منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   القصص والروايات (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=75)
-   -   جــيــلالــيــات (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=25663)

نورالدين شكردة 01-09-2008 14:01

جــيــلالــيــات
 
جــيــلالــيــات


مجلولة 1 :
الصمت و الهدوء يلفان الأزمنة و الأمكنة و الشخوص .
استيقظ " الجيلالي " متوجسا و جسده يتصبب عرقا ، تأمل بغباء و رهبة خرساء ألوان الظلمة المحيطة به ، و تذكر أنه استهلك ليلتها آخر عود ثقاب ، و آخر شمعة و هو يتذوق روعة حبكة لجنة " صنع الله " و يختتم متأسفا لوعة دنيا إله " الكيلاني " عاد و تناوم ، انكمش تحت غطائه و جاهد كي لا يترك منفذا يسمح بمرور أيادي الظلام .
أحيانا يتوجس من صوت أنفاسه و هي تتلاحق ، من خفقان قلبه و هو ينقبض و من سريان الدم في شرايينه . امتداد البصر تحت الفراش جد قصير ، و في عمق العتمة تراءت للجيلالي أطياف و أرواح الموتى و الجن و العفاريت ، و أقسم النوم ليلتها ألا يعرف طريقا إلى مقلتيه ...
مجلولة 2 :
كنت لا أمكث يوما عند جدتي – رحمها الله – بكوخها القروي المتواضع ، حتى أقرر العودة لمدينتي . و كانت المشمولة برحمته تستجديني أن أطيل إقامتي معها ليـوم أو يومـين آخرين ، لكنني اعتدت الرفض و التصميم غير مبال بتوسلاتها و إغراءاتها . مازحتني يوما : " وليدي دبا يلا حكمـوا عليـك تعـيش فشـي دوار طـول حـياتك ، شنـو غاديـر ؟ لـم أرد عليها ؛ لاستحالة و قسوة التصور ، و لم أكن أدري أنها عن غير وعي ؛ كانت تقصد بسؤالها ما يلي : وليدي دبا يلا وليتي معلم ... ؟ و لقد " وليت " حقا معلما . و ها أنا ذا أعيش أصولي الحقيقية ؛ متأخرا عنها بعشرين سنة ، معوضا الدوار في خصاص أبي الذي هاجر للمدينة صغيرا من أجل هدف نبيل لم يكن يتوقعه . و هو إرسال أحد أبنائه للمساهمة في الحد من هجرة أصدقائه و أبناء أصدقائه .
مجلولة 3 :
تستهويني تلك اللحظة التي أرخي فيها العنان لمخيلتي لتشكيل الغيوم كما أشاء ، قطيع مشوي من الغنـم ، عـذراء عاريـة ، كعـكة ، أمـي ، حوالـة ، أو أي شـكل آخـر مسـتفز لأحاسيـس محرومة . كما اعتدت خلال لحظات سأمي القصوى مسابقة ظلال الغيوم ، و كنت الخاسر دائما ، فبدء تجاري الغيمة إيقاعاتي ، لكنها سرعان ما تتركني وراءها لاهتا ، متجاوزة فجا أو هضبة أو كتلة من الصخور في لمح البصر .
أردت أن أتباهى أمام أحد المعلمين القدامى خلال لقاء تربوي جمع بيننا ، فأخبرته متحمسا بأنني أسابق الغيوم ، و بأنني لمست غيمة بيدي و تذوقت زبدها ، ملمحا إلى مدى علو منطقة عملي . ابتسم المحترف بمكر و دهاء و علق متهكما : أنا من فرعيتي تبولت على غيمة !!!
مجلولة4 :
كان سيعد يوما مشهودا لو سار كما خمنت ، و لو توفـرت أدنى شـروط العمل و العيـش و التواصل . و كان سيؤرخ لميلاد مرحلة جديدة في حياتي ، و انخراط نهائي في مسيرة مهنية راشدة ، لولا أن مفاهيم و تسميات الأعمار و الأزمنة في وطننا تعرف تداخلا و امتدادا و تمطيطا لكل مراحلها ، و لولا ( ... ) .
ففي السابع عشر من شتنبر إحدى أواخر سنوات الألفية الثانية ، استفقت على غير عاداتي لأجد نفسي بين عشية و ضحاها و سنتين ، موظفا قابعا بين أخاديد ثان أعلى قمة جبلية في المغرب ، توضأت ، صليت ، تناولت طعام إفطاري ، و مارست طقوس الاستهلال في أول أيام العمل الرسمي ، و لم أكن أدري أنها سنكون آخر مرة . خطوت مبسملا و متيمنا على عتبة باب القسم ، وجدت المادة الخام لوظيفتي في انتظاري ، حييتهم تحية الإسلام ، تأملتهم حفاة ، أنصاف عراة ، يعلو الوسخ و الإهمال و الجوع و الحيرة و فرح خفي محياهم ، اقتربت منهم صافحتهم و داعبتهم واحدا واحدا ، عدت لمكتبي ، واجهتهم ، ابتسمت في وجوههم ، لم يتجاوبوا مـع الابتـسامة و اكـتفوا بـدورهـم بتفحصـي صامتـين ، قـصـدت أحدهـم بالسـؤال : ما اسـمـك ؟ و لم يـرد ، لأنه لم يفهم ما قلت ، و لأنه لم يعتد أن يسأل عـن اسـمه بدارجـة أو فـصحى عربيتين ... انصرفـوا بعـد ساعتـيـن من اللاتواصل و التـيه و محاولات فاشلـة لـخلق لغـة بديلـة للـتفـاهم و التوافق . اقتعدت محبطا كراسي طاولاتهم ، مشطت خشبها شبرا شبرا ، و لم أعثر

على كلمة واحدة ذات معنى ؛ خطوط منعرجة و مستديرة ، علامات و أشكال فريدة ، طلاسم يصعب فك معانيها . و تذكرت أنني كنت أمضي نصف حصص الدروس التطبيقية خلال سنتي التكوين في قراءة جرائد التلاميذ الخشبية ؛ إشارات ، إحالات ، رسائل و رسوم ...و كدت أرفع الراية البيضاء ...
أسابـيع قلـيلة بعـد ذلـك ، تمـكنت خلالها من بـعض أبجديات أو لنقل أمزغيات لهجتهم ، و تمكنت أكثر من كسب حبهم و ألفتـهـم و الاقـتراب من هواجسهم و ملكاتهم . و بدوام المحاكاة و الإيماءات وسيل مضبوط من الكلمات و المصطلحات ، بات من الواضح أن المدرسة المغربية بحملها للواء التعميم و التعريب تكون قد أدت – نسبيا – حقا الوظيفة المنوطة بها على أكمل وجه و أن الدولة مصيبة و حكيمة في غاياتها المسطرة . و صار من الضروري أيضا تنظيف طاولات تلاميذي كل شهر .
مجلولة5 :
" الكميلة " عالم جديد اقتحمت غماره لأول مرة بعد تهجيري من منزل العائلة ، كنت أعود من المدرسة أو من الحي أو من الملعب لأسأل عن حصتي المحفوظة من الوجبات المعتادة .الآن فقط اكتشـفت أن تلـك الأطبـاق اللذيـذة التـي كنـت أبـدع في التهامـها و النبش عنها في الأدراج والأركان ، لم تكن في البدء سـوى خضراوات نيئـة و مـاء و توابـل ، و أن البصل عندما يقـشر يرغـم العـين على ذرف الـدموع . عشية يوم مـمطر ضبطت عشيري و زميلي في المهنة و هو يخلط بين دموع البـصل و دموع الحنين و الألـم ، و بيـن زيت المائـدة و زيت البطارية .
مجلولة 6 :
أذكر جيدا ذلك الألم الذي كان يخلفه ارتطام العصا براحة اليد ، و أستحضر بصدق لحظتئذ مشاعر الخوف و الرهبة ، و تلك الرعشة الشاملة التي تحل بالبدن هنيهات قبل العقاب .
كما أذكر جيدا ذلك الاستصغار و إهانة النفس اللتان أرمق بهما ذاتي و يرمقني بها زملائي ساعة رجوعي لطاولة جلوسي باكيا ، مرتجفا ، غارقا في الحياء ... و أحيانا في البلل ... أعتقد أن شخصيتي غير المتزنة راهنا ، ما هي إلا نتاج لكثرة ما ارتطمت بها الأشياء الصـلبة الموجعة . و أجزم أن غياب توازن مستقر بين شعوري و لا شعوري إنما هو نتيجة حتمية للأرجحة المتشنجة التي كنت أرغم على تقمصها ساعة العقاب ...
شاءت الأقدار أن أكون تلميذا تعيسا لمدة عسيرة من الزمن امتدت لثلاث سنوات من القمع و من دراستي الابتدائية لدى الشهيرة " محجوبة ." فزاعة حياتي كما أسميها أو محجوبة

المحبوبة كما كانت تسمي نفسها ، أو محجوبة المجنونة كما كان يجيب تلامذتها كلما سئلوا عن اسمها . مخلفات تربيتها الفريدة لم تنمح من ذاكرتي قط ، و لم أوفق على مر مشوار حياتي الطويل أن أجعلها تبرح حركيتي الإرادية و حساسيتي الشعورية ، بل و كل أوجه تمظهر شخصيتي … حاليا و في سني المتقدم هذا تنتابني لحظات حزن و هلع مفاجئة ، فأسترسل في التداري و الاحتماء و الاستجداء … و مما ألفته و عهدته في نفسي و عهده أصدقائي بي أن يمد لي أحدهم كفه بغتة لمصافحته فأمد له كفي مفتوحتين و دونما شعور انتظارا لعقابي …

عبد العالي الرامي 01-09-2008 14:19

مشكور على هذه القصة

أمة الرحمن 01-09-2008 23:31

دخلتي مجهد االسي نور الدين تبارك الله عليك
اتمنى لك العطاء الدائم

نورالدين شكردة 02-09-2008 10:14

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمة الرحمن (المشاركة 182929)
دخلتي مجهد االسي نور الدين تبارك الله عليك
اتمنى لك العطاء الدائم

كيسميوها الدخلة ديال *****يم كاتكون رابحة ب واحد لزيرو فلبدو دلماتش وفالشوط الثاني كتصدق خاسرة ب سبعطاش لواحد
تحياتي أختي أمة الرحمان

hanane81 02-09-2008 22:13

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة noureddine31 (المشاركة 183025)
كيسميوها الدخلة ديال *****يم كاتكون رابحة ب واحد لزيرو فلبدو دلماتش وفالشوط الثاني كتصدق خاسرة ب سبعطاش لواحد

حاشا و اش تكون خاسر و أنت بهاذ المستوى:icon30:، لا يسعني الا أن أقف وقفة اجلال و اكرام لك و لجيلالياتك التي تنتابني أحاسيس كلما قرأتها بأنك تطلع على بعض من مكنونات نفسي و مختلجات خاطري، شكرا لك على تلك اللذة التي أشعر بها كلما ارتميت ببحر كلماتك.
تحياتي.rs5



الساعة الآن 03:06

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها