المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النظام المدرسي


محمد الصدوقي
26-11-2008, 21:26
النظام المدرسي

· تعريف النظام المدرسي
يمكن تعريف النظام كمجموعة من العناصر المنظمة و الخاضع بعضها للآخر، والتي توظف لتحقيق هدف ما. وهي كذلك مجموعة من العناصر المرتبطة فيما بينها بواسطة علاقات متعددة، والقادرة من خلال تفاعلها مع محيطها/ وسطها على الاستجابة والتقويم والتعلم والتنظيم الذاتي.(Françoise.A et Rieunier.A1997)
وفي علم الاجتماع ،النظام(بمعنى التنظيم organisation) هو نسق مفتوح على المحيط،وظيفته إنتاج الخيرات والخدمات. المدرسة والنادي، الرياضي، والمستشفى، والمعمل، هي عبارة عن تنظيمات.
وكلاسيكيا، تحدد خصائص التنظيمات في وجود السمات التالية: توزيع الأدوار، توزيع المهام، نظام السلطة،نظام التواصل، نظام الأخذ والعطاء . والتنظيم هو وسيط بين المؤسسة والجماعة. (Pédagogie:dictionnaire des concepts clés )
وتعرف إزامبير جماتي النظام المدرسي بأنه تنظيم أو ترتيب لأنماط التعليم(وغالبا ماتجسد في أنماط المؤسسات) المطبقة والجاري بها العمل على مستوى وحدة سياسية لمدة من الزمن...وان الترابط بين أنماط التعليم محدد شكليا بقواعد التمفصل.
وعلى العموم تعتبر سوسيولوجيا التربية أن النظام المدرسي هو بنية وسطى( méso-structure) تتموقع بين البنية الكبرى(macro-structure) التي هي النظام التعليمي والنظام التربوي، والبنية الصغرى(micro-structure ) التي هي النظام الصفي.
1- البنية الكبرى: وتشمل النظام التربوي والنظام التعليمي؛أما النظام التربوي فإنه يعبر عن الفلسفة التربوية للمجتمع في انسجامها مع مقوماته الدينية والحضارية والاجتماعية والاقتصادية... ويضع الخطوط العامة للنسق التربوي المتبع لتربية النشء،وتحدد الخصائص العامة التي يتعين مراعاتها في تكوين الشخصية،ويعتمد في إطار الوسائل على الأطراف المساهمة في عملية التربية.وبالنسبة للنظام التعليمي فإنه يساهم، إلى جانب قطاعات أخرى، في تجسيد النظام التربوي، ويعبر عن بنية التعليم وهيكلته وأسسه التي يقوم عليها، ويحدد أهداف التعليم العامة والمرحلية والنوعية، ويعتمد في إطار الوسائل على المناهج التربوية والمقاصد والتوجهات التربوية.
2- البنية الوسطى: وتظم النظام المدرسي، الذي يجسد النظام التعليمي من حيث أسسه وبنياته وأهدافه، ويحدد سير العملية التربوية داخل المؤسسات المدرسية، ويعتمد في تحقيق سيرها على تنظيم العمل(الإطار الزمني والمكاني،الإعداد،التوثيق،قوانين المؤسسة...) والبرامج والكتب المدرسية والطرائق والوسائل وأساليب التقويم...
3- البنية الصغرى: وهي النظام الصفي الذي يجسد النظام المدرسي،ويحدد إطاره العام مستوى تكوين المدرس،وطبيعة تمثله للتوجيهات الرسمية،ويمارس داخله مجموعة من الأنشطة والفعاليات،من أنشطة ديداكتيكية وبيداغوجية، ومختلف الأداءات والإنجازات التطبيقية،والتفاعل وأنماط التواصل.
· اتجاهات دراسة النظام المدرسي:
يمكننا ان نصنف الاتجاهات التي اهتمت بدراسة النظام المدرسي إلى اتجاه نفعي(برجماتي) واتجاه نقدي:
*الاتجاه النفعي: وقد تميزت به سوسيولوجيا التربية في إنجلترا تحت ما كان يسمى بسوسيولوجيا التربية الجديدة.وقد ركز هذا الاتجاه على دراسة التنظيم الداخلي للمدرسة،وبين كيف انه يسير وفق بنيتين؛بنية عمودية وبنية أفقية،يتم من خلالهما تجميع وتوزيع مجموعات التلاميذ والأساتذة؛إذ أن أشكال التنظيم العمودي ترتبط بنمط تقدم واصطفاء التلاميذ منذ دخولهم إلى المدرسة إلى وقت تخرجهم منها،وتشمل غالبا على نمطين أساسين:نظام الفصول المتجانسة من حيث السن والمحتوى الدراسي، ونظام الفصول ذات التدرج المرن، التي يتم فيها فصل السنة الدراسية عن استيعاب المحتوى المحدد،أي فصل المادة الدراسية في السنة الدراسية مع حذف عتبات الاصطفاء السنوي،حتى يتمكن التلاميذ من التقدم في استيعاب المقرر بصورة مستمرة وحسب وتيرتهم الخاصة.أما التنظيم الأفقي،فيقوم على تجميع التلاميذ وتوزيعهم بالنسبة لهيأة التدريس،حيث يمكن تجميع التلاميذ تجميعا كيفيا حسب متغيرات الشخصية(السنن الذكاء،الاهتمام،وثيرة العمل...) مع التركيز على التفاعل بين هذه المتغيرات؛كما يمكن جمع التلاميذ تجميعا كميا،كجماعة الفصل التي يحدد عددها منذ بداية السنة انطلاقا من نجاح التلاميذ،وتستمر هذه الجماعة قارة إلى نهاية السنة.
وبالنسبة لأشكال تنظيم المدرسين،نجد نظام المدرس الواحد للفصل،نظام المدرس الواحد للمادة،نظام مختلط،نظام التدريس بفريق من المدرسين.

الاتجاه النقدي : درس هذا الاتجاه النظام المدرسي من خلال الشروط الاجتماعية التي تحكمه،على أساس أن الإوالية الأساسية المولدة لعدم المساواة في التعليم تنجم عن تقاطع نظام تقسيم المجتمع إلى طبقات مع النظام المدرسي، الذي يدخل هو الآخر نظام تقسيم وتوزيع التلاميذ إلى طبقات حسب سنهم ودرجات معارفهم...وقد تناول أصحاب هذا الاتجاه بالدراسة والنقد مجموعة من العوامل التي يشملها النظام المدرسي،ومنها:
- قوانين المؤسسة: وهي تطال سلوك التلميذ داخل المجال الزماني-المكاني المدرسي، استعمال الزمن المرتبط بالحصص، قوانين تنظيم وتيرة حياة الطفل المدرسية، كتنظيم اليوم والأسبوع والسنة،وكذلك التنظيم الوظيفي للمكان،الفصل،ساحة الاستراحة،نادي المدرسة،المكتبة...وهي تنظيمات خاضعة لمنطق السماح والمنع(القوانين الداخلية للمدرسة).
والمدرسة بقوانينها هذه تعلم التلاميذ تنظيم وضبط الوقت،والوعي بأهميته، وتساعده على تنظيم المكان تنظيما وظيفيا حسب الوظيفة المخصصة له،(مكان للعمل،مكان للعب،مكان للمرور...).
ومن الانتقادات الموجهة إلى قوانين المدرسة، كون المبالغة فيها قد تفرغها من محتواها وتشكل ضغطا على التلميذ وتعرضه للإنضباظ الآلي،مما جعل أصحاب "التحليل المؤسساتي"، وخاصة أوري(Oury)،ينعتون المدرسة ب"المدرسة- الثكنة" التي تفرض النظام من أجل النظام،مما يخنق التلميذ ويحد من حريته وحيويته.لذلك تدعو "التربية المؤسساتية" إلى أن تكون المدرسة مرنة ومتفتحة، تنبع قوانينها من التفاعل الداخلي للأفراد(متعلمين ومدرسين).
- معايير النجاح والتقويم: المدرسة كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية،ليس من مهامها ،فقط،إدماج المتعلم في النسق السوسيو- ثقافي،والقيام بالعملية التعليمية التعلمية، بل من مهامها التربوية الأساسية أيضا القيام بعمليات تقويم مردودية المتعلم وذلك لأهداف بيداغوجية تتعلق بالمتعلم،أو تتعلق بمعرفة بمدى نجاعة عملية التعليم ذاتها،والنظام التعليمي برمته.لذلك استأثرت معايير النجاح والتقويم باهتمام المشتغلين في الحقل التعليمي،حيث حددت مبدئيا معايير النجاح لتجاوز ذاتية المدرس ولتحقيق التجانس بين المدارس،وتكافؤ الفرص بين التلاميذ،وفي نفس الوقت عقلنة عملية التقويم.
ومن بين المشاكل المثارة في مجال معايير التقويم،نجد ، مثلا، كامبون(Cambon) يلاحظ أن مفهوم المعيار يكتنفه الالتباس،فهو تارة يرتبط بمرجعية مثالية(ما ينبغي أن يكون،ما ينبغي تعلمه)،وتارة بمرجعية إحصائية(تحديد نسبة النجاح مثلا)،أي أن المعيار له جانب كيفي يحدد المعارف في شكل برامج،والتعلم الذي يجب اكتسابه في هذا المستوى او ذاك من المستويات الدراسية،وجانب كمي يحدد درجات التلاميذ والنسب المئوية للنجاح والرسوب والقبول في مرحلة مدرسية معينة.
ونجد كذلك مشكلة علاقة مستوى التلاميذ والخريطة المدرسية المحددة لمعايير النجاح،حيث هناك بعض المدارس تجد توازنا بين مستوى التلاميذ ومعايير النجاح المحددة،وهناك أخرى ترجح كفة نسبة النجاح المحددة في الخريطة المدرسية(فنجد تلميذا ينجح رغم عدم توفر على المعدل)،ومدارس أخرى تغلب مستوى التلاميذ على نسبة النجاح المحددة في الخريطة المدرية(فنجد تلميذا يرسب رغم توفره على المعدل).
كما أن بعض الدراسات أوضحت أن الأحكام المسبقة واتجاهات المدرسين تأثر في معايير نجاح وتقويم التلاميذ؛فهناك من المدرسين الذين يتوقعون أن بعض التلاميذ لديهم قدرات عقلية عليا نظرا لانتمائهم الاجتماعي وظروفهم الأسرية المساعدة،فتجدهم يميلون إلى تحميسهم والاهتمام بهم أكثر،وبالتالي تكون انطباعاتهم التقييمية نحوهم أكثر إيجابية؛في حين إن كان اعتقاد المدرسين حول قدرات بعض التلاميذ على التحصيل متوسطة أو منخفضة،وان ظروفهم الأسرية قاسية وغير مساعدة، فإنهم يقلصون فرصة مشاركة التلاميذ والتواصل الإيجابي معهم،وبالتالي إحباطهم وإهمالهم، مما يقلص فرص نجاحهم،وأخذ انطباع تقييمي سلبي مسبق حولهم. في حين نجد بالمقابل،وحسب فليب بيرنو، أن بعض المدرسين يميلون إلى استعمال ما أسماه ب"التعويض المتوحش" لصالح تلاميذ الفئات الدنيا،إذ يميل المدرس إلى مساعدة وتفهم وضعيات أبناء الفئات الاجتماعية الدنيا أكثر من غيرهم،ولذلك يعتبر المدرس أن نصف الإجابة المقدمة من طرفهم بمثابة إجابة صحيحة،الأمر الذي لا يستعمله كمعيار للتقويم مع غيرهم.
وكخلاصة، فإن الاتجاه النقدي قد بين ثغرات النظام المدرسي من اجل تجاوزها، كما بصر المدرس ببعض انزلاقا ته العفوية(وخصوصا في عملية التقويم)،كما رسخ لدى المهتمين بمجال التربية ضرورة البحث والمزيد من عقلنة الفعل التعليمي.
* خلاصة:
في الأخير، يمكننا القول بأن النظام المدرسي هو: حلقة وصل بين النظام التعليمي والنظام الصفي،وإنه بتضمن أبعادا متعددة تحكمها شبكة من التفاعلات بعضها شكلية رسمية وبعضها اللآخر عفوية، إنه يطرح عدة قضايا مرتبطة بسير العملية التربوية في المؤسسات التعليمية سواء من الناحية الإدارية التنظيمية أو من الناحية التربوية المعرفية،إنه من الرغم من أهمية القوانين والمعايير الشكلية للنظام المدرسي فإن مايتولد داخله اجتماعيا وبشكل غير رسمي له أثره البالغ على المسار الدراسي للتلميذ.(سلسلة التكوين التربوي،العدد3، -بتصرف-)

إعداد: محمد الصدوقي
.................................................. .............................

المراجع:
-Françoise.A et Rieunier.A,Pédagogie:dictionnaire des concepts clés…1997,ESF éditeur,Paris

فاطمة_الزهرة
28-11-2008, 07:34
ألف شكر على الموضوع المهم
بالتوفيق

أبو ريهام
30-11-2008, 19:20
شكرا على الموضوع القيم

ismaeil
30-11-2008, 21:45
لكم جزبل الشكر أخي العزيز