المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شغب واعتداءات * ‬بمؤسسة تعليمية في* ‬الدار البيضاء


mohammedia66
13-01-2008, 11:07
المقال من جريدة الأحداث المغربية ليوم الجمعة 11/01/2008

الجمعة 11 يناير 2008
هرج كبير قطع سكون ممر الإدارة. تلميذ ينزف دما يصحبه أستاذ يتطاير شرر الغضب من عينيه، يضع منديلا بيمناه على عنق التلميذ. «كلما توجهت إلى هذه المؤسسة أصاب باكتئاب وكأنني آت إلى جهنم. الله **** بوالنهار لي درت فيه الحراسة العامة». كانت ردود فعل قوية نتيجة هذا الحادث الدموي الذي كان بطله تلميذا نط من سور المؤسسة القصير وتوجه نحو زميله ليباغته بضربة بآلة حادة على مستوى العنق في حصة التربية البدنية. اكفهر وجه الحارس العام، لم ينبس بكلمة، وقتها وصل المدير مستفسرا ماذا وقع؟ أخبره الأستاذ بالحكاية، وطلب منه المدير أن يكتب تقريرا في الموضوع واتصل بالإسعاف وسجل الأمر على أنه حادثة مدرسية ليستفيد الضحية من التأمين الصحي. «حادثة من بين حوادث أخرى تقع في المؤسسة بشكل يومي، يقول الحارس العام. فالعنف لا يقتصر على التلاميذ فقط بل يتعداه إلى الهيئة التربوية». صمت برهة ثم أخرج تقارير لمجموعة من الأساتذة قاسمها المشترك عدم انضباط التلاميذ واستعمال العنف اللفظي وأحيانا المادي. وحول الإجراءات العقابية التي يمكن أن تطبق، أكد بأن دور المؤسسة هو تربوي بالدرجة الأولى. لذا فنحن - يضيف- نتفادى ما أمكننا ذلك العقوبات القاسية، غير أنه في مثل هذه الحالات تبقى الصلاحية كلها للمجلس التأديبي الذي يقرر مستوى العقوبة. في هذه الأثناء، وقفت امرأة تبدو في عقدها الرابع، بوجه شاحبن وعينين غائرتين، وجسم وهن أخذ الزمن منه نظارته، وبجانبها ابنها تبدو عليه علامات الخوف، يرتدي قميصا صيفيا وسروال جينز وصندلا رغم أن الجو بارد، تزيده رطوبة المكان قسوة. تغيرت سحنة الحارس من جديد مستنكرا جرأته للمجيء ثانية إلى المؤسسة. «هذا أسيدي راه البارح اشرب قرعة ديال الماحيا، وامشى لقدام الفصل ديال أستاذة الفرنسية وتقيأ، وملي منعاتو من الدخول، نوض فوضى وحاول يرمي راسو من الشرفة» والتفت إلى الأم «واش في خبارك هادشي ولا لا؟». لم تجد الأم ما تجيب به غير دموع حارة انسابت من عينيها كشلال مصحوبة بتوسلات من أجل الصفح عن ابنها. «الأمر الآن بيد المدير والبوليس وهو الآن ممنوح من الدراسة إلى حين أن يتخذ في حقه قرار». أدارت الأم وجهها إلى ابنها تسأله بصوت يقطر ألما «علاش تدير لي هادشي؟ أنا مستحملة على قبلك وقبل خوك التكرفيص والإهانة. أشتغل لساعات طويلة كسالة في الحمام، ولا أحرمك من أي شيء، رغم أني مصابة بمرض الفيروس الكبدي». وتسترسل «باغي تولي بحال باك خمار». كان التأثير سيد الموقف، سأل الحارس العام التلميذ: هل ترضى لأمك بالإهانة والمذلة؟ أجب.. ودون أن يرفع عينيه أجاب بحركات تدل على الرفض. تقع المؤسسة في حي جمع تناقضا عمرانيا صارخا، ما بين تجمع صفيحي متاخم لسورها يطل على الملاعب الرياضية، حيث كاد أحد أبنائه أن يحدث كارثة عندما توجه بساطور محاولا الدخول لضرب التلاميذ الذين يتدربون بالملعب المجاور لبراكته بدعوى أنهم عكروا عليه نومه حسب إفادة حارس البوابة. الفناء صغير، صنابير المياه معطلة، ومستودعات الملابس مصممة بشكل عشوائي. أقسام صغيرة وضيقة مزينة بشبابيك توحي بأنك وسط زنزانات لا أقسام لممارسة تربوية صحية، إدارة في الطابق العلوي مما يستعصي معه ضبط عملية الخروج والدخول للتلاميذ. تبدو قاعة الأساتذة ساكنة، لا يقطع سكونها سوى تعليق قصير صادر من الأساتذة وهم منهمكون في تصحيح الفروض. يعزو الأستاذ الملتحق بهذه المؤسسة بعد خمس سنوات قضاها بالداخلة، أسباب العنف إلى عوامل تتعلق بالنظام المدرسي والمناهج ومشكل الاكتظاظ وعدم كفاية الأطر التربوية وضعف تأثير مجالس التدبير وعلاقة الأستاذ بالتلميذ ومدى جاهزيته للعطاء، بالإضافة إلى وسط وبنية التلميذ. «المشاكل تأتي دائما من التلاميذ العائدين عن طريق الاستعطاف». هذا ما توضحه زميلته وهي مدرسة لمادة الإنجليزية. مؤكدة أنها كادت تصاب في إحدي المرات بانهيار عصبي. يستمر العنف خارج المؤسسة ليمتد إلى محيطها الذي يغوص في مستنقع العشوائية. بنايات عالية وتجمع صفيحي ومنازل فردية، وغياب فضاءات خضراء تريح العين من هذا الازدحام الإسمنتي وفوضى العمران، لتصل درجة العنف أدناها، حيث يوجد مستوصف غير بعيد عن المؤسسة تابع لعمالة البرنوصي به قسم يعنى بالأمراض النفسية. يقف أمام الباب رجل في العقد الخامس بوجه أخذت منه السنون، ووسمته بتجاعيد ترسم أخاديد عميقة، تفوح من ملابسه رائحة دخان تبغ رديء. أشار بيده إلى بهو حيث تجمع حشد من المرضى، وجوه كئيبة وحزينة وأخرى تنخرط في موجة الضحك. لم يدم الانتظار طويلا، فتح الممرض باب مكتب الطبيبة، شابة تبدو في منتصف الثلاثينيات، تتقد حيوية ونشاطا ابتسامتها سهلت المأمورية ورفعت الحرج. أرجعت ارتفاع عدد المرضى بهذه المنطقة إلى الوسط والبيئة باعتبار أن جلهم من الوسط القروي، استقروا بكاريانات الرحامنة وطوما والسكويلا، في غياب فرص الشغل والمرافق الاجتماعية، الشيء الذي ولد عندهم نوعا من الإقصاء والتهميش كانت نتيجته الحتمية أزمات نفسية. وأضافت أن نسبة كبيرة من النساء من ضحايا العنف الأسري من طرف الزوج أو الأصول. وطبيعي أن كل هذا سينعكس على الأبناء الذين هم بالأحرى تلاميذ. هذا الانعكاس السلبي يتجسد في انعدام التوزان النفسي وقضائهم جل أوقاتهم في الشارع. وكما هو معلوم فالشارع هو مدرسة لتلقين الانحراف والعنف، مما يستوجب معه التفكير في إيجاد حلول لإعادة إدماج هؤلاء الأطفال بشكل إيجابي في المجتمع. ما عاشته هذه المؤسسة من أحداث خلال هذا اليوم يقدم صورة عن عدد من الاختلالات التي تتطلب حلولا تتجاوز حالة الارتباك، وتبادل الإتهامات في تحمل المسؤولية. صورة تلك الأم التي زارت المؤسسة ذاك الصباح، والدموع التي واجهت بها سلوك ابنها تستحق من الجميع عناء لتجاوز وضعيات التسيب التي تعيشها العديد من المؤسسات. الدارالبيضاء : رشيد الهرام
الاحداث المغربية (http://www.ahdath.info/auteur.php3?id_auteur=13)