المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التفتيش في مجال التوجيه التربوي بين طموحات الإصلاح وإجراءات التفعيل


abdenaser
04-12-2008, 17:22
انطلاقا من سعي وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي إلى إرساء صيغ تنظيمية جديدة تستدعيها المستجدات والتحولات التي تشهدها منظومة التربية والتكوين، وفي أفق تجسيد الإصلاح التربوي المأمول، كان يفترض أن تعرف منظومة التفتيش في مجال التوجيه التربوي مراجعات وتعديلات لجعلها منسجمة مع النصوص القانونية والتنظيمية المؤطرة والموجهة للممارسة الميدانية، ولقد أكدت فلسفة هذه النصوص في مجملها على مجموعة من التغيرات والتحولات التي كانت ستمس بشكل عميق بنيات و أدوار و وظائف منظومة التفتيش في مجال التوجيه التربوي والتي نجملها فيما يلي:
- الانتقال من صيغة التفتيش الإقليمي إلى صيغة تفتيش المناطق التربوية من أجل ترسيخ عمل القرب داخل المناطق التربوية وفق مقاربة تربوية ترى في منظومة التفتيش في مجال التوجيه التربوي جزء لا يتجزأ من ميكانيزمات اشتغال المؤسسة التعليمية ومن الحياة المدرسية بشكل عام؛
- الانتقال من التدخلات الفردانية للتفتيش إلى التدخلات الجماعية، ترسيخا لروح العمل الجماعي وما يتطلبه ذلك من توظيف مبدع للمسعى التدبيري التشاركي والاستراتيجيات التواصلية المتنوعة؛
- استحضارالمقاربات الحديثة في مجال التـأطير والتفتيش، التي تؤكد على كيفية مساعدة المستشار في التوجيه التربوي وباقي الفاعلين التربويين على إيجاد طريقة ومنهجية في بناء وتنفيذ وتقييم برامج عملهم وفق روح تربوية يطبعها التعاقد والمصاحبة والتأطير والتحفيز؛
- الانتقال من مقاربة تأطير الأفراد إلى مقاربة تأطير المؤسسات التعليمية، وهو انتقال ليس فقط في المفاهيم ولكنه تحول عميق يجب أن يلامس مناهج الإشراف والتأطير وأساليب الممارسة واستراتيجيات التدخل؛
- إعادة الاعتبار للمؤسسة التعليمية من خلال ربطها بمحيطها الاجتماعي العام بجميع أبعاده، ودفعها للخروج من إجراءات التنفيذ والدخول في سيرورات التجديد والإبداع واتخاذ القرار، استعدادا لاستنبات ثقافة التدبير المستقل المأمول.
ويحق لنا أن نتساءل اليوم بعد انقضاء أكثر من أربع سنوات على عملية إرساء هذا التنظيم الجديد لتفتيش التوجيه التربوي عن مآل ومصير هذه الخطوة التربوية؟ وعن المبادئ والمرتكزات التي تحكمت في عمليات الإرساء هذه؟ وكيف تم تدبير عمليات الإرساء على مستوى العرض والطلب؟ وماهي المنهجية والمعايير المعتمدة من طرف الأكاديميات؟ وهل يعقل أصلا أن توضع المعايير أمام من يريد ممارسة المهام التي تكون من أجلها؟ وهلفعلا أفضى كل ذلك إلى مأسسة جهاز تفتيش التوجيه بداخل المنظومة التربوية ليشتغل بشكل طبيعي وسلس مع باقي مكونات منظومة التربية والتكوين وفق أهداف واستراتيجيات واضحة ؟
وبعيدا عن تقديم الإجابات الجاهزة عن مختلف التساؤلات الآنفة واستحضارا لمعطيات الواقع التربوي، يمكن أن نؤكد على أن الانتقال من الصيغة القديمة لتفتيش التوجيه التربوي إلى الصيغة الجديدة لم يواكبه مجهود تربوي كاف على مستوى التأطير والتتبع والتقويم والمساءلة، مما جعل أكاديميات التربية والتكوين تتفاوت في معايير التنزيل وتختلف في منهجيات تدبير هذا الملف، الشيء الذي مسه في وحدته و بعده الوطني، و أعطى الانطباع بأن المنظومة التربوية بكل فاعليها غير مقتنعة كفاية بالأدوار الاستراتيجية لمفتشي التوجيه في إحداث التغيير التربوي المنشود بداخل المناطق التربوية، مما يمكن أن ينعكس سلبا على الانطلاقة الفعلية لهذه العملية التربوية الضرورية ويرهن مستقبل تفتيش التوجيه لفترة ليست بالهينة من خلال تعميق الارتباك والسلبية في أداءات هيئة تفتيش التوجيه التربوي.
وهكذا يمكن أن نفوت على منظومتنا التربوية فرصة الاستفادة من أدوار ومهام ضرورية وحيوية تقع في صلب اختصاصات المفتش في التوجيه التربوي من قبيل:
-مهام تخصصية تروم النماء والتطوير المهني للمستشار في التوجيه ولباقي الفاعليين الإداريين والتربوين بداخل المؤسسة التعليمية الذين تتقاطع مهامهم بشكل مباشر أوغير مباشر مع ملف الاستشارة والتوجيه؛
-مهام مؤسساتية تستهدف تطوير فعالية ومردودية المؤسسة التعليمية وما يتطلبه ذلك من تطوير آليات اشتغال المؤسسة وعقلنة وتوجيه للفعل التربوي في كل مستوياته؛
-مهام تندرج في إطار مساعي التعاون والتشارك يتم تصريفها وفق شبكات تنظيمية مندمجة ومرنة بين مختلف هيئات التفتيش، تجسيدا لروح الفريق التربوي في مجالات التدخل الجماعي؛
-مهام انفتاحية تروم ترسيخ مبدأ المدرسة في قلب المجتمع من خلال نسج وتوطيد علاقات التواصل والتعاون مع باقي القطاعات المهنية والتكوينية والصحية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية...، قصد إمداد التلميذ والمؤسسة بالموارد والمصادر والخدمات الضرورية...؛
تأسيسا على ما سبق وترسيخا للأدوار السالفة، نخلص إلى ضرورة تجاوز الغموض والتردد والاتنظارية في التعاطي مع ملف التفتيش في مجال التوجيه التربوي والاستعجال في إيجاد الصيغ التربوية والمؤسساتية الملائمة والتي نحصر بعضها في العناصر التالية:
- الانطلاق من تشخيص علمي ودقيق للاختلالات والصعوبات التي صاحبت عمليات إرساء التنظيم الجديد للتفتيش والانطلاق من هذا التشخيص لمراجعة وموقعة منظومة التفتيش في التوجيه التربوي داخل النظام التربوي والاستفادة من المنهجيات الموفقة في هذا الباب؛
- الحرص على تطبيق مقتضيات النصوص القانونية والتنظيمية في أجرأة عمليات الإرساء ترسيخا للمقاربات المؤسساتية وتجسيدا لمبدأ تكافئ الفرص؛
- استحضار المعطيات الجغرافية والديمغرافية والمؤسساتية في تقطيع المناطق التربوية قصد إفراز خريطة تفتيش واضحة من جهة، و حتى لانسقط في مناطق تربوية بنسب تأطير متفاوة جدا من جهة أخرى ؛
- استحضار معايير الجدارة والاستحقاق في إسناد مهام التفتيش درءا لكل تعثر في الانطلاق وتجنبا لكل ما يعيق النماء الطبيعي لمنظومة التفتيش؛
- تحيين و مراجعة خريطة مجالات التكوين الأساس والمستمر لمفتشي التوجيه بغية جعلها منسجمة مع التحولات الوطنية والعالمية واستجابة للحاجيات الجديدة والانتظارات المستجدة في مجال التفتيش؛
- الإسراع في بلورة ميثاق أخلاقي لجهاز التفتيش بكل مكوناته كفيل بإنجاح العمل المشترك و بترشيد وتوجيه الممارسة بشكل متبصر ومنسجم مع التحولات التي يعرفها جهاز التفتيش؛
- الإسراع في إرساء الهياكل والبنيات المحلية والإقليمية والجهوية الكفيلة بتجسيد هذه الروح الجديدة التي يراد أن تطبع منظومة التفتيش.
في الختام، لاندعي أننا سلطنا الضوء كفاية على كل عناصر تجربة إرساء التنظيم الجديد للتفتيش في مجال التوجيه التربوي، بقدر ما حاولنا بشكل مركز طرح بعض التساؤلات الأولية التي أملتها اللحظة التربوية و التقاط بعض الاختلالات والمشاكل التي اعترضت تنزيل هذه التجربة الطموحة من خلال ما رجح لنا عبر البحث والملاحظة والتي تبقى منفتحة على تساؤلات ومقاربات أخرى في أفق إرساء جهاز تفتيش متين وقوي انسجاما مع وظائفه الإستراتيجية واستجابة لطموحات وآمال الإصلاح التربوي المنشود.

عبدالعزيز سنهجي
مركز التوجيه والتخطيط التربوي
الرباط
www.senihji.on.ma (http://www.senihji.on.ma)

بوشتى المشروح
28-12-2008, 21:13
لقد قرأت موضوعكم اعلاه ، ويمكن اعتباره اقتحاما لللعتمة المضروبة على اطاركم.
نتمنى ان تزول العتمة.
دفتر الاطر الاخرى يرحب بمساهمتكم القيمة ويرجو ان يصبح منتدى للتواصل بين اطر التفتيش الخاصة بالتوجيه