hanimos
28-12-2008, 18:09
دخل المنزل متعبا, قبَل زوجته و ابنه باسم ثم أكمل خطاه نحو حجرة النوم ليغير ملابسه. عاد إلى بهو المنزل، وقف لحظة يتأمل العصفورين الجميلين وسط القفص..أخد لوحة التحكم و جلس أمام التلفاز يشاهد أخبار العالم منتظرا ما تجود به يدا زوجته من مأكل و مشرب.
وجد الأخبارعن غزة و فلسطين مقززة و محبطة ، لم يعجبه إلا حذاء الزيدي، رمز المقاومة والكرامة . فبقدر ما أٌعجب بشجاعة من ضرب بوش بالحذاء بقدر ما استغرب لهذه الفرحة التي عبرت عنها الأوطان العربية و هي تنتشي بفرحة الانتصار داخل المنازل و من وراء الشاشات و منها من خرج إلى الشوارع يسابق الزمن بحثا عن ماركة حذاء مكتوب عليها الزايدي و التي ستصبح الموضة الأكثر بيعا في الأسواق خلال سنة 2009...لم يرُقه كل ما رأى، أخد لوحة التحكم و انتقل لمشاهدة قناة أخرى.
و هو مستلق على ظهره ينتظر قدوم زوجته بالطعام نظر إلى الباب و إذا بوجه ابنه باسم يظهر و يختفي من زاوية الباب... شغلت باله صورة امرأة شابة ظهرت على الشاشة فجأة وصرفته عن متابعة تصرفات ابنه، اقترب أكثر و هو يحدق بالمرأة الجميلة ثم عاد و استقر بمكانه ثانية و هو يقول في نفسه:
" سبحان الله لي خلق من الشبه أربعين"
رحلت به الذكريات إلى الأيام الخالية في لحظات، إلى الماضي، إلى اليوم الذي التقيا فيه للوداع. أحس بحنين رهيب.. تذكر و حشية المكان و برودته في فصل ساخن و وسط مئات البشر. يوم شحبت فيه وجوه الأحبة و نال منها اليأس بعد أن كانت تسر الناظرين..خفقت قلوبهم بقوة ..تسارعت دقاتها ..أصبح عددها في دقائق بل في ثوان أكبر مما أحصت خلال الحياة كلها و كأن شيئا ما ينتزع من داخلها، يوم شلت فيه الأجساد و توقفت فيه عقارب الزمن و أصبحت القلوب رمادا وسط نار خامدة، فكان أهون عليها أن يحكم القاضي بالإعدام بدل الطلاق ..
"صافي هدا هو قرارك الأخير...؟ فكرتي مزيان..؟ عافاك أآدم ماتسرعش.. مازال الحال على اتخاد هد القرار... يالاه تلت سنين هدي باش تزوجنا..."
حاولت وداد رده عن قراره بكلمات تحمل آلاما بين حروفها ، عرفته و أحبته منذ سنوات، تزوجا لكنها لم تستطيع أن تلد له أولادا ولا ذرية، كما عانت من العمل و الكد بمنزل العائلة الكبير وسط إخوانه و أخواته و الأبوين. أمضت ثلاثة سنوات مع عائلة زوجها في جحيم، تُعامل بقسوة من طرف الجميع كما تعامل الخادمات أو أكثر، لم تيأس المسكينة الودود، صبرها كان أقوى من تصرفات أهل زوجها، لكنها لم تستطع الإنجاب و لا أحد يدري هل هي العاجزة أم زوجها، و أصابع الاتهام أبت إلا أن تشير إليها.
" ماعرفتش أوداد...عييت...عييت مانفكر...مالقيتش شي حل أخر...ماعرفتش..."
أجابها بكلمات متناثرة، بعد أن كانت الكلمات تملأ لياليهما البيضاء، جف القلب، ذبلت الأحاسيس و مات الشعور، و أصبحت الذكريات تعبر الخيال كسحاب تدفعه قوة العاصفة.
دخلا قاعة المحكمة حيث عشرات الأزواج ينتظرون مصيرهم.. القاضي يحمل ملفات بيده و كأنه ملك الموت آت ليقرأ عليهم كتبهم و يقبض أرواحهم، لم ينه النطق بحكم الطلاق حتى سمعت صرخة مدوية.. تهاوت وداد و سقطت أرضا و دموعها على خديها الورديتين.
أحس آدم باختناق..المشهد مؤثر للغاية و هو يستعيده في خياله..يد صغيرة، ملساء من حرير تعبر أمام عينيه دون أن يكثرت بها، تمسح الدموع التي تسيل من عينيه في صمت. وقف ينظر إليه باسم ابن السادسة في استغراب، كثيرا ما رأى دموع أمه تهطل كمطر غزير لأبسط الأسباب و أتفهها، لكنها المرة الأولى التي يرى فيها أباه يبكي.. أحس أن هناك شيئا ما يقلق الأب و يجعله يذرف الدموع..اقترب منه بهدوء، وضع رأسه الصغير فوق صدره كما يفعل حين يداعب النوم جفنيه.. الأب غارق في تفكير عميق، بعد هنيهة ناداه باسم:
"بابا!!! بابا !!!...؟؟
لم يجبه و لو بكلمة، يبدو أنه يعيش اللحظة في عالمه الخاص أو يعيش لحظة من ماضيه البعيد في الزمان و القريب في الذاكرة. حاول زعزعته بيديه الصغيرتين.. ناداه مرة أخرى و بصوت أعلى:
" بابا!! بابا !!!...مالك أبابا !!؟؟ ...مالك كتبكي أبابا !!؟؟
نهض الأب من مكانه متهالكا كمن يتخبطه الشيطان من السحر، يتحسس عينيه و وجهه في استغراب و الدموع قد بللت عنقه و وسادته..يحاول مسحها بسرعة حتى لا يبقى لها أثر و يقول في نفسه :
"آه من هاد الكلمة ديال بابا، هي سباب كاع ليراني فيه "
ثم أجاب ابنه قائلا: " ماكاين والو أولدي..والو.. سير كول لماماك تجيب لينا ناكلو"
دخلت زوجته حاملة الصينية و بعدها أطباقا من المأكولات الشهية، لم يستطع أكل أي شيء..نهض من مكانه..توجه نحو القفص.. أخرج العصفورين..صعدا بهما إلى سطح المنزل...طارا طليقين في الهواء..و طار خياله حزينا معهما
بقلم: مصطفى
ميدلت
وجد الأخبارعن غزة و فلسطين مقززة و محبطة ، لم يعجبه إلا حذاء الزيدي، رمز المقاومة والكرامة . فبقدر ما أٌعجب بشجاعة من ضرب بوش بالحذاء بقدر ما استغرب لهذه الفرحة التي عبرت عنها الأوطان العربية و هي تنتشي بفرحة الانتصار داخل المنازل و من وراء الشاشات و منها من خرج إلى الشوارع يسابق الزمن بحثا عن ماركة حذاء مكتوب عليها الزايدي و التي ستصبح الموضة الأكثر بيعا في الأسواق خلال سنة 2009...لم يرُقه كل ما رأى، أخد لوحة التحكم و انتقل لمشاهدة قناة أخرى.
و هو مستلق على ظهره ينتظر قدوم زوجته بالطعام نظر إلى الباب و إذا بوجه ابنه باسم يظهر و يختفي من زاوية الباب... شغلت باله صورة امرأة شابة ظهرت على الشاشة فجأة وصرفته عن متابعة تصرفات ابنه، اقترب أكثر و هو يحدق بالمرأة الجميلة ثم عاد و استقر بمكانه ثانية و هو يقول في نفسه:
" سبحان الله لي خلق من الشبه أربعين"
رحلت به الذكريات إلى الأيام الخالية في لحظات، إلى الماضي، إلى اليوم الذي التقيا فيه للوداع. أحس بحنين رهيب.. تذكر و حشية المكان و برودته في فصل ساخن و وسط مئات البشر. يوم شحبت فيه وجوه الأحبة و نال منها اليأس بعد أن كانت تسر الناظرين..خفقت قلوبهم بقوة ..تسارعت دقاتها ..أصبح عددها في دقائق بل في ثوان أكبر مما أحصت خلال الحياة كلها و كأن شيئا ما ينتزع من داخلها، يوم شلت فيه الأجساد و توقفت فيه عقارب الزمن و أصبحت القلوب رمادا وسط نار خامدة، فكان أهون عليها أن يحكم القاضي بالإعدام بدل الطلاق ..
"صافي هدا هو قرارك الأخير...؟ فكرتي مزيان..؟ عافاك أآدم ماتسرعش.. مازال الحال على اتخاد هد القرار... يالاه تلت سنين هدي باش تزوجنا..."
حاولت وداد رده عن قراره بكلمات تحمل آلاما بين حروفها ، عرفته و أحبته منذ سنوات، تزوجا لكنها لم تستطيع أن تلد له أولادا ولا ذرية، كما عانت من العمل و الكد بمنزل العائلة الكبير وسط إخوانه و أخواته و الأبوين. أمضت ثلاثة سنوات مع عائلة زوجها في جحيم، تُعامل بقسوة من طرف الجميع كما تعامل الخادمات أو أكثر، لم تيأس المسكينة الودود، صبرها كان أقوى من تصرفات أهل زوجها، لكنها لم تستطع الإنجاب و لا أحد يدري هل هي العاجزة أم زوجها، و أصابع الاتهام أبت إلا أن تشير إليها.
" ماعرفتش أوداد...عييت...عييت مانفكر...مالقيتش شي حل أخر...ماعرفتش..."
أجابها بكلمات متناثرة، بعد أن كانت الكلمات تملأ لياليهما البيضاء، جف القلب، ذبلت الأحاسيس و مات الشعور، و أصبحت الذكريات تعبر الخيال كسحاب تدفعه قوة العاصفة.
دخلا قاعة المحكمة حيث عشرات الأزواج ينتظرون مصيرهم.. القاضي يحمل ملفات بيده و كأنه ملك الموت آت ليقرأ عليهم كتبهم و يقبض أرواحهم، لم ينه النطق بحكم الطلاق حتى سمعت صرخة مدوية.. تهاوت وداد و سقطت أرضا و دموعها على خديها الورديتين.
أحس آدم باختناق..المشهد مؤثر للغاية و هو يستعيده في خياله..يد صغيرة، ملساء من حرير تعبر أمام عينيه دون أن يكثرت بها، تمسح الدموع التي تسيل من عينيه في صمت. وقف ينظر إليه باسم ابن السادسة في استغراب، كثيرا ما رأى دموع أمه تهطل كمطر غزير لأبسط الأسباب و أتفهها، لكنها المرة الأولى التي يرى فيها أباه يبكي.. أحس أن هناك شيئا ما يقلق الأب و يجعله يذرف الدموع..اقترب منه بهدوء، وضع رأسه الصغير فوق صدره كما يفعل حين يداعب النوم جفنيه.. الأب غارق في تفكير عميق، بعد هنيهة ناداه باسم:
"بابا!!! بابا !!!...؟؟
لم يجبه و لو بكلمة، يبدو أنه يعيش اللحظة في عالمه الخاص أو يعيش لحظة من ماضيه البعيد في الزمان و القريب في الذاكرة. حاول زعزعته بيديه الصغيرتين.. ناداه مرة أخرى و بصوت أعلى:
" بابا!! بابا !!!...مالك أبابا !!؟؟ ...مالك كتبكي أبابا !!؟؟
نهض الأب من مكانه متهالكا كمن يتخبطه الشيطان من السحر، يتحسس عينيه و وجهه في استغراب و الدموع قد بللت عنقه و وسادته..يحاول مسحها بسرعة حتى لا يبقى لها أثر و يقول في نفسه :
"آه من هاد الكلمة ديال بابا، هي سباب كاع ليراني فيه "
ثم أجاب ابنه قائلا: " ماكاين والو أولدي..والو.. سير كول لماماك تجيب لينا ناكلو"
دخلت زوجته حاملة الصينية و بعدها أطباقا من المأكولات الشهية، لم يستطع أكل أي شيء..نهض من مكانه..توجه نحو القفص.. أخرج العصفورين..صعدا بهما إلى سطح المنزل...طارا طليقين في الهواء..و طار خياله حزينا معهما
بقلم: مصطفى
ميدلت