منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   دفاتر الإبداعات الأدبية (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=74)
-   -   العبور أو الاستشهاد (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=47548)

محمد معمري 27-12-2008 14:33

العبور أو الاستشهاد
 
العبور أو الاستشهاد


لم يتجاوز آنذاك الثمانية عشرة سنة من عمره، كانت أفكاره تمر عبر السواحل العريضة لذاكرته، وترسو في ميناء رفاهية الأحلام البعيدة...
أمام تلك الأحلام وقف سعيد صحبة أصدقائه الثلاثة في ليلة مليئة بالخيال يخططون لعبور جهنمي نحو حياة الرفاهية التي توجد خلف البحر... تقرر العبور في يوم معلوم...
منذ هذا اليوم وسعيد يعيش في أوهام ذات بعد وحماقات ومجازفة: إي والله، تذكرت إني في حاجة إلى المال!.. يركب سيارته الفخمة.. يقف أمام "الشباك الأوتوماتيكي".. يسحب مبلغا كبيرا من المال.. في هذا الحي الراقي سوف أبني لأسرتي منزلا كبيرا.. أجهز لأبي متجرا بالمواد الغذائية كي يستعين بمدخوله المالي على مصاريف إخواني.. وسوف أبني كذلك "يلا" على شط البحر، تكون فيها حديقة مليئة بالزهور الجميلة حيث أستريح لأشرب كأس شاي مع زوجتي وأطفالي...
بعيدا عن هذا الحلم الدافئ، يركب سيارته الوهمية مرة أخرى صحبة الأصدقاء والصديقات ويأخذ الطريق نحو أجمل شاطئ في طنجة، لا، بل أغادير.. تارة يناوش نفسه، وتارة يتشاور مع أصدقائه: أي شاطئ يحلو لكم؟..
كم كانت أمه تحركه بين الفينة والأخرى، أي بني، تبدو لي غير عادي في هذه الآونة الأخيرة، ما بك يا ولدي؟!
إني على أحسن ما يرام أماه! وسأكون أفضل بكثير متى مسحت خريطة هذا البلد من ذاكرتي.. أجابها. أمه المسكينة لا تنصحه سوى بالصبر حتى تأتي ساعة الفرج...
حلت ليلة العبور، وفي قارب الموت ركبوا مع مجموعة تفوق الستين فردا.. في سكون الليل ووسط البحر والظلام المرعب، كان سعيد يناوش نفسه: لئن عبرنا أقول أن اليخت أوصلني، والبخت تسامى بي إلى أعلى مكان من الرفاهية والسعادة التي طالما وأنا أحلم بها في اليقظة والنوم... بينما هو هكذا حتى توسط القارب البحر فإذا بالربان يقلب القارب وتسلل عوما نحو مكان معلوم حيث ينتظره شركاؤه...
لم ينج من الضحايا سوى سعيد الذي بات علقا كالعلقة في خشبة القارب، والخوف يمزق أحشاءه، وهو يدعو الرحمن لينجيه من الغرق... حتى أنقذته البحرية في الصباح الباكر في حالة مزرية، فاشلا مسترخيا، كاد أن يموت بالخوف والبرد القارس الذي غير لون لحمه إلى اللون الأزرق.. ليلة مرت عليه كأنها ألف سنة من العذاب الفريد من نوعه، لا أحد يتقدم لنجدته، بين الفينة والأخرى تصعد جثة بجانبه فتزيده رعبا على رعب، وتارة يسمع صوت الدلافين وهي تقفز وتغطس بقوة في الماء، سعيد لا يدري أهي دلافين أم سمك القرش؟ كل صوت يرعبه، كل موجة تلتطم به، تجعل حلقه يجف ويزداد نبض قلبه...
عاد سعيد إلى البيت وهو يحادث نفسه المرهقة: الآن أدركت أنه يجب علي أن أخدم وطني ومن أجل وطني.. لماذا أنكرت وطني هكذا؟ لماذا أنكرت طهارته، وكبده... لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لا لا لا - صرخ بأعلى صوت - سامحني يا وطني سأخدمك حتى الموت ولو بجر العربة.


بقلم: محمد معمري

الزبير 27-12-2008 17:37

بارك الله فيك على النص وترجمته التي ابدعت فيها
فحياك الله على نشاطك وأدام لك الصحة والعافية

محمد معمري 28-12-2008 11:47

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الزبير (المشاركة 332045)
بارك الله فيك على النص وترجمته التي ابدعت فيها


فحياك الله على نشاطك وأدام لك الصحة والعافية

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم الزبير، أشكرك عل اهتمامك، ومشاعرك الطيبة، كما أحيي فيك روح المبادرة والكلمات التي تبعث في نفس الإنسان روح التشجيع...
مودتي وتقديري.

أبو المعاني 28-12-2008 12:11

بت أرقب مشاركاتك القيمة التي استفدت منها كثيرا.
شكرا لإبداعاتك الثرة والجميلة.
تحياتي وتقديري

محمد معمري 28-12-2008 20:17

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو المعاني (المشاركة 333461)
بت أرقب مشاركاتك القيمة التي استفدت منها كثيرا.

شكرا لإبداعاتك الثرة والجميلة.

تحياتي وتقديري

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم أبو المعاني، أشكرك على اهتمامك ومشاعرك الطيبة، وشكرك...

مودتي وتقديري


الساعة الآن 11:22

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها