المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عزرائيل


persimia
29-01-2009, 10:44
زار عزرائيل أحد المسؤولين في حلمه، وأبلغه أنه سيقبض روحه بعد خمسة أيام عند الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، فاستيقظ المسؤول مذعوراً وصدره مقبوضاً وعرقه يبلل الفراش، لم يستطع النوم بعدها وقرر أن يصحح جميع أخطائه قبل فوات الأوان.
في اليوم الأول: ذهب إلى مكتبه، دخل على موظفيه ونظر إلى عيونهم وأشكالهم، وبابتسامة نادرة سلم عليهم واطمأن على أوضاعهم عزرائيل والمسائيل..
واحداً تلو الآخر، ثم بدأ بكتابة استقالته مقتنعاً بأنه ليس كفؤاً لهذا المنصب، وأنه حصل عليه بطرق ملتوية، وبأن جميع الاجتماعات والندوات التي كان يحضرها لم تكن إلا من أجل تحسين صورته، وبأن التقارير التي كان يكتبها بزملائه كانت كاذبة وكتبت من أجل أن ينفرد وحده بالساحة.
في اليوم الثاني: كان يوماً إعلامياً بحتاً، حضرته جميع وسائل الإعلام عدا المحلية لتسأله عن سبب استقالته، ودون تردد اعترف بأخطائه وفضح كل شركائه من المسؤولين الفاسدين ممن يطوقون ويحتكرون اقتصاد بلدهم، لم يسأل عن شيئٍ إلا وأجاب عليه وذلك وفق مبدأ الساكت عن الحق شيطان أخرس..
في اليوم الثالث: باع عقاراته المباشرة وغير المباشرة لأحد أصحاب التجار، ثم جمع كل أمواله من هنا وهناك وذهب للأحياء الفقيرة، ورأى حال قاطنيها المأساوي، وندم على انفاقه الملايين من المال العام في ترميم مكتبه وإدارته بينما لا يملك هؤلاء الجياع كسرة خبز، وعلى الفور بدأ بتوزيع ماله عليهم حتى أغرقهم به، ثم ذهب إلى دور الأيتام والمعوقين والعجزة والمكفوفين وأغرقها فيما تبقى من جعبته.
في اليوم الرابع: طلبت منه زوجته الطلاق، ولم يتردد في تطليقها، كان يعلم أنه لا يحبها وأنها لا تحبه، كان زواجاً غير مسؤول بين مسؤول وابنة مسؤول.
في اليوم الخامس: وهو اليوم المرتقب، لم يخرج من منزله أبدأ، فتح كتاب الله وبدأ بقراءته وعيناه غارقتان بالدمع، لم يبرح ينتهي من صلاته حتى يبدأ بالأخرى راجياً من ربه المغفرة، وهكذا حتى اقتربت الساعة من الثانية عشرة ليلاً، استلقى حينها على فراشه، نظر إلى سقف غرفته وبطمأنينة انتظر موته، مرت الساعة الثانية عشرة ثم الواحدة ثم الثانية ثم غلبه النعاس وغط في نوم عميق.
استيقظ في صبيحة يوم جديد، صرخ فرحاً: ((أنا حي!!))، لكن فرحته سرعان ما تضاءلت حين نظر إلى نفسه حيث كان بالأمس مسؤولاً وها هو اليوم لا يمثل شيئاً يذكر، ذهب إلى ملاكه القديم والغيظ يمتلكه، نظر إلى موظفيه فلم يبدِ أي واحد منهم أي احترام له، نظر إلى مكتبه وقد شغله شخص آخر، وإلى سيارته التي كانت بالأمس له، وإلى سائقه الذي أفرغ جل اهتمامه لشخص غيره، ندم كثيراً وتمنى لو أنه لم يتعجل في اتخاذ خطوات دمرت حياته، وعند المساء عاد إلى منزله مكتئباً، ارتمى على فراشه متعباً وغط في نومٍ عميق قبل أن يصحو مذعوراً عند سماعه لصوت انكسارٍ في قفل الباب، عندها حضر عزرائيل لكن بصورة أشد رعباً من التي رآها في منامه.
وفي اليوم التالي أعلنت وسائل الإعلام المحلية نبأ انتحاره برصاصتين