المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث في السيرة / الجزء الثالث


بلابل السلام
10-02-2009, 19:22
الفصل الأول : المبحث الأول - تابع -
-2- حقيقة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
عرف سفيان الثوري- رحمه الله - محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها " إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم " (1) استنادا لقوله تعالى﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾ (2) أي إن كنتم تحبون الله فأطيعوه وافعلوا ما أمركم به ,إذ محبة العبد لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم طاعته لهما وتجنب عصيانهما .ولله ذرالقائل:
تعصى الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع
لوكان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع*

وقيل كذلك " محبة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقاد نصرته, والذب عن سنته, والانقياد لها وهيبة مخالفته " (4) .
وإذا كانت المحبة هي الميل والموافقة,أي ميل الإنسان إلى ما يوافقه, فان هذه الموافقة تقتضي وجود أوجه عدة تتمثل في:
أولا: أن يكون المحبوب جميلا وحسنا فيلتذ المحب بإدراكه,كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة والأطعمة والأشربة اللذيذة وأشباهها .
ثانيا: أن يكون المحبوب متخلقا بأخلاق سامية ومبادئ عالية تميل المحب نحوه كحب الأنبياء.
ثالثا: أن يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه إليه وإنعامه عليه لان القلوب جبلت على حب من أحسن إليها . (5)
وإذا أمعنا النظر في هذه الأسباب الثلاثة الموجبة للمحبة, وجدنا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جامعا لها دون أدني نقص .
فأما جمال الصورة فقد أثبتت الآثار المنقولة أنه عليه الصلاة والسلام حباه الله مطهرا جميلا ،
..................................................
1- سورة آل عمران من الآية 134.
2- " الشفا " للقاضي عياض 2/66.
3- سورة آل عمران الآية 31 .
*قيل بأن قائل هذه الأبيات هو عبد الله بن المبارك كما جاء في الإحياء .وقيل بل رابعة العدوية .وقيل غيرهما.
4- " الشفا " 2/66.
5- " الشفا " 2/67-68 بتصرف


لا مثيل له , مظهرا يوحي بثقة مطلقة لا حد لها , فما وقعت عليه عين إلا وأحبته وارتاحت للجلوس بين يديه , بل لقد اعتبر بعض العلماء أن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لا يكمل دون التيقن بأنه عليه الصلاة والسلام كان يتمتع بشكل جميل , قال الإمام القسطلاني – رحمه الله – " اعلم أن من تمام الإيمان به صلى الله عليه وسلم الإيمان بان الله تعالى جعل خلق بدنه الشريف على وجه لم يظهر قبله ولا يظهر بعده لخلق آدمي مثله ." (1) .وما أجمل قول حسان بن ثابت – رضي الله عنه –
وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءا من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء (2)
وقالت أم معبد في بعض ما وصفته به صلى الله عليه وسلم " أجمل الناس من بعيد و أحلاهم وأحسنهم من قريب " (3) .
والأحاديث في بسط صفته صلى الله عليه وسلم الظاهرة كثيرة فلا نطول بسردها, لأن كتب السيرة تتبعتها بالشرح والتعليق , ونحن سنكتفي هنا بما يفيدنا في الموضوع .

أما أخلاقه صلى الله عليه وسلم فقد كان نبينا الكريم دائم البشر , سهل الخلق , لين الجانب, ليس بفظ ,و لا غليظ ,ولا صخاب, ولا فحاش, ولا عتاب ,ولا مداح .قد ترك نفسه من ثلاث : الرياء, والإكثار، و ما لايعنيه .وترك الناس من ثلاث : لايذم أحدا ولا يعيره , ولا يطلب عورته , ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ،يتفقد أصحابه ,ويسأل الناس عما في الناس, ويحسن الحسن, ويقبح القبيح ويوهنه, معتدل الأمر، كان أوفى الناس بالعهود, وأوصلهم للرحم, وأعظمهم شفقة ورحمة بالناس .(4)

وعلى الجملة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محلى بصفات الكمال المنقطعة النظير أدبه ربه فأحسن تأديبه , حتى خاطبه مثنيا عليه في كتابه العزيز ﴿وانك لعلى خلق عظيم ﴾ (5)
وبهذا حاز عليه الصلاة والسلام الحسنين: حسن الخلق وحسن الخلق , قال البوصيري:
..................................................
1 -"المواهب اللدنية بالمنح المحمدية " للقسطلاني 1/324.
2 -"محمد صلى الله عليه وسلم على ألسنة الشعراء"لسعيد رمضان البوطي ص.10.
3- "السيرة النبوية" للذهبي ص.308.
4- انظر "الشفا " للقاضي عياض 1/121الى 126- وانظر " الشمائل المحمدية " للترمذي ص.187الى 189.
5-سورة القلم الآية 4.

أكرم بخلق نبي زانه خلق بالحسن مشتمل بالبشر متسم(1)

وقال احمد شوقي في همزيته :

زانتك في الخلق العظيم شمائل يغرى بهن ويولع الكرماء(2)

بهذه الخلال الطيبة السامية عاش الرسول صلى الله عليه وسلم بين أهله وقومه, ولأجل ذلك فاضت القلوب بمحبته , وتفانى الرجال في حياطته وإكباره حتى أحلوه من قلوبهم مكان الإعزاز والإكرام, ولم يبالوا أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظفر, فحققوا بذلك المعنى الحقيقي لمحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم ألا وهو : إتباعه والانقياد له والتخلق بأخلاقه والحفاظ على سنته


.......................................

1- " محمد صلى الله عليه وسلم على السنة الشعراء " للبوطي ص.22.
2- " محمد صلى الله عليه وسلم على السنة الشعراء " للبوطي ص29.

فاطمة -الزهراء
12-02-2009, 15:01
جزاك الله خيرا أختي

بلابل السلام
12-02-2009, 15:05
وأنت من أهل الجزاء أختي الفاضلة فاطمة الزهراء