منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   دفاتر الإبداعات الأدبية (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=74)
-   -   قراءة في الأسماء المستعارة (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=238430)

nasser 20-08-2019 17:46

قراءة في الأسماء المستعارة
 
قراءة في الأسماء المستعارة


19 أغسطس 2019

ما المقصود من لجوء بعض الكتّاب والشعراء إلى نشر إبداعاتهم بأسماء مستعارة، ولا يكون ذلك بدافع الرقابات وهواجس المنع؟(*).
عند المرور المتأني على ما نعرف من أسماء، أجدُ أنَّ خلف كلِّ واحد منها سبباً مختلفاً لاختلاف الظرف، والسياق، والنِّيَّة - بمعنى القصد. عربيّاً، وحصراً في الراهن المعيش واختصاراً، نرى السوري علي أحمد سعيد إسبر قد اختارَ لـ"هويته" الإبداعية إسم أدونيس، وذلك لداعٍ ليس هو ما دفعَ كُلاً من الأردني يحيى النميري النعيمي ليتخذ من أمجد ناصر اسماً ثابتاً لكتاباته، أو الفلسطيني داود الزاوي ليصبح زكريا محمد الذي فعلَ الأمرَ نفسه، وفي التوقيت ذاته، والمكان الجديد المُرْتَحَل إليه عينه (بيروت). غير أنّ الفرق بين الأوّل والإثنين يبدو واضحاً منذ اللحظة الأولى: فالأوّل قصدَ اللجوء إلى الاسم بوصفه رمزاً وعلامة للموت والبعث، أسطورة ميثولوجية ذات منشأ سوري، حين انتسب للحزب السوري القومي الاجتماعي، وبالتالي أحالنا على مرجعية ثقافية حضارية ذات عُمقٍ تاريخي! بينما عمل الاثنان على "التمويه" – ربما، والخروج إلى العَلَن بأولى مجموعتين شعريتين باسمين جديدين عاديين عابرين، لا يشيران إلى حالةٍ خاصّة أو يلفتان إلى حَدَثٍ معروف! والمشترَك الجامع للثلاثة يتمثّل في أنهم باتوا جميعاً، منذ كتبهم الأولى، "ملتصقين" بالمُستعار عنواناً، وحالةً راسخة عامة، ومقروءة، من دونه يتحوّلون إلى "مجهولين" إذا ما عدنا إلى أسمائهم في بطاقات أحوالهم المدنية وجوازات سفرهم!
وهكذا صارَ المُستعارُ الطارئ هو "الهوية" الثابتة، وتنحّى الأصلُ ليصبحَ مجرد معلومة خاصّة لا تعني شيئاً لدى القرّاء! كأنَّ ميلاداً ثانياً قد حدثَ لكلِّ واحد منهم، لحظة إشهاره لاسمٍ جديد تعريفاً له وتأطيراً لـ"صورته"، أما شهادة الميلاد الرسمية القديمة كوثيقة؛ فورقة مصفرّة داخل ملفات العائلة!
اللافت في المثال أنَّ إسبر دفعنا، في لحظة النطق باسمه المستعار، للعودة إلى حكاية أدونيس وتأملها، وتقصّي ملامح هذه الشخصيّة المتخيلة في كتاباته. أو أنه أراد منّا قراءة تقاطعاته، أو تماهياته (شخصاً وإبداعاً) مع الأسطوري وحيوية الرمز فيه. أو تهيأ، ببساطة، للوقوف نِدّاً مجازياً للآخر، شاعراً معاصراً يُلقي التحيَّة على "أسطورة" أوحَت بعشرات القصائد والأعمال
"السوري علي أحمد سعيد إسبر اختارَ لـ"هويته" الإبداعية إسم أدونيس، وذلك لداعٍ ليس هو ما دفعَ كُلاً من الأردني يحيى النميري النعيمي ليتخذ من أمجد ناصر اسماً ثابتاً لكتاباته، أو الفلسطيني داود الزاوي ليصبح زكريا محمد" الفنيّة عبر العصور، ومن فوق "قِمة" الإلهام الأوّل ذاتها! طموحٌ عالٍ ومُعْلَن لا يُخفي صاحبَه بقدر ما يشدّد على حضوره ويؤكدّه، وإنْ من وراء قناع الاستعارة!
أما يحيى وداود، فعلى النقيض من إسبر؛ إذ قاما بتنحية الإسم/ الأصل فور خروجهما من الجغرافيا الأردنية، واتخذا لشخصيتيهما إسمين لا يشيران إلى أي "افتخار" بمرجعية تاريخية، أو يلتحقان بنَسَبٍ استثنائيّ قِوامه الأسطورة، أو يُعلنان عن إلهاماتٍ قادمة يحققانها! مجرد أمجد ناصر، مجرد زكريا محمد! ومن هذين الاسمين المتقشفين، العاريين من أي لُبوسٍ يملك وَهَجَاً في الذاكرة الثقافية، أو ارتكازٍ إلى رمزٍ له دلالة مؤثرة، انطلقا لينجزا قصائد وكتاباتٍ ونصوصاً جعلَت من التقشف علامةً تُضاء بذاتها، ومن العُري كِساءً بطّياتٍ وطبقات، ومن الرجلين وصورتيهما الشيوعَ والامتدادات المرتجاة لأيّ شاعر! وإذا كان ثمّة مشقة واجهت الإسم المستعار وصاحبه؛ فإنها لا ريب مشقة الإسم الذي يبدو أنه لا يعني شيئاً لأيٍّ كان، ثم، مع المراهنة على الوقت والإصرار الإبداعي والاختلاف، يكتسبُ الإسمُ معناه وتاريخه.. ومن داخله هو!
* * *

"لعبة الأسماء لعبة ثقيلة"، هكذا وصَفَتْها صديقةٌ كاتبةٌ أثناء حوار بخصوص ما أنا بصدده، قاصدةً أنها لُعبة جادّة وليست عَبَثية. أوافقها، وأشدد على أنَّ لهذه "اللعبة" استبطانات واستنباطات معاً. فأنْ تختارَ اسماً ما، معلوماً أو مجهولاً، إنما يتأتى عن وعي قِوامُه إما محو الدلالة، أو تأكيدها. فالاسم المتقشف يشير إلى ضَرْبٍ من هَجْر الماضي، إلى بداية جديدة، إلى ولادة ثانية، إلى انبتات، إلى كتابة تاريخٍ شخصيّ يُسْطَرُ للتو، إلى فضاءٍ غير موثوق. وهذا، بكلِّ أجزاء المعنى، يدفعنا لأن نستنبطَ (نستنتج) مفهوم الحرية في الفعل نفسه، وأن نستبطنها

"فرناندو بيسوا عملَ على استنطاق التعدد العميق في ذات كلّ مثقف لا يقيني (وإنه كذلك)، وكتابة تلك الطبقات باسم مستعار متقشف، غير قانعٍ بهذه "الذات الواحدة" لأنها، في الحقيقة، لا ترضيه ولا تكفيه"
(نقرأ أعماقها) متتبعين لها في الكتابات الآتية من صاحب الإسم.. أو محاولته ذلك، عبر نصوصٍ مفارقة. غيرَ أننا سنغالط إذا ما رأينا العكسَ، أو النقيض، في الاسم المغتني بالدلالة القارّة والمستند إليها (خاصةً في ما يتعلق بأدونيس)؛ إذ كانت مسيرته بمجملها حالةَ خروج عن المألوف، ودخولٍ في اشتقاقات شعرية خاصة به. والفرق، هو مواصلته ترجمة رمزية الاسم الماثلة في "الموت والبعث" – كأنما يقول بانبعاث الجديد من القديم على يديه، ليفارقه ويختلف عنه.. وربما معه!
نعم، "لعبة الأسماء لعبة ثقيلة"، وخاصةً عند معاينتها لدى البرتغالي فرناندو بيسوا المُركَّبة، الذي أحالها إلى ما يشبه المتاهة أو اللغز؛ وذلك حين احتفظ باسمه الصريح ناسباً إليه العديد من نصوصه، الشعرية والشَذَرية وسواها، الناقصة في كثيرٍ منها وبلا اكتمال، لكنه اشتقَّ لسواها من نصوص كثيرة وطويلة ثلاثةَ أسماءٍ مستعارة! ثلاثة أسماء متقشفة خلقَ منها "أنداداً" له، ونثرها في كل مكان! في ما نشرَ، وفي حقيبته المكتظّة بمخطوطاته التي تركها دون نشر! أسماء ثلاثة وبلغات ثلاث: البرتغالية، والفرنسية، والإنكليزية! وإنها لحالةٌ فريدة حقاً وغريبة تستدعي تأمل الشخص/ بيسوا، بقدر ما تدفعنا للحفر في نصوصه، والأخرى بأسماء أنداده. واحدٌ في أربعة! أكانَ يقوم بتوزيع "ذاته" بينه وبين الأنداد على التوالي: ألبرتو كاييرو، وريكاردو رييس، وألبارو دي كامبوس.. وثمّة آخرون أقلّ شهرة؟
إنَّ ما أجده منسجماً مع رؤيتي الشخصيّة، هو أنَّ فرناندو بيسوا إنما عملَ على استنطاق التعدد العميق في ذات كلّ مثقف لا يقيني (وإنه كذلك)، وكتابة تلك الطبقات باسم مستعار متقشف، غير قانعٍ بهذه "الذات الواحدة" لأنها، في الحقيقة، لا ترضيه ولا تكفيه - إذ نجده يقول على لسان برناردو سواريس في "كتاب اللاطمأنينة":
"كُلٌّ منا متعددٌ، كثيرٌ، وفرةٌ من الذوات".

خادم المنتدى 20-08-2019 21:06

شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك.
-**************************-

nasser 21-08-2019 14:52

http://www.karom.net/up/uploads/13256128161.gif


الساعة الآن 21:49

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها