المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحال


oussamabr
02-12-2008, 09:25
-1 تَعْرِيفُه:
هي ماتُبيِّن هَيْئَة الفاعِلِ أو المَفْعُولِ به لَفْظاً أو مَعْنىً، أو كِلَيْهما.
وعَامِلُها: الفِعلُ، أو شِبْهُهُ، أو مَعْنَاهُ وشَرْطُها: أنْ تكونَ نَكِرةً وصَاحِبُها مَعْرِفةً نحو" أقْبلَ مُحَمَّدٌ ضَاحِكاً" و "اشْرِب الماءَ بارِداً" و "وكلَّمتُ خَالِداً مَاشِيَيْن" و "هذَا زيدٌ قَائِماً".
وقولُهم: "أرْسَلَها العِراكَ" و "مرَرْتُ به وحدَه" مِمَّا يُخَالفُ ظاهِراً شَرْطَ التَّنِكِير - فمؤول ، فَأَرْسَلَها العِرَاكَ، تَؤُوَّلُ مُعْتَرِكَة، وَوَحْدَه تُؤَوَّل مُنْفَرداً وقال سيبويه: "إنَّها مَعَارِفُ مَوْضُوعةٌ مَوْضِعَ النَّكراتِ أي مُعْتَرِكة، إلخ". وسيأتي بيانها وتفصيلها.
-2 أوصاف الحال.
للحال أرْبَعَةُ أوْصَاف:
(أ) مُنْتَقِلة، وهي الحالُ الَّتي تَتَقيَّد بوقتِ حُصُولِ مَضْمُونِ الجُمْلة، وهي الأصلُ والغَالبُ نحو" سَافَرَ عليٌّ رَاكباً" والمَرَاد أنه لا يَدُوم على الركوب. ولابُدَّ سَيَنزِل.
(ب) الحَالُ الثَّابِتةُ: هي التي تَقَعُ وَصْفاً ثَابِتاً في مَسائلَ ثلاثٍ:
(1) أنْ تَكونَ مُؤَكِّدةً لِمَضْمُونِ جُمْلةٍ قَبْلَها، نحو" عَلِيٌّ أبُوكَ رَحِيماً" فإنَّ الأُّبُوَّةَ من شَأْنِها الرَّحْمَةُ، أو مُؤَكَّدةً لِعَامِلها نحو: { وَيَوْمَ أُبْعَث حَيّاً} (الآية "33" من سورة مريم "19" ) والبَعْث مِنْ لاَزِمِه الحَيَاة.
(2) أنْ يَدُلَّ عَامِلُها على تَجدُّدِ صَاحِبها - أي حدوثِه بعد أنْ لم يَكُنْ - نحو: { وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} (الآية "28" من سورة النساء "4" ).
وقول الشاعر (هو رجل من بين جناب) :
فَجَاءتْ به سَبْطَ العِظَامِ كأَنَّما * عِمامَتُه بَيْنَ الرِّجالِ لِواءُ
(سَبْط العظام: حسنَ القد والاستواء. واللَّواء: دون العَلَم، والشَّاهد: سَبْطَ العِظام فإنَّه حالٌ غير منتقلة)
(3) أنْ يكونَ مَرْجِعَها السَّماعُ، ولا ضَابِطَ لها، نحو: { وهُوَ الذي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الكِتَابَ مُفَصَّلاً} (الآية "114" من سورة الأنعام "6" ).
(ب) أنْ يكونَ مَرْجِعَها السَّماعُ، ولا جَامدةً وذلِكَ أيضاً غَالبٌ، وتقعُ جامِدَةً في عَشْرِ مَسَائل:
(1) أنْ تَدُلَّ على تَشْبِيهٍ نحو "بدا خَالدٌ أَسَداً" ومِنْه قوله:
بَدَتْ قَمَراً ومَالَتْ خُوطً بانٍ * وَفَاحَتْ عَنْبَراً وَرَنَتْ غَزالا (الخُوط: الغُصْن النَّاعم، "البَان" شجر)
(2) أن تَدُلَّ على مفاعلة نحو "بعته يداً بيد" و "كلَّمته فاه إلى فيَّ"
(3) أن تفيد ترتيباً نحو "ادخلوا رجلاً رجلاً"و "قرأت الكتاب باباً باباً"ف"رجلاً رجلاً"و "باباًباباً"مجموعهما هو الحال.
(4) أنْ تَدُلَّ على التَّعسير نحو "بعْهُ البُرَّ مُدّاً بِدِرْهَمَين". فـ "مُدّاً" حالٌ جَامِدَة.
وجُمْهُورُ النُّحَاةِ مُؤَوَّلَةٌ بالمُشْتَق فَيُؤَوَّلُ الأَوَّلُ: مُشَبَّهاً بأسدٍ، والثاني: مُتَقَابِضَيْن، والثالي: مُرَتَّبِين، والرَّابعُ: مُسَعِّراً.
أمّا السِّتَّةُ الآتِيةُ فَهِيَ جَامِدَة لا تُؤَوَّل بِمُشْتَق.
(5) أنْ تكونَ مَوْصُوفَةً نحو{إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبيّاً} الآية "2" من سورة يوسف "12" ).
(6) أن تَدُلَّ عَلى عَدَدٍ نحو{ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (الآية "142" من سورة الأعراف "7" ).
(7) أن يُقْصَدَ بها تَفْضيلُ شَيءٍ عَلى نَفْسِهِ أو غيرِه باعْتبارَيْن نحو: "عَلِيٌّ خُلُقاً أَحْسَنُ منه عِلْماً".
(8) أَنْ تكونَ نوعاً لصاحِبها نحو: " هَذَا مَالُكَ ذَهَباً".
(9) أَنْ تكونَ فَرْعاً لصَاحِبها نحو: { وَتَنْحَتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً} (الآية "74" من سورة الأعراف "7" ).
(10) أنْ تكونَ أصْلاً لهُ نحو "هذَا خَاتَمُكَ فِضَّةً" ونحو قوله تعالى: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} (الآية "61" من سورة الإسراء "17" ).
(جـ) أنْ تكونَ نَكِرَةً لا مَعْرِفةً، وذَلكَ لازِمٌ، فإنْ وَرَدَتْ مَعْرِفَةً أُوِّلَتْ بِنكِرَة نحو "جَاء وحدَه". أي مُنْفَرِداً، و "رجَعَ عَودَهُ على بَدْئه". أي عَائِداً، ومثلُه "مَرَرْتُ بالقومِ خَمْسَتَهم" و "مرَرْتُ بهم ثَلاثَتَهم" (ويجوز بخمستهم وثَلاثَتهم على البَدَل ولكِن يَخْتلف المعنى) أي تَخْمِيساً وتَثْلِيثاً، و "جاءُوا قَضَّهُم بَقَضِيضَهم" (في القاموس : بفتح ضاد" قضهم" أي على الحال - وبضمها - أي جميعُهم على التوكيد، والقضّ: الحَصَى الصِّغار، والقَضِيض: الحَصَى الكِبَار). أي جَمِيعاً، ومنه أيْضاً قولُهم "فَعَلْتُه جُهْدِي" و "أسْرَعتُ طَاقَتي" ولا تُسْتَعملُ إلاَّ مُضَافاً وهو مَعْرِفة، وفي مَوضِع الحَال، وتَأْويله: مُجْتَهِداً ومُطِيقاً.
ومِنْه قَوْلُ لَبيد:
فأَرْسَلَها العِرَاكَ ولم يَذُدْهَا * ولم يُشفِق على نَغَصِ الدِّخال
(الإرْسَال: التخلية والإِطلاق، وفاعل أرسلها: حِمارُ الوَحْش، وضميرُ المؤنث لِأُتُنِه، والذَّوْد: الطَّرْدُ، أشْفَق عليه: إذا رَحمه، والنَّغَص، مصدر يقال: نغص ينغص: إذا لم يَتم مُرادُه، وكذا البَعير إذا لم يتم شُرْبُه، والدَّخَال: أَنْ يُداخل يعيرٌ قد شَرِب مرَّة في الإِبل التي لم تَشْرب حتى يشرب مَعَها، يقول: أوْرَد العَيْر - وهو حِمَارُ الوَحْش - أُتُنَه الماءَ دَفْعةً وَاحِدةً مُزْدَحِمة ولم يَشْفِق على بَعْضِها أن يتنغَّص عند الشُّرب، ولم يَذُدْها لأنَّه يخافْ الصَّياد بخلاف الرِّعَاء الذين يُديرُون أَمْر الإِبل، فإنهم إذا أورَدُوا الإِبل جَعلُوها قِطَعاً حتى تَرْوَى)
ومثلُ فأرسلها العراك، قولك: " مررت بهم الجَمَّاءَ الغَفِيرَ" أي على الحال على نية طرح الألف واللام وهذا كقولك: " مررت بهم قاطبةً" و "مرَرْت بهم طُرّاً".
(= أنظرهما في حرفيهما).
(د) أن تكونَ نَفس صَاحبها في المعنى، ولذا جَازَ" جَاء عليٌّ ضَحِكاً" لأنَّ المصدرَ يباينُ الذاتَ بخلاف الوصفِ، وقد جاءتْ مَصادِرُ أحْوالاً في المَعَارِف نحو: "آمَنْتُ باللَّه وَحْدَه". و "أرْسَلَهَا العِرَاكَ" كما تَقَدَّم وبكَثْرةٍ في النَّكِرات نحو" طَلَعَ بَغْتَةً" و" سَعَى رَكْضاً" ومنه قوله تَعالى: { ثُمَّ اَدُعهُنَّ يأْتِينَكَ سَعْياً} (الآية "260" من سورة البقرة "2" ) ومنه"قَتَلَه صَبْراً"وذلك كلُهُّ عَلَى التَّأويل بالوصف: أي مُباغِتاً، ورَاكِضاً، وسَاعِياً، ومَصْبُوراًأي مَحْبُوساً، والجُمْهُور على أنَّ القِياسَ عليه غيرُ سَائغٍ. وابنُ مالك قَاسَهُ في ثَلاثةِ مواضعَ:
(الأوَّل) المَصْدرُ الواقِعُ بعد اسمٍ مُقْتَرِنٍ بـ "أل" الدالة على الكمال، نحو "أَنتَ الرَّجُلُ عِلْماً" فيجوزُ " أنْتَ الرَّجُلُ أَدَبَاً ونُبْلاً" والمعنى: الكَامِلُ في العِلِم والأدَبِ والنُّبْل.
(الثاني) أَنْ يَقَعَ بعدَ خَبرِ شُبِّهَ بِهِ مُبْتَدؤه نحو "أنْتَ ثَعْلَبٌ مُرَاوَغَةً".
(الثالث) كلُّ تركيبٍ وقع فيه الحالُ بعد "أما" في مَقامٍ قُصِدَ فيه الرَّدُّ على مَنْ وَصَفَ شَخْصاً بوصفين، وأنتَ تَعْتقِدُ اتِّصَافَهُ بأحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ نحو" أَمَّا عِلْماً فَعالِمٌ" والنَّاصِبُ لهذه الحالِ هو فعلُ الشَّرطِ المحذوف، وصاحبُ الحالِ هُوَ الفاعل، والتَّقدير: مَهْمَا يَذْكُرُه إنسانٌ في حالِ عِلْمٍ فالمذكور عالمٌ.
وهُناكَ أسَماءُ تَقَعُ حَالاً ليستْ مُشْتَقَّات، وليست مَصادر، بل تُوضَع مَوْضِعَ المَصَادر نحو" كَلَّمتُه فَاهُ إلى فِيَّ" التَّقْدير: كلمتُه مُشَافَهةً، ونحو: "ايَعْتُه يَداً بِيَدٍ" أي بَايَعْتُه نَقْداً وقد تقدم، ولَوْ قُلْت: "كلمتُه فُوه إلى فِيَّ" لجاز.
أمَّا" بايَعْتُه يَدٌ بِيدٍ" برفع" يَدٌ" فلا يجوز، ومن ذلك قولهم في المثل: "تفرَّقُوا أيْدِي سَبَا" و "أيدي" وأياديَ - على رواية ثَانية - في موضع الحال، والتَّقْدير: مثلَ تَفرَّق أيْدِي سَبَا.
[3] صاحِبُ الحَال:
الأصلُ في صَاحِب الحَال : التَّعرِيفُ ومن التَّعرِيف قَولُكُ: " مَرَرْت بكُلٍّ قائماً" و "مرَرْتُ بِبَعْضٍ نَائِماً". و "ببْعضٍ جالِساً" وهو مَعْرفة لأن التَّنْوين فيه عِوَضٌ عن كَلِمَةٍ مَحْذُوفَةٍ، والمَحْذُوف تَقْديرُه: بكلِّ الصّالِحين، أو بكلِّ الأصْدقاء، وصارَ مَعْرفةً لأنه بالحقيقة مضافٌ إلى مَعْرِفة ومثله قوله تعالى: { وكُلٌّ أَتَوْهُ داخرين} (الآية "87" من سورة النمل "27" ).
وقد يَقْعُ نَكِرةً في مَوَاضِعَ وهِي المُسَوِّغات: منها أنْ يَتَقَدَّمَ عليه الحَالُ نحو قول كُثّير عَزَّة:
لعَزَّةَ مَوحِشاً طَلَلُ * يَلوحُ كأنَّهُ خِلَلُ
(أصله : لِعزَة طَلَلٌ مُوحِشٌ ، و "موحش" نَعْت لـ " طَلَل" فلما تَقدَّم عليه بَطل أنْ يكونَ صِفَةً لِأَنَّ الصفةَ لا تَتَقَدَّمُ على المَوْصُوف، فصارَ حَالاً، والمُسَوغ له: تقدُّمُه على صاحِبه والطَّلَلَ ما بعي من آثارِ الدار، والخِلل: جمع خِلة، وهي كل جِلدَةٍ منقوشة)
ومنها: أن يَتَخَصَّصَ إِمَّا بوَصْفٍ، نحو: { ولمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ من عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقاً} القراءة المشهورة: مصدِّقٌ لما معهم، وقال القرطبي: ويجوز في غير القرآن نصبه على الحال، وكذلك هو في مصحف أُبَيّ بالنصب فيما رُوي 1. هـ والآية هي "89" من سورة البقرة "2" ) أو إضافة نحو: {في أَرْبَعَةِ أيَّامٍ سَواءً للسَّائِلين} (الآية "10" من سورة فصِّلتْ "41" أو بمعمولٍ نحو" عجِبْتُ من مُنْتَظرٍ الفَحْصَ مُتَكَاسِلاً". ومنها: أن يَسبقَهُ نفي نحو: {وَمَا أهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ ولها كِتَابٌ مَعْلُومٌ} (الآية " 4" من سورة الحجر "15" ) أو نهي كقولِ قَطَريّ بن الفُجَاءة:
لاَ يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إلى الإِحْجَامِ * يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفاً لِحَمَامِ
(الإِحجام: التأخر، الوغى: الحرب، الحِمَام: الموت)
أو استِفْهام كقوله:
يا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِياً فَتَرى* لِنَفْسِكَ العُذْرَ في إبْعَادِها الأَمَلاَ (صاح : مرخم صاحب، ، وحم: قدر)
وقد تَغْلب المعْرِفةُ النكِرةَ في جملة ويأتي منهما حال، تقول: "هذان رجُلان وعَبْدُ الله مُنْطَلِقَيْن" وإنْ شِئتَ قلتَ: "هَذَان رَجُلان وعبدُ الله مُنْطَلقان". وتقول : "هؤلاءِ ناسٌ وعبدُ اللهِ مُنْطَلِقين" إذَا خَلَطْتَهم ، وتقول: " هذه ناقَةٌ وفَصِيلُها راتِعَيْن" ويجوز راتِعَتَان.
وقد يَقَعُ نَكِرةً بغَيْر مُسَوِّغٍ كقولهم: "عليهِ مائةٌ بَيْضاً" وفي الحديث: " وصلَّى وَرَاءَه رِجَالٌ قِياماً".
-4 الحَالُ مع صاحِبها - في التَّقَدُّم والتأخر لَهَا ثلاثُ أَحْوال:
(أ) جَوَازُ التَأخُّرِ عنه والتَّقَدُّمِ عليه نحو" لا تَأكُلِ الطَّعَامَ حارّاً" ويجوز " لا تأكُلْ حَارْاً الطَّعَامَ".
(ب) أن تَتَأخَّرَ عنه وُجُوباً وذلكَ في مَوْضِعَين:
(1) أن تكُونَ مَحْصورةً، نحو: { وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِين ومُنْذِرِينَ} (الآية "48" من سورة الأنعام "6" ).
(2) أنْ يكُونَ صَاحِبُها مَجْروراً إمَّا بحرْفِ جَرٍّ غيرِ زائد نحو" نَظَرْتُ إلى السَّماءِ لامِعَةً نُجومُها" وأمَّا قوْلُ الشَّاعر:
تَسَلِّيْتُ طُرّاً عَنْكُمُ بَعْدَ بَيْنِكم * بِذكْرَاكُمُ حتى كَأنَّكُم عِندي
بتقدِيم "طُرّاً" وهي حالٌ على صَاحِبِها المجرورِ بعن، فَضَرُورة.
وإمَّا بإضافة، نحو" سَرَّني عَمَلُكَ مُخْلِصاً". حال من الكاف في عملك وهي مضاف إليه.
(جـ) أن تتقدَّمَ عليه وُجُوباً كما إذا كان صَاحِبُها مَحْصُوراً فيه نحو "ما حَضَرَ مُسْرِعاً إلاَّ أَخُوكَ".
-5 شَرْطُ الحالِ منَ المضافِ إليه:
تأتي الحالُ من المضافِ إليه بشرط أن يكونَ المضافُ عاملاً فيه نحو: { إليه مَرْجِعُكُمْ جميعاً} (الآية 4" من سوةر يونس "10" ). أو يكونَ بَعْضاً منه نحو: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْم أخِيهِ مَيْتاً} (الآية "12" من سورة الحجرات"49") أو كبَعْضِهِ نحو: { فاتَّبِعُوا مِلَّة إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} (الآية "95" من سورة آل عمران "3" ). فلو قِيل في غير القرآن: اتَّبعَ إبراهيمَ، لصحَّ.
-6 العَاملُ في الحَال:
لا بُدَّ للحال من عامِل ولا يَعملُ فيها إلا الفِعلُ، أو شَيءٌ يكونُ بَدَلاً مِنه، دَالاًّ عليه، والعَاملُ من غَير الفِعْل المُشْتَقٌّ نحو" أعَائِدٌ بكرٌ حَاجّاً" والظَّرفُ نحو: "زَيْدٌ خَلْفَكَ ضَاحِكاً" أي اسْتَقَرَّ خَلْفَكَ، والجارُّ والمَجْرُور نحو: "زَيْدٌ في الدار نائماً" أي استَقَرَّ، والإِشارة نحو: " ذَاكَ محمدٌ راكباً" والمعنى: أشير المُنْتَزعَةُ من مَعْنَى اسمِ الإِشَارَة، و "ها" للتنبيه نحو" هَذَا عَمْرٌ مُقبلاً" والمعنى : انبِّهكَ.
ويعمل مِن أخوات "إن" ثلاث أدوات هُنَّ : " كأنَّ لِما فيها من مَعْنى: أُشبِّه، نحو "كأنَّ هَذَا بِشرٌ مُنْطَلِقاً" و "ليْتَ " لما فيها من معنى، تَمنَّى، نحو: "ليتَ هذا زَيدٌ شُجاعاً" و "لعَلَّ" لما فيها من مَعْنى أتَرَجَّى، نحو" ولَعَلَّ هذا عَمْرٌو مُنْطَلِقاً". ولا يجوزُ أنْ يَعملَ في الحال" إنَّ ولكِنَّ". وإذا لم يكنْ للحَالِ عامِلٌ مَمَّا سَبَق فلا يجوزُ، فلو قلتَ: "زيدٌ أخُوكَ قائماً" و "عبدُ الله أبوك ضاحكاً" لم يَجُز، وذلك لأنه ليس ها هَنا فِعلٌ، ولا مَعْنَى الفِعْل، ولا يستقيم أن يكونَ أَباه في حَالٍ، ولا يكونُ في حالٍ أُخْرَى، ولو قَصَدْتَ بالأُخوَّة، أُخُوَّة الصَّدَاقَةِ لجَازَ.
-7 الحالُ مع عامِلها (تقدم في رقم 4 الحال مع صاحبها والفرق ظاهر بين العامل والصاحب) - في التقديمِ والتَّأخِيرِ - ثلاث حالاتٍ:
(أ) جوازُ التَّأخيرِ والتَّقديمِ وذلكَ إذا كانَ العَامِلُ فِعْلاً مُتَصَرِّفاً، نحو" دَخْلتُ البُسْتَانَ مَسْرُوراً" أو صِفَةً تُشبِهُ الفِعلَ المُتَصَرِّفَ نحو: " خالدٌ مُقبلٌ على العَملِ مُسْرِعاً" فيجوزُ في "مسروراً " و "مسْرِعاً" أنْ نُقدِّمَهُما على "دَخَلتُ ومُقبِل" ومنه قوله تعالى: { خُشَّعاً أبْصارُهُمْ يخرُجُون} (الآية "7" من سورة القمر"54") وقول يزيدَ بنِ مُفرِّغ يخاطبُ بغلتَه:
عَدَسْ ما لعَبّادٍ عَليكِ إمارةٌ * أَمِنْتِ وهذا تحْمِلِينَ طليقُ (عَدَسْ: اسم صوت لزجر البغل، وعباد: هو ابن زياد بن أبي سفيان) فجملةُ تحمِلِينَ في موضعِ نصبٍ على الحالِ، وعاملُها طليق، وهو صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ.
(ب) أَنْ تَتَقَدَّمَ عليه وُجُوباً، وذلك إذا كان لها صَدْرُ الكَلاَمِ، نحو" كيفَ تَحْفَظُ في النَّهار" فـ "كَيْف" في محل نَصْبٍ على الحال.
(جـ) أنْ تَتَأَخَّرَ عنه وُجُوباً وذلك في ستِّ مَسَائل:
(1) أنْ يكونَ العَامِلُ فِعْلاً جامِداً نحو" ما أَجْمَلَ الفَتَى فَصِيحاً"
(2) أوْ صِفَةً تُشبِهُ الفعلَ الجامد، وهي أَفْعلُ التفضيل نحو "بكرٌ أفصحُ النَّاسِ خَطِيباً".
ويُسْتَثْنى مِنْه ما كانَ عاملاً في حالين لاسمين مُتَّحِدَيِ المعنى، أو مُخْتَلِفَين، وأحدهما مفضَّلٌ في حالةٍ على الآخَرِ في حالةٍ أخرى، فإنه يجبُ تقديمُ الحالِ الفاضلةِ على اسم التفضيل نحو: " عمرٌو عِبَادَةً أحسنُ مِنه مُعَامَلةً".
(3) أوْ مَصْدراً مقدراً بالفِعل وحرف مَصْدَري نحو "سرَّني مجيئُكَ سَالِماً" أي أَنْ جِئت.
(4) أو اسم فعل نحو "نزَالِ مُسْرِعاً".
(5) أو لفظاً مضمناً معنى الفعل دون حروفه كبعضِ أخَوات "إن" والظروف، والإِشارة، وحروف التنبيهِ والاستفهام التعظيمي، نحو "ليت عليّاً أخوكَ أميراً" و "كأنَّ محمداً أسدٌ قَادِماً" وقول امرئ القيس:
كأنَّ قلوبَ الطَّيرِ رَطْباً ويابِساً * لدَى وَكْرِها العُنَّابُ والحشَفُ البالي (العناب: ثمر الأراك، والحشف: رديء التمر، وفي المثل العربي: أحشفاً وسوءَ كِيلة)
ونحو قوله تعالى: { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} (الآية "52" من سورة النمل "27" ).
"هَا أَنتَ محمَّدٌ مُسَافِراً" ويُسْتَثْنى مِنْ ذلك أنْ يكونَ العاملُ ظَرْفاً أو مَجْرُوراً لا مُخْبَراً بهما، فيجوزُ بِقلَّةٍ تَوَسُّط الحالِ بينَ المبتدأ والخبر كقراءةِ بعضهم: {وَقَالُوا مَا في بُطُونِ هذهِ الأنعامِ خَالِصَةً لذُكُورِنَا} (الآية "139"من سورة الأنعام "6" ) وقراءةُ الحسن: { والسَّمَوَاتُ مَطَوِيَّاتٍ بِيَمينِهِ} (الآية "67" من سورة الزمر "39" ).
(6) أن يكونَ العاملُ فِعْلاً مع لاَمِ الابْتِداء أو القَسَمِ نحو "أنِّي لأَسْتَمعُ وَاعِياً" ونحو" لأَقْدَمَنَّ مُمْتَثِلاً". لأنَّ التَّاليَ للامِ الابْتِدَاء ولامِ القسم لا يَتَقَدَّمُ عليهما.
-8 تَعَدُّدُ الحالِ:
يجوزُ أنْ يَتَعَدَّدُ الحَالُ وصَاحِبُهُ واحدٌ، أو مُتَعَدِّدٌ، فالأوَّل كقوله:
عَلَيَّ إذا لاَقَيْتُ لَيْلَى بِخَلْوَةٍ * أنَ ازْدَارَ بيتَ اللَّهِ رَجْلاَنَ حَافياً (أن ازدار : نقلت حركة ألف المضارعة إلى النون من أن ليستقيم الوزن ومعنى ازدار أزور من ازدار يزدار وأصلها: ازتار، ومعنى: رَجْلان، ماشياً على رِجْلَيّ غير راكب)
والثاني: إنْ اتَّحَدَ لَفْظُهُ ومعنَاهُ ثُنِّي أو جُمِع نحو: { وَسَخَّرَ لكُم الشَّمْسَ والْقَمَرَ دَائِبيْنِ} (الآية "33" من سورة إبراهيم "14" ). والأصلُ: دَائِبَةً ودَائِباً ونحو: { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ} (الآية "12" من سورة النحل "16" على قراءة من فتح النجوم).
وإن اخْتَلَفَ فُرِّق بغَير عَطْف وجُعِل أَوَّلُ الحَالَيْن لِثَاني الاسْمَيْن وثانيهما للأَوَّل نحو" لَقِيتُ زَيْداً مُصْعِداً مُنْحدِراً فمُصْعِداً حالٌ من زَيد، ومُنْحَدِراً حال من التاء.
وقد تأتي على الترتيب إنْ أَمن اللَّبْس كقولك: "لَقِيتُ هِنداً مُصعِداً مُنْحَدِرةً" وكقول أمرئ القيس:
خَرَجْتُ بها أمْشِي تَجُرُّ ورَاءَنا * على أَثَرَيْنَا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّل (المِرْط: كِساءٌ من خَزِّ، والمُرَحَّل: المُعلَم)
فأمْشي حالٌ مِن التاء من خَرَجْت و "تجُرُّ" حالٌ من الهاء في بها.
-9 الحالُ مُؤَسّسة أو مُؤَكَّدة: الحالُ المؤسِّسَة: هي التي لا يُسْتَفَادُ مَعْنَاهَا بدُونِها نحو" أَتَى عَليٌّ مُبَشِّراً" والحالُ المؤكدة: هي التي يُسْتفادُ مَعْنَاها بدُونها، وهي على ثَلاثةِ أنواع:
(1) أن تكون إمَّا مُؤكِّدةً لعَامِلِها مَعْنىً دُونَ لَفْظٍ نحو{ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً} (الآية "19" من سورة النمل "27" ) أو لَفْظاً ومعنىً نحو: { وَأَرْسَلْنَاكَ للنَّاسِ رَسُولاً} (الآية "79" من سورة النساء "14" ).
(2) أنْ تكونَ مُؤكِّدة لِصَاحِبِها، نحو: { لآمَنَ مَنْ في الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} (الآية "99" من سورة يونس "10" ).
(3) أنْ تؤكَدَ مَضْمون جُمْلَةٍ مُرَكَّبَةٍ من اسمين مَعْرِفَتَيْنِ جَامِدِينْ ومَضْمُونُ الجملة إمَّا فَخْرٌ كقولِ سالم اليربُوعي:
أنَا ابنُ دَارَةَ يا لَلنَّاسِ مِنْ عَارِ * وهَلْ بِدَارَة يالَنَّاسِ مِنْ عَارِ
أو تَعظِيمٌ لغَيرك نحو "أنتَ الرجُلُ حَزْماً" أو تصغير له نحو" هُوَ المِسْكينُ مُحْتَاجاً" أو غير ذلك نحو" هذا أخُوكَ شفيقاً" و{ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} (الآية "72" من سورة الأعراف "7" ).
وهذه الحَالُ المُؤكِّدة واجِبَةُ التَّأخير عن الجُمْلَةِ المذكورَة، ومعمولةٌ لِمَحْذُوفٍ وُجُوباً تَقْدِيُرهُ "أحقَّه أو أَعْرفه" أو "أحقني أو أعرفين" لِتَنَاسُبِ المبتدأ في الغيبةِ والحضور.
-10 الحال مُقارِنَة أو مُقدَّرة:
الحالُ إمَّا مُقارِنَةٌ لعامِلِها كالأمثلة السَّابقة، وإمَّا مُقَدَّرَةٌ وهي المُسْتَقْبَلةُ وتُسمَّى حالاً مُنتظرة نحو: { فَادْخُلُوها خَالِدِينَ} (الآية "73"من سورة الزمر "39" ) أي مُقَدَّراً خُلُودُكُمْ.
-11 الحالُ حَقِيقِيَّةٌ أو سَبَبِيةٌ:
والحَالُ إمَّا حَقِيقِيَّةٌ كالأمْثِلة السَّابقةن وإمَّا سَبَبيَّةٌ - وهي التي تتعلَّقُ فيما بعدها وفِيها ضَمِيرٌ يَعُودُ على صَاحِبِ الحالِ - نحو" دَخَلْتُ على الأَمِيرِ بَاسِماً وَجْهُهُ".
-12 الحالُ مفردٌ، وشَبْهُ جملةٍ أو جُمْلُةٌ:
الأصلُ في الحال : أنْ تكونَ اسْماً مُفْرَداً نحو: { وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِياً} (الآية "12" من سورة مريم "19" ) ، وقد تجيء ظَرفاً (المراد: متعلق بظرف) نحو "رأَيْتُ الهِلالَ بَيْنَ السَّحَاب" فبينَ مُتَعَلِّقٌ بمحذوف حال أي كائناً. وجَارّاً ومَجْرُوراً (وأيضاً ) المراد تعلقه) نحو "نظرت البدر في كبد السماء" فالجارّ والمجرُور مُتَعَلِّقانِ أيضاً بمَحذُوف حالِ أي كائِناً في كبد السماء وقد تَجِيءُ جُمْلةً بثلاثَةِ شُرُوطٍ:
الأوَّلُ: أنْ تكونَ خَبَريَّة فَلَيْس من الحَالِ قولُ الشاعر:
اطلُبْ ولا تَضْجَرَ منْ مَطلَبٍ * فآفَةُ الطَّالِبِ أن يَضْجَرا (تضجر: مفتوح الراء على نية وجود نون التوكيد الخفيفة، وهو لهذا مبني على الفتح في محل جزم بـ "لا" الناهية)
فهذِه الَواوُ الدَّاخلَةُ على "لا" النَّاهِيَة ليْستْ للحالِ، وإنَّما هي عَاطِفةٌ مثل قولِه تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّه وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} (الآية "36" من سورة النساء "4" )
الثاني: أن تكون غيرَ مُصَدَّرَةٍ بعلامَةِ استِقْبَال، فليسَ من الحَال: " سَيَهْدِينِ" من قَولِه تعالى: { وَقَالَ إنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الآية "99" من سورة الصافات "37" ).
الثالث: أنْ تَشْتَمِلَ على رَابِطٍ، وهو أمّا الواوُ فقط نحو: { قَالُوا لَئِنْ أكَلَهُ الذّئْبُ ونحْنُ عصْبَةٌ} (الآية "14" من سورة يوسف "31" ). أو الضَّميرُ فَقَطْ نححو{ اهْبِطُوا بعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} (الآية "36" من سورة البقرة "2" ). فالجُملةُ من المبتدأ وهو "بَعضُكم" والخبر وهو "عدوّ" في محل نَصْب حال، والرابطُ الضميرُ وهو "كم" في "بعضكم"أو هُمَا مَعاً - الضَّمير والوَاو - نحو: { ألَم تَرَ إلى الذين خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} (الآية "243" من سورة البقرة "2" ).
وإذا وَقَعَ الفَعلُ المَاضِي حَالاً وجَب عِند البَصْرِيين أن يَقْتَرِنَ بـ " قَدْ" ولا يَشْترطُ الكُوفِيُّون والأَخْفَش من البَصْريين ذلكَ، لكثرة وروده في لسان العرب نحو قوله تعالى: { أو جَاؤوكم حَصِرَتْ صدُورُهم} (الآية "90"من سورة النساء"44") وتأوِيلُ هذا عِنْ
البَصْريين كما قال المبرد: الدعاء كما تقول: لُعنُوا قُطِّعَت أيْدِيهم.
-13 الواوُ الرَّابطَةُ أو الضَّميرُ بَدَلها: تجبُ الواوُ قبلَ مُضارعٍ مَقْرُونٍ بقد نحو: { لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ} (الآية "5" من سورة الصف"61").
وتًمْتَنِعُ الواوُ ويَتَعَيَّنُ الضَّمِيرَ في سَبْعَةِ مَواضِعَ:
(1) أنْ تَقَعَ الجُمْلَةُ بعدَ عَاطف نحو: { فَجَاءَهَا بِأَسُنَا بَيَاتاً أَو هُمْ قَائِلُون} (الآية "4" من سورة الأعراف "7" ).
(2) أنْ تكونَ الحالُ مُؤكِّدَةً لمضمُون الجُمْلَةِ نحو: { ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} (الآية "2" من سورة البقرة "2" ).
(3) الجُمْلَةُ الماضَوِيَّة الوَاقِعَةُ بعدَ "إلاَّ" نحو: { وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلاَّكانُوا به يَسْتَهْزِئُون} (الآية "11" من سورة الحجر "15" ).
(4) الجملةُ المَاضَوِيَّةُ المَتْلُوَّةُ بـ "أو" نحو "لأُصَادِقَنَّهُ غَابَ أو حَضَرَ".
(5) الجُمْلَةُ المُضَارِعِيَّةُ المَنْفِيَّةُ بـ "لا" نحو: { وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ باللَّهِ} (الآية "84" من سورة المائدة "5" ) ومنه قوله:
ولَوْ أنَّ قَوْماً لارْتِفَاعِ قَبِيلَةٍ * دَخَلُوا السَّمَاءِ دَخَلْتها لا أُحْجَبُ
(6) المضارِعيَّةُ المنفِيَّةُ بـ "مَا" كقوله:
عَهِدتُكَ مَا تَصْبُو وفِيكَ شَبِيبَةٌ * فَما لَكَ بَعْدَ الشَّيْبِ صَبّاً مُتَيَّما
(7) المُضَارِعيَّةُ المثبتَةُ التي لم تَقْتَرِنْ بـ "قَدْ" نحو: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (الآية "6" من سورة المدثر"74") . و "قدِمَ الأَمِيرُ تُقَادُ الجَنائِبُ بَيْنَ يَدَيْهِ" وأما قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
عُلِّقْتُها عَرَضاً وأَقْتُلُ قَوْمَها * زَعمْاً لَعَمْرُ أََبِيكَ لَيسَ بمَزْعَمِ
فالواوُ عاطِفَةٌ، والمُضارِعُ مُؤَوَّلٌ بالماضي، أي وقتلتُ قَوْمَهَا، أو الواوُ لِلْحال، والمُضَارِعُ خبرٌ لِمُبْتَدأ محذوفٍ تقديرُهُ، وأنا أَقْتُلُ قَوْمَها.
-14 حَذْف عَامِلِ الحالِ جوازاً:
قد يُحذَفُ عَامِلُ الحَالِ جَوازاً لِدَليلٍ حَاليٍّ كقولك لقَاصِدِ السَّفَرِ "راشِداً" أي تُسَافِر. وللقَادِمِ من الحَجِّ "مَأجُوراً" أي رَجَعْتَ، أو دَليلٍ مَقَالِيٍّ، نحو: { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أو رُكْبَاناً} (الآية "239"من سورة البقرة "2" ) أي صلُّوا، .
-15 حذفُ عاملِ الحالِ وُجُوباً: يُحذَفُ العَامِلُ وُجُوباً في أربعةِ مواضع:
(1) أنْ تكُون الحالُ سَادَّةً مَسَدَّ الخبرِ نحو "أكرامِي بَكْراً قَادِماً".
(2) أن تُؤكِّدُ مَضْمُونَ جُمْلَةٍ نحو: "عليٌّ أخوكَ شفيقاً" فـ "أخوك" تُفيدُ الشَّفَقَةَ.
(3) أنْ تَكُونَ مُبَيِّنَةً لزِيَادَة أو نَقْصٍ تَدْرِيجِيَّيْنِ نحو" تَصَدَّقْتُ بدَرْهَمٍ فَصَاعِداً" أي فَذَهب المُتَصَدَّق بهِ صاعِداً.
(=فصاعداً).
(4) أنْ تكُونَ مَسُوقَةً للتَّوبيخِ نحو: "أَمُتَوانِياً وقَدْ جَدَّ غَيْرُكَ". و "أعَرَبِيّاً حِيناً وأجْنَبِيّاً آخَر" أي أتكونُ عَرَبِيّاً حِيناً، وتَتَحَوَّلُ أجْنَبِيّاً حِيناً آخَرَ.
-16 حَذْفُ عاملِ الحالِ سَمَاعاً:
ويُحْذَفُ العَامِلُ - في غير ما تَقَدَّمَ - سَمَاعاً نحو: " هَنِيئَاً لكَ" أي ثَبَتَ لكَ الخيرُ هَنِيئاً، وسَيَأْتي أمثالُ ذلك.
-17 ما يَنتَصِبُ من المَصَادرِ لأنَّه حَال:
وذلكَ قولُكَ : "قَتَلْتُه صَبْراً" و "لقِيتُهُ فُجَاءَةً ومُفَاجَأَة" و "كفَاحاً ومُكَافَحَة" و "لقِيته عِيَاناً" و "كلَّمتُه مُشُافهَةً" و "أتَيْتُه رَكْضاً وعَدْواً ومَشْياً" و "أخَذْتُ عنه سَمْعاً وسَمَاعاً" قال سِيبويه: وليسَ كلُّ مَصْدَر مِثلَ مَا مَضَى من هذَا البَاب يُوَضَع هَذا المَوْضِعَ لأنَّ المصدر هُنَا في مَوْضِع فاعِل (مذهب سيبويه في أتيت زيداً مشياً وركضاص وعَدْواً وما ذكره معه أن المصدر في موضع الحال كأنه قال: ماشياً وراكضاً وعادياً. وكذلك صبراً، أي قتلته مَصْبوراً، ولقيته مفاجئاً ومكافحاً ومعاتباً، وكلمته مشافهاً. وأخذت ذلك عنه سماعاً وليس ذلك بقياس مُطرَّد، وكان أبو العباس المبرد: يجيز هذا في كل شيء دلَّ عليه الفِعْل نحو" أتانا سُرْعةً" و "أتانا رُجْلة") إذا كانَ حالاً.
ألاَ تَرى أنه لا يَحْسُن أتانا سُرْعَةً ولا أَتَانا رُجْلَةً، ومِثْلُ ذلك قولُ لاشاعر زهير بن أبي سُلْمَى:
فَلأَياً بِلأْيٍ مَا حَمَلْنَا وَلِيدَنا * على ظَهْرِ مَحْبوكٍ ظِمَاءٍ مَفَاصِلُه (الَّلأُي: البطء، والمحبوك: الشديد الخَلْق، والظِّماء هنا : القليلة اللحم)
كأنَّه يقول: حَمَلْنا وَلِيدَنا لأْياً بَلأيٍ، أو كأنَّه يقول: حَمَلْناه جَهْداً بَعد جَهْدٍ، ومِثْلُه قَوْلُ الرَّاجِز وهو نَقَادَة الأَسَدِي:
"وَمَنْهَلٍ ورَدْتُه التِقَاطاً (المَنْهَل: المَورِد، التِقَاطاً؛ مُفَاجِئَاً له، والمعنى لم اقصِ قَصْده لأنَّه في فَلاةٍ مَجْهُولةٍ) أي فُجَاءَة.
-18 المَصَادِرُ تكونُ في مَوضِع الحال:
يقول سيبويه مُمَثلاً عليه: وذلك قولك "أمَّا سِمَناً فَسمين"و "أمَّا عِلْماً فَعَالِمٌ" انْتَصَب "سِمَناً" و "علْماً" على أنَّ كُلاً مِنْهما مَصْدرٌ نُصِب على الحال وقال الخليلُ رحَمه الله : أنَّه بمَنْزِلة قولك: "أَنْت الرجل عِلْماً ودِيناً" و "أنت الرَّجُل فَهْما وأَدَباً" أي أنتَ الرجلُ في هذه الحال، ولم يَحْسُن في هذا الوَجْه الألِفُ واللاَّمِ، ومن ذلك قولُك: " أمَّا عِلماً فلا عِلَم له" و "أمَّا عِلْماً فلا عِلْم عِنْدَه" و "أمَّا عِلْماً فلا علم" وتضمر "له" لأنَّكَ إنما تَعْنِي رجلاً.
-19 كَلِماتٌ في جُمْلة لا تَقَعُ إِلاَّ حَالاً:
وذلكَ قولُك: "مَا شَأْنُكَ قَائِماً " و "ما شَأْنث زَيْدٍ مُسْرِعاً" و "ما لأَخِيكَ مُسَافِراً" ومثله: " هذا عبدُ اللَّهِ قَارِئاً" انْتَصَب قائماً، ومُسْرِعاً ، ومُسَافِراً على الحال، وانْتَصَبَ بقَوْلك: ما شَأْنُك كما انْتَصَب قَائِماً في قولك: " هذا عبدُ اللَّهِ قائماً" بما قبله، ومثلُه قولُه سُبْحانه: { فَما لَهُم عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِين} (الآية "49" من سورة المدثر"74") ، ومثل ذلك: " مَنْ ذَا قَائِماً بالباب" فقائماً حال، أي مَنْ ذا الذي هُو قائمٌ بالباب.