المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيفية ترسيخ السلوك المدني في المدرسة؟


أبو غفران
30-11-2008, 13:15
ترسيخ و تحصين السلوك المدني : مسؤولية الأسرة و المدرسة و المجتمع برمتهرهان ترسيخ و تحصين السلوك المدني : مسؤولية الأسرة و المدرسة و المجتمع برمته

لا يمكن الحديث اليوم عن مقاربة تحليلية وموضوعية لواقع الإصلاح التربوي ولمجرياته الراهنة و الاستشرافية ، دونما تأكيد على عمق الروابط الطبيعية و الحتمية بين الأسرة و المدرسة كمؤسستين اجتماعيتين تقليديتين تضطلعان بمهام التنشئة الاجتماعية ، وترومان معا من خلال أدوارهما الحيوية المتقاسمة بناء الإنسان و بالتالي ترصيص بنى المجتمع ، و التصميم الاستباقي لملامح مستقبله ، مع ضمان توارث وتناقل خصوصياته الحضارية و الإنسانية .

وتنافسهما في هذه الوظيفة التربوية باقي المؤسسات الإجتماعية الحديثة : من مؤسسات للإعلام و الاتصال و التواصل ، وجمعيات مدنية ، ونوادي ومنابر فكرية وثقافية و فنية اجتماعية ورياضية سواء داخل القطاعات الحكومية أو غير الحكومية ، كمؤسسات أقطاب للإنتاج و الإشعاع و التأطير الإجتماعي في المجتمع المعاصر، و التي أصبحت تحتل مكانة متنامية في عالم التربية و التكوين بفعل توسع مد الحداثة و التجديد والانفتاح بين مختلف مكونات المجتمع المدني ، وبلورة المجتمع لتعاقدات مكثفة ومتنوعة نتيجة التطور السريع و المتلاحق لمنظومة الإعلام و التواصل ، و تطور التفاعل الفكري والثقافي الوطني و الكوني ، واكتساح العولمة بتياراتها الجارفة للمسرح العالمي ولمنظومة العلاقات فيه.

و بذلك تكون كل من الأسرة و المدرسة بوجه خاص ـ نظرا لتداخل و تقاطع وظيفتهما التربوية ـ يسعيان معا إلى تحقيق مقاصد وقواسم مشتركة ، و في طليعتهما تحصين المكتسبات الاجتماعية المتراكمة ضمانا لتناقل مقومات الحضارة الوطنية وثوابتها عن طريق بناء فكر وثقافة تربوية مدنية مسؤولة يتم ترجمها في الواقع الحياتي سلوكيا في شكل روابط و علاقات ومبادرات ومواقف وقرارات وممارسات ناضجة ومعقلنة تجاه الأفراد و الجماعات والمؤسسات . وهي مهام جسيمة تشكل مجتمعه المرآة العاكسة لمنظومة الأخلاق و القيم الشائعة في المجتمع و الدالة على مؤشرات تماسكه و صلابته ومناعته وتوازناته . و إن التداخل في وحدة هذا الرهان أمر يفرض نفسه، رغم رصد عدة تباينات في المواصفات والإطارات التربوية للمؤسستين على مستوى المقومات و الشروط المعنوية و المادية المؤطرة للتربية فيهما .

ففيما يتعلق بالفضاء التربوي للمؤسسة التعليمية، نجده يمتاز بطابعه المؤسساتي النظامي الرسمي و بالتالي تخضع الهندسة التربوية لمرافقه لتنوع أدوارها التربوية : من إدارة وقاعات للإجتماعات و الندوات ، وساحة للاستراحة ، ومجال أخضر ، و أقسام للدراسة ، ومختبرات ومخادع ، وملاعب رياضية ، وقاعات مختصة ، ونوادي تربوية ، ومسجد ، وموقف للسيارات ، ومرافق صحية ...

وتعد الحياة المدرسية في هذا الفضاء عبارة عن مجتمع صغير قائم بذاته يعج بالحركة و النشاط و التدفق و الحياة ، وتروج فيه قضايا و أنشطة وتظاهرات متنوعة ومكثفة ترنو كافة إلى تأطير المشهد التربوي و التكويني الوطني . ويسهر على تدبير شؤونه أطر متخصصة في الشأن الديداكتيكي و البيداغوجي و التدبير الإداري التربوي بشراكة مع فرقاء المحيط .

وغالبا ما يتم اختيار موقع المؤسسة التعليمية عن طواعية من طرف الأسرة ، استنادا إلى المعطى الجغرافي لمحيطها .

وتتحدد شتى مقومات الحياة المدرسية انطلاقا من النسيج التفاعلي المعرفي الفكري و التربوي، ونوعية التجاذبات الوجدانية بين المتعلم وجماعات الأنداد من جهة وبينه وبين الراشدين حوله من جهة أخرى .

كما تتحدد بداية المسار الدراسي مع المراحل الأولى للطفولة المبكرة عند النشء ، وتكون موازية لفترة التعليم الأولى كمحطة جد خاصة ومتميزة موشومة بالانتقال المفاجئ من الحضن الدافئ و اللامشروط للأسرة إلى بيئة نظامية أوسع تخضع لقوانين دقيقة ونظام حياة خاص . وقد يحتضن هذا المسار الأطفال الرضع كذلك بواسطة دور الحضانة، تحت ظروف العمل القاهرة لأوليائهم .

هذا في الحين الذي يتحدد فيه انتماء الطفل إلى أسرته في جو مطلق من التلقائية وفي منأى عن ميزة الاختيار الطواعي لذلك ، كما يشكل الفضاء الأسري النواة الاجتماعية الأولى و الوكر الدافئ للتنشئة الحياتية الأولى للطفل منذ ولادته . وتعتبر كل أسرة بيئة تربوية جد خاصة ومتفردة في خصائصها في ارتباط مع شروطها المادية والذوقية و الثقافية ومع إرثها الاجتماعي المحلي ... وتدور فيها مختلف العلاقات والروابط و التجاذبات حول رابطة القرابة الدموية بشكل أساسي .

أما فيما يخص آليات و إطارات تمرير الخطاب التربوي الرسمي في المدرسة ، فهي تتجسد من خلال المناهج الدراسية وما يدور في فلكها من: مضامين علمية ، ومقررات، وكتب مدرسية وترفيهية، ومداخل بيداغوجية ، وطرق ووسائط ديداكتيكية ، هذا بجانب وباقي أنشطتها و إشعاعاتها الموازية، ونواديها الفنية و الرياضية ...

وهو خطاب يستمد منطلقاته وتوجهاته الكبرى من فلسفة النظام التربوي العام وغاياته المثلى ، ومبادئه و أسسه ومرتكزاته ، واختياراته الإستراتيجية . وتخضع السيرورات التربوية فيه للتخطيط و الدراسة و التحليل و التجديد و التقويم، عن طريق المساءلة والتدقيق و التتبع و التصحيح باستمرار للحد من الشوائب و الاختلالات المشوشة لها والمرصودة في الواقع الميداني التعليمي . ويتم تجسير العلاقات بين شتى أطراف السلطات التربوية تحت النفوذ المباشر للوزارة الوصية مع التنسيق التام و الكامل بين مراكز القرار الوطنية ونظيرتها على المستوى الجهوي و الإقليمي و المحلي .

وتستمد المؤسسة التعليمية مشروعيتها وموضوعيتها من حيادها المعرفي / الفكري و التربوي في منأى عن أي مساومة رخيصة أو نزوعات مذهبية و إيديولوجية مخلة أو محرفة لمبادئها أو مفاهيمها أو غاياتها الاجتماعية، وتنبني قراراتها على مبدأ التوافق والمصلحة العامة المشتركة .

بينما تتحكم في مجريات التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة ، عوامل داخلية شتى كدرجة التماسك و الوعي و النضج الثقافي السائد فيها ، ومدى تشبعها بسلوكات التعايش و التفتح و الاحترام المتبادل بين أطرافها ... هذا إلى جانب عوامل أخرى خارجية مرتبطة بالبعد المادي والنظام الحياتي العام للأسر داخل محيطها المحلي المباشر وما تفرزه من مؤثرات سوسيوثقافية قوية. وهي عوامل تتحكم مجتمعه في تحديد مستوى النضج في العلاقات الأسرية تربويا ، و طبيعة طرقها ونوعية أساليبها التربوية ودرجة ضبط الآباء لمهام تأطير التنشئة الاجتماعية لأبنائهم قصد تحقيق التوازنات الاجتماعية المتوخاة .

ورغم هذه التباينات تتميز الأسرة بكونها الخلية المجتمعية الأولى المسؤولة على بناء المجتمع وتحصين تقاليده و أعرافه عن طريق توظيفها للسلطة التربوية الأبوية الطبيعية والبديهية و التي تكون موازية لأدوار الاحتضان العاطفي للأبناء وضمان نموهم السليم والمتوازن معنويا وماديا . وكثير من المرجعيات الفكرية تشيد بخصوصية دور الأم وإشعاعها العميق في نحت الصور التربوية الانطباعية العميقة الأولى عند النشء . كما أن علاقات التجاذب عموما بين أطراف الأسرة تكون أقرب منها إلى الجانب العاطفي الفطري . وتمتاز الحياة الأسرية على مستوى وتيرة انسيابها عموما بالتلقائية، وكثيرا ما تعصف بتفاعلاتها اليومية مجموعة من الأزمات وتصيبها رجات عنيفة تتجلى بالتدريج بالموازاة مع نمو الأطفال وبلوغهم سن المراهقة بشكل خاص ـ في إطار ما يصطلح عليه في بعض المرجعيات السوسيولوجية " بصراع الأجيال " ـ وهو تذبذب في العلاقات كثيرا ما يدعو الآباء إلى مراجعة الذات و أساليبهم في التربية بحثا عن المصالحة وتخليق أكبر للحياة الأسرية . وبذلك تسجل وقفات تصحيحية في مسار هذه العلاقات على نفس الدرجة من التلقائية، لكن خارج كل من مفهوم أو إطار النظام المؤسساتي وما يدور في فلكه من مفاهيم مرتبطة بالتخطيط و التتبع و المراجعة و التدارس و التقويم ...

ولا جدل في كون التمثلات التربوية المكتسبة في ظل الأسرة تنتقل في شكل تأثيرات سلوكية وفكرية ومواقفية إلى كل من المدرسة و المحيط الاجتماعي ، مما يبرز جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقها في مجال اكتساب ورسيخ حس التربية المدنية الصحيحة لدى أبنائها .

كما ينطبق مفهوم الاستثمار على التربية الأسرية لتسخير الأسرة لكافة طاقاتها المعنوية و المادية لتنشئة أبنائها على المواطنة الصالحة، و لقيادتها لمعركة هادئة وطويلة الأمد في هذا الاتجاه. ويعتبر الميلاد نقطة الانطلاق الأولى في هذا المسار ، في الحين الذي تعتبر فيه الاستقلالية الاجتماعية المهنية و الأسرية عند سن النضج بمثابة مفترق الطرق و نقطة التحول الكبرى في العلاقات و التأثيرات المتبادلة مع الأسرة .

أما عن الوظيفة التربوية للمدرسة، فنجدها تتداخل مع وظائف أخرى تضطلع بها هذه المؤسسة الإجتماعية النظامية توجد على قدر كبير من الاندماج . فإلى جانب وظيفتها التربوية المركزية، تسهر المدرسة على وظيفة بناء واكتساب المعرفة المنهجية والمنظمة و المتناغمة مع توجهات المجتمع و النظام التربوي العام ،عن طريق أساليب التعليم و التعلم. و يتم الارتقاء في مستويات التحصيل المعرفي الفكري بالموازاة مع اكتمال النمو الإدراكي و الحس حركي والوجداني للمتمدرسين ، ومع تقدمهم في عامل السن وتطور نضجهم السيكولوجي العاطفي و الجسماني .

وهي وظيفة ترتبط بوثوق بإعطاء المتعلم الفرصة الحقيقية لشحذ طاقاته ، وتشجيع فكره الإبداعي، وتطوير منهجيته في البحث العلمي ، ومبادراته الذاتية الخلاقة ...

كما يتم التعليم و التعلم في جو من التفاعلات الجماعية الصفية تحت توجيه وإشراف القائد التربوي / المدرس ، مما يفرض على المدرسة تطوير وبلورة منظومة سلوكية تنهل روحها فكرا وممارسة من قيم : التعايش ، و التآزر ، و القبول بالاختلاف والتنوع، و الاحترام المتبادل ، و الكرامة، و المساواة ... وهي مكتسبات سلوكية تمتد حتما إلى قلب الفعل الاجتماعي خارج أسوار المدرسة ، لتشمل كلا من الأسرة و المحيط.

كما تقوم المؤسسة المدرسية بوظيفة التأهيل الاجتماعي بإعداد النشء للاندماج في الحياة العملية بعد التخرج والتكوين عبر أسلاك تعليمية متكاملة، بغاية تكييف المنتوج المدرسي/التلميذ مع رهانات المشروع المجتمعي السوسيومهنية . ولذلك تتولى المدرسة تطوير مجموعة من القدرات و المهارات و الكفايات لدى المتخرج و المتناغمة مع هذه الغايات السوسيومهنية .

وتبعا لهذا المعطى يتأكد البعد المقاولاتي للمؤسسة التعليمية في التربية المدرسية الحديثة ، لقيام مشروعها التربوي التكويني على مفاهيم: كالاستثمار، والجودة في الآداءات، وإعداد المنتوج النهائي / التلميذ المتخرج في مستوى الرهانات السوسيوتنموية للبلاد على المدى القصير أو المتوسط أوالطويل.

كما تمتاز السيرورات الدراسية بالتسلسل و التكامل و التدرج في درجات الصعوبة و التعقد منذ ولوج المدرسة في طور التعليم الأولي إلى التخرج ، مرورا بأسلاك تعليمية متسلسلة ومترابطة ومندمجة . و إن علاقة النشء بالمدرسة قابلة للتجدد ما دام المتخرج في موقع الأب و الأم يسهر على تمدرس أبنائه ، مما يكسبها طابع المؤسسة الإجتماعية المصيرية التي لا محيد عنها، باستقطابها لمختلف الأجيال بفعل منطق التداول و التعاقب ضمانا لاستمراريتها في قلب المجتمع ككيان وجودي ملازم له. في الحين الذي تتسم فيه علاقة الإبن بالأسرة بالاسترسال و الامتداد غير القابل للانفصام أو القطعية ، رغم الاستقلالية الذاتية المعنوية و المادية عند النضج و بلوغ سن الرشد .

وبناء على هذه المقاربة التحليلية نخلص إلى كون أطروحة ترسيخ و تحصين السلوك المدني/التربية على المواطنة الصالحة، قضية جوهرية ترقى إلى مصاف الاهتمامات المركزية في كل من الكيان التربوي الأسري و المدرسي معا رغم تباين ظروف التنشئة الاجتماعية فيهما ، لتربع الإنسان على قمة اهتمامتهما المشتركة في صلب معركة التنمية الاجتماعية المستديمة للمجتمع المعاصر. وهي بذلك مسؤولية مجتمع برمته ، تعمقها وتخصبها كل المؤسسات المدنية المنتجة و المشعة فيه .

وبذلك يرتبط السلوك المدني مفاهيمها بعدة أبعاد تربوية قيمية / أخلاقية وحقوقية واجتماعية متداخلة ومندمجة ، تصب كلها في تجاه بلورة ذات وطنية وكونية مسؤولة ومتوازنة ومتكاملة، تمارس وجودها الاجتماعي في ظل منظومة تربوية مدنية منسجمة فكرا وثقافة وسلوكا .

وهي منظومة ذات كينونة متراصة تأبى التصدع أو التفكيك ، وتتبلور في قلب الفعل الاجتماعي اليومي الذي يجسده امتثال النشء للقانون و للنظام العام ، واندماجه المسؤول في الاختيارات الديموقراطية للبلاد ، وممارسته لحقوقه وواجباته المدنية بوعي ونضج ، وتهذيبه للذات ، وبلورته الملموسة لمفاهيم الحرية و المساواة و التسامح والكرامة، وإيمانه بالسلم ... لذلك نجدها ترقى إلى مفهوم التربية المدنية المنافية للتطرف أو التعصب أوالإنحراف عن المقدسات و التوابث الكبرى للمجتمع وما يرتبط بها من ممارسات لاأخلاقية ولامسؤولة من : فوضى ، أوتخريب للممتلكات العامة ، أونزوعات عدوانية ...تفقد المجتمع توازناته الطبيعية .

ولا جدل إذن في كون الحاجة إلى تربية النشء على الثقة بالنفس و التحلي بروح التفاؤل ومساءلة الذات في علاقاتها مع الآخر وعقلنة المبادرات و القرارات المرتبطة بالسلوك الاجتماعي ، قادت المختصين في التربية إلى تجديد المداخل البيداغوجية كركيزة أساسية في منظومة إصلاح التربية و التكوين . من ثم جاءت بيداغوجيا الكفايات كخيار استراتيجي لتأطير قضايا التحديث التربوية والقائمة على تشجيع المبادرات الذاتية وثقافة التميز و الإبداع، وبالتالي قادت إلى تجديد الطرق و الوسائل البيداغوجية للتعليم والتعلم. وهي مداخل تموضع التلميذ المتعلم في صلب الفعل التربوي، كقطب مركزي تتمحور حوله كافة الاهتمامات و القرارات و أشكال التدخل و التقويم .

و الغاية من ذلك بناء شخصية متوازنة تكتسبه مناعة حقيقية ضد أنماط التبعية والاستيلاب و العنف ، كمظاهر لطالما كانت مألوفة في أوساط المدرسة التقليدية . وهو أمر كان مرشحا بانتقال و تسرب مثل هذه التأثيرات السلبية إلى المجتمع، بإفرازها في شكل سلوكات متطرفة ومنحرفة قد تؤدي إلى اختلالات ولا توازنات مقوضة للسلم والطمأنينة فيه.

ويعتبر ورش تنمية السلوك المدني ـ نظر لأهميته القصوى في مراهنته على العنصر البشري ـ مؤشرا دالا على جودة النظام التعليمي ، وقد حضي باهتمام كبير في التوجيهات الملكية السامية وفي نص الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، ويؤكد على أهميته البالغة أيضا المشروع الصادر عن المجلس الأعلى للتعليم ـ كهيئة عليا تتولى مهام مساءلة قضايا التربية و التكوين وتقويم سيروراتها ـ و الذي تقدم بعدة اقتراحات عملية وظيفية بصدده .

بناء عليه يتأسس الدخول التربوي للموسم الدراسي الراهن 2007 – 2008 حول شعار : " الأسرة و المدرسة معا من أجل ترسيخ السلوك المدني " بغاية تعبئة كل الطاقات الاجتماعية للاشتغال على هذا الملف الحيوي وضبط مؤشراته على أرض الواقع خارج السياجات الضيقة لمفهوم الظرفيات المناسباتية العابرة .

ويبقى المجال مفتوحا للاجتهاد و التفكير بواقعية قصد ايجاد الآليات الناجعة الكفيلة ببلوغ هذه المرامي و المقاصد ، ومنها في رأيي المتواضع :

· تعميق التواصل بين المدرسة وجمعيات أولياء و آباء التلاميذ ـ كآلية فعالة للتشاور والتنسيق و اتخاذ القرارات وفق مقاربة تشاركية ـ من أجل التعاون على تدبير قضايا التربية المدنية وتجاوز الصعوبات و الاختلالات المرصودة في ممارستها في كل من الأسرة و المدرسة ( كأزمة العلاقات ، الميول إلى العنف...).

· التأسيس لميثاق قيمي أخلاقي وحقوقي على صعيد المؤسسة التعليمية تحت إشراف مجالس التدبير و بإسهام من طرف تلامذتها ، كإطار تعاقدي جماعي قابل للتعديل و التجديد و التدارس سنويا .وهو تصور يطابق الاقتراح الوارد في تقرير المجلس الأعلى للتعليم بصدد وضع مدونة تربوية . و الغاية منه الاتفاق حول مبادئ ومكونات منظومة الحقوق و الواجبات و القيم في الحياة المدرسية، وضبط مؤشرات ممارستها مدنيا .

· تعميم تحية العلم و النشيد الوطني في كل المؤسسات التعليمية كواجب يومي مقدس يقوم به التلاميذ في مواعيد مضبوطة ، لما له من دور فعال في إذكاء حسن الانتماء الوطني .

· تعميم وتشجيع انتشار نوادي التربية على المواطنة في البيئة المدرسية ، وتبادل خبراتها و أنشطتها الرائدة، و التفعيل الحقيقي لآلياتها و أدوارها ، و توسيع دائرة إشعاعها في المحيط ، وتوثيق إنتاجاتها وضمان نشرها ...

· تشجيع النوادي الفنية و التثقيفية و الرياضية و التكنولوجية الحديثة في المؤسسات التعليمية، كآليات فاعلة لتطوير ثقافة وسلوك التربية المدنية والمرشحة لتهذيب الطباع وتطوير حس الذوق الجمالي الروحي للمتعلمين .

· الاهتمام اليومي بالتربية البيئية في الحياة المدرسية الوحدة المرتبطة برونق وجمالية البيئة في فضاءاتها ، مما يعمق الشعور بقيم وسلوكات التعاون و التكثل، و ينمي حس الانتماء إلى المؤسسة، ويذكي الغيرة المشتركة على ممتلكاتها ...

· وضع جدولة سنوية لتنظيم الأيام الدراسية و تخليد المناسبات الوطنية و العالمية المرتبطة بمنظومة القيم و الحقوق لخدمة قضايا التربية على المواطنة ، مع إسهام المتخصصين و التلاميذ معا في تأطيرها وتدبيرها ورشاتها ...

· التقويم المستمر للخطاب التربوي المدني المتضمن في المناهج الدراسية ومكوناتها من برامج ومقررات وكتب مدرسية وطرق تربوية ووسائل دعم ديداكتيكية، لتطويرها وتجديدها وضمان فعاليتها الوظيفية ، ضدا عن التمثلات أو الصور الانطباعية المجهضة لرسالتها التربوية السامية .

· ضبط مؤشرات الدمقرطة للعلاقات في الحياة المدرسية بين المربين و التلاميذ وتصحيح مسارها ضد سلوكات العنف و الزجر و العقاب و الدونية... وهو طرح لا يمكن بلوغه دون اكتساب الأطر التربوية و الإدارية لكفايات مهنية جديدة تستوعب فلسفة التربية الحديثة. وتبقى برامج التكوين الأساسي و المستمر الآليات الفعالة لتحقيق هذا الرهان ، واكتساب منهجية بيداغوجية معقلنة لتدبير أزمة العلاقات تجاه التلاميذ بوجه خاص .

· توسيع دائرة التعاون و التعبئة بين المؤسسة التعليمية و نظيرتها الإعلامية ، من خلال القيام بدراسات وحملات توعية مشتركة في مجال السلوك المدني وتوظيف روافدها الجماهيرية المتنوعة من : أنترنيت ، وصحف إلكترونية ، وبحوث ، وتجارب تربوية ...تمتد تأثيراتها بعمق إلى الأسرة و المحيط .

· إيجاد شراكات واسعة تربط المؤسسات التعليمية بفعاليات المجتمع المدني ( من جمعيات نشيطة ، ونوادي ، وخزانات عمومية ، ودور ثقافية وفنية ، ومراكز لغوية، وسينما ...) من طرف لجان تربوية مختصة في البحث عن مثل هذه التعاقدات الاجتماعية ، لتعميق الوعي بتنمية السلوك المدني في المدرسة و الأسرة و المحيط .

وختاما لا بد من مساءلة الواقع التربوي بإثارة عدة إشكالات محورية حول الآفاق الواقعية لتدبير هذا الورش التربوي البالغ الأهمية :

· إلى أي حد تستجيب مكونات المجتمع من أسرة ومدرسة ومؤسسات مدنية لهذا التحدي الوطني المشترك بشكل يتجاوز مجرد مفهوم الظرفية الشعاراتية، بالعبور الميداني الحقيقي إلى التكثل الفعلي والمستمر والتدخل العملي التأسيسي لوضع برنامج عمل موحد يطول كل امتدادات الفعل الاجتماعي، مع ضمان استمراريته داخل الإطار اليومي المنظم لطبيعة الاستثمار الإنساني الطويلة الأمد في مجال التنشئة الاجتماعية ؟

· إلى أي حد يمكن تجاوز بعض الذهنيات العتيقة المتهيبة من التجديد و التغيير في تصحيح اتجاه العلاقات بين الراشدين و النشء ؟ وما هي الوسائل الشفافة الكفيلة بقياس درجات الاستعداد لهذا التغيير ، استجابة لدمقرطة حقيقية لمنظومة العلاقات المدنية؟ خاصة و أن المربي مهما كان موقعه الاجتماعي يعتبر القدوة و النموذج الوطني الحي لأبناء المجتمع على مستوى السلوك المدني / الاجتماعي بوجه خاص .

· إلى حد يمكن تحقيق وتعميق نهج التعاقدات الشراكية بين الأسرة و المدرسة وباقي القوى الحية المجتمعية بشكل واسع لإخصاب هذا الورش بشكل حقيقي وفعال لبلوغ غاياته المتقاسمة ؟

فمن المؤكد أن رهان السلوك المدني قد يصبح عرضة للبثر أو التلاشي في غياب أي طرف اجتماعي أو آخر في مكونات المجتمع ، لأن دينامية البناء ذات طبيعة رهانية مشتركة ومندمجة، وتعتبر قضية المجتمع قاطبة ... قضية المغاربة بكافة شرائحهم واهتماماتهم ومستوياتهم .

إنها الورش الحيوي الملزم لكل الأطراف من أجل البناء المتوازن للذات الوطنية الديموقراطية، و بالتالي العبور الجماعي إلى رهان ترسيخ التربية المدنية كرافعة أساسية وجوهرية في مسلسل التنمية البشرية للمغرب الطموح و المتجدد في مطلع الألفية الثالثة.

ذة. فائزة السباعي