اللعنـــــــة...!
 

مر يرغي ويزبد، يسب ويشتم، يلعن ويسخط. يحمل عصا يطوح بها في الهواء، مهرولا صائحا : اللعنة عليكما ! اللعنة عليكما !. أثارت فضول أحد المارة هذه اللقطة، لخلو المكان من فار أو هارب، وأراد معرفة ما يجري ويدور بخلد هذا الرجل فسأله : تلعن من ؟ ولــم ؟. بنظرة مسحية من أخمص القدم إلى أعلى الرأس، تطلع في محيا سائله، وببسمة ثعلبية صفراء رد مجيبا : ضاع كل شيء ! كل شيء !. ما الذي ضاع يا سيدي ؟ وكيف ؟. ضاع العمر يا ولدي. لقد ضيعاني و أضاعا لي كل حلم جميل كنت أحلمه. وسلبا مني بريق الأمل الذي كنت أرقبه في مدى المستقبل القريب والمتوسط.. مذ كنت صبيا ، إلى أن بلغت من العمر عتيا وهما يوهمانني بالمستقبل المشرق، والعيش الكريم والرغيد ، والحياة الهنية..كل شيء ضاع ! أضاعاني وضيعاني.. من هما ياسيدي ؟ أولداك ؟ أم لصوص ؟ أم من ..؟. إنهما يا بني الحرفان. العدوان اللذوذان، الأدتان القاتلتان. أداتا الدمار الشامل، أداتا التسويف والمماطلة، والتمطيط والانتظارية.. يصوران لك الأفق قرمزيا ويوهمانك بجنة الخلد والنعيم فيلقيا بك في حر سقر والجحيم.. ارتبك سائله ، وبدأ يخفف عنه من وطأة حمأته وتحامله، معتقدا أن الرجل مصاب بمس ، فاقد لصوابه بسبب ما يثيره من خرافات كــ..ضاع عمري ! ضاع مستقبلي ! ضيعاني..! أضاعاني..! الحرفان هما السبب ! همــا السبب..!. استفره مستفهما مرة أخرى، أي هذين الحرفين الضالين..؟ حملق في وجهه مقطبا حاجبيه. وبنظرة ازدراء واحتقار، استشاط غاضبا صارخا : اللعنــة على السيــن ! واللعنـــة على ســوف !. هما سبب استيائي وتعاستي و هلاكي وخلاصي..
كيف ذلك يا سيـــدي ؟
ألست ابن هذا البلد الأميـــن ؟
بلى ، أظننــي لم أفهم قصدك يا سيدي !.
اسمع يا ولدي. إن لبنية هذين الحرفين أساس عميق وممتد، ليس لهما قرار مكين، ولا نهاية محتملة. اســأل النحاة عن عملهما. واسأل الساسة عن توظيفهما؟ واسأل أهل العقد والحل عن تبنيهما ؟ واسأل...؟ واسأل..؟. فتركيبتهما يا ولدي حادة، ويستوجب عملهما الحد. لذا يتم اعتمادهما من قبل كل مسؤول يود الحد من الصرف، الحد من الزيادة ، الحد من التوظيف، الحد من التطبيب ، الحد من السكن..الحد من.. والحد من..إنهما يا ولدي كالأدوات الحادة التي تستعمل في القتل أو النحر أو القطع. خذ السين مثلا: تجد الأدوات المكونة له هي : سيف ، ساطور ،سكين. وكلها أدوات حادة. تحد من استمرارية الحياة وهذا جانبها المادي. أما الجانب المعنوي فتختص به عقيلته سوف التي تأخذ الطابع الخطابي لكل سياسي، حكومي ، نقابي ، اجتماعي، مجتمعي ، أسري، إصلاحي..الكل يعتمدها لتحقيق المراد، ولبلوغ الغاية. هذان الأداتان يا ولدي سبب البلية والأذية. أليس كذلك يا ولدي ؟ بلى. ولكــــــن..! يصيح مقاطعا: لا أريد سماع كلمة لكــن.. هما السبب في بلائنا ، وفقرنا وضعفنا، وجهلنا وفقداننا صوابنا..ألم تسمع أحدهم يقول:
ســـ...نشرع في........؟ !
سوف نعمل على..........؟ !
ســ...نقضي على...........؟!
سوف نحتاج إلى..........؟!
ســ....نزيد في الأ..........؟!
سوف نكـــون...........؟!
س...و..سوف...الحكومة تعد موظفيها بـ .... والمقاولات تعد مستخدميها بـ....ورب العمل يعد الأجراء بــ...... والأب يعد أبناءه بـ.....والأم تعد بناتها بـ......والزوج يعد زوجته بـ.....والزوجتة تعد زوجها بـ........والشاب يعد خليلته بـ......والمعلم والأستاذ يعد طلبته بـ....و.....و......فكل مستعمل للســــين و ســـوف يعــــد ولا يفـــي. فلعنـــــة على السيــــن وأخـــرى لســــــوف...:blow:

مشاركة متميزة اخي نص له معاني و دلالات
دمت مبدعا
لك تحياتي و تقديري

نص ذو بنية ساخرة يبطن نقدا لاذعا لسياسة التملص و التنص من المسؤوليات بأدوات هي في ظاهرها أدوات لغوية لكنها ذات مقدرة خطيرة على تعويم الإستجابة للضرورات الملحة بين التنفيذ و الحفظ, وهذا لا علاقة بما يعرف بسلطة اللغة التي يمارسها الخطاب السياسي في علاقة الحاكم بالمحكوم.
أما س و سوف فهي لا تميت و لا تحيي و إنما تفتح نافذة مشرعة على السراب.
قصة تزواج بين مقاربة الواقع المعيش و خطاب التسويف الممنهج التي تمترسه الدولة على المواطن المقهور.
لغة متماسكة و إن فقدت بريقها في بعض اللحظات إلا أن تماسك السرد و وحدة الحدث جعلها نصا قصصي بامتياز.
لك مني كل المودة و التقدير عبد الكريم