المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نينجا قادم


عبد العزيز سيفاو
22-11-2008, 18:47
- أرى من العسير أن أحرك هذه القهوة الساخنة بأصبعي
قال سمير للنادل عروب، في احدى مشاكساته المعتادة، وهو يعيد القهوة التي نسي عروب أن يجلب معها ملعقة صغيرة، بينما ضحك عمر وارتشف من عصير الأفوكا قبل أن يقول والنادل يبتعد بالقهوة ليأتي بغيرها :
- كف عن مضايقة عروب يا سمير ... ارحمه يا رجل
قال سمير بغضب مفتعل وشبح ابتسامة سادية بركن فمه :
- حتى يتعلم أن يحترمني
وأشعل سيجارة بقداحته راميا العلبة على الطاولة
كانت الشمس تنحدر في الأصيل ، والرجلين جالسين في إحدى المقاهي بكازابلانكا .. كانا يختاران مقعدين بالخارج على الرصيف يراقبان المارة ويمارسان عادتهما اليومية في " تقرقيب الناب "
هذا قبل أن يصدر عمدة المدينة قراره السامي المطاع بمنع المقاهي من احتلال الرصيف، بدعوى التعدي على الملك العام
ورغم أن مجال الرؤية بالنسبة لهما صار محدودا شيئا ما ، فإن هذا لم يمنع سمير و عمر من ممارسة هوايتهما في قضاء الوقت بعد دوام عمل إداري مضجر
تساءل عمر :
- هل عادت نادية إلى البيت ؟
كانت زوجة سمير قد ذهبت لتعزي موت خالها بقريتها الأصلية بنواحي أبي الجعد ، ولم يستطع سمير مرافقتها بعد أن رفض المدير الجديد للمصلحة منحه إجازة قصيرة
أجاب شاردا :
- ستعود اليوم حسب مكالمتها بالأمس .. خالها كان أقرب الأشخاص إليها بعد وفاة والدها صغيرة كما تعلم
قال سمير مبتسما :
- ومآتم هؤلاء " العروبية " كأعراسهم ... تدوم طويلا
جذب سمير نفسا عميقا من سيجارته ثم لكز عمر بمرفقه مشيرا بطرف عينه قائلا :
- أنظر .. نينجا قادم
نظر إليه عمر بدهشة لحظة .. قبل أن يلتفت حيث أشار ، ورأى سيدة بلباس أفغاني أسود يغطيها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها كخيمة تعبر الرصيف
لم يتمالك عمر نفسه من الإبتسام وقال بمرح آثم :
- حرام عليك
نفث سمير دخان سيجارته بلذة قبل أن يقول :
- حرام عليهم هوما
نظر إليه عمر بتساؤل قبل ان يحول عينيه إلى الشارع ويسأل :
- ما الذي يزعجك في الأمر بالضبط ؟
رد سمير فورا :
- لماذا ترتدي نساؤنا النقاب على طريقة الأفغان والعباءات على الطريقة الخليجية ؟ باستطاعة المنقبات ارتداء اللثام والحايك أو الجلابة .. لماذا نقلد نماذج جاهلة ؟ وبذلك نكشف عن جهلنا وتخلينا عن ثراثنا
- الإعلام يقذف ببضاعته وكل شخص يتلقاها ويعيد تصريفها حسب درجة وعيه ماذا تظن ؟
- إذن الإعلام هو السبب في رأيك
- بين روتانا وقناة اقرأ تتوزع نساؤنا في اختيار ملابسهن ... ملابس نانسي عجرم وهيفاء وإليسا ... أو اللباس الإسلامي متأثرات بفتاوى الشيخ عمرو خالد ... الأكثر تحررا يتأثرن بالسلسلات الأمريكية أو الأوربية .. أعرف صديقة أثرت بطلات " سيكس أند ذو سيتي" على طريقة لباسها وعلى حياتها أيضا
تراقصت ابتسامة على شفتي سمير وقال :
- أنت تنسى شيئا هاما ... ثقافتنا الذكورية الطاغية كمجتمع عربي واسلامي ... المرأة العربية رهينة التقاليد والتربية الذكورية من بيت الأسرة مرورا بالشارع إلى بيت الزوجية .. الكل يفرض على النساء نمط لباس معينا .. ما يلغي حريتها في غالب الأحيان
قال عمر وهو يواجهه :
- إذن أنت أيضا تتدخل في طريقة لباس زوجتك نادية ؟
ابتسم سمير مجيبا :
- يا رجل .. أنت تعرفني .. لا أفرض إطلاقا أية قيود على نادية ... وإلا لاحظت ذلك .. ما زالت هي هي كما في أيام صداقتنا بالجامعة ترتدي السراويل الجينز والأقمصة الصغيرة الكاشفة .. أنا أثق بها وهي تثق بي .. هذا ما يهمنا ... وليذهب الآخرون بآرائهم إلى الجحيم
التقط عمر سيجارة من العلبة الموضوعة على الطاولة ومد يده يتناول قداحة سمير قائلا بتوتر : - لكن التبرج حرام .. والحجاب فرض على النساء
نظر إليه سمير نظرة محتقنة قبل أن يلوح بيده قائلا : - لا تلبس عمامة شيخ وتصدع رأسي بأقوال الإخونجية كما في الجامعة كادعائهم أن " التشبه بالمنظر يفضي إلى التلاقي في الجوهر " إلى آخر هذا الهراء ... لو اتبعت ما يقولون لكانت حياتك مستحيلة ... ثم إنني أعرفك ... ودور الداعية لا يليق بك
ضحك عمر ضحكة صغيرة جاذبا نفسا من سيجارته وأصابعه ترتجف قبل أن ينظر إلى سمير نظرة عميقة ويقول بصوت شاحب : - هناك أشياء كثيرة تجعل المرء يغير من أفكاره وطريقة حياته .. فجأة .. و لا شيء يبقى على حاله يا صديقي
لم يفهم سمير جيدا عبارة عمر .. وهم بالسؤال لكن عروب النادل أحضر في تلك اللحظة فنجان قهوة جديدا .. بدون ملعقة أيضا
وضع الفنجان على الطاولة أمام سمير تحت نظرات الرجلين المندهشة وقال بخبث : - هذه القهوة دافئة قليلا يا سيدي .. يمكنك أن تحركها بأصبعك دون أن تتعرض للسع الحرق
وغادر مسرعا تاركا سمير محتقن الوجه وعمر يكد ينفجر من الضحك
...
حين عاد سمير إلى البيت مساء.. وحال دخوله الشقة ... تأكد تماما من أن زوجته عادت .. وهو يتذكر كيف أن وجودها يغير شيئا من طبيعة المكان ورائحته .. أم هي حاسته السابعة ؟
- نادية ... هل عدت ؟
سمع صوتها ينادي من غرفة النوم .. فتوجه إليها بكل الشوق
لكنه لم يتوقع أن يصعق وهو يراها بلباسها الذي ، وإن لم تغادره لمسة الأنوثة الجذابة ، فقد تسلل إليه شيء جديد
صار أكثر احتشاما و توجته درة على الرأس
كانت تفتح صوانها مخرجة ملابسها القديمة .. ترميها داخل كيس بلاستيكي أسود
حين التقت نظراتهما .. خيل إليه أنه يجهلها
كانت قد تغيرت كثيرا خلال الأسبوع الماضي ، لكنه لم ينكر أن نورا خفيا أخد يحيطها بهالة عجيبة جعلت قلبه يخفق بشدة

أم ايمان
22-11-2008, 19:05
رائعة يا اخي هذه القصة ..........رائعة الى ابعد الحدود

عبد العزيز سيفاو
22-11-2008, 19:10
شكرا لك على هذا الرد السريع أيضا
أنا محظوظ جدا للردود السريعة اليوم

tayf lmaghrib
22-11-2008, 19:41
حوار تتداوله الألسن في الشارع و البيت ..هو وليد الساعة ..و أنت تناولته بالكثير من الدقة في الوصف باختيارك اللفظ البسيط مما جعل النص يتسم بالوضوح والسهولة ...
فمزيدا من الإبداع ومزيدا من الـتألق
تحياتي وسلامي

نورالدين شكردة
22-11-2008, 19:49
هذا هو الأدب الذي كنت أبحث عنه من زمان ..اين كنت يا اخي واضح أن المنتديات المصرية اعتقلتك ونحمد الله أنها لم تصيرك نينجا مثل النادل ومثل الزوجة ومثل الصديق ومثل ألوف مؤلفة من مدعي العلم ومتأسلمي الأمةومتنطعي الإفتاء...في انتظار جديدك أشد على يدك بحرارة واطمئنك قائلا إنك تصافح نينجا في طريق النمو ...

الزبير
23-11-2008, 11:19
ادخلت الشارع والإعلام والبيت والتربية و..و..و...في صراع لا يكاد ينتهي حتى يستعر من جديد لكني أشد بحرارة على اسلوبك السلس في الحكي ملاحظتي صغيرة في الرقن وهذا تخصصي تصحيح الأخطاء الكتابية فقط
وغادر مسرعا تاركا سمير محتقن الوجه وعمر يكد "يكاد" ينفجر من الضحك
شكرا على المساهمة