أبو فراس
08-12-2008, 15:33
مفهوم الانزياح في الشعر:
الموضوع الأول:
توطئة :
قيل :" إن الابداع هو النظر إلى الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة ".
ويقول بول فاليري إن الشعر ( لغة داخل لغة)
..إننا نعيش اليوم الثقافة الشعرية السائدة التي تعاني من مشكلات بنائية في اللغةالمتهالكة ألفاظاً وتراكيب وصياغة وأساليب وتخلو من جماليات الصورة الشعرية, , إنهالتكرار والتقليد عداشعراء يعدون على رؤوس الأصابع.والذي أحب أن أسلط عليه الضوءهنا هو عنصر مهم من العناصر الأساسية التي يتكئ عليها الشاعر في بناءه ويميزه عنغيره من أقرانه الشعراء ألا وهو " الانزياح في اللغة الشعرية " والذي نعتبره انزياحاًيتعلق بالمعنى الأصلي للكلمة من حيث الدلالة المعروفة للجملة والمفردة ، فالألفاظموجودة كمواد أوليةيتداولها الإنسان في أمور حياته المعيشية ،أما اللفظ في المشهدالشعريفيختلف كثيراً من ناحية وضعه في انساق متسقة كمنظومة دلالية تتميزبالاقتصاد والدقة في رسم الصورة المراد إيصالها ,في حقول دلالية جديدة بحيث يحيلنابتحويلاته لهذه الكلمات عن المعنى الأصلي لها إلا معنى يثيرنا ويثرينا,ويحدث ردة فعلمفاجئة وغير متوقعة وهنا تبرز المتعة الحقيقية للمتلقي والقدرة الإبداعية للشاعر . ومنهنا نقولأن الشاعر في النص الشعري " لا يدمر اللغة العادية إلا لكي يعيد بناءها على مستوى أعلى، فعقب فك البنية الذي يقوم به الشكل البلاغي تحدث عملية إعادة بنيةأخرى في نظام جديد (صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، ص 58.) ,ومنالأدواتالتي تساعد في إعطاءالتركيب الشعري بعدا جماليا وصدقا حسيا المحسنات المعنويةواللفظية والتقديم والتأخير والتكرار و التنسيق و الحذف والاعتراض فنجد النص يتكئعلى لغة وصورة وإيقاع ومن هذه العناصر يختلف الشعراء في تشظي اللغة ورسمالصورة وإحداث الإيقاع وأن اتفقوا في الأخير يجب الخروج وعدم التوافق في العنصرينالسابقين و التي منهما نحدد طريقة ومنهاج كل شاعر في بنائهللمنجز الشعري فاللغةالشعرية التي يقول فيها كولوريدج " إنها أعظم عنصر في بنائية القصيدة في الآدابجميعها، ففي أرضها تتجلى عبقرية الأداء الشعري . " وذلك لا يتحقق إلا باستغلال اللغة الاستغلال الأمثلوالاستعمال الأكمل لأن اللغةالشعرية تمتاز بالترميز و الإيحاء والإشارة و الاقتصاد وتبتعد عن الوضوح والمباشرةونستشف ذلك من قول أدونيس " فالكلمة في الشعر ليست مجموعة متآلفة منالأصوات تدل اصطلاحا على واقع أو شيء ما , وإنما هي صورة صوتية وحدسية " ونستطيع أن نصل إلى مفهوم الانزياحمن خلالهذه الرؤية " استعمال المبدع اللغة- مفردات ٍوتراكيب وصوراًَ – استعمالا يخرج بها عمّا هو معتاد ومألوف بحيث يحقق المبدعما ينبغي لهُ أن يتصف به من تفرد وإبداع وجذب " عصام قصبجي , أحمد ويس ( وظيفةالانزياح في منظور الدراسات الأسلوبية ) ويقصد به نور الدين السد " انحراف الكلام عننسقه المألوف وهو حدث لغوي يظهر في تشكيل الكلام وصياغته " ومن هنا نتعرفبشكل أقرب على الانزياح، وهو المنهاج الوحيد الذي يجب ان يرتكبه كل شاعر للخروجمن الدائرة المغلقة والنمطية المستهلكة ، ونمر مروراً سريعاً على أنواع الانزياح منكتاب اللغة الشعرية لـلناقد جان كوهنالذي يرى أن " الشعر يتشكل بالانزياح المستمرعن اللغة الشائعة " وينقسم الانزياح لثلاث أقسامالانزياح الإسناديّ , و الانزياح الدّلاليّ , و الانزياح التركيبيّ .
أما القسم الأول الانزياح الإسنادي : الإسناد الاسمي و الإسناد الفعلي
أما القسم الثاني الانزياح الدلالي حيث الإضافة والنعت الذي يرى فيه كوهن أن الدلالة "
مجموع التّاليفاتالمتحققة لكلمة ما " أما القسم الثالثهو الانزياح التركيبيفيندرجتحتهنمط التقديم والتأخير والحذفوالالتفات والتحول الأسلوبي . أما التقديم والتأخيرفقد أفرد له عبد القادر الجرجاني فصلا في مؤلفه " دلائل الإعجاز " حيث يقول في ذلك "ولا تزال ترى شعراَ يروقك مسمعه؛ ويلطف لديك موقعهُ ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقكولطف عندك أنّ قدّم فيه شيء وحّول اللفظ من مكان ٍ إلى مكان " أما الحذفكما عبرعنه الجرجاني بقوله : " فإنك ترى به ترك الذكر ، أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة ،أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذ لم تنطق ، وأتم ما تكون بينا ً إذا لم تبين " ،أماالالتفات : كما وضحه ابن المعتز في كتابه البديع هو " انصراف المتكلم عن المخاطبة إلىالإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك " وهذا يحدث في تحويل صيغةالخطاب في المشهد الشعري من الغائب إلى المخاطب أو المتكلم ومن المخاطب إلىالمتكلم أو الغائب ، ومن المتكلم إلى الغائب أو المخاطب .أما التحول الأسلوبي يهدفإلى إحداث تأثير فني في ذهن المتلقي عند استقباله للنص والانغماس فيهحيث يتحولمن الإنشاء إلى الخبر ثم يعود من جديد للإنشاء أو يتحول من القصيدة العمودية للتفعيلةأو العكس . ومن هنا نتوصل إلى ما يسمى " بانحراف لغة الشعر " وهو النظام الذي نفرق بها عن نظام اللغة العادي المألوف أو الدارج على الألسنة والمتعارف عليه فيالإيضاح والإفصاح عن احتياجات الحياة المعيشيةاليومية وهذا هو الذي يقع به كثيرٌ منشعرائنا اليوم من نصوص تكاد تندرج عمى نسميه " سواليف " ،وبالرغم من هذا فأنهيجب التحذير من عدم المبالغة في إحداث الانحراف الشعري لإنتاج الدلالات ,مما يسقطهفي وحل الغموض , ونرجع في ذلك إلى رأيرجاء عيد في كتابه البحث الأسلوبيحيث يقول : " إذ ليس كل ما يدخل في باب الانزياح عن القواعد محققا قيمة فنية ، فاللغةفي أصولها ومكونتها الأساسية تمثل المستند الذي يتكئ عليه المبدع أو الناطق بتلكاللغة ، فإذا ما انحرف عن أصولها لابد أن يحسب حسابه لكي لا ينقض ذلك الأساس " .
عن :جريدة شمس "شطحات فهد عافت 13/5/1428ه
يتبع
الموضوع الأول:
توطئة :
قيل :" إن الابداع هو النظر إلى الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة ".
ويقول بول فاليري إن الشعر ( لغة داخل لغة)
..إننا نعيش اليوم الثقافة الشعرية السائدة التي تعاني من مشكلات بنائية في اللغةالمتهالكة ألفاظاً وتراكيب وصياغة وأساليب وتخلو من جماليات الصورة الشعرية, , إنهالتكرار والتقليد عداشعراء يعدون على رؤوس الأصابع.والذي أحب أن أسلط عليه الضوءهنا هو عنصر مهم من العناصر الأساسية التي يتكئ عليها الشاعر في بناءه ويميزه عنغيره من أقرانه الشعراء ألا وهو " الانزياح في اللغة الشعرية " والذي نعتبره انزياحاًيتعلق بالمعنى الأصلي للكلمة من حيث الدلالة المعروفة للجملة والمفردة ، فالألفاظموجودة كمواد أوليةيتداولها الإنسان في أمور حياته المعيشية ،أما اللفظ في المشهدالشعريفيختلف كثيراً من ناحية وضعه في انساق متسقة كمنظومة دلالية تتميزبالاقتصاد والدقة في رسم الصورة المراد إيصالها ,في حقول دلالية جديدة بحيث يحيلنابتحويلاته لهذه الكلمات عن المعنى الأصلي لها إلا معنى يثيرنا ويثرينا,ويحدث ردة فعلمفاجئة وغير متوقعة وهنا تبرز المتعة الحقيقية للمتلقي والقدرة الإبداعية للشاعر . ومنهنا نقولأن الشاعر في النص الشعري " لا يدمر اللغة العادية إلا لكي يعيد بناءها على مستوى أعلى، فعقب فك البنية الذي يقوم به الشكل البلاغي تحدث عملية إعادة بنيةأخرى في نظام جديد (صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، ص 58.) ,ومنالأدواتالتي تساعد في إعطاءالتركيب الشعري بعدا جماليا وصدقا حسيا المحسنات المعنويةواللفظية والتقديم والتأخير والتكرار و التنسيق و الحذف والاعتراض فنجد النص يتكئعلى لغة وصورة وإيقاع ومن هذه العناصر يختلف الشعراء في تشظي اللغة ورسمالصورة وإحداث الإيقاع وأن اتفقوا في الأخير يجب الخروج وعدم التوافق في العنصرينالسابقين و التي منهما نحدد طريقة ومنهاج كل شاعر في بنائهللمنجز الشعري فاللغةالشعرية التي يقول فيها كولوريدج " إنها أعظم عنصر في بنائية القصيدة في الآدابجميعها، ففي أرضها تتجلى عبقرية الأداء الشعري . " وذلك لا يتحقق إلا باستغلال اللغة الاستغلال الأمثلوالاستعمال الأكمل لأن اللغةالشعرية تمتاز بالترميز و الإيحاء والإشارة و الاقتصاد وتبتعد عن الوضوح والمباشرةونستشف ذلك من قول أدونيس " فالكلمة في الشعر ليست مجموعة متآلفة منالأصوات تدل اصطلاحا على واقع أو شيء ما , وإنما هي صورة صوتية وحدسية " ونستطيع أن نصل إلى مفهوم الانزياحمن خلالهذه الرؤية " استعمال المبدع اللغة- مفردات ٍوتراكيب وصوراًَ – استعمالا يخرج بها عمّا هو معتاد ومألوف بحيث يحقق المبدعما ينبغي لهُ أن يتصف به من تفرد وإبداع وجذب " عصام قصبجي , أحمد ويس ( وظيفةالانزياح في منظور الدراسات الأسلوبية ) ويقصد به نور الدين السد " انحراف الكلام عننسقه المألوف وهو حدث لغوي يظهر في تشكيل الكلام وصياغته " ومن هنا نتعرفبشكل أقرب على الانزياح، وهو المنهاج الوحيد الذي يجب ان يرتكبه كل شاعر للخروجمن الدائرة المغلقة والنمطية المستهلكة ، ونمر مروراً سريعاً على أنواع الانزياح منكتاب اللغة الشعرية لـلناقد جان كوهنالذي يرى أن " الشعر يتشكل بالانزياح المستمرعن اللغة الشائعة " وينقسم الانزياح لثلاث أقسامالانزياح الإسناديّ , و الانزياح الدّلاليّ , و الانزياح التركيبيّ .
أما القسم الأول الانزياح الإسنادي : الإسناد الاسمي و الإسناد الفعلي
أما القسم الثاني الانزياح الدلالي حيث الإضافة والنعت الذي يرى فيه كوهن أن الدلالة "
مجموع التّاليفاتالمتحققة لكلمة ما " أما القسم الثالثهو الانزياح التركيبيفيندرجتحتهنمط التقديم والتأخير والحذفوالالتفات والتحول الأسلوبي . أما التقديم والتأخيرفقد أفرد له عبد القادر الجرجاني فصلا في مؤلفه " دلائل الإعجاز " حيث يقول في ذلك "ولا تزال ترى شعراَ يروقك مسمعه؛ ويلطف لديك موقعهُ ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقكولطف عندك أنّ قدّم فيه شيء وحّول اللفظ من مكان ٍ إلى مكان " أما الحذفكما عبرعنه الجرجاني بقوله : " فإنك ترى به ترك الذكر ، أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة ،أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذ لم تنطق ، وأتم ما تكون بينا ً إذا لم تبين " ،أماالالتفات : كما وضحه ابن المعتز في كتابه البديع هو " انصراف المتكلم عن المخاطبة إلىالإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك " وهذا يحدث في تحويل صيغةالخطاب في المشهد الشعري من الغائب إلى المخاطب أو المتكلم ومن المخاطب إلىالمتكلم أو الغائب ، ومن المتكلم إلى الغائب أو المخاطب .أما التحول الأسلوبي يهدفإلى إحداث تأثير فني في ذهن المتلقي عند استقباله للنص والانغماس فيهحيث يتحولمن الإنشاء إلى الخبر ثم يعود من جديد للإنشاء أو يتحول من القصيدة العمودية للتفعيلةأو العكس . ومن هنا نتوصل إلى ما يسمى " بانحراف لغة الشعر " وهو النظام الذي نفرق بها عن نظام اللغة العادي المألوف أو الدارج على الألسنة والمتعارف عليه فيالإيضاح والإفصاح عن احتياجات الحياة المعيشيةاليومية وهذا هو الذي يقع به كثيرٌ منشعرائنا اليوم من نصوص تكاد تندرج عمى نسميه " سواليف " ،وبالرغم من هذا فأنهيجب التحذير من عدم المبالغة في إحداث الانحراف الشعري لإنتاج الدلالات ,مما يسقطهفي وحل الغموض , ونرجع في ذلك إلى رأيرجاء عيد في كتابه البحث الأسلوبيحيث يقول : " إذ ليس كل ما يدخل في باب الانزياح عن القواعد محققا قيمة فنية ، فاللغةفي أصولها ومكونتها الأساسية تمثل المستند الذي يتكئ عليه المبدع أو الناطق بتلكاللغة ، فإذا ما انحرف عن أصولها لابد أن يحسب حسابه لكي لا ينقض ذلك الأساس " .
عن :جريدة شمس "شطحات فهد عافت 13/5/1428ه
يتبع