المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : *فيث* قصة قصيرة عالمية ....لكاتبة كبيرة ايرلندية


soulama
03-12-2008, 18:03
القصة القصيرة أصبحت فناً خالصاً لا شريك له في عمقه و رصانته و بهجته و شموخه ….
سأحاول اليوم أن أتجول في حديقة القصة القصيرة العالمية ، قاطفة بعض زهورها اليانعة ، واثقة من العثور على عقود بنفسجية ثمينة ، مقدمة إياها لكم بكل حب و تقدير ، آمـلة أن يشاركني الجميع بتقديم ما يستطيع من قصة مترجمة ، لعمالقة هذا الأدب القصصي الرفيع ، المنتشرين في بقاع العالم و المتكلمين بلغاته، و لتتسع بيننا دائرة الحوار و النقد البناء .


"فيث"





للكاتبة الايرلندية: شيلا أوفلاناجان



ترجمة: ريم داود(مترجمة من سلطنة عمان)








يلعب الأطفال في حديقة منزلي كل يوم. أنا لا أريدهم أن يلعبوا هناك، بالطبع، ولكنهم يفعلون ذلك؛ يركضون بين أحواض الزهور، ويكسرون شجيرات الورد. لقد زرعت شجيرات الورد تلك لأنني ظننت أنها، بأشواكها، ستثنيهم عن العبث بحديقتي.. ولكن ذلك لم يحدث؛ بالعكس.. يبدو أنها شجعتهم أكثر.
في بادئ الأمر، لم أكن أعلم أن حديقتي قد تحو لت الى نوع من ملاعب الأطفال العامة. فحين كنت لا أزال أعمل، كنت أغادر المنزل في تمام الثامنة صباح كل يوم، لأركب القطار من محطة "ستن"، ونادرا ما كنت أعود للمنزل قبل السادسة مساء. وحينها يكون معظم الأطفال قد غادروا حديقتي وذهبوا لمنازلهم لتناول العشاء. وإذا ما تجرأ بعضهم على المكوث في الحديقة والركض بين أحواض الزهور عقب عودتي، كنت أكتفي بضرب زجاج النافذة بيدي عد ة مر ات، وعندها كانوا يفرون الى الشارع..
أعتقد أنهم يظنون أنني مجنونة نوعا ما، فليس في حديقتي أي شيء مميز؛ ليست سوى أرض صغيرة مكسوة بالعشب القصير، ومحاطة بأحواض تضم خليطا من زهور زرعتها عن طريق بصيلات وبذور مختلفة، على مدار البضع سنوات الماضية، وهناك شجيرات الورد أيضا، بالطبع.
ولكن المسألة بالنسبة لي.. مسألة مبدأ. فأنا لا أحب أن يعبث هؤلاء الأطفال في ممتلكاتي الخاصة، ومعظم أصدقائي يوافقونني الرأي. هم أيضا يعتقدون- مثلي- أنه يتوجب علي طرد هؤلاء الصغار من حديقة منزلي بمجرد رؤيتهم، لأن ما يفعلونه يعتبر غزوا على خصوصيتي. وليتهم كانوا- مثلا - أصدقاء لأطفالي.
هذا هو الأمر بالضبط. لو أنهم كانوا أصدقاء لأطفالي، لما كان للأمر أهمية تذكر. فعندئذ.. كان أطفالي، بدورهم، سيلعبون في حدائق أولئك الأطفال. وكان الأمر سيصبح متعادلا. ولكن الوضع ليس كذلك على الاطلاق، ولذلك أشعر الآن بالرفض التام لما يجري.
سيقول الناس أنني أرفض لعب هؤلاء الصغار في حديقتي لأسباب هم يعرفونها جيدا.. ولكنهم مخطئون. فأنا لا أرفض وجود أطفالهم في حديقتي لأن ابنتي ليست معهم هناك في الخارج، تركض بحرية وشعرها الأشقر يتطاير في الهواء. أنا أرفض وجودهم خارج منزلي لأن الدكتور "مارش" قال انه يتوجب علي الحصول على قسط وافر من الراحة والهدوء. وكيف يتسنى لي التمتع بالهدوء حين يصرخ أولئك الصغار بأعلى أصواتهم، خارج نافذتي مباشرة?
اثنتان منهم تعيشان في المنزل المقابل لمنزلي، اسمهما "بيفرلي" و"لورا". لا أعرف أين تقيم الفتاة الثالثة ذات الشعر الأحمر. لو أنني قابلتها في ظروف مختلفة، كنت سأحبها حتما. ولكنها أكثرهم تدميرا لحديقتي، فهي لا تبالي بأشواك الورد، وتداوم على كسر أغصان الشجيرات. وهناك الأولاد أيضا، أحدهما يدعى "جيمس" والآخر، الذي يكبر الباقين والذي يميل شكله للقبح، يدعى "سباستيان".
من الأمور المثيرة للدهشة، هذه البدعة الجديدة، والولع الجنوني باطلاق أسماء فخمة على الأطفال الصغار. وما يثير دهشتي أكثر هو أن الأطفال الأكثر قبحا، هم أكثر الأطفال الذين يحملون مثل تلك الأسماء. فواحدة مثل تلك الصغيرة "آن- ماري ماكجان" هي أكثر الأطفال جمالا، ولكن أمها تصر على مناداتها باسم غير مميز على الاطلاق: "آني". ثم أسمع أحدا ينادي ذلك الـ"سباستيان" بـ"سب" مثلا، ولا أحدا يدعو "بيرفلي"، بـ"بيف"، على سبيل المثال.
ابنتي أنا اسمها "سارة". أنا و"دنيس" اخترنا الاسم معا. أعجبنا انه اسم مليء بالأنوثة والرقة، ليس من تلك الأسماء الغريبة.. الملفتة للانتباه. اسمها بالكامل، في الحقيقة، هو "سارة- آن مري"، ولكن اسمها المدون على شهادة الميلاد هو "فيث".(1)
لن أسامح "دنيس" على هذه الفعلة أبدا. فبعد كل الأوقات التي أمضيناها في اختيار اسم نتفق عليه معا.. يمضي هكذا، بكل بساطة، ويطلق عليها اسم "فيث". لم يهتم بمشاعري. انتهز فرصة غيابي عن الوعي. لم يهتم بأي شيء سوى ما قاله القسيس، وما اختاره.
قال ان الاسم دليل على ايماننا العميق بالذات العليا، ووافق "دنيس" على ما قاله. أنا شخصيا أعتقد أن "دنيس" كان خائفا من القسيس. معظم رجال الدين يحبون السيطرة على من حولهم في كل الظروف؛ ونحن كنا في أحلك الظروف.
كان كل شيء يسير على ما يرام. في بداية الحمل، كنت أعاني من نوبات الغثيان الصباحية، ولكنها لم تستمر طويلا. عانيت أيضا من ضغط الدم المرتفع، وتخو فت من ذلك، ولكنهم استطاعوا السيطرة عليه وابقائه في الحدود المعقولة. وترددت و"دنيس" على كافة الفصول والدورات التدريبية التي تعد الأبوين للولادة ولاستقبال مولدهما؛ إلى أن كان اليوم الذي أدخلوني فيه المستشفى، وأنا أصرخ من شد ة الألم، وكنت متيقنة من أن هناك شيئا فظيعا سيحدث.
ولكن حتى في تلك اللحظات، كنت مؤمنة بأنني لن أفقد "سارة".. فلم تعد السيدات يفقدن أجنتهن في زمننا هذا.. أليس كذك?.. كنت أثق ثقة عمياء في الطاقم الطبي في المستشفى.. وكانوا في الحقيقة رائعين في التعامل معي.
ولكن الأمور كانت تسير من سيئ إلى أسوأ، بسرعة متناهية، وأنا لا أستطيع الآن تذكر الكثير مما حدث، وإن كنت أتذكر الأضواء القوية والأصوات المرتفعة.. وكلها كانت تبدو آتية من مسافات بعيدة جدا. كل ما كنت أرغب فيه- حينها- هو أن يتوقف الألم، لأنني كنت خائفة منه.
استيقظت بعدها لأجد "دنيس" ممسكا بيدي. كان يبدو في حالة مزرية. لا أتذكر أنني سألته عن أي شيء، ولكنه- مع ذلك- بادرني بالقول أن ابنتنا عاشت لمدة خمس دقائق، وأنه سارع بتعميدها على يد الأب "أومالي"، وانه اطلق عليها اسم "فيث".
حاولت اخباره بأن "فيث" ليس اسم ابنتنا. ولكنه لم يستمع إلي. لماذا لا يستمع الرجال إلينا عندما نحاول أن نقول لهم أمرا هاما?. "دنيس" فظيع من هذه الناحية؛ ظل يعيد ويكرر كلاما عن الأب "أومالي"، وكيف انه كان نعم العون.. وأنه كان مصدرا للراحة. كل ذلك ولم يقل شيئا واحدا عن ابنتنا. حاولت أن أسأله.. دون فائدة. ظل يتحدث عن الرب، وعن الفرصة الثانية. ورغم أنني كنت أعلم أنه حزين ومستاء، إلا أن الشيء الوحيد الذي كنت أرغب فيه ساعتها، هو أن يصمت.. ويذهب للمنزل.
كنا قد أعددنا الغرفة الأمامية في المنزل لتكون غرفة مولودنا الأول.. صبغنا الجدران بلون وردي فاتح، وزيناها برسومات من اللون الأزرق الفاتح. اخترنا هذين اللونين لتتماشى الغرفة مع الجنسين. وكن ا قد قررنا أنه إذا كان المولود ذكرا، فسنطلق عليه اسم "سام?. الله أعلم ماذا كان "دنيس" سيسميه حين يكتب اسمه في شهادة الميلاد!
كانوا غاية في اللطف معي، في المستشفى. ولكننهم ما كانوا يفهمون ما أعاني منه حقا... أليس كذلك? فالأمر بالنسبة لهم لا يعدو كونه حالة مروا بها في حياتهم العملية مرات عديدة. وبالطبع.. الأمر، في حقيقته كذلك فعلا. لم يدركوا أن حياتي قد دمرت. كنت قد غيرت جميع جوانب حياتي انتظارا لاستقبال طفلتي... ولكن طفلتي ليست هناك..
أخبط بكفي على النافذة، وينظر لي الأطفال نظرات تعكس احساسهم بالذنب. أمد إصبعي، وأحركه مهددة. يخرج لي "سباستيان"، ذلك الطفل الرهيب، لسانه متحديا. وحين أفتح الباب الأمامي، يكونون قد فروا هاربين، وتصلني صرخاتهم وضحكاتهم من الشارع.
أشعر برغبة قوية في الجري وراءهم، ولكنني لا اشعر بالقوة الكافية لفعل ذلك. أقف في الحديقة مستمتعة بأشعة الشمس الدافئة المتساقطة على وجهي. أفكر بأنني لو خرجت لأتمشى... سوف أشعر بتحسن كبير. فأنا بطبعي أكره الجلوس طويلا دون عمل شيء.. وقد مللت من الجلوس طوال الوقت.
من الأسباب التي دفعتنا لشراء هذا المنزل، قربه من محطة القطار، ومن المدارس، والمحلات التجارية. في الحقيقة، نحن أقرب الى محطة القطار مما يجب؛ ففي بعض الأحيان يكون الضجيج الصادر عن القطارات غاية في الإزعاج. ولكن قربنا من المحطة أمر عملي. عملي لـ"دنيس" بالطبع، وليس لي أنا. هو الذي لا يزال يذهب للعمل، وكأن شيئا لم يتغير.. وأنا التي أمكث في المنزل وحيدة. خروجي هذه الأيام ينحصر في ذهابي لمحلات البقالة. لم أعد أذهب للـ"سوبر ماركت"، لأنه مزدحم جدا ومليء بالصخب. أذهب فقط لمحلات البقالة التي تبعد حوالي عشر دقائق عن المنزل.
أرتدي معطفي. أحتاج لشراء حليب.. وربما اشتريت جريدة أيضا. كنت معتادة على قراءة كل صفحة في الجرائد، كل يوم، حين كنت لا أزال أعمل في شركة "فوربز آند فوربز". كانت قراءة الجرائد أمرا يثير الهدوء في نفسي، في فترات الراحة التي أحصل عليها، لأستطيع مواصلة تحمل ازعاج الزبائن، وازعاج أصحاب الشركة ايضا. لا أفتقد العمل في "فوربز آند فوربز". أعتقد أني كنت أبحث عن أي سبب لمغادرة الشركة.
الجو دافئ حقا الآن. وبدأت أفكر في أن تناولي لبعض "الآيس كريم" سيكون أمرا جميلا. أتوقف عند أول محل يقابلني. محل لبيع الجرائد والحلويات. أقرر أن أشتري لنفسي "آيس كريم" الفانيليا بالشوكولاته.. نوعي المفضل.
لا أعرف لماذا يقرر بعض الناس أن ينجبوا أطفالا ?.. هناك عربة أطفال كبيرة تقف خارج المحل، ترقد فيها طفلة رضيعة. خارج المحل!.. حيث يمكن لأي أحد أن يدفع العربة أمامه، ويأخذ الطفلة الى حيث يريد. هذه الطفلة التي تتسلط أشعة الشمس الحارقة على وجهها الصغير.. الرقيق. أليس لدى أولئك الآباء أدنى احساس بالمسؤولية?
الطفلة جميلة. بشرة وردية ناعمة، وشعر أشقر جميل. في مثل عمر "سارة"، لو أن "سارة" كانت لا تزال على قيد الحياة. أدغدغها تحت ذقنها مباشرة، فتقبض إصبعي بكفها.
أشعر بالأسى حيال "فيث"، الطفلة التي ماتت. كان الأمر مأساة، ولكن مثل هذه الأمور تقع بالطبع. بعض الناس محظوظون، والبعض الآخر ليسوا كذلك. أنا محظوظة.. طفلتي جميلة.. وممتلئة بالصحة، طفلتي.. "سارة". علي أن أعود بها للمنزل. لقد أخذت كفايتها من الهواء الطلق، ولا أحب أن أعرضها للشمس لفترات طويلة.
أبتسم لنفسي، وأنا أدفع العربة بعيدا عن محلات البقالة.. أدفعها أمامي في الشارع.. أعبر بها الطريق.. وأدخل بها الى حياتي.
الهوامش
1 - Faith : ايمان.
** الكاتبة: "شيلا أو فلاناجان"، روائية ايرلندية، نجحت معظم كتبها في تحقيق أفضل المبيعات (bestselles) في كل من ايرلندا وبريطانيا.. تتناول في أعمالها جوانب الحياة الأسرية، والموضوعات الاجتماعية، لها ثماني روايات، منها: "الحلم بشخص غريب"، و"زفاف ايزوبيل"، و"وداعي المفضل"؛ ومجموعة قصصية واحدة هي "مسافات".

soulama
03-12-2008, 23:40
نتمنى تفاعل الاعضاء الكرام................شكرا لكم

Fouad.M
04-12-2008, 00:01
كاتبة القصة ايرلاندية الاصل...ألفت مجموعة من الروايات التي وصل عددها الى ثمان روايات منها:الحلم بشخص غريب-زفاف ايزابيل-وداعي المفضل...وغيرها...أما على المستوى القصصي فلم تنتج الا مجموعة قصصية واحدة هي : المسافات....
وقد ترجمت مؤلفاتها الى اللغة العربية خاصة المترجمة ريم داوود من سلطنة عمان .....
والغريب في هذه الاقصوصة أن صاحبتها جعلت راويتها تتكلم بطريقة غير منطقية وبجمل مبثورة...تعكس حالتها النفسية.....
شكرا اختي..................على مساهمتك الجيدة.......والممتعة
تحياتي ومودتي...في انتظار اطلالات أخرى....

soulama
04-12-2008, 11:57
كاتبة القصة ايرلاندية الاصل...ألفت مجموعة من الروايات التي وصل عددها الى ثمان روايات منها:الحلم بشخص غريب-زفاف ايزابيل-وداعي المفضل...وغيرها...أما على المستوى القصصي فلم تنتج الا مجموعة قصصية واحدة هي : المسافات....
وقد ترجمت مؤلفاتها الى اللغة العربية خاصة المترجمة ريم داوود من سلطنة عمان .....
والغريب في هذه الاقصوصة أن صاحبتها جعلت راويتها تتكلم بطريقة غير منطقية وبجمل مبثورة...تعكس حالتها النفسية.....
شكرا اختي..................على مساهمتك الجيدة.......والممتعة
تحياتي ومودتي...في انتظار اطلالات أخرى....

ان الفن الادبي بنظري يبقى له نفس الطعم ويتذوق بنفس النكهة الادبية وان اختلفت اجناسه وجنسيات كتابه .....فيبقى دائما متالقا في افق الابداع..مشكووور اخي على المرور ..ولا شك ستكون لنا اطلالات فردية انشاء الله..

نورالدين شكردة
04-12-2008, 12:28
الأخت سلامة مشكورة على الإختيار الجميل لكنني شخصيا كنت أفضل أن أقرأ عملا أدبيا من توقيع سلامة وأعتقد ان الامر هين عليك فواضح من خلال ردك انك اديبة متمرسة تخجل من عرض بضاعتها....أما بخصوص الاعمال المترجمة فسوف نلتمس قريبا من المشرفين إضافة دفتر خاص بالأدب العالمي ...اتمنى أن تتقبلي مروري وملاحظتي بصدر رحب أختي سلامة ...

soulama
04-12-2008, 12:54
الأخت سلامة مشكورة على الإختيار الجميل لكنني شخصيا كنت أفضل أن أقرأ عملا أدبيا من توقيع سلامة وأعتقد ان الامر هين عليك فواضح من خلال ردك انك اديبة متمرسة تخجل من عرض بضاعتها....أما بخصوص الاعمال المترجمة فسوف نلتمس قريبا من المشرفين إضافة دفتر خاص بالأدب العالمي ...اتمنى أن تتقبلي مروري وملاحظتي بصدر رحب أختي سلامة ...
مشكور اخي على المرور والرد الطيب.......تحياتي

الزبير
05-12-2008, 17:03
أضو صوتي الى صوت الأخ نورالدين بمطالبتك بمشاركاتك الخاصة لتفرجي لنا عما تجود به قريحتك
في انتظار ذلك شكرا على المساهمة العالمية

ذ نور الدين
05-12-2008, 18:50
merci Soulama pr cette histoires,triste c est vrais mais merveilleuse