منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   الصحة النفسية (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=201)
-   -   الصحة النفسية للمدرس (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=116210)

instituteur2 26-06-2011 10:55

الصحة النفسية للمدرس
 
التدريس مهنة صعبة وشاقة وذات تأثيرات فورية خطيرة على الصحة النفسية للمدرسين، وهو الأمر الذي يسهُل رصده بناء على عدة مؤشرات، منها تزايد عدد المدرسين الذين يتم إعفاؤهم من مهامهم كل سنة، نتيجة تدهور حالتهم العصبية والنفسية، والذين تجاوزوا في السنتين الماضيتين 002 حالة في كل سنة، ثم تزايد عدد المدرسين المصابين بأمراض فيزيولوجية مزمنة، نتيجة لأسباب نفسية، كالضغط والسكري وباقي الأمراض الأخرى المرتبطة بالاضطرابات النفسية، وهي كثيرة، ثم العدد الكبير من المدرسين الذين قدموا طلباتهم للمغادرة الطوعية قبل خمس سنوات.. والمفارقة هي أن معطى الضغوطات النفسية المرتبطة بالمهنة تعتبر موضوعا يوميا عند المدرسين ويشكل لديهم مصدر قلق كبير، لكنه لا يحظى بأدنى اهتمام من الوزارة الوصية وكذا من طرف النقابات. صحيح أن المجتمع المغربي، شأنه شأن كل المجتمعات العربية، التي ما تزال متخلفة جدا في التعامل مع الصحة النفسية، إذ تقابله بالكثير من النكران والتعتيم، مكتفية، في المقابل، بأحكام القيمة عن الاضطراب النفسي والعصبي، وصحيح أيضا أن الخصائص السيكولوجية للمدرس، بعموم الصفة، تجعله غير قادر على التعبير الصريح والشفاف عن مشاكله النفسية التي يعانيها جراء ممارسته مهنته الصعبة، معتقدا أن هذا الاعتراف هو إعلان عن الفشل في مهمته، إلا أن الحقيقة التي ينبغي أن نعيها جميعا ونبوح بها، استدراكا لنزيف الوضع، هي أن مهنة التدريس، في ظل متغيرات المجتمع والمدرسة المغربيين، أصبحت تسبب إ****ا نفسيا وعصبيا هائلا للمدرس، ومخطئ من يعتقد أنه في مأمن من الاضطرابات النفسية والعصبية الناتجة عن ممارسته هذه المهنة، ومخطئ أكثر من لا يعتقد أننا، كمدرسين، في حاجة إلى متابعة نفسية مؤسساتية دائمة، فنحن إزاء مهنة مُجهِدة ومتعبة، وهذا ما سنقف عند بعض ملامحه في هذا المقال.
إن المدرس هو الموظف الوحيد التي تتعرض حياته الشخصية لانتهاك واضح من قبل حياته المهنية، لما تتطلبه من جهد كبير في البحث والإعداد الذهني والكتابي القبلي للدروس والتقويمات، ناهيك عن النزيف النفسي للتصحيح، فوفق إحصاءات رسمية، يناهز عدد الساعات الفعلية التي يمارس فيها المدرس أنشطة مهنته الخمسين ساعة أسبوعيا، فما لا يعرفه عامة الناس، الذين يحسدون -عن جهل- المدرس على «راحته»، هو أن العمل الحقيقي للمدرس لا يتوقف بمجرد مغادرته الفصل الدراسي، بل يبدأ منه، وفي العملية الحسابية البسيطة التالية يظهر الأمر بجلاء: لنأخذ عملية إنجاز فرض محروس واحد لمستوى واحد يبلغ عدد تلاميذه خمسة وأربعين تلميذا، فهو يتطلب ساعتين على الأقل من الإعداد القبلي، خاصة مع التطورات الجديدة التي فرضتها بيداغوجيا الإدماج، وقد تتجاوز عملية التصحيح عشر ساعات لتصحيح أوراق هذا القسم، أي بمعدل ربع ساعة للورقة الواحدة، مع العلم أن هناك مواد تتطلب الورقة الواحدة فيها مدة مضاعَفة. وإذا كان لهذا المدرس مستويان على الأقل، فإن الزمن يصبح مضاعَفا، أي بإضافة 21 ساعة أخرى. وإذا كان لهذا المدرس ثلاثة أقسام عن كل مستوى، على الأقل، لأن أغلب المدرسين في التعليم الثانوي التأهيلي يُدرّسون ما فوق خمسة أقسام، فإن عدد الساعات التي يتطلبها فرض واحد في دورة واحدة تتجاوز الخمسين ساعة، دون احتساب ساعات العمل في الفصل ودون الحديث عن الأنشطة الأخرى التي أضحى المدرسون مجبَرين على أدائها، كالحضور في مجالس التدبير والأقسام والمجالس التعليمية واللقاءات التربوية ولقاءات التكوين المستمر...
هذا فقط حديث عن ضغط ساعات العمل، والذي يمتد بأضعاف إلى الحياة الشخصية للمدرس، فإذا أضفنا إلى هذا ضغط الاكتظاظ في الفصول، والتي بلغت -ولله الحمد- مع البرنامج الاستعجالي خمسين تلميذا، وضغط الإدارة، التي لا تتردد في توجيه استفسارات لمن لا يحضرون المجالس المختلفة للمؤسسة، والتلاميذ المراهقين، الذين يعتبرون الفصل فرصة للتعبيرات المختلفة عن مراهقتهم، والمفتشين، الذين يطالبون المدرّس بجذاذات مختلفة، والآباء الذين يحاسبونه على «الفاصلة والنقطة».. أضف إلى هذا مطالب أخرى تحثه على أن يكون منشطا للحياة المدرسية ومؤمنا للزمن المدرسي وكفيلا ومنصتا للتلاميذ ومتواصلا مع الآباء.. فيكفي أن تنضاف إلى هذه الضغوطات ضغوطات اجتماعية وأسرية أو اقتصادية لنحصل -بالضرورة- على مدرّس /ضحية اضطرابات نفسية، كالاكتئاب والقلق والإ**** النفسي والاستحواذ النفسي والشعور بالاضطهاد.
فالمدرس مطالَب بالقيام بأعباء وأدوار متعددة تفوق إمكانيات أي فرد، فالجميع يقوم بتقويمه، بدءا من المدير والمفتش والنائب الإقليمي، وصولا إلى التلاميذ والآباء، ولا أحد من هؤلاء قادر على تفهم قلق المدرس وإ****ه والضغوطات الممارَسة عليه.. كم هو غريب أن يُطلَب منه أن يراعي الجوانب النفسية للمتعلم، ولا أحد من هؤلاء يراعي جوانبه النفسية هو !..
إن الحاجة ملحة، اليوم، إلى أن يوضع معطى الصحة النفسية، سواء من حيث الوقاية أو المتابعة أو العلاج، على رأس المطالب النقابية، فما قيمة ترقية إدارية أو زيادة مالية لمدرس إن كانت ستنتهي في خزانة طبيب نفسي وصيدلي؟!...


الصحة النفسية للمدرس (المصطفى مرادا)


الساعة الآن 15:12

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها