منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   دفاتر الإبداعات الأدبية (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=74)
-   -   سقوط من أعلى البكارة (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=46489)

رشيد البعزاتي 21-12-2008 15:08

سقوط من أعلى البكارة
 
تعج الحياة بالمفارقات العجيبة , والصور المتداخلة والمتشابكة , وجلباب الأب من أكثر الألبسة قابلية لتفجير ألغام التناقضات داخل الأسر , فقد يحدث أن يتوارث ككنز ثمين يحرص لابسه على المحافظة عليه , والضرب على كل يد تمتد لتغير معالم لونه أو شكله , مثلما قد يحدث أيضا أن يمزق في أول فرصة , أو تضعه الخادمة خرقة عند عتبة الباب , فتنهار عروة التلاحم الاجتماعي في شبه انسلاخ وجودي , لا يسلم معتركه من ندوب وحرائق تظل وشما غجريا خالدا , كما وقع ليسار حين أعلن انتسابه للحياة الحداثية بصرخة مدوية وتاريخية في وجه أبيه حين قال له ..
_جلبابك صدقه , فعسى أجره يبني لك بيتا في مملكة وهمك , فان سقط في يدي وأنت فان , فأرحم ما أصنع به عشا رأفة بالفئران.
أطلق الأب تنهيدة الحسرة , ثم رفع يديه الى السماء مناجيا نفسه..
_عديان الله , دوخوه , ولدي ولا كافر.
لم يتفاجأ والد يسار على موقف ابنه المخلخل لجذور الأسرة المتراصة , اذ سبق ولاحظ عليه تغيرات جوهرية تمس عقيدته و سلوكه منذ وطأت قدماه الجامعة , بداية تخلف عن صلاة الفجر بدعوى سهره الليل لمراجعة دروسه , ثم امتدت نيران الكفر لتحرق صلاة الجمعة بمبرر أنه ينام نصف النهار الأول , وانتهى به زورق الالحاد على مائدة الافطار نهارا في رمضان , وحين علت أصوات الاستنكار داخل أسرته , أخبرهم بمنتهى السخرية أن معدته المهمة مريضة , ثم حمل حقيبته بلا رجعة .
مرارا حاول الأب تقويم اعوجاجه , وارجاعه الى جادة الصواب , لكنه لم يفلح فسلوكاته اللادينية كانت مسندة بحائط فكري سميك , وقناعات لا تتزحزح ,وجنة حداثته قادته الى خط اللارجعة , فاختار التضحية برجعية أسرته , لقاء قذف نفسه في دنيا التحرر الانساني والتقدمية وعبودية العقل ,شعاره في ذلك ( كل ما هو صلب يبدد في الهواء) , فأحرق تاريخ عائلته في نفسه ,وبدد رفاتها في الهواء.
في الجامعة ملامح شتى غادية رائحة , حشر بنكهة خاصة , لا حساب فيه , ولا مقص يلاحق الأنفاس , وحده صوت العقل والشهوة يعلو سماءها في تناعم تام , ويمضي يسار مثقلا بأسئلة الوجود , صباحا ينتقل من مدرج لآخر , يدون كل تفاصيل المحاضرات , يناقش ماركس , ينتقد نيتشه, ويحاجج سارتر , وفي المساء تلتف حوله الأعناق مزدحمة اذ يخطب وينتقد ويدين , ف(حلقيته) / محرابه باتت من أكثر المشاهد جدلا ومتابعة , وليلا يسلم روحه لكأس تلفظه على جزر النشوة .
هو ذا يسار قبل أن تنضاف الى اهتماماته براءة ريحانة , الشابة التي أطلقت عليه ذخيرة الحب فأردته منهزما , وفتحت في صدره مساحة للضوء , قالت له يوما..
_تحررت من تراث أجدادك , والآن أدعوك أن تتحرر من عبودية أسيادك.
فأجابها..
_اللعين الوحيد الذي تحررت منه هو يحيى حقي الذي انتصر للوهم على الحقيقة في قنديل أمه الهاشمية.
_وماذا عن العائلة يا يسار ؟
_أوف , كفي عن الحديث عن الأطلال , وهل الأسرة والزواج الا منتهى العبودية.
_ وماذا عني ؟ يتهيأ لي أني مجرد ابرة ترتق أشلاءك المتناثرة في مدن غربتك.
_أعترف يا ريحانة أنك أحلى أسئلتي ,رعشة في كبد الربيع تهزني , حين يتآمر حزن الخريف على أيامي , ماذا أسميك غير صليبي , وطعم التاريخ العسلي.
ومرت الأيام بصخبها وحركتها الدؤوبة , توظف يسار قبل أن ينهي سنته الأخيرة , ودخل عهدا جديدا, بعدها تزوج ريحانة...وفي ليلتهما الأولى بادرته قائلة..
_أرجوك يا يسار , ليلتنا ينبغي أن تمر خارج نقاشاتك البزنطية..
_حاضر ريحانتي , سأنشدك بعضا من قصائدي , ولن أسمح لك بالتعليق.
بصوت عذب أنشد يسار , تتمايل على ايقاعه ضوء الشمعتان المنتصبتان في ركن الغرفة , والورد المصطف بعناية تارة يبتسم وتارة أخرى يعطر شاعرية الفضاء , وريحانة في جلستها الصينية وفستانها الشفاف , تنصت وتتابع المشهد في غيبوبة , وحده صدرها الذي يعلو وينخفض ينبأ بحياتها , ثم استفاقت بين ذراعيه مضمومة مستسلمة...
...قفز مسرعا من سريره , أشعل ضوء الغرفة , أزاح الغطاء , ثم تمعن فيه جيدا , لا أثر لما يبحث عنه , أعاد المحاولة مرة أخرى بدقة أكثر , لكن بياض الوشاح اسود عيناه وصرخ في وجه ريحانة..
_أخرجي أيتها الفاجرة اللعينة..
_اهدأ يا يسار ..سأشرح لك الأمر..
جرها من شعرها بقوة , قذف بها خارجا , ثم أتبعها حقيبتها وأغلق الباب , أشعل سجارته ثم لأول مرة تعبر صورة الأب طريق عينيه فأجهش بالبكاء .

نورالدين شكردة 21-12-2008 18:10

اهلا عزيزي رشيد نصك هذا يفترض في قارئه انه يعرف يحيى حقي وقنديل أم هاشم وبيزنطة واسماء مجموعة من الاعلام الفلاسفة...وهذا غير متحقق في كل القراء وأنا واحد منهم...زد على هذا فالمدخل او التوطئة التي اعتمدتها لقصتك كانت غارقة في التقرير...هذا فيما يخص الماخذات أما غير ذلك فاحييك على قلمك المتميز وتقافتك العالية التي تنفضح من خلال كل النصوص التي اتحفتنا بها في دفاتر ..اما لغتك فلقد سبق وان اخبرتك انه لا يمكن لأي عنزان اخرقان أن يتناطحا حولها ...فهنيئا لنا بك وهنيئا لك بنا وحاول الا تتعب القارئ في نصوصك المقبلة واجعل كتاباتك تحيله على افتراضات كثيرة وترغمه على استحضار تمثلات شتى...موفق بإذن الله

tijani 21-12-2008 19:20

ذكرتني يا أخي بتلك الايام المحمومة ..ايام انتشار الفلفسة الماركسية ..وصولات الالحاد والانكار . يوم كانت الفلسفة تلقى الدعم والتشجيع من الدولة ، في محاولة منها لردع التيار الديني الذي بدا ينتشر سريعا بين الصفوف ، كان ذلك طبعا قبل ان تنعكس الاية وتعود مواد الفلسفة تلقى التضييق ..
قصتك أخي جيدة ..اسلوب متماسك ..احداث مشوقة وتعبير فني كان في المستوى
النهاية صادمة ، أكيد ان بناءه الداخلي كان مهلهلا وضعيفا - أقصد قناعات يسار- وإلا كيف لم يتقبل حالة عروسه ؟ إذا كان فعلا متحررا ..تقدميا ..اشتراكيا ..مناهضا للتقاليد البالية في نظره ونظر من لقنوه طبعا.
الاخطاء جاءت قليلة جدا ، وهذا ينم عن تمكن صاحبنا من اللغة العربية فهما وكتابة :
- أبيه حين قال له ../ يجب وضع نقطتين :بعد قال
- في تناعم تام / لعلك تقصد تناغم ؟
- ينبأ / ينبئ
- بياض الوشاح اسود عيناه بحياتها../ هذه الصياغة غير واضحة المعنى
- أخرجي ../ يجب حذف الهمزة .لان أمر الفعل الثلاثي لايكون بهمزة القطع .


على الرغم من هذه الهنات العفوية ، تبقى القصة قوية بسردها ..بأفكارها..
تحياتي


أبو الخير 21-12-2008 19:57

السلام عليكم.
نص جميل , كلمات مختارة بدقة و عناية فائقتين . أسلوب يريد أن يصرخ قائلا أن كاتبه يملك من المقومات الأدبية و الفكرية و الفنية ما يجعل منه قصاصا متميزا .
أخي رشيد , تقبل مني ملحوظتين خفيفتين أضيفهما لما قاله أخونا tijani:
1
. يتمايل على إيقاعه ضوء الشمعتين المنتصبتين بذل : تتمايل على إيقاعه ضوء الشمعتان المنتصبتان . لأن الشمعتين مضاف إليه و المنتصبتين نعت .
.2
أشعل سجارته فعبرت و لأول مرة صورة الأب ...... بذل : أشعل سجارته ثم لأول مرة تعبر صورة .........
دمت أخي رشيد مبدعا.

مريم الوادي 21-12-2008 20:04

والله ياأخي نصك فوق كل تعليق
القراء على المنتدى متنوعون ومتعددو المواهب والإطلاعات حسبك أنت أن تكتب ما تحسه واترك القارئ يسبح في عوالم فهمه حسب مستواه.
نحن لا نبحث عبر الكتابة إلى إرضاء اللقارئ، ولكن نبحث عن إرضاء أنفسنا وإشباع حاجتنا.طبعا مع وضع القارئ في الحسبان.
تحياتي لك
تقبل مروري


الساعة الآن 04:12

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها