ ، شيء ما لفت نظره على الرصيف ، وإذ عاد ببصره للطريق ، لم يكن أمامه إلا لحظةٍ واحدةْ ليقوم برد فعلٍ مناسب ، ولم تكن تلك اللحظة كافيةٍ فقد توقفت الشاحنة التي كانت تسير أمامه فجأةٍ وبشكل تامْ ، ولكي ينقذ حياته مال بدراجته البخارية على إسفلت الشارع وتزحلق وإياها مع قدمٍ لما تزل تضغط بقوةٍ على الكابح .
لحظةٌ أشبه بالأبدية كانت ، تزحلق تحت الشاحنة في ذات اللحظة التي أنفجر فيها غطاء الوقود وبدأ البنزين بالتدفق ليلتقط شرارةٍ من الإسفلت الساخن فينفجر بقوة .
حين أستيقظ من حالة فقدان الوعي الطويلة ، وجد نفسه على سرير في مستشفى مع حروقٍ رهيبةٍ مؤلمة في كافة أنحاء جسمه ، مع متاعب هائلة في التنفس .
كانت ثلاثة أرباع جسمه تعاني من حروقٍ من الدرجة الثالثة ، ومع ذلك …لم يستسلم .
دافع بقوة عن حقه في العودة إلى الحياة وإلى عمله في الأشغال الحرة ، وسار مجدداً في مشواره المهني رغم قسوة حروقه ، وفجأةٍ حدث حادثٌ آخر في أثناء رحلةٍ له بالطائرة من ولايةٍ إلى أخرى . وكان الثاني أشد مرارة من الأول إذ أقعده على الكرسي المتحرك ، بجسمٍ يفتقد نصفه السفلي بالكامل .
في حياة كل رجلٍ أو امرأة ، هناك لحظةٌ تحفل بالتحديات التي لا يمكن إلا أن تحسم في الحال وبلا تلكؤ ، لحظةٌ يوضع فيها كل ما نملك من رصيد نفسي ومادي وفسيولوجي و…و…و… على محك الاختبار ، لحظة يبدو وجودنا فيها على المحك ، بل إنه يبدو حتى بلا معنى ، لحظةٌ يتوتر فيها كل رصيدنا من القيم ، الإيمان ، الصبر ، التعاطف ، التحمل ، كالسهم في أقصى درجات توتره قبل أن يفلت من محبسه .
القلة …بل القلة القليلة جداً من يستخدمون مثل هذا الموقف ليغدوا أحسن ، أما الكثرة فإن هذه التجربة المرعبة تدمرهم بالكامل .
هل فكرت صديقي القارئ ، كم نحن مختلفين في ردود أفعالنا على التحديات ؟
لقد فكرت أنا بذلك ملياً ، بل لقد استهلكت وقتاً كبيراً وممتعاً في البحث عن السبب وراء اختلاف الناس في ردود الأفعال ، ولماذا هم يفعلون هذا أو ذاك ، ويتصرفون بهذه الطريقة أو تلك ، وما الذي يميز البعض القليل من الرجال والنساء عن الكثرة الغالبة ، ما الذي يخلق القادة والعظماء ؟
لماذا يعيش البعض في سعادة رغم قسوة ظروفهم ، ولماذا يعيش آخرون في تعاسةٍ وشك وكآبة وخوف ، وهم يبدون وكأنهم يملكون كل شيء ؟
حسناً …دعني أحدثك عن شخصٍ آخر ، ولنرى الفرق بين الاثنين .
حياة هذا الرجل تبدو مضيئة للغاية ، غنيٌ هو جداً ، موهوب ولديه الكثير من المعجبون الذين يمنحونه الحب والامتنان والحنان والاهتمام .
في سن الثانية والعشرين ، كان الرجل أصغر عضوٍ في فرقة مسرحية راقية في شيكاغو ، وعقب فترة قصيرة من عمله في هذه الفرقة صار نجمها الأول ، وفترة أخرى وإذ به يحقق نجاحاً هائلاً في نيويورك ، ثم غدا نجم التلفزيون في أربعينات القرن الفائت وبلا منازع ، وفترةٌ قصيرةٌ لاحقة وإذ به يغدو النجم السينمائي الأشهر ، وكان له بيتين راقيين ورصيدٌ نقديٌ كبير وزوجةٌ جميلةٌ محبةْ .
أيٌ من هذين الاثنين وددت لو تكون …؟
من المستحيل أن نتخيل أن فينا من يرغب في أن يعيش تجربة الأول الذي خسر كل شيء ، بما في ذلك ثلاثة أرباع جسمه …!
لكن …دعنا نعود إلى الأول فنرى ما حل به قبل أن نرجع للثاني :
لم أعرف في حياتي رجلاً أكثر حيويةٍ ونجاحاً وقوة مثل ( W.Mitchell ) وهذا أسمه ، فبعد الحادث الأول نال نجاحاً كبيراً وسعادةٍ يحسده عليها الكثيرون ممن لم تحترق وجوههم وتتأثر أعضائهم مثله ، لقد أقام شبكة علاقات اجتماعية رائعة بعد الحادث مباشرة ، وصار مليونير بل ورشح نفسه للكونغرس الأمريكي وكان شعاره الانتخابي ، " أنا لا يمكن أن أنتخب من أجل وجهي لأنه مشوه ، ولكني أعد بعمل الكثير " .
أما الثاني ، الذي تعرفه ربما كما يعرفه الكثيرون فهو ( John Belushi ) ، وهو نجمٌ كبيرٌ من نجوم الأربعينات وقد أسعد جمهوراً عريضاً إلا نفسه .
لقد مات عن عمرٍ لا يتجاوز الثالثة والثلاثين ، أتعرف كيف …؟
تناول جرعةٍ هائلةٍ من خليط الكوكايين والهيروين ، قتلته في الحال …!!
أيمكن هذا …أن يسمم إنسانٌ ناجحٌ لا ينقصه شيء على الإطلاق نفسه بجرعة مخدرات …!
أيفقد إنساناً يشع قوةٍ وذكاءٍ وجمالاً ، يفقد سيطرته على نفسه ويستسلم بذلٍ للموت المجاني الباكر …!
بلا …نحن نرى مثل هذا طوال الوقت وفي كل مكان .
هيلين كيلر التي كانت تفتقد لعدة حواس بآن واحد ومع ذلك عاشت السعادة والشهرة والنجاح ، وغيرها المئات أو ربما الآلاف …!!
حسناً …ما الفرق بين هذا الذي يملك وهذا الذي لا يملك ؟
ما الفرق بين هذا الذي يستطيع ، وهذا الذي لا يستطيع ؟
ما الفرق بين هذا الذي يعمل ، وهذا الذي لا يعمل ؟
لماذا ينتصر البعض على مصاعب ومعوقات لا تحتمل ، في حين يحيل الآخرون حياتهم إلى جحيم ، رغم أن ريح الحياة يهب معهم لا ضدهم …؟
لماذا يستطيع البعض أن يحيل كل المعوقات إلى شيء إيجابي ، في حين يحيل آخرون كل شيء إلى سلبي ؟
لقد كنت مشغولاً بهذا الأمر بكل تفاصيله منذ وقت مبكر من حياتي ، تابعت بعيني وفكري وحواسي ، من أعرف ومن لا أعرف من الأثرياء الناجحون المشهورون المبدعون الأقوياء ، وتساءلت ما الفرق بيني وبينهم ، بين حياتي وحياتهم ، ما هذا الذي يملكون ولا أملك …؟
ماذا تظنني اكتشفت …؟
اكتشفت أن الفرق بين الناجحون والفاشلون ، يكمن في كيفية التواصل مع الذات ، كيف نتواصل مع أنفسنا ، أية أفعال نفعل وأية ردود أفعال نختار …!
ماذا نفعل لو إننا واجهنا إخفاقا ، وكلما كررنا الفعل مرة واثنتين وعشرة ، وقعنا في نفس الخطأ ؟ حسناً …ربما نتألم …نندب حظنا …نسوط أنفسنا بسوط العذاب ، نلوم غيرنا أو الظروف ثم نستسلم للمرارة والكآبة …، أليس كذلك …!
وهذا ما لا يفعله الناجحون …؟
هنا الفرق …!
الناجحون مثل كل الناس يخطئون ويصيبون لكنهم يقرءون الحدث بعينٍ إيجابية متفائلة …!
حين أستلم السيد ( ميتشيل ) من جسده الإشارة المنذرة من أنه قد تلف إلى حدٍ كبير ، وجد الرجل نفسه أمام خيار ترجمة المعلومة التي وصلت من أعضاء جسده المحترقة ، بالتأكيد كان يمكن أن يترجم الإشارة سلباً وبالتالي يسرع في الموت أو أن يخلد لحزنٍ ومرارة، تلازمه العمر كله ، ولكنه فعل العكس …ترجم المعلومة إيجاباً ، قال لنفسه في الرّد على أنات الجسد ومظاهر التشوه ، لا … هذا الحادث فيه درسٌ مفيد وله معنى وليس عبثاً ، علي أن أبحث عن المعنى الإيجابي وأجسمه واقعاً ملموساً مفيداً لي ولغيري .
بناءٍ على هذه الترجمة الإيجابية وهذا التواصل السليم الدافئ مع ذاته ، أمكن له أن يخلق منظومة تصورات ومجموعة قيم جديدة أمكن لها أن تدير حياته اللاحقة وتوجهها وجهةٍ إيجابيةٍ حافلة بالخير والعطاء .
وحتى بعد أن حدث الحادث الثاني وفقد نصف جسمه العلوي ، أستمر الرجل مشعاً مبهراً مثيراً للحب والإعجاب والإقتداء .
كيف يستقبل مثل هذا الرجل وغيره من العظماء إشارات السلب القادمة من الروح أو الجسد أو العقل …؟
ببساطة يغيرون محتوى الرسالة ، يفسرونها تفسيراً إيجابيا مدفوعين بحب الحياة وروح التحدي والرغبة بالاستمرار في طريق النجاح .
إنهم يتواصلون مع منظومتهم العصبية بطريقة تدفع للمزيد من التألق لا العتمة …!

" الأشياء لا تغير نفسها . نحن من يتغير "
Henry David Thoreau


******

النتائج كانت دوماً مادة فضولي …كيف حقق فلان أو علان تلك النتائج الرائعة التي نالها ، وحيث أن النجاح كما تقول الحكمة يخلف أثراً ورائه ، وحيث أن النتائج الراقية المتميزة ، لا تأتي إلا ثمرةُ أفعالٍ معينةٍ محددةْ ، وحيث أن التواصل مع الذات هو أبرز تلك الأفعال وهو البداية ، فقد سعيت لمعرفة كيف يتواصل هؤلاء الناس مع ذواتهم …!
ثم فكرت لو إنني قلدت وبدقة تصرفات هؤلاء الناس وطريقة تواصلهم مع ذواتهم ، فإن من الممكن لي أن أصل مثلهم إلى ذات النتائج التي وصلوها ، حيث أزرع فإني سأحصد جنس ما أزرع ، أو ليس هذه القول المأثور صادقاً …!
لو إنني وجدت شخصاً قادراً على إظهار التعاطف الصادق في الظروف البالغة القسوة ، لأمكن لي أن أقرأ إستراتيجيته في التواصل مع الموقف ( كيف فهم الحالة ، كيف أستخدم لغة جسمه في التعبير عن التعاطف ) فإنني بالتأكيد سأزيد رصيدي من نعمة التعاطف مع الآخرين في المواقف الصعبة .
ولو إنني وجدت زوجين عاشا لخمسٍ وعشرون عاماً وكانا طوال الوقت يعشقان بعضهما بنفس الحجم من القوة ، فمن الممكن أن أكتشف ما هي منظومة تصوراتهما عن الحياة والحب ونفسيهما وفهمهما للعلاقة القائمة بينهما ، وبالتالي فبمقدوري أن أستعير منهما هذه المنظومة من الفهم والتصور والتواصل الحبي القائم بينهما وبين كل واحد منهما ونفسه ، وأنال بالتالي ذات النتائج التي نالاها .
من تجربتي الشخصية أذكر أني في وقتٍ غير بعيد كنت مفرطاً في السمنة وقد أقررت بيني وبين نفسي أنني أنا من سبب هذا الإفراط ، ولكي ما أتخلص منه قررت مع نفسي أن أقلد أولئك النحيفين خفيفو الوزن .
تابعتهم ، استكشفت ماذا يأكلون ، كيف يأكلون ، بماذا يفكرون وبم يؤمنون ، وبالتالي فإنني نلت النتائج التي أردتها ، وأنخفض وزني بمقدار خمسة عشر كيلو وفي فترةٍ جدُ قصيرة ، بل وفعلت ذات الأمر مع اقتصادي وعلاقاتي الاجتماعية ، فأمكن لي أن أحسن من دخلي ورصيدي في العلاقات الاجتماعية ، لا بل وتوسعت في البحث عن تلك القدرات الغير اعتيادية وكيف يمكن للمرء أن ينالها كما نالها القلة من الناس الموهوبون والناجحون ، وهذا ما قادني في النهاية إلى دراسة علم برمجة لغة الجهاز العصبي والمسمى اختصارا NLP.
الوجيز عن هذا العلم هو أنه يقول أن من الممكن إعادة برمجة المخ من خلال اللغة ، لغة اللسان أو لغة الإشارة والجسد .
إن القدرة على اتخاذ أي قرار أو نيل أي مكسب ، يعتمد بالأساس على القدرة على السيطرة على المخ أو المنظومة العصبية ، وأولئك الناجحون الذين لا يرهبهم أي تحدي ولا يقف أمام طموحهم شيء ، هم أولئك الذين يتواصلون مع منظومتهم العصبية بطريقة أو جملة طرق معينة وسليمة للغاية .
Neurologistic Programming (N.L.P ) تعنى بالمقام الأول بكيفية تواصل ( Communication ) المرء مع ذاته وبطرقٍ وأساليب وتقنيات تفضي إلى تنشيط الإمكانات والطاقات الداخلية الكامنة في جوهر العقل الباطن ، وبالتالي خلق أكبر قدر من الخيارات ( في السلوك والحركة والتفكير ) بحيث يتسنى للمرء أن ينتخب السلوك المناسب ويتخذ القرار الأفضل وبالتالي يحقق النجاح المرجو .
الحقيقة أن علم البرمجة العصبية علم شامل وواسع ، ولكنه ليس بالقديم وبذات الآن فهو ليس بالشائع إلا في الأوساط العلمية ، وعلى وجه الخصوص في العلاج النفسي للذين يعانون من متاعب في السلوك والتصرف ن وقد قيض لي أن أحظر جلسة علاجٍ لسيدة كانت تعاني من جملة مخاوف عصبية حادة ، وكانت المرأة قد تلقت علاجاً لأكثر من ثلاثة أعوام على نظم العلاج السابقة الكلاسيكية ولم تشفى من مخاوفها وهواجسها ، ولكنها وفي ظرف ثلاثة أرباع الساعة خرجت من المعالج الذي أستخدم البرمجة العصبية وقد شفت تماماً .
حقيقة دهشت بقوة وقلت لنفسي في الحال ، يجب أن أعرف كل شيء عن هذا العلم .
وكان لي ذلك .
إن علم البرمجة العصبية يعطينا خطةٍ منظمة للسيطرة على المخ وأحوال العقل وتقلباته لا بل والقدرة على السيطرة على سلوكنا وتوجيهه نحو ما نريد لننال هذا الذي نريده .
والأكثر إبهاراً في هذا العلم هو أن بمقدورنا السيطرة على عقول الآخرين وتغيير حالاتهم الذهنية وسلوكياتهم وبالتالي إيصالهم إلى النتائج التي نرومها نحن لهم .
لقد وهبني هذا العلم مفتاح الكنز الذي بحثت عنه طويلاً ، النجاح ، النتائج المتميزة ، السر الذي يملكه القلة ويحتفظون به .
حيث ينام البعض في وقتٍ متأخر جداً ، وينهضون في الصباح الباكر بقفزةٍ واحدة ,بمنتهى النشاط والحيوية والسعادة والهمة العالية ، فإن هذا بالتأكيد نتيجة لشيء خلقوه في أنفسهم واحتفظوا بسرّه ، ما هو هذا الشيء ؟
كان هذا هو السؤال الأول الذي صدمني .
كيف خلقوا هذا الشيء ؟ …كان هذا هو السؤال الثاني ….!
حيث أن العمل هو الذي يؤتي بالنتائج وليس النظرية حسب ، فما هي تلك الأنشطة الذهنية والفسيولوجية التي دفعتهم للاستيقاظ الباكر ؟
حسناً … من البديهيات في علم الأعصاب أننا نملك ذات المنظومة العصبية الأساسية ، وبالتالي فإذا كان أحدهم قادراً على أن يفعل شيء كائناً ما كان هذا الشيء ، فإن من البديهي أنك أنت ذاتك بإمكانك فعل هذا الشيء ، شريطة أن تسيطر على منظومتك العصبية وتقودها بذات الاتجاه الذي فعله الأول .
هذه العملية ، عملية أن تسيطر على مخك وتفعل ذات الأفعال وتتصور ذات التصورات وتكرر ذات الحركات والسكنات والسلوكيات الصغيرة التي فعلها شخصٌ آخر لتنال ذات النتائج التي نالها هذا الشخص ، تسمى المحاكاة أو الاستنساخ وفق نموذج سالف ( MODEL ) .
ونكرر ما يصح لغيرنا يصح لنا وما نجح فيه غيرنا ، ينمكن أن ننجح فيه ، والسؤال العاجل ليس هل أستطيع نيل نفس النتائج أم لا بل السؤال هو هل أستطيع محاكاة إستراتيجية هذا الشخص أم لا …؟ .
وما هي الكيفية التي مكنت هذا أو ذاك من نيل ما نال من نتائج …!!
لو إن شخصاً ما يحسنُ شيء معين ، كائناً ما كان هذا الشيء ، وليكن القيام بالحركات البهلوانية على الدراجة الهوائية أو صنع المعجنات بشكل متميز أو ….الخ ، فبمقدور أي واحد منا أن يغدو بذات المهارة وبفترة قياسية ، إذا ما أمكن له تقليد الحالة الذهنية والعصبية والحركات التي يقوم بها مثل هذا الشخص المتفوق في هذا النشاط أو ذاك ، أو لو إنك تعرفت على شخص كانت لديه مهارة عالية في التعامل والتأثير في الأطفال ، ثم تابعته وطرحت عليه الأسئلة الجوهرية التي تعنى بتفاصيل أداءه ، تصوراته عن الأطفال ، بماذا يفكر وهو يتعامل معهم .
ببساطة لو إنك حاكيت منظومته العصبية ، لتسنى لك قطعاً أن تنال وبسرعة قياسية ، ذات النجاح الذي يناله .
لا نشك طبعاً أن هناك أنشطة تتطلب قدراً أكبر من الوقت والجهد والتعلم والاستعلام وتكوين المعلومات ، لكي ما نتقن بعض المهارات الكبيرة ذات المردود الأخطر من النجاح ، لكن بكل الأحوال سيكون الوقت والجهد أقل بكثير من هذا الذي بذله ذات الشخص حتى أتقن هذه الممارسة أو هذا النشاط ، مضافاً إلى أن النجاح سيكون أكبر وأعم وأشمل إذا ما طورت أنت أسلوبك الخاص وتقنياتك الخاصة لاحقاً .
(ستجد المزيد عن هذا في الفصل السابع )
أود بهذه المناسبة أن أشير إلا علمين بارزين من أعلام البرمجة اللغة الأعصاب ، هما الدكتور جون كريندر ، العالم اللغوي الأشهر والثاني هو ريتشارد باندلر ، وهو رياضي(Mathematician ) ومعالج سيكولوجي وخبير كمبيوتر بذات الآن .
لقد أجتمع هذين الرجلين الفريدين واتفقا على ضم معارفهما وخبرتهما وتوحيدها في منظومة معرفية علمية مكتملة ، تهدف إلى الوصول إلى تقنيات متطورة لمحاكاة الموهوبين وفي مختلف المجالات .
بحثوا عن أولئك المبدعين الذين خلقوا متغيرات هامة في الحياة ، بحثوا عن المتفوقين في التحصيل العلمي ، في العمل الحر …الخ .
وانتخبوا تلك الأنماط السلوكية الأساسية في التواصل مع الذات ومع الآخرين التي أبدعها ومارسها ونجح من خلالها هؤلاء المتميزون عبر سنينٍ من الجهد والكفاح ، فكانت حصيلة عملهما جملةُ تقنيات فعالة في التداخل أو التمازج السلوكي (Interventiona Behavioural ) ، والذي وضعوا له نظاماً منضبطاً منسجماً من خلال استنساخهما لجملة متميزين كالدكتور ملتون آيريكسن ، المعالج بالتنويم المغناطيسي ، فرجينيا ساتر الخبيرة بمشاكل الأسرة ، جورج تايسون الخبير الأنثروبولوجي .
على سبيل المثال ، تابعوا كيفية تمكن السيدة ( ساتر ) من استكشاف المشاكل العصية على الفهم في الحياة الأسرية ، والتي عجز غيرها عن اكتشافها ، وكيف وضعت الحلول الناجعة لتلك المشاكل ، ثم نقلوا التجربة إلى طلابٍ في علم الاجتماع ولقنوهم ذات الأنماط ووضعوهم في ذات المكان الذي كانت تشغله السيدة ساتر ، فنال هؤلاء الطلاب وفي فترةٍ قياسية ، ذات النجاح الذي كانت تناله هذه السيدة ، بالرغم من إنهم لم يمتلكوا تلك الخلفية من العلم والخبرة والتجربة الطويلة التي كانت تمتلكها خبيرة الأسرة السيدة ( ساتر ) .
بالنتيجة وضع لنا الرجلين من مجمل هذا الجهد ، تلك المنظومة العلمية الشاملة المسماة برمجة لغة الأعصاب ( N.L.P ) .
في واقع الحال ، ما فعله هذين الرجلين كان أكبر بكثير مما نتوهم للوهلة الأولى ، فما فعلاه لم يكن وضع أنماط فاعلة لتغيير السلوك والشعور ، بل وأعطيانا أسلوباً سريعاً ومنظماً للمحاكاة ، ومع ذلك فإن الكثيرون وللأسف تعلموا أنماط السلوك من أجل خلق تغيير سلوكي وشعوري مؤقت ومحدود في نفوسهم ذاتها ، ولم يسعوا لبناء القوة الشخصية الداخلية التي تؤهل لاستخدام تلك التقنيات بشكل واسع في الخارج ، في ساحة العمل من أجل دفع حياتهم نحو آفاق جديدة .
إن أولئك الذين غيروا العالم وأوصلوه إلى ما هو عليه الآن من تطور وعظمة ، هم أولئك الذين كانوا قادرين على المحاكاة بمهارة ، ثم دفع عملية المحاكاة إلى مستوى أبعد وهو تسجيل وتطوير خبراتهم الشخصية وأضافتها إلى الكم المعرفي الحضاري الإنساني .
بالمناسبة ، لو إنك تعقبت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم الغربي والتي تصدر دوماً في صحيفة النيويورك تايمز لوجدت أن أغلب تلك الكتب تدور حول تطوير الشخصية والتميز وتنمية الموهبة وتحقيق التفوق ، وكلها في الغالب تدور حول نماذج متفوقة يعاد قراءة تجربتها وتاريخها وتلخص أنماط سلوكها وتفكيرها وشعورها ، مما يؤكد ما سلف ذكره من أن المحاكاة وفن المحاكاة يشغل بال الكثيرون من القراء في عالمنا الغربي .
خذ كتاب " بيتر دريكيرز " الأخير المسمى ( المقاولات والإبتكار " ( Innovation & Entrepreneurship ) ، والذي يدرج فيه الكاتب قائمة بالسلوكيات والأفعال العملية الواقعية التي يمكن أن توصل المرء للقيادة المهنية وتجعل منه مبتكراً في قيادته .
الرجل يشدد في كتابه على أن عملية الابتكار والتجديد ذات قيمة خطيرة في النجاح المهني وإنه ليس بالمعجز أو المستحيل أن يغدو المرء مبتكراً ، وإن هذا لا شأن له بالوراثة ، بل الحاسم فيه هو التعلم والاكتساب .
أليس هذا بجديدٌ علينا …؟ أظن ذلك …!
يعد السيد ( بيتر ) اليوم مؤسس نظم وتقنيات النجاح المهني المعاصرة ، وقد أمكن له أن يضع تلك التقنيات عبر قدرته العالية على المحاكاة والاستنتاج والتبويب الحسن لمادته المأخوذة من أكثر من مصدر من نماذج الناجحين في كل ميدان .
أو خذ كتاب السيدين ( كينيث بلانشر و سبنسر جونسون ) والموسوم ( The One Minute Maneger ) ، في هذا الكتاب يعطيان نماذج للتواصل الفعال بين الناس من خلال استعراض سلوكيات بعض كبار القادة الأمريكان .
أو خذ كتاب البحث عن التميز ( The Search of Excellence) ، وفيه تجد نماذج من الشركات الأمريكية الأكثر تفوقاً ونجاحاً ، وكيف وصلت لما وصلته ، وفي كل يوم يضاف الجديد من الكتب الأكثر مبيعاً إلى هذه القائمة …!
إن بمقدور الإنسان أن يعلم الكلب أو أي حيوان كيف يحسن سلوكه عبر التمرين والجهد ، فلم لا نستطيع أن نغير سلوكياتنا أو سلوكيات الآخرين فنصل بأنفسنا أو بهم إلى انتخاب الأفضل والأصلح والذي يوصل إلى التفوق والنجاح ، لكن ما أوده لنفسي ولقرائي هو أن نصل إلى منظومة محاكاةٍ تعتمد القواعد وروح الانضباط والصبر ، وصولاً لا إلى إتقان المحاكاة حسب ، بل وخلق نموذجنا الشخصي الذي يمكن أن يضاف إلى المعرفة الإنسانية ليُحاكى ويُقلد لاحقاً .
لقد أمكن لي أن أعلم رماة البنادق في الجيش الأمريكي كيف يحسنون التصويب من خلال حثّهم على استكشاف سلوكيات وحركات وسكنات والمنظومة الذهنية للمتميزين منهم في الرماية ، ورجوتهم تقليد ذلك وتابعت عملهم بعناية وأوصلتهم إلى ذات المستوى الذي يملكه القلّة منهم .
وفعلت ذاته مع لاعبو البريدج والكاراتيه وغيرها .، عبر محاكاتي وحثي للمتمرن على محاكاة المتميزين .
لا بل وقد وصلت بأبطال أولمبيين إلى تكرار نتائج سابقة جيدة حصلوا عليها ، بأن عدت بذاكرتهم ومنظومتهم الذهنية إلى تلك الأيام التي خلت وكيف كانوا يتصرفون ويتهيئون للفوز ، وأي تصورات كانت لديهم وكيف كان حجم ثقتهم بأنفسهم في ذلك الحين .
في عالم التكنولوجيا ، يحصل الأمر ذاته …!
كل خطوة إلى الأمام في مضمار الهندسة أو التصميم ، أي تصميم ، يعتمد الجديد على القديم ، ويشرع المصمم أو المندس بقراءة ولاستعراض ما سلف من اكتشافات واختراعات ثم يبني جديده على هذا القديم .
بل وفي عالم المال والأعمال يحصل ذات الأمر، الشركات تحاكي بعضها ، والتجربة التي تنجح تنتقل من هذا إلى ذاك ، أما الشركة التي لا تعمد للإقتداء والمحاكاة وتصرّ على أن تعيش تجربتها لوحدها من آلفها إلى يائها ، تجدها تفشل وتفلس .
المؤسف أن السلوك الإنساني هو الوحيد الذي لا يصيبه التغيير والتطور إلا نادراً وعلى استحياء ، فنحن لا زلنا نعيش بتقاليد وعادات وأفكار وأنماط سلوك آبائنا ,أجدادنا في القرون التي خلت .
حسب السيدين ( باندلر وكريندر ) ، هناك ثلاثة عناصر أساسية لا مناص من استنساخها إذا ما أراد المرء أن يصل إلى إنجاز أعمال أو منجزات متميزة ، الأول : المنظومة الإيمانية : بم يؤمن الإنسان الذي يتوق للتغيير والتطور ؟ ما هو الممكن وغير الممكن حسب تصوراته الداخلية ؟ ، عبر التعرف على منظومة الإنسان الإيمانية وتصوراته الداخلية لما هو صحيح وما هو خاطئ ، لما هو ممكن وما هو غير ممكن ، لما هو جائز وما لا يجوز لأي سبب كان ، عبر هذا يمكنك أن تعرف إلى أي مدى يمكن لإنسان ما أن ينجح ويتجاوز العوائق ويصل لأهداف سامية .
هناك حكمةٌ مأثورةٌ تقول " سواء آمنت بأنك تستطيع ، أو لم تؤمن ففي الحالين أنت على صواب " .
هذا صحيح إلى حد كبير . إذا كنت تؤمن بأنك لا تستطيع أن تفعل شيئاً وقلت هذا باستمرار لنفسك ، فأنت أوحيت أو أرسلت لجهازك العصبي رسالةٍ فحواها لا تفعل ( كذا ) شيء لأننا لا نستطيع ، وبالتالي فجهازك العصبي لن يجند تلك الطاقات النفسية والفسيولوجية المطلوبة لإنجاز هذا الشيء ، بذات الوقت لو إنك آمنت أنك قادر على فعل شيء ما وأوحيت لجهازك العصبي بأن يفعل ، لأرسل بدوره إلى كل أنحاء الجسم بهذا التبليغ فجُهزت الطاقات المطلوبة لإنجاز الشيء ، كائناً ما كان هذا الشيء .
وتأسيساً على هذا ، لو إننا تمكنا من استنساخ أو محاكاة المنظومة الإيمانية لشخصٍ ما فأننا فتحنا أول الأبواب صوب الخروج من نفق العادية إلى فضاء التميز والإبداع والتفوق .
الباب الثاني : هو التوليفة الذهنية ( Mental Syntax ) لهذا الشخص ( المتفوق ) ، أي الطريقة التي تنتظم بها أفكاره ، أو الشفرة ( Code )التي تشبه أرقام التلفون الثمانية الممثلة لرقم تلفون بيتك أو صديقك ، والتي أن ضغطتها حسب الترتيب السليم لها ، رُفعت السماعة وجاءك صوت أبنك أو أباك أو صديقك .
ذات الأمر تتبعه للوصول إلى هذا الجزء من المخ والمنظومة العصبية الأكثر فعالية وتأثيراً في تحقيق هذا الهدف السامي أو ذاك ، وبالتالي للوصول إلى النتائج الراقية التي وصلها صاحب الشفرة أو المنظومة الذهنية .
ذات الأمر يحصل في التواصل مع الناس ، إذ غالباً ما نستخدم نحن شفرات مختلفة وغير سليمة في التعرف على الآخر ، ولهذا نفشل في تحقيق تواصل جيد .
حسناً ، إذا ما نجحت في التعرف على شفرة هذا المتفوق أو ذاك وعرفت كيف يفكر وكيف تنتظم تصوراته وقناعاته ورؤاه والتي أوصلته لهذا الذي وصل إليه ، إذا فعلت هذا فإنك فتحت الباب الوسطي للنفق وليس أمامك إلا الباب الأخير وهو :
العامل الفسيولوجي ( وظائف الأعضاء وحركاتها وأنشطتها ) :
لا نأتي بجديدٍ إذا قلنا أن الجسم والعقل مرتبطان ببعضهما بحيث أن طريقة استخدامك لجسمك ، طريقة تنفسك ، حركة ساقيك ، ذراعيك ، الطريقة التي تمشي بها أو تجلس أو تقف ، تقرر في الواقع حالتك النفسية ، وبالتالي وعلى ضوء تلك الحالة ، تنتج سلوكاً بكفاءة أو نوعية معينة ( مجمل هذا سنناقشه بالتفصيل في الفصل السادس ) .
إن أكثر الناس كفاءة في التقليد هم اليابانيون ، لقد حققوا اقتصادا مذهلاً مبهراً عبر محاكاتهم لما تنتجه الولايات المتحدة أو دول أوربا الأخرى ، علماً بأنهم في واقع الحال وعبر العشرون عاماً الأخيرة لم يبدعوا شيئاً حقيقياً مهماً يمكن أن يسجل لهم وحدهم .
لو عدنا إلى صاحبنا الذي استعرضنا تجربته التراجيدية في الفصل الأول ، أعني ( W.Mitchell ) ، والذي عاش تجربة مأساوية إذ أحترق وجهه وفقد ساقيه لاحقاً .
كيف استطاع هذا الرجل أن يحيل مأساته إلى تفوقاً مبهراً لازمه طوال ما تبقى من حياته …؟
ببساطة ، قيض له أن يتعرف على تجارب من عاشوا المأساة مثله ، وتغلبوا عليها …!
حتى وهو لما يزل في المستشفى ، كان يرجو أصدقائه أن يقرءوا له تجارب الآخرين ممن مروا بما يشبه تجربته ، وقد فعلوا بكل سرور ، وكانت النتيجة أنه قارن بين خيارين لا ثالث لهما ، أما أن ينجح وينتصر أو أن ينهزم ويموت في كل لحظة بالألم الجسدي والنفسي الذي أصابه من وراء تلك الحوادث التي تعرض لها .
حسناً …قلت سابقاً وكررت ، أننا جميعاً نقلد وطوال الوقت ، فلماذا لا نصل غالباً إلى نتائج طيبة …؟
الجواب لأننا لا نملك منظومةٍ تعتمد الانضباط والإرادة ووضوح الرؤية ووجود هدف يسوقنا أو يجتذبنا جهته ، ولهذا فنحن غالباً ما نفشل أو بالكثير نحقق القليل …!
نحن نقلد بشكل قائم على الصدفة غالباً وبلا معرفة ووعي وعلم حقيقي .
في الفصول اللاحقة ، ستكون المعرفة والعلم والبرنامج المنضبط الرصين تحت أمرتك لتحاكي وتنجح ثم ، تبدع نموذجك الشخصي .

akchmir
16-11-2008, 13:10
قوة بلا حدود
Unlimted Power
- الفصل الثالث
لجزء الأول
استنساخ القدرات المتطورة لدى المتفوقين
الفصل الثالث
أهمية الوضع النفسي في تحقيق السعادة والنجاح
تأليف
آنتوني روبينس

إنه العقل من يصنع المرض أو الصحة ،
العقل وحده من يمكن أن يمنحك السعادة أو التعاسة

أدموند سبنسر
________
هل عشت مرةٍ تلك الحالة الشعورية الغريبة التي ملأتك ثقةٍ وبهجةٍ حتى بلغ بك الإحساس وكأنك تسبح في الفضاء بحريةٍ ، وكأنك سموت على الأشياء والناس وبلغ بك الزهو أنك امتلأت إيماناً بأن كل ما تفعله مضمون النجاح وإنك لم تعد تملكُ هماً أو غماً على الإطلاق . شعورٌ رهيبٌ بالقوة والمنعة والثقة تجعلك تحس بشيء من القداسة في نفسك ، وبأنك قادر على مواجهة أي عائق كائناً ما كان والانتصار عليه بسهولة .
ربما حصل هذا بفضل نصرٍ صغير حققته في مباراة ما ، أو مكسبٍ غير متوقع نلته من صفقة معينة وجاء أكبر من كل توقعاتك ، ربما شهادة دراسية نلتها بعد جهدٍ جهيد …!
وقطعاً عشت يوماً الحالة الأخرى التي لا يود الواحد منّا أن يعيشها ، ولكنها لا بد وأن تعاشْ .
حالة الهزيمة المطلقة ، حيث تفشل في كل ما تفعل ، وحيث تولي وجهك ، تصطدم بظروف قاسية وناس سيئون ومعوقات لا تنتهي ، وما أن تضع يدك بشيء لتنجزه إلا وتجده يتحطم إلى شظايا ، ليزيد من شعورك بالخيبة والمرارة والإحباط .
حسناً ما الفرق بين هاتين الحالتين وأنت ذاتك أنت في كليهما …؟
وذات القدرات والإمكانات التي رصدتها في الحالة الأولى وحققت لك النجاح ، يفترض أن تكون ذاتها قدراتك وطاقاتك في الثانية ، فلم نجحت هنا وفشلت هناك …؟
لماذا تكون النتائج خارقة في إيجابيتها ، وتكون ساحقةٍ في سلبيتها في موقفٍ آخر …!
الفرق هو في الحالة الفسيو- عصبية التي تكون عليها في هذا الموقف وذاك بنفس الوقت مع الفرق في اتجاه تلك الحالة بين الإيجاب هنا والسلب هناك ، فحالاتٌ شعوريةٌ من قبيل " الثقة ، الحب ، الإيمان ، الإعجاب ، القوة الداخلية …الخ " ، تستقطب لك طاقاتٌ إيجابية هائلة من احتياطي القوة الداخلية الجوهرية المخبأة في أعمق أعماقك ، وبالتالي تفضي بك إلى التألق والنجاح ، في حين تجد أن حالات شعورية مثل " الكآبة ، الخوف ، الشعور بالوحدة ، المرارة ، التعاسة …الخ " تؤدي إلى إيصالك لحالة من العجز التام ، بحيث لا تعد تقوى على فعل أي شيء .
إننا جميعاً نراوح أغلب الوقت بين الحالين ، نتألق هنا ونخبو هناك ، رغم أننا نملك ذات الرصيد من القوة ، ولكنه يهدر هنا بالمجان بسبب الحالات الشعورية السلبية ، ويتعزز هناك ويقوى بفضل الحالات الشعورية الإيجابية .
وإذن ، ماذا لو أمكن لنا أن نغير الحالة النفسية أو الشعورية ، من السلب إلى الإيجاب …؟
ماذا لو إننا تمكنا من تحويل الكآبة إلى سعادة أو الخوف إلى شعور بالقوة والعظمة ، والحزن إلى فرحٍ غامر …؟
قطعاً ، سنتمكن من أن نضمن التألق الدائم والقوة المستمرة المطردة والنجاح الأكيد في تحقيق كل ما نصبو إليه …!!
حيث أن الحالة الشعورية هي التي تحدد نوع السلوك ، وحيث أن السلوك هو مولد النتائج ، سلباً كانت أو إيجابا ، فإذن بتغيير الشعور أو الحالة النفسية ، من السلب إلى الإيجاب ، يتغير السلوك بذات الآن .
إن تغيير الحالة الشعورية هو مفتاح تطوير القدرة على تحسين الأداء في أي عملٍ أو نشاطٍ من الأنشطة بما يضمن بالنتيجة الوصول إلى تفوق وتميز عالي جداً . نحن نقدم أفضل ما لدينا حينما نكون في حالة شعورية متوهجة ، ولكن أحياناً تصيبنا حالة من الهبوط في المعنويات تؤدي بنا إلى أن ننكمش ونتردد ونتلعثم ونرتجف وبالتالي يأتي الأداء بغاية الرداءة والضحالة .
أذكر أني عشت مثل هذه الحالات مرات ومرات عديدة ولدرجة أني كنت متشنجاً في تعاملي مع نفسي ومع الناس ، وكم من مرة جاءت أحكامي متهورة أو مترددة ، وكم من مرة ندمت لاحقاً على ما قلت أو فعلت وأنا في تلك الحالة من هبوط المعنويات نتيجة الخوف أو الوحدة أو …الخ .
إننا إذا ما تذكرنا تلك الأحوال التي كنا فيها قاسين في أحكامنا أو مترددين في إظهار الود والامتنان والتقييم النزيه للآخرين ، إذا ما تذكرنا ذلك أمكن لنا أن نكون أكثر عدلاً مع الآخرين حين يواجهونا بمواقف متشنجة أو عدائية ، إذ نتذكر أننا ذواتنا كنا كذلك يوماً بسبب رداءة وضعنا النفسي ساعتها وليس لأننا عدائيين بطبيعتنا ، وبالتالي فهؤلاء الناس الذين يظهرون لنا العداء أو يعاملونا بقسوة ، هم في الواقع يعانون من حالة معنوية سالبة ، وليس لأنهم بطبيعتهم عدائيين …!
حسناً …فلنعد إلى ما وعدنا به من إمكانية تغيير الحالة المعنوية عامة من السلب إلى الإيجاب .
قلنا ، ماذا لو أمكن لنا أن نغير حالة هبوط المعنويات والضيق النفسي الشديد والكآبة والشعور بالعجز إلى حالة من التدفق والثقة والقوة والشعور بالرحابة والسعة والقدرة اللامحدودة …؟
ماذا لو أمكن لنا هذا وبلمسة واحدة أو قرصةٌ صغيرة على راحة الكف أو بمجرد ضغط الإبهام على السبابة …؟
هذا ما ستناله بالتأكيد قبل أن تنتهي من هذا الكتاب ، ولكن قبل ذلك ، ينبغي علينا أن نعنى بدراسة الحالات الشعورية والتعرف عليها عن كثب ، لكي ما نستطيع التحكم بها .
يمكن تعريف الحالة الشعورية بأنها خلاصة كم هائل من العمليات العصبية المعقدة ، ملايين العمليات العصبية ، التي تحدث في داخلنا ، وخارج إطار سيطرتنا العقلية ، والتي تجتمع في اللحظة الزمنية لتفجر تلك الحالة التي نجد فيها أنفسنا ، سواء كانت تلك سعادة ، تألق ، خوف ، كآبة …الخ .
إنها في الغالب حالات لاواعية إذ قد نرى شيء معين ثم نقوم بإنتاج رد فعل من خلال الدخول في حالة شعورية معينة قد تكون ثرية بالطاقة الإيجابية أو تكون سلبية مستهلكة للطاقة ومسببة للاضطراب في السلوك والأداء ، والأغلبية منّا وللأسف لا يحاولون وعي تلك الحالة ( سلبية كانت أو إيجابية ) لكي ما يمكن تغييرها أو تطويرها إن كانت إيجابية .
الفرق بين أولئك الذين يصلون إلى أهدافهم وأولئك الذين يفشلون ، هو في أن الفئة الأولى تملك القدرة على أن تتموضع في حالة نفسية إيجابية ، وإن وجدت نفسها في الحالة السلبية أمكن لها أن تقلب السلب إلى إيجاب ، بينما الفئة الثانية تجدها غالباً متموضعة بإصرار عند السلب وإن جاء الإيجاب لم تتقبله وتجذرّه في الداخل بل سرعان ما انقلبت باحثة عن السلب ، وكأنها تود أن تعاقب نفسها بالإصرار على الحالات التي تدمر خزين الطاقة النفسية الداخلي وبالتالي تكبح كل فرص النجاح .
حسناً …ماذا لو دونت قائمة بكل تلك الرغبات والأمنيات التي تريد نيلها في هذه الحياة .
أتريد حباً ؟ الحب هو حالة نفسية ، شعور نطلقه لأنفسنا ثم نشعر به بحكم محرضات أو حوافز تأتينا من الخارج .أتريد الثقة بالنفس ؟
الاحترام ؟ ، كلا القيمتين ، نخلقهما نحن في الداخل عبر أحوالنا النفسية . ربما تريد النقود ، المال ، الثراء ؟ حسناً … الثراء ليس تلك الأوراق الخضراء أو قطع النقد الفضية أو الذهبية ، لا وإنما أنت تريد ما وراء النقود ، الحب ، الاحترام ، الاهتمام ، الإعجاب ، الحرية ، وأي قيم روحية ومعنوية أخرى تتصور أنها قادرة على أن تمنحك إياها النقود ، وإذن فما تريده موجود لديك ، في داخلك من خلال أحوالك النفسية نوعية تلك الإشارات الحبية الإيجابية التي تبعثها إلى الخارج فتعود إليك مضاعفة بشكل أكبر .
وإذن فكل ما تريده من الخارج ، يعتمد على ما عندك في الداخل ، فهل بمقدورنا أن نغير ما عندنا في الداخل أو نسيطر عليه ، بحيث نقدر على أن ننتج الوضع النفسي الإيجابي القادر على أن يخلق لنا حالات حب وثقة وأمان وألق وجمال وسعادة وتفاؤل وإصرار على النجاح في الخارج ؟
أظن أننا قادرين على ذلك …!
مفتاح النجاح الأول للسيطرة وقيادة أحوالنا النفسية وبالتالي الوصول إلى تلك الأهداف التي نجهد من أجلها ، يعتمد على تعلم كيفية قيادة المخ بشكل سليم ، ولكي ما يتسنى لك ذلك ، يتوجب عليك أن تعرف ولو القليل عن كيفية عمل المخ .
في البدء علينا أن نعرف كيف يستدعي المخ أو ينتج حالة نفسية معينة …!
كان الناس للمئات من السنين ، مفتتنون بما اكتشفوا من مناهج روحية لتغيير الحالة النفسية وبالتالي تغيير خبراتهم ومعايشتهم الحياتية . كانت أساليبهم لتغيير أحوال النفس تعتمد على الصيام ، التعبد في أماكن منعزلة ، استخدام المخدرات والخمور لتغيير الحالة النفسية ، الطقوس الدينية الغامضة والغريبة في إجراءاتها ، الجنس… التنويم المغناطيسي …الخ ، جميع هذا كان فيه الكثير من الإمكانات الجدية للتغيير وبذات الآن فله معوقاته وقيوده ، إنما الآن بمقدورك أن تنال التغيير في الحالة النفسية والشعورية بشكل أسهل وأسرع وأكثر فعالية .
بما أن كل سلوك هو نتيجة للحالة النفسية ، وإن بمقدورنا أن نتواصل ونتصرف ( مع أنفسنا ومع الخارج ) بشكل مختلف حينما نكون بحالة نفسية غنية بمنابع الطاقة الروحية البناءة ( حالة تفاؤل ، ثقة عالية بالنفس ، إيمان عميق بالذات ، توهج روحي ) ، عنه في حالة أن نكون في حالة نفسية فقيرة بمنابع الثراء الروحي ( حالة من اليأس ، التشاؤم ، الممل ، ضعف الثقة بالنفس ، الشعور باللامعنى والعدمية …الخ ) .
طيب … لنسأل أنفسنا إذن ، ما الذي خلق هذا الوضع النفسي الفقير أو الغني بالطاقة الروحية البناءة والذي نحن فيه الآن ؟
يتكون أي وضع نفسي من عاملين أو مكونين أساسيين هما :
1- تصوراتنا الشخصية الداخلية الذهنية .
2- الحالة الفيسيولوجية التي نحن عليها في هذه اللحظة ، وكيف نستخدم أعضاء كياننا الفسيولوجي : حركة اليدين أو الساقين ، طريقة التنفس ، تعابير الوجه …الخ .
إن ما تراه والكيفية التي تراه من صورٍ ذهنية أمام عينك الداخلية ، وماذا تقول لنفسك عن هذا الذي تراه وهذا الذي تتصوره ، هو ما يخلق الحالة النفسية التي تتملكك ( كآبة ، توتر ، خوف ، سعادة …. الخ ) وبالتالي يخلق سلوكك أو رد فعلك الشخصي تجاه نفسك أو تجاه الحياة والآخرين .
كيف تتعامل على سبيل المثال مع الزوج أو الزوجة أو الحبيب أو الابنة إذا عاد متأخراً من الخارج ؟
سلوكك يعتمد على حالتك النفسية التي بدورتها قامت على أساس التصورات التي تملكتك والآخر غائب ، تصوراتك عن سبب تأخر هذا الآخر عن العودة ، فلو إنك مثلاً ولساعات عديدة تصورت أن هذا الزوج أو الابنة أو الحبيبة أو قد تعرض لا سمح الله لحادثٍ ما أو أنه تورط في موقفٍ صعب فإنك ستستقبله حين يعود بالدموع ممتزجة بأنفاس متقطعة وبالإكثار من الحمد والشكر للرب على النجاة ، أما إن كانت تصوراتك سلبية من قبيل أنها تخونني أو إنه الآن مع صديقة أو حبيبة أو أنه جالس يتناول كؤوس الخمر مع أصدقائه بينما أنا جالسة هنا بالانتظار ، فإنك ستستقبله حين يعود بالشتائم ربما أو العراك .
في الحالتين كان سلوكك انعكاس لتلك التصورات التي تصورتها سلفاً عن غياب الزوج أو الزوجة .
هنا يصدمنا سؤال مهم:
لماذا تنبثق بعض التصورات من قلبٍ طيبٍ مفعم بالحنان والرأفة والرحمة والفهم ، بينما تنبثق تصورات أخرى من قلب مفعم بالشك والريبة وربما الكراهية …؟
هناك عوامل عديدة تدخل في هذا الأمر ، بعضها أننا نقلد أمهاتنا وآبائنا في نمط تفكيرهم ونوعية التصورات التي تنتجها عقولهم ، فلو إن أمك مثلاً كانت تبدي دوماً الحنان والخوف والقلق عند غياب أبيك فإنك تفعل الأمر ذاته مع أبنتك أو زوجتك أو أبنك ، أما إن كانت أمك تردد دائما إنها لم تكن تثق بأبيك فإنك أيضاً لن تثق بالشريك الآخر ( الزوج أو الزوجة ) .
وإذا كانت تصوراتنا تبنى في الداخل وبغير وعي جليٍ منّا ، ولأسباب عديدة وكثيرة فإن هناك عاملٌ أكثر خطورة وأهمية في إنتاج التصورات وبالتالي في التأثير عليها ، ومثل هذا العامل يمكن اعتماده ذاته للتسريع في تغيير التصور ، هذا العامل هو العامل الفسيولوجي ، وطريقة استخدامنا لعناصرنا الفسيولوجية أو أعضائنا وتأثير العادة على طرق استعمال هذا الجسم وتلك الأعضاء الفسيولوجية .
عضلاتنا على سبيل المثال وكيف نقبضها ونبسطها ، طريقة التنفس ، كيفية التهامنا للطعام ، كيف نقف أو نجلس ، كيف نحرك أقدامنا حين نمشي ، وضع الجسم بشكلٍ عام ، جميع هذا له تأثيرٌ حاسم على وضعنا النفسي .
إن كلا من التصورات والعامل الفسيولوجي يلعبان أدوار متبادلة ومؤثرة في بعضهما البعض ، فالعامل الفسيولوجي يؤثر في إنتاج التصورات بكيفية معينة ، والتصورات تؤثر على الوضع الفسيولوجي بالمقابل تأثيراً فاعلاً ، وبالتالي إن غيرّنا هذا تغير ذاك وبالعكس ، فإذن إن لم نعرف كيف نغير منظومة تصوراتنا في لحظةٍ ما ، فبمقدورنا أن نغير العامل الفسيولوجي فيتغير الآخر .
لو إن جسمك كان في وضع فسيولوجيٍ غني بمنابع العافية والصحة ، وكان أبنك أو زوجك أو الحبيب خارج البيت فإن حالة توقع إيجابي هي التي تغمرك وبالتالي تكون تصوراتك إيجابية وودية ، لكن لو إنك كنت في حالة فسيولوجية سيئة من حيث أن عضلاتك كانت متوترة وأنفاسك متدفقة أو متعب جداً فإن تصوراتك المنتجة في تلك اللحظة عن غياب حبيبك أو عن أي أمرٍ آخر ستكون قطعاً سلبية .
إننا حين نكون مرتاحين جسمانياً وحيويتنا عالية فإننا نرى العالم بغير تلك الحالة التي نراه فيها حين نكون مجهدين عصبياً ومتعبين جسمانياً ونعاني من الرشح أو الصداع أو أي مرضٍ كان ، وبالتالي فإننا نملك ساعتها تصورات إيجابية تنعكس لاحقاً بسلوكٍ إيجابي ، بذات الوقت لو إننا امتلكنا تصورات سلبية أو اختلقناها تجاه موقفٍ ما فقلنا أنه موقف عصيب أو مؤلم فإن هذا التصور سينعكس بذات اللحظة على أجسامنا فتجد أن أعصابنا وعضلاتنا تتوتر ، وهكذا ، كلا العاملين يؤثران في إنتاج بعضهما البعض أو تعزيز قوة أحدهما للآخر مما ينعكس على الحالة النفسية العامة فتظهر سلبيةٍ أو إيجابية .
وبالتالي فحيث أن الحالة النفسية العامة تنتج سلوكاً فإن تغيير السلوك يعتمد على تغيير أحد العاملين الأساسيين في خلق الحالة ، أما التصور أو الوضع الفسيولوجي ، إن نجحت في تغيير هذا ، تغير الآخر وبالتالي تغيرت الحالة النفسية العامة وتغير السلوك .
وإذ نقول تغيير أحد العاملين أو كليهما ، فإننا نعني السيطرة الواعية على هذا العامل أو ذاك ، وكلاهما من الممكن السيطرة عليهما ، فخلق التصورات الذهنية ممكن أن نسيطر عليه من خلال الانتباه إلى أن هناك تصورات تتشكل وإنها لا نفع فيها ، مجرد أن تقول هذا لنفسك ، ستشعر في الحال بأن التصور بدأ يتزحزح قليلاً عن مكمنه في الذهن وكلما سلطت وعيك عليه وناقشته بالعقل والحكمة تجد أنك قادر على تغييره .
تصور أن بمقدورك السيطرة على حياتك الذهنية الداخلية في أي لحظة من لحظات العمر ، هذا ممكن جداً لو إنك آمنت بأن عالم الذهن هو الذي يخلق النجاح أو الفشل في الخارج .
حسناً …قبل أن نسعى للسيطرة على نمط فهمنا ومعايشتنا للحياة ، من الموجب أن نفهم كيف نعيش الحياة نحن أساساً .
إننا نتلقى المعلومات من الخارج عن طريق الحواس ، البصر ، السمع ، اللمس ، التذوق ، الشم ، وأغلب استنتاجاتنا وقراراتنا وتصوراتنا التي تنعكس لاحقاً على سلوكنا ، تبنى على أساس الحواس الرئيسية الثلاث ( البصر ، السمع ، اللمس ) ، حيث تقوم أعصاب معينة متخصصة بنقل المؤثرات الخارجية إلى المخ ، فيقوم المخ بدوره وعبر عملية معقدة ( تعميم المعلومة أو إشهارها أو التخلي عنها ) ثم تتم عملية ترشيح النبضة الكهربية المتضمنة للمعلومة ، ثم تحول إلى منتجٍ جديدٍ هو التصور الداخلي ، ولهذا فإن تصورك الداخلي ليس بالضبط هذا الذي حدث وإنما إعادة شخصية لخلق الحدث .
طبعاً لا يمكن لوعي المرء أن يتعامل أو يستخدم كل تلك الإشارات التي تأتي من الخارج وإلا لغدا المرء مجنون فيما لو وعي كل تلك الآلاف من الإشارات التي تأتي من كل مكانٍ من الداخل والخارج ، من أبسط نبضة دم في الإصبع الأصغر في الكف إلى تلك الاهتزازات الدقيقة جداً في الأذن ، ولهذا يقوم المخ بتبويب وتنظيم وتخزين المعلومات التي يستخدمها أو يظن أنها ستستخدم لاحقاً ، ويسمح للوعي بأن يتجاوز ما لا يعد ولا يحصى من معلومات لا نفع فيها .
عملية ترتيب وأرشفة المعلومات توضح لنا هذا الحجم الهائل لمدى وسعة الإدراك الحسي للإنسان ، فلو إن أثنين كانا شاهدين على حادثة سير مثلاً ، وجاء كل واحد منهما بإفادته ، ترى أن هناك تنوع في الإفادات ، فبينما الأول ركز ذهنه على ما يبصر ولم يعني بما قيل أو سمع ، تجد الثاني يعطيك وصفاً دقيقاً لما التقطت أذناه من أصوات وصرخات بل وحركة الريح وصوت محرك السيارة و…و…و…الخ .
إذن فالاثنين نظرا للحادث من خلال زوايا مختلفة ، وهي اختلافات فيزيولوجية تدلنا على إن هناك منطلقاتٌ مختلفة للإدراك الحسي ، وتلك المنطلقات في حالتنا هذه هي البصر والسمع ، فهذا ربما يكون ضعيف البصر ولهذا ترى أن سمعه هو الأكثر رهافة وهو المصدر الأساسي لدية للإدراك الحسي ، أو ربما يكون ذاته قد تعرض سابقاً لحادثٍ مروري وبالتالي فإن لديه تصوراً حياً لهذا الذي حدث .
على أية حال الاثنين كان لديهما مدركاتٌ حسية مختلفة ونابعة من حاستين مختلفتين ، وبالتالي فلديهما تصورات مختلفة لذات الحدث ، وبالتالي فإنهما سيستمران في تخزين خبراتهما الحسية والصور الداخلية ضمن مُرشحات جديدة ستمر عبرها لاحقاً التجارب المستقبلية المشابهة .
عندنا في NLP ( برمجة لغة الأعصاب ) ، هناك مفهومٌ مهمٌ للغاية يقول أن " الخريطة ليست الواقع القائم على الأرض " ، ولكننا نعتمدها كأداة مفيدة لما تمتلكه من تشابه مع الواقع أو مع بعض مفردات الواقع .
وكلك الحال مع تصوراتنا الداخلية فإنها لا تعكس بدقة الحدث الواقع أمامنا أو الحاصل فينا ، وإنما هي ترجمة للحدث رشحت عبر كم من التصورات الشخصية ، المواقف ، السلوكيات ، القيم الشخصية ، ولهذا فإن العظيم آينشتين قد قال يوما ً:
" كل من يحاول أن يجعل من نفسه قاضٍ على الحقيقة والمعرفة ، فإن ضحكة الرب ستقتله " .
حسناً …وحيث أننا لا نعرف كيف تحدث الأحداث حقاً وبمنتهى الدقة ، بل من خلال تصوراتنا ، فلِم إذن لا نتصور الأشياء والأحداث تصوراً يمكن أن ينفعنا ويغنينا ويسعدنا عوضاً عن هذا التصور السلبي الذي يعوقنا ويقيد حركتنا ويجعل حياتنا جحيما ؟
مفتاح النجاح في هذا المسعى هو السيطرة على الذاكرة وإدارتها بشكلٍ جديدٍ سليم ، وذلك عبر خلق تصورات تتطور إلى حالات نفسية إيجابية داعمة لنا ولأهدافنا وسعادتنا ومستقبلنا .إن كل تجربة حياتية تحتوي على ما لا يعد من العناصر التي يمكن للمرء أن يركز على بعضها ، وحتى أولئك الناس الناجحون للغاية في الحياة ، يمكن أن يشغلوا التفكير بعناصر الفشل وبالتالي تهبط معنوياتهم ويسقطوا في فخ التردد والقلق والخوف ، بذات الآن فهناك ما لا يعد من العناصر الإيجابية التي يمكن أن يركز المرء ذهنه عليها فيشعر بالتالي بالقوة والثقة ، إنها مسئوليتنا وخيارنا في أن نختار الجوانب الإيجابية أو السلبية في الحدث فنبني بالتالي تصورات إيجابية أو سلبية وينعكس هذا على سلوكنا وعلى نجاحنا أو فشلنا في ما نروم الوصول إليه .
كثير من الناس يصابون بحوادث أو يتعرضون لكوارث رهيبة ومع ذلك تراهم ينهضون وينجحون ، لماذا …؟ لأنهم ببساطة يبنون من الحادث أو الكارثة السلبية ، تصوراً إيجابياً مغايراً لاتجاه الحقيقة أو الحادثة ، لأن ما يصيبنا لا يحمل معنى خير أو شر ، بل هو شيء يحدث ونحن وحدنا من نستطيع أن نطلق عليه صفة الخير أو الشرّ ، لأنه ليس هناك إلا تصوراتنا ومعاييرنا التي تسمي الأشياء خيراً أو شراً .
وهذا ما نفعله حين نمشي على الجمر ، فلو إنني طلبت منك أن تلقي بهذا الكتاب جانباً وأن تمشي على بساطٍ من الجمر ، فإني أشك بأنك ستفعل .
لماذا …؟
لأنني أطلب منك شيئاً أنت تؤمن سلفاً بأنك لا تستطيعه ، وبالتالي فإن إيمانك هذا لا يعطيك الحوافز الصحيحة التي تنتج تصورات ومشاعر غنية بالشجاعة والثقة والقوة .
إن السير على الجمر يعلم الناس كيف يغيرون أحوالهم النفسية وبالتالي سلوكهم بحيث ينالون القوة للتصرف ونيل نتائج جديدة جميلة ، بعكس مشاعر الخوف وبقية العوامل المحبطة المعوقة .
إن من يسيرون على الجمر لا يختلفون عنهم ذواتهم قبل أن يدخلوا إلى القاعة وحيث كانوا يتصورون أن المشي على الجمر غير ممكن ، ولكنهم تعلموا كيف يغيرون وضعهم الفسيولوجي ، وكيف يغيرون تصوراتهم الداخلية عن ما يستطيعون وما لا يستطيعون ، ولهذا تحول المشي على الجمر من شيء مرعب إلى شيء يعرفون انهم يستطيعونه وإنه ليس مرعباًُ إلى هذا الحد الذي كانوا يتوهمونه .
وتأسيساً على هذه التجربة التي نجحوا فيها وما كانوا يظنونها إلا أشبه بالمستحيل ، على ضوء هذه التجربة يكونون قد استنبتوا في الذهن والذاكرة تصوراً جديداً قادر على أن يستدعي كل عناصر القوة والثقة والإيمان بالقدرة واستخدامها في أي موقف يواجههم أو يرومون اجتيازه وصولاً إلى المزيد والمزيد من السعادة والنجاح .
وكما نعلم فالحديث عن القوة الداخلية والمنابع الثرية للشجاعة والإقدام و…و…و…الموجودة في الداخل ، لا يكفي ولا يمكن أن يكون مقنعاً تماماً إن لم يقترن بفعلٍ يمارس من قبل الشخص الذي تود إقناعه بقوته الداخلية ، ولهذا فإن ممارسة المشي على الجمر ، ممارسة عملية تُختزن آلياً في الذاكرة وبمنتهى الوضوح والقوة وتعطي نموذجاً للتصور الجديد والسلوك الجديد وتعطي مشاعر جديدة ومتميزة ، وبالتالي يمكن إنتاج واستخدام وتجنيد منابع القوة الداخلية بمجرد استذكار أو إعادة إنتاج هذا الإحساس الذي تملكنا ونحن نمشي على الجمر .
إن مفتاح بوابة النجاح في نيل الرغبات والأمنيات يعتمد على إنتاج تصورات جديد يمكن أن ينقلك إلى مخابئ القوة الداخلية لديك ، والتي تمنحك بعض من فيوضها التي تنعكس على مظهرك وسلوكك بحيث يأتي غاية الإتقان ويوصلك بالتالي إلى النجاح ، فإن لم تفعل ذلك ، إن لم تنجح في بناء تصور إيجابي فإنك لن تنجح في أي محاولة تحاولها باتجاه تحقيق هذا الهدف أو ذاك ، أو إنك أدائك سيكون دون المستوى من الكفاءة مما قد لا يوصلك إلى النجاح التام المبهر .
لو إنني قلت لك " حسناً لنقم بالسير على هذا البساط من الجمر " ، فإن تأثيري عليك من خلال الكلمات وحركة أطرافي وتعابير وجهي تصل إلى مخك ، وهناك ستكوّن أنت في ذهنك تصورات معينة ، فلو كانت الصورة التي خلقتها في ذهنك هي لأناس تتدلى الأقراط من أنوفهم وهم يقومون بطقوس مرعبةٍ ، فإنك قطعاً لن تكون بحالة نفسية حسنة ، ويكون الأمر أسوأ لو إنك خلقت صورة لذاتك وأنت تحرق في فرن أو قدر ضخم ، فسيكون وضعك النفسي أكثر سوأ ، لكن بعكس ذلك ، لو إنك تصورت أناساً يحتفلون معاً ، وترى السعادة والمرح والانطلاق والنشوة في العيون والقلوب والأكف ، ورأيت السيقان ترقص بلطف والأكف تصفق والعيون تتألق ، فإن تجربتك على الجمر أو أي جمرٍ من جحيم الحياة ستغدو تجربة مختلفة تماماً .
لو أنك ترى نفسك في عينك الداخلية وأنت تمشي على مهل بمنتهى السعادة والنشوة والثقة والجمال على بساط الجمر ، وإنك لا تصاب بشيء ولا تتضرر ولا تحس بأي أذى ، وقلت لنفسك " بلا أنا أستطيع هذا ، أنا أملك الشجاعة والقوة والثقة على فعل هذا " فإن تلك الإشارات العصبية التي ينتجها مخك تأسيساً على تلك التصورات ستنقلك إلى حالة نفسية تمكنك من أداء الفعل بمنتهى الثقة وبالتالي النجاح فيه .
وهذا يحصل في كل شيء في الحياة .
إن تصورت أن الأمور لا يمكن أن تتحقق كما تتمنى فإنك بهذا تجند طاقات وقوى داخلية ( وخارجية بالتالي ) تدعم توجهك في نيل نتائج سلبية ، وهذا هو الفرق بين الناس الذين نجحوا رغم قسوة الظروف وبين أولئك الذين فشلوا رغم أن ظروفهم كانت جيدة ، أولئك خلقوا تصورات إيجابية وهؤلاء أنتجوا تصورات سلبية .
هنا يردنا سؤالٌ مهم :
إذا كان التصور الداخلي والهيئة الفسيولوجية في لحظةٍ ما ، يتعاونان في خلق حالة نفسية تؤدي إلى سلوكٍ أو نشاطٍ ما ، فما هذا الذي يقرر هذا السلوك أو الفعل المعين أو ذاك ، والذي ينبثق من حالتنا النفسية ؟
إنسان ما وهو في حالة حب مثلاً ، يحتضن حبيبه بلطف حين يلتقيان ، في حين تجد آخر يقول لحبيبه أحبك ، ولا يرفق القول بفعلٍ ما .حسناً الجواب هو :
عندما نكون في حالة ما ، فإن تلك الحالة توصل المخ بعدد من الخيارات في السلوك ، وعدد تلك الخيارات يعتمد على التصورات التي نملكها عن العالم ، فالبعض مثلاً وحين يغدون في حالة حب أو غضب ، يكون لديهم تصورٌ واحدٌ وحيد لرد الفعل المناسب ، وقد يكون رد الفعل هذا مأخوذ من تجربة قديمة سابقة ومختزنة في العقل الباطن أو ربما من أيام الطفولة أو مستوحاة من الأب أو الأم أو المعلم .
نحن جميعاً نملك عالم داخلي من التصورات ، مأخوذة من قراءاتنا ، تربيتنا ، أسرنا ، معلمينا ، أفلام رأيناها وأثرت فينا …الخ ، وقد تكون تلك الصور والتصورات القديمة قد شكلت خلفية تصورية سلبية بالكامل وقد تكون العكس ، وأحيانا شيءٌ من هذا وشيءٌ من ذاك ، وهكذا حين نواجه موقف ما فإننا نستقي تصوراتنا من خزين الذاكرة أو العقل الباطن .
وتأسيساً على هذا فإنني أرى أن من الممكن لنا أن نبني عام تصورات جديدٍ من خلال تقليد منظومة تصورات أولئك الذين نجحوا في ميادين مختلفة من الحياة ، لأن هؤلاء حسب هم من يجب أن نقتدي بهم إن أردنا أن ننجح حقاً وننال السعادة .
إننا بحاجة لأن نتعرف على تلك التصورات الخاصة المتميزة التي وضعتهم في حالة قدرة على رؤية العالم بشكلٍ من الأشكال دفعهم بالتالي لأن يتصرفوا ويسلكوا السلوك الصحيح المفضي إلى النجاح .
بلا نحن مجبرين لأن نكتشف بالضبط كيف تمكنوا من خلق تلك التصورات الداخلية ؟ كيف تتدفق تلك الصور أمام شاشة أذهانهم ؟ ماذا يقولون لأنفسهم ؟ ماذا يشعرون ؟ ، مرة واحد لو تمكنا من معرفة هذا وأنتجناه في داخلنا ، فإن بمقدورنا أن ننال ذات النتائج التي نالها هؤلاء ….!
وهذا هو ما نسميه الاستنساخ أو تقليد الكفاءات المتميزة .
إننا في واقع الحال وبوعينا أو بغير وعيٍ منا ، نخلق على الدوام نتائج ، فأنك إن لم تعي وتتخذ موقفاً من تلك النتائج المستحصلة ، وتميز بين تلك التي ترغبها حقاً وبين الطارئة التي لا تريدها ولم تكن في حسبانك ولا نفع بها لك ، ولم تكون لنفسك منظومة تصورات إيجابية تستند على تلك النتائج الإيجابية المباركة ، فإن عامل خارجي سيدخل على الخط ( كتاب أو محاضرة أو حديث مع صديق أو حدثٌ ما ) ليطلق حالة نفسية معينة غير منضبطة تفضي إلى سلوك ما قد لا يكون محموداً .
الحياة مثل النهر ، إنه يتحرك بلا انقطاع ، وأنت من أكرمت بهذا النهر الدافق فإن لم تتحكم بمنابعه ومصباته فإن هناك من سيدخل على الخط ليعكر هذا النهر أو يجعله أنقى وأرحب .
إنك إن لم تزرع البذور الذهنية والفسيولوجية السليمة في المكان السليم ، لتنال النتائج المرجوة ، فإن الحشائش ستنمو أوتوماتيكياً ، وإن لم تسيطر على عقلك وتصرفاتك فأنت تجيز للظروف في هذه الحالة أن تنتج مواقف وحالات نفسية قائمة على الصدفة وتفتقد للحكمة وبالتالي تفضي إلا نما لا ترغبه من نتائج .
لأجل هذا فإن من الضروري جداً أن نحرس بعناية اتجاهات العقل ونتابع مسيرته ونكون مدركين للكيفية التي يمكن لنا بها خلق التصورات التي نريد .
من النماذج المؤثرة القوية عن خطورة الأوضاع النفسية وتأثيرها الحاسم في المصير الفردي كله ، حكاية المرحوم " كارل واليندا " والذي كان يمارس ومنذ سنين عديدة رياضة الألعاب البهلوانية في الجو ، ضمن مجموعة من المغامرين ، وطوال حياته لم يكن لديه أي تصورٍ على الإطلاق بأن شيء ما غير سارٍ سيحدث له .
لا مطلقاً لم يرد في خاطره أنه سيسقط يوماً ما ، لكن قبل بضع سنين وفجأة بدأت تراوده هكذا فكرة ، وقد أبلغ زوجته بذلك وقال لها أنه يرى نفسه وهو يسقط ، وطبعاً يمكن أن نقول إن هذا كان إنذاراً حدسياً أو إنه هو من عمد إلى بناء هكذا تصور وبالتالي أعطى جهازه العصبي صورةٍ وكأنها هي المرغوبة ، فأنعكس ذلك في إنتاج سلوك ما قد يكون خاطئ دفع بالتالي إلى حدوث الكارثة .
لهذا فمن الضروري جداً أن نركز أذهاننا على ما نريد لا ما لا نريد .
لو إن المرء ركز ذهنه وباستمرار على السلبيات حسب ، على ما لا يتمناه ، أو على المتاعب فقط ، فإنه سيخلق لنفسه حالة سيكولوجية وشعورية تؤدي إلى تحقيق النتائج السلبية والسلبية لا غير .
إننا نخلق لأنفسنا للأسف كماً من الآلام والمرارة والحزن بإنتاجنا لتصورات سلبية من قبيل الشك بشريكك في البيت أو العمل أو العمل أو بأبنائك أو أصدقائك ، وعلى أساسٍ غير واقعي على الإطلاق ، فلو إننا تمهلنا أو وضعنا تصوراتنا الشخصية تحت الرقابة بل ولو إننا تصورناها بشكل مغاير أو أنتجنا تصورات إيجابية بديلة ، فإننا بهذا نحافظ على توازننا النفسي وتقدمنا المستمر للأمام واستمرارية ثقتنا وإيماننا بأنفسنا وبذات القدر نؤثر في ضمير الآخر وقلبه وعقله فنكسبه لصفنا بعد أن كدنا نفقده ، دون أن يعني هذا طبعاً أن شكوكنا أو تصوراتنا السلبية هي دائماً غير سليمة وغير صحيحة ، فقد تكون صحيحة ، ولكن ليس قبل أن نضعها تحت أنظار العقل والمنطق وبحيث تكون الخسارة على الأقل محدودة إذا ما ضبطنا اتجاهات السلب الحاصل في الخارج ، ولم نسمح له أن يفسد كل حياتنا بالشك والمرارة والأسى .

" كل فعلٍ آتٍ في الأصل من فكرةٍ ما "
_____________________
رالف والدو أيميرسون

حيث يكون لدينا السيطرة على قنوات تواصلنا وحوارنا مع ذواتنا والكيفية التي نخلق بها الإشارات الحسية ، السمعية والبصرية التي تتجه جهة هذا الذي نرغبه حسب ، فإننا كفء لنيل نتائج إيجابية مبهرة ، بما في ذلك في المجالات التي سبق أن أخفقنا فيها .
إن القادة والزعماء والمبدعون العظام والروحانيون الكبار هم أولئك الذين يرون الحياة بكل ظروفها المتباينة المختلفة ، يرونها في صالحهم وقابلة على أن تمنحهم الخير والنجاح ، وبالتالي فهم يبعثون بالإشارات العصبية السليمة المعافاة لأذهانهم والتي تنعكس بالتالي على أدائهم فإذ بالخارج والظروف تتغير لصالحهم ويصيبهم حيث يتوجهون قبولاً وترحاباً ونجاحاً .
وحتى لو تكررت التجربة وظل النجاح عسيراً ، فإنهم وبمثل هذا التصور الإيجابي الذي يملكون ، يظلون مستمرين بالمحاولة بمنتهى الشجاعة والصبر حتى ينجحون .
هل سبق لك أن سمعت ب" ميل فيشر " ، حسناً …إنه الرجل الذي ظل يبحث عن كنزٍ تحت الأرض لقرابة السبعة عشر عاماً ، وفي النهاية أكتشف الكنز الذي كانت قيمته تفوق الأربعمائة مليون دولار .
حين سؤل من قبل الصحفيين عن السر في هذا الإصرار ، أجاب إنه ظل يحمل صورة الكنز في مخيلته وإحساس دافق بأنه سيجده اليوم ، كان يقولها في كل يوم وحين يشارف النهار على الانتهاء يقول لنفسه ، غداً سأجد الكنز وهكذا طوال سبة عشر عاماً .
لم يكن كافياً أنم يقول هذا حسب ، بل إنه كان يقولها بقناعة ، كان يمتلك هذا الإيمان الرهيب الغريب بأنه سيصل إلى الكنز ، كان يقولها بصوتٍ ينبض بالثقة والأمل ، كان يقولها بمشاعر دافقة ودافئة ، بتصورات ذهنية ملونة وجميلة لا تكف عن التردد على ذهنه طوال الوقت ، وبذات الآن كان يعمل …كان يحفر بهمة …!
من النماذج المبهرة جداً في القدرة على تغيير التصورات من السلب إلى الإيجاب رجلٌ أسمه " ديك تومي " ، كان مدرب فريق جامعة هاواي لكرة القدم ، وذات مرة كان فريقه عقب نهاية الشوط الأول متخلفاً عن فريق جامعة " وايمونك " باثنين وعشرون هدفاً مقابل لا شيء ، تخيل اثنان وعشرون مقابل لا شيء .
كيف تتصور وضع اللاعبين عندما جلسوا في استراحة ما بين الشوطين …؟
كان وضعاً لا يحسدون عليه أبداً …رؤوسٌ محنية وأكتافٌ متهدلة ووجوه كسيرة ْ …!
حين جاءهم المدرب ، كان يسحب وراءه لوحةٍ ذات مساند ، وضعها على الأرض وهتف بهم تعالوا يا أصدقاء نقرأ قليلاً هذه القصاصات …!
كان على اللوحة عشرات القصاصات من الصحف المختلفة وعبر السنين ، لفرق كرة قدم خرجت من الشوط الأول بخسارة كبيرة ، ونجحت في الشوط الثاني في تغيير النتيجة وقلبها من الهزيمة إلى النصر …!
وقرأ اللاعبون المحبطون ذلك ، وتغيرت التصورات التي كانوا يحملونها عن أنفسهم وعن المباراة وعن الفريق المنتصر ، ولعبوا كما لم يلعبوا طوال حياتهم ، وتمكنوا من إيقاف الفريق الآخر عند النتيجة التي وصل لها في الشوط الأول ، وشرعوا في التسجيل وما إن صفّر الحكم إلا وكانت النتيجة ، سبعٍ وعشرون مقابل ذات الاثنان وعشرون التي حققها الآخر في الشوط الأول …!
تخيل …!
تذكر إن سلوك الإنسان هو نتيجة للوضع النفسي لنا في لحظة القيام بهذا السلوك وإننا إذا ما نلنا مرة نتيجة إيجابية في نشاطٍ ما فإن بمقدورك أن تحقق ذات النتيجة ثانيةٍ وعاشرة وإلى ما لا نهاية بمجرد أن تضع نفسك في ذات الحالة الفسيولوجية والذهنية التي كنت عليها في المرة التي انتصرت فيها .
لقد عملت مع " مايكل أو. براين " وهو سباح المسافات الطويلة والذي كان على وشك الذهاب للأولمبياد للمشاركة في دورة عام 1984 . كان الرجل قد تمرن جيداً ولكنه لم يكن واثقاً من أنه سيفوز ، لماذا …؟
لأنه كان قد خلق لنفسه كم من التصورات المعوقة ، وبالتالي فلم تكن تصوراته تجيز له أن يحلم بالذهبية ، بل بالكاد الفضية أو البرونزية .
لم ابذل من الجد معه أكثر من نصف ساعة قمت فيها باستنساخ واستعادة الوضع النفسي والحالة الشعورية والفسيولوجية العامة التي كان عليها في المرات التي نال فيها الذهبية ، ماذا كان يدور في ذهنه ، ماذا كان يتصور ، كيف كان وضعه الفسيولوجي ، الحركات التي فعلها ، ماذا كان يردد أو يقول في داخله لنفسه وهو ينتصر على سباحين كبار كانوا أكثر مهارة وقوة منه ، وهكذا .
ثم قمنا معاً بتوصيل جميع تلك الحالات المثالية النموذجية التي عاشها سابقاً ، توصيلها بإطلاقة المسدس التي ينفذها الحكم إيذاناً ببدء السباق .
وجاء موعد الأولمبياد وحانت لحظة سباق السباحة ، وفعل صاحبي ذات الأمر ، تصور ذات التصورات وشعر بذات المشاعر وسبح بمنتهى الكفاءة بقوة التصورات المستنسخة من مرات الفوز السابقة ، وكانت له الذهبية في ذلك السباق .
حسنا … هل سبق لك قارئي العزيز أن شاهدت فلم "The Killing Filds " ، حسناً أذكر أن مشهداً من الفلم لا يمكن لي أن أنساه ، كان فيه ولداً في سن الثانية أو الثالثة عشرة يعيش في تلك الفوضى الرهيبة التي غمرت كامبوديا في ذلك الحين ، حربٌ ودمار في كل مكان ، في لحظة خوفٍ رهيبٍ يمسك الولد بالبندقية ليطلق النار على آخر .
مشهدٌ مثير مفجع لولدٍ في الثانية عشرة يطلق النار ويقتل آخر …!
كيف يتسنى لفتى بمثل هذا العمر أن يقتل ؟
لقد حدث شيئين في آن واحد ، الأول أنه كان خائف بشكل رهيب لدرجة أنه تواصل مع جذر عنفٌ عميق غائر في شخصيته ، والثاني أنه يعيش في مجتمع كان العنف أبرز سمات ثقافته ، بحيث أن تناول بندقية وقتل آخر كان يبدو وكأنه رد الفعل المناسب .
إنه مشهد سلبي للغاية ، ومثله الآلاف من المشاهد في سينما اليوم ، مما يجعلنا نحذر ونود أن نحذر الآخرين من أن تكون السينما بعض مصادرهم لإنتاج التصورات وردود الأفعال غير الإيجابية .
نحن نملك في داخلنا ، خزينٌ لا ينضب من النبضات والأفعال والتفاصيل الصغيرة الإيجابية التي يمكن إعادة تجنيدها لتكرار أفعال إيجابية وتحقيق نتائج رائعة ، تماماً كما وإننا نملك خزيناً من السلب يكفي لأن يوردنا موارد التهلكة ، لكن علينا أن نسعى لاستعادة هذا النافع ، وتحاشي ذاك الكريه الضار …!
إن تغيير الأحوال النفسية هو ما يسعى له ولا شك الجميع وكما أسلفنا سابقاً ، كان هذا ذاته هاجس الناس الروحانيون والفلاسفة والمفكرون والمبدعون عبر أساليب مختلفة كالتأمل والصلاة والاعتكاف في الدير أو من خلال الخمر والمخدرات ، لكن هنا في أساليبنا الحديثة هذه لا نحتاج لهذا ولا لذاك .
هناك عاملٌ آخر نود أن نشير إليه وهو حاسمٌ للغاية في كيفية تمكننا من تحويل خبراتنا السلبية إلى تجارب إيجابية ، عاملٌ يقوم بترشيح نمط تصوراتنا عن أنفسنا وعن العالم ، هذا العامل سميٌ على الدوام العامل الأقوى من كل قوة إنه … إنه الأيمان …!
هذا العامل سنتحدث عنه في الفصل القادم ، في هذا الموقع المبارك …!